أطلي من رداء الصبـر يا ذي / وفـود الشعب قد جاءتك تترا
شبابا طلـق الدنيـا ثـلاثـا / وأجرى الدم فوق الأرض نهرا
فلمـا خـر هـاني قـال هاني / لـه لبيـك أنـت الآن أدرا
وعبد القـادر الحـر يلبـي / وذا الصافي حسين طار سحـرا
وحين اشتـاق للقيا حميـد / أبا الاذلال حـتى حـاز نصـرا
فثـارت في العشيري دمـاء / تنادي يا حسين عشـت قهـرا
خذوني حينها نادى نضـال / رفاق الدرب حيث المـوت يشرا
فلاح الشوق في دنيا سعيـد / فأدمى تلكـم القضبـان سـرا*
الرادود صالح الدرازي في مأتم بمنطقة سار البحرينية عام 1995
هي ليست مجرد أبيات نظمها الشاعر البحريني الشيخ بشار العالي، ورددها الرواديد الحسينيين البحرينيين، بل هي جزء من تاريخ شعب، ارتبطت بمرحلة تاريخية من مراحل النضال السياسي، للمطالبة بأبسط حقوقه المدنية والسياسية، في مملكة أطلق على عاصمتها قبل أسابيع “مدينة التسامح“.
التسامح الذي لم يجد سبيلاً إلى مئات معتقلي الرأي في البحرين، بينهم علماء دين وسياسيون ونشطاء ومعارضين، جريمتهم أنهم طالبوا بإصلاحات دستورية في البحرين عام 2011، وبحكومة منتخبة، وبالمساواة في الحقوق والواجبات مع باقي مكونات شعب البحرين.
28 عاماً على انتفاضة الكرامة.. أبرز محطاتها ومطالبها
لكن النظام في البحرين هو نفسه.. لنعود إلى العام 1994، وبالتحديد إلى الشهر الأخير من العام.. ففي مثل هذه الأيام، انطلقت في البحرين تحركات شعبية سميت بـ “انتفاضة الكرامة”، قادها رجال دين وفكر وسياسة، أبرزهم العلامة المجاهد الشيخ عبدالأمير الجمري (التي تصادف اليوم ذكرى رحيله عام 2006) ورفاقه، والأستاذ عبدالوهاب حسين، بالإضافة إلى الشيخ علي سلمان (المعتقل منذ 2014) ، والأستاذ حسن مشميع (المعتقل منذ 2011).
وكتب الشاعران الشيخ صادق الدرازي والشيخ بشار العالي هذه القصيدة تخليداً لدور الشيخ الجمري ورفاقه:
ذلك الجمري حبي وحياتي / بطل قام حياتا للرفات
للصلاة و هو آتي بالثبات / أي روح أنت حلت في موات
حوله قام إلى الله حماتي / رافعين الرأس عبر الجبهات
يا هداتي في الفلاة وهداتي / لكم سارت بعهد كلماتي
أيها الطائر صبرا فلقد لاح قسم / معك السيد والشيخ ودم وعلم
ثبت الله إليكم في ثرى المجد قدم / بولاء تضحوي إنه يوم أهم
على الرأس رفعنا صور الحق الأبية / كتبنا بدمانا فلنا الدم هوية
إذا عاش ظلام سافكا روحا دمية / سيلقى كل يوم من أيادينا ضحية
بدأت الحكاية منذ العام 1992، بعد زيارة وفد من المعارضة الإسلامية والوطنية حاكم البلاد، وقدموا له عريضة وقعها 365 شخصية، تطالب بإعادة المجلس الوطني المنتخب الذي تم حله عام 1975م. وبالإضافة إلى رفض سلطات البحرين العريضة، كانت أزمة البطالة قد استفحلت في صفوف الشباب، فقاموا بإعتصام حاشد أمام وزارة العمل عام1994، حيث قمع الاعتصام واعتقل العديد من الشباب.
وفي شهر أكتوبر 1994، تم الإعلان عن عريضة شعبية حملت تواقيع 25 ألف مواطن، حملت نفس مطالب العريضة النخبوية، المطالبة بعودة العمل بدستور 1973، وعودة المجلس النيابي المنتخب، وإنهاء حقبة قانون أمن الدولة، الذي كان يديره الضابط البريطاني إيان هندرسون.
لم تأبه سلطات المنامة للعريضة الشعبية، فداهمت في كانون الأول 1994 منازل قادة الحراك، ونفتهم للخارج بتهمة التحريض، لتنفجر بعدها انتفاضة كبرى بين عامي 1994م و2000م، لم تشهد البحرين مثلها منذ الخمسينات من القرن الماضي، وتصاعدت سلسلة الشهداء بدءاً من الدم الطاهر للشهيدين هاني خميس (استشهد في السنابس) وهاني الوسطي (استشهد في جد حفص)، الذين ارتقيا يوم السبت في 17 كانون الأول 1994، فكانا أول شهيدين يرتقيا برصاص الشرطة منذ 30 عاماً في وقتها، وإن كان هناك شهداء تحت التعذيب في السجون في العقدين الماضيين، وليعلن هذا اليوم “عيد شهداء البحرين”، والذي تزامت ذكراه مع رحيل الشيخ الجمري عام 2006.
مرحلة التشويه
في سياق تشويه وطمس نضالات شعب البحرين، قرر ملك البحرين عام 2015، وبعد 19 عاماً على إندلاع “انتفاضة الكرامة” اعتبار يوم جلوسه على العرش، يوماً للشهيد، بعد أن فقد جيشه العديد من جنوده وضباطه في الحرب على اليمن، وبات يوم الشهيد بالنسبة لنظام البحرين، ذكرى للإحتفاء بقتلى الجنود في غزو بلد عربي آخر.
ليس مجرد قرار اتخذه ملك البحرين، بل يأتي في سياق محاولات حثيثة، قادتها السلطات في محاولة منها لطمس ذكرى شهيد النضال السلمي، وتشويه الحراك الشعبي، المتواصل منذ عقود. وأكد المتحدث باسم حركة حق البحرينية المعارضة عبد الغني الخنجر في مقابلة مع موقع المنار أن السلطة الحاكمة وبعد فشلها في هذا الأمر، حاولت أن تجترح يوماً آخر فأسمته يوم شهيد الواجب، من أجل حرف بوصلة الرأي العام عن أنه عيد لشهداء شعب البحرين الذين قتلهم النظام.
ورغم تلك الحملات الممنهجة، يصر البحرينيون على إحياء تلك الذكرى، تخليداً لنضالهم في سبيل انتزاع حقوقهم السياسية والإنسانية من نظام البحرين، الذي يمارس بحسب ما تؤكد المعارضة، تمييزاً ممنهجاً على أسس طبقية وسياسية.
واكتسب إحياء عيد شهداء البحرين هذا العام زخماً مهماً، خصوصاً مع بيان آية الله الشيخ عيسى قاسم، الذي أكد فيه على ضرورة أن يرتفع الصوت عالياً في هذه المناسبة، للمطالبة بحقوق الشعب كاملة، مشدداً على أن هذا اليوم هو يوم التعهد بمواصلة طريق الجهاد للإصلاح والتغيير.
وخرج في هذا اليوم العديد من المسيرات في مختلف المناطق البحرينية، وأقيمت الفعاليات التي أكدت على مطالب الشعب بالإصلاح السياسية، وعاهدت الشهداء على المضي في هذا الطريق، مهما غلت الأثمان.
- أسماء الشهداء التي ذكرتهم القصيدة:
الشهيد هاني عباس خميس: استشهد عام 1994 في السنابس
الشهيد هاني أحمد الوسطي: استشهد عام 1994 في جد حفص
الشهيد عبدالقادر محسن الفتلاوي: استشهد عام 1995 في الدراز
الشهيد حسين علي محمد الصافي: استشهد عام 1995 في سفالة
الشهيد عبدالحميد عبدالله يوسف قاسم: استشهد عام 1995 في الدراز
الشهيد حسين عبدالله العشيري: استشهد عام 1995 في الدير
الشهيد حسين معتوق: استشهد عام 1995 في الدير في الديه
الشهيد نضال حبيب أحمد النشابة: استشهد عام 1995 في الدراز
الشهيد سعيد عبدالرسول الإسكافي: استشهد عام 1995 في السنابس
إشارة إلى أنه وبعد نظم القصيدة، ارتقى العديد من الشهداء الآخرين.
المصدر: موقع المنار