لا شأن لنا بمَن شاء تسمية الحراك الشعبي المطلبي “ثورة”، ولا فكرة لدى الغالبية الساحقة من اللبنانيين عن قادة هذه الثورة وأدوارهم التسلسلية في هيكليتها التنظيمية، واذا كان التظاهر والحراك المطلبي حقا للمواطن يسهم في الضغط والتغيير لكن ممارسات من ركبوا موجة الحراك العفوي اساءت له سواء بالتسييس او الفوضى الامنية وقطع الطرقات، وما يدعو للعجب لا بل الغضب، أن من يلجأون الى قطع الطرقات يدعون الناس الى ترك منازلهم والنزول الى الشارع لأننا “نعمل لأجلكم”.
نعم بلغت الجرأة بالبعض التجريح بالناس التي تُخالف مبدأ قطع الطرقات، لا بل تُطالبهم بالنزول والمُشاركة في فعاليات قطعها وتقطيع أوصال المناطق وقطع أرزاق مَن لا يزال يذهب الى المدرسة والجامعة والعمل ولو بنصف راتب، وسط ازمة مالية خطيرة يفاقمها الوضع الامني وقطع الطرق المستمر بشكل متقطع في مناطق عديدة من لبنان.
عمليات الكرّ والفرّ، بين قاطعي الطرقات والقوى الأمنية التي حذَّرت من هذه الأعمال عبر بيانات عسكرية، اتخذت طابعاً غير سلمي، وسقط فيها جرحى وأضرار فادحة في الممتلكات العامة والخاصة، وإذا كان البعض يعتقد أن قطع الطرقات هو الوسيلة الأنجع للضغط على ما يعتبرونها السلطة الحاكمة، وعلى بعض الرموز السياسية التي يعتبرونها فاسدة، فإن هذه الرموز لا تسلك الطرقات بين عكار وطرابلس، ولا بين سعدنايل وتعلبايا، ولا بين جب جنين وكامد اللوز، ولا تتأثر حتى في قطع طرقات كورنيش المزرعة أو التجمهُر أمام منزل الرئيس المكلَّف في تلَّة الخياط.
وأمام لاءات “الثوار” لكل الطروحات التي يتمّ تداولها لتشكيل الحكومة، في محاولة من القوى السياسية لإنقاذ البلد، دون أن يكون لدى هؤلاء الثوار أية طروحات بديلة لا على مستوى الأسماء ولا في خطط العمل، فإن الخوف كل الخوف هو في نشوء ثورة مُضادة لهكذا فلتان، والخطير في الثورة المُضادة أنها ليست من الأحزاب القادرة على ضبط جماهيرها وشوارعها، بل من الناس غير المُلتزمين حزبياً وضاقت بهم السُبُل نتيجة قطع الطرقات وتدمير حياتهم اليومية، خاصة أن قطع الطرقات لا يتمّ من طرف أبناء المنطقة بل عبر عناصر “غُبّ الطلب”، يتمّ استقدامها بالباصات من مناطق أخرى للعبث بأمن مناطق رافضة للفوضى غير البناءة والتحركات غير المُجدية.
ولأن معادلة شارع مقابل شارع ترفضها القيادات الوطنية والحزبية الكبيرة، نتيجة رؤيتها الثاقبة لمَا يُحاك، ولأن المعادلة الثانية التي تحصل عبر اصطدام أبناء المناطق المتضرِّرة مع قاطعي الطرقات قد تؤدي الى صِدامات مُتصاعدة، ولأن التصعيد هو الهدف خاصة قُبيل الإعلان عن تشكيل الحكومة العتيدة، فإن مسؤولية القوى الأمنية أن تحصُر ضبط الأوضاع بها، وتمنع المواجهات بين المواطنين، وتقمع كل من يسعون لتوتير الأجواء مهما كان شكل الحكومة، لأن أجندات بعضهم تقضي بخراب البلد وإفلاسه حتى ولو انتهى البلد.
المصدر: موقع المنار