تحوَّلت إمكانية التوصّل إلى تفاهم إيراني – أميركي حول البرنامج النووي الإيراني وتحرير جزء من أصولها المالية، إلى قضية مركزية لدى مؤسّسات التقدير والقرار السياسي والأمني في كيان العدو، وامتداداً لذلك احتلّت هذه المسألة أيضاً عنواناً رئيسياً للعديد من التحليلات على ألسنة الخبراء والمُعلّقين. وحضرت بقوة لجهة أنّها تتّصل بأولى أولويات الكيان المؤقت وحكومة نتنياهو تحديداً.
اعتبارات ومواقف متضاربة
ان المصلحة الرئيسية للكيان الصهيوني تقتضي بتجريد ايران من قدراتها النووية ولذلك من الطبيعي ان تكون كل التقديرات والمواقف الناتجة عنهم تصب في هذه المصلحة.
ويرى مؤيّدو الطرح المتداول عن صيغة تفاهم تقوم على أساس تجميد مقابل تجميد، أو “أقلّ مقابل أقلّ”، أنّ الأولوية في هذه المرحلة لكبح استمرار تطور التخصيب الذي أصبحت المدة الفاصلة عنه 12 يوماً من لحظة اتخاذ القرار بحسب رئيس أركان الجيوش الأميركي مارك ميلي. ونظرا لعدم استعداد الولايات المتحدة لخوض مغامرة عسكرية وعدم قدرة الجيش الصهيوني على تاخير البرنامج النووي الايراني حتى بضربة عسكرية.
كلّ ذلك يرى فيه هؤلاء أنّ الخيار الأقلّ سوءًا وخطورةً في هذه المرحلة يتمثّل في التكيّف مع المسعى الأميركي ما دام يحول دون انتقال إيران إلى رفع مستوى التخصيب إلى 90%.
في المقابل، فإنّ معارضي الاتفاق ينطلقون من مجموعة اعتبارات ومخاوف. حيث أن الكيان الصهيوني يرى في امتلاك إيران أيّ قدرات نووية وعلمية تهديداً وجوديا له، وما يزيد مخاوفه أيضاً أن يكون هناك تكيّف وتسليم دولي – أميركي بهذه القدرات.
“اذا كان هناك خطط اسرائيلية لاعاقة كل البرنامج النووي الايراني اي تصفية قدرة ايران على العمل في هذا المجال كليا وتدمير كل المنشآت الايرانية فلا يوجد خيار من هذا النوع ويجب ان نقول ذلك صراحة للجمهور وعدم ايجاد توقعات لا يمكن ان نحققها”
ايهود اولمرت رئيس وزراء العدو السابق 01/06/2023
محدودية التأثير الصهيوني
تبدو معارضة الكيان الصهيوني الرسمية حتى الآن للتفاهم المفترض دون ما هو معهود من الخطاب السياسي لنتنياهو فيما يتعلّق بالموقف من النووي الإيراني. وهو أقرب إلى الموقف النظري منها إلى الخطوات العملية. وفي هذا المجال، نقلت العديد من التقارير الإعلامية الصهيونية عن نتنياهو إقراره بمحدودية تأثير الكيان على مسار الاتصالات بين واشنطن وطهران، وينسحب هذا الموقف أيضاً إلى المنظومة الأمنية التي نقلت تقارير إعلامية عنها نفس التقدير.
يعود هذا الإقرار إلى نوعين من العوامل. الأوّل، أنّ الاعتبارات الحاكمة على الموقف الأميركي تتّصل بمصالح عالمية مباشرة. وبأنّ التورّط في مواجهة إيران سيضرّ بالاستراتيجية الأميركية التي تركّز على أولوية مواجهة روسيا والصين.
الثاني، تردي العلاقات بين بايدن ونتنياهو على خلفية الأزمة الداخلية التي تتفاعل نتيجة قرار الأخيرة إحداث تعديلات قضائية جوهرية بما يسمح لليمين الجديد والأصولية اليهودية من إطباق السيطرة على النظامين السياسي والقضائي. وهذا ما تعارضه الإدارة الأميركية الحالية بقوّة.
“نحن موجودن في داخل بنك الاهداف الايرانية كدولة منذ العام 1979 في لائحة الخميني. لقد بذلت الكثير من الجهود في مواجهة البرنامج النووي الايراني لكن الموضوع الان لم يعد له اي قيمة”
عيدو نحوشتان – قائد سابق لسلاح الجو الاسرائيلي
نتنياهو أمام لجنة الخارجية والحرب
على خلفية توالي المعلومات حول إمكانية التوصّل إلى تفاهم إيراني – أميركي، مثُل نتنياهو أمام لجنة الخارجية والحرب التابعة للكنيست حيث تناول خلالها القضية الإيرانية، وغيرها من العناوين الفلسطينية والأميركية، ورغم الحديث عن خطورة الملف النووي الايراني الا انه لم يصدر عن نتنياهو مواقف دراماتيكية أو تهديد بخيارات عسكرية توحي كما لو أنّه يعمل على عرقلة هذا المسار الذي قد يؤدّي إلى تفاهم أميركي – إيراني.
من الواضح أنّ هذه الوتيرة تعود إلى إقرار نتنياهو بتعقيدات المشهد الدولي وكون أولويات الولايات المتحدة في ساحات أخرى، ومحدودية الخيارات الصهيونية . ولذلك يبدو أنّ أداءه أكثر واقعية، الذي يتّسم بقدر من التكيّف مع معادلات الواقع.
خلاصة
بالنسبة للعدو الصهيوني، يكشف التفاهم عن محدودية الخيارات الذاتية للكيان الصهيوني، وارتباطها الوثيق بالخيار الأميركي كما أنّه يساهم في تعميق قيوده عن اللّجوء الى خيارات عسكرية أو أمنية خاصّةً وأنّ أيّ استهداف سيُحرّر إيران من أيّ التزامات ويمنحها الدافع والمشروعية لخرق التفاهم والرد بشكل مباشر.
المصدر: موقع المنار