عاجزٌ، متردِّدٌ، متلعثم، هكذا بدا الرئيس الأميركي جو بايدن في المناظرة الأولى مع خصمه الرئيس السابق دونالد ترامب، ولولا الشروط القاسية التي وضعتها قناة CNN، بعدم مقاطعة أحدهما للآخر، لكان حصل الجدال المباشر والتعرُّض بالشخصي، ليس لوجود خلاف على النهج السياسي الداخلي، ولا على الملفات الخارجية الساخنة، من بحر الصين الى أوكرانيا وصولاً الى الشرق الأوسط، بل لأن المسألة هي فعلاً شخصية بحتة، بين رئيس يرغب بولاية ثانية رغم تقدُّم العمر، ورئيس سابق عائد للثأر من هزيمته عام 2020.
التعرُّض بالشخصي في أميركا لإحراج الخصم وارد ومتكرر في كل الحملات الإنتخابية، وهو يحصل كما في العالم الثالث تماماً، ورغم ذلك، يستمر المُنبهرون بدولة العم سام في انبهارهم بديموقراطيتها، ويستمرون في تغابيهم وتجاهلهم، أن جدران البيت الأبيض تحمل لطخات من دماء الهنود الحمر، أهل البلاد الأصليين، لا بل أن تلك الجدران البيضاء، تحتضن كل الغرف السوداء التي يجتمع فيها محترفو الحروب وصناعة الموت حول العالم.
أداء سيء وضعيف للرئيس بايدن، هذا ما أجمع عليه الأعضاء الكبار وغالبية النواب في الحزب الديمقراطي، مما ألزم مستشار الرئيس الإدلاء بتصريح، أنه “لن ينسحب من المعركة الإنتخابية بمواجهة ترامب”.
صحيفة “الجارديان” البريطانية قالت: المناظرة الرئاسية الأولى في الإنتخابات الأميركية 2024، أثارت خيبة أمل الناخبين الديمقراطيين، ووصفت أداء الرئيس بايدن بأنه هشّ وضعيف، مع عدم قدرته على إنهاء إجاباته وإتمام الجُمَل والردّ على خصمه ترامب.
وأضافت “الجارديان”: هناك دعوات متزايدة موجهة لبايدن بالتنحي، نتيجة مخاوف الديمقراطيين بشأن قدرته على غلبة ترامب في نوفمبر المقبل، وتساءلت الصحيفة إذا كان بإمكان الحزب الديمقراطي استبدال بايدن بمرشح أقوى ولكن، بموجب القواعد المعمول بها في الحزب حالياً، من المستحيل ذلك دون تعاون بايدن، ودون استعداد مسؤولي الحزب لإعادة كتابة القواعد في المؤتمر الوطني المقرر في شهر أغسطس القادم.
وإذا كانت ليونة بايدن مع الصين، وضعفه بمواجهة روسيا في أوكرانيا، من ضمن النقاط التي استفاد منها ترامب في انتقاده لولاية بايدن، فقد جاء العدوان على غزة ليكون محرقة للهيبة الأميركية على مستوى السياسة الخارجية التي لن تتبدل بقدوم ترامب، لكن ما من قضية عدوانية أميركية أثارت الشارع الداخلي الأميركي خاصة على مستوى الشباب وطلاب الجامعات، أكثر من الجرائم التي تشارك بها أميركا في غزة، بحيث باتت تُرفع في تظاهرات الدول الأوروبية يافطات تدين أميركا و”إسرائيل” معاً، ولعل صعود اليمين في بعض الدول الأوروبية، رسالة للحكومات التابعة لأميركا من خلال “الناتو”، بعدم حشر نفسها في سياسات أميركا الخارجية والإهتمام بالمطالب الداخلية الشعبية.
وتزامن سقوط بايدن أمام ترامب في المناظرة الرئاسية الأولى، مع إعلان الحكومة الصهيونية أن القرار السياسي قد اتُّخذ بالإنتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب على غزة، وأولى إنطباعات هذا القرار أن نتانياهو لم يعُد بإمكانه تمديد أمد العدوان العشوائي على ما بقي من حياة مدنية في غزة، لحين وصول صديقه ترامب إلى البيت الأبيض في شهر يناير من العام القادم إن حصل، وذلك نتيجة الضغوط الشعبية في الشارع “الإسرائيلي”، سواء من أهالي الرهائن أو من المستوطنين النازحين من غلاف غزة ومستوطنات الجليل، أو لناحية تنديد المعارضة بفشل حكومة نتانياهو في تحقيق الأهداف المعلنة لهذه الحرب، بعد دخولها الشهر التاسع دون أي أفق لتغيير واقع المواجهة على الأرض مع المقاومة الفلسطينية ومع جبهات الإسناد لمحور المقاومة.
خطوة نتانياهو السياسية بإعلان الإنتقال الى المرحلة الثالثة وإبلاغ الجيش بذلك، تعني بداية “العدوان الإنتقائي”، بعد نكسة العدوان الشامل الذي فشِل فيه بالعثور على رهائن، باستثناء الأربعة الذين دفعت “إسرائيل” ثمنهم أربعة، (ثلاثة رهائن والضابط قائد العملية)، وهذه المحاولة التي كادت تفشل فيها “إسرائيل” لولا القصف المجرم الذي أدى الى سقوط مئات الشهداء والجرحى من الفلسطينيين، فيما الوضع بعد عملية النصيرات جعل ظروف احتجاز الرهائن الباقين صعبة جداً، مما أفقد الصهاينة الأمل في تحريريهم عبر القصف والتدمير، وتم الذهاب إلى خيار المرحلة الثالثة عبر “العدوان الإنتقائي” الذي سيحصل استناداً الى الجهد الإستخباراتي.
ومع الإنتقال إلى المرحلة الثالثة، يجد نتانياهو نفسه أمام ثلاث أزمات: الداخل “الإسرائيلي”، والداخل الفلسطيني، والمحيط الإقليمي الجاهز للإنقضاض فيما لو سوَّلت لنتانياهو نفسه الهروب من خيبة غزة لفتح الجبهة مع لبنان، وكل المدمرات والبوارج الأميركية سواء أرسلها بايدن أو انتظرت مجيء ترامب لم تعُد ذات جدوى، وإذا كان بايدن يستعد للرحيل، فإن نتانياهو بات على لائحة الإنتظار، نتيجة الأزمات الثلاث:
1- الداخل الإسرائيلي، خسر فيه نتانياهو تأييد “المعسكر الرسمي” عند انسحاب بيني غانتس ومعه غادي آيزنكوت من مجلس الحرب، لا بل بات غانتس يشارك في تحركات أهالي الرهائن ويدعو لإنتخابات مبكرة، وجعل نتانياهو رهينة الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تؤمن له أغلبية محدودة في الكنيست( 64 مقعداً من أصل 120)، وهذه الأغلبية تواجه موقفاً شعبياً جديداً، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته القناة 12 العبرية أن 50% من الإسرائيليين يعتقدون باستحالة تحقيق نصر في غزة، فيما الإقتصاد الإسرائيلي يتدحرج نحو المزيد من العجز.
2- من ضمن خطط المرحلة الثالثة في غزة، تبرز مشكلة الداخل الفلسطيني، وتحديداً إدارة شؤون القطاع، حيث يرفض نتانياهو إدارته من طرف حماس أو من السلطة في رام الله، وتقرر اللجوء إلى العشائر والعائلات الكبرى لإستلام المساعدات وتوزيعها، وبالتالي تسهيل شؤون المدنيين بمعزل عن حماس، ولكن يبقى السؤال الأهم والأخطر على “إسرائيل”، كيف لها التمييز من بين مليوني فلسطيني مَن هُم حماس، سواء كانوا مقاتلين أو إداريين أو لوجستيين، والأمر سوف يستغرق سنوات، وقد لا تتمكن خلالها “إسرائيل” من الوصول لا إلى عناصر حماس ولا لقيادييها.
3- بات المحيط الإقليمي أكثر بعداً عن التطبيع من ذي قبل، خاصة أن الدول التي كانت سباقة الى التطبيع هددت بعضها بإلغائه، سواء كان الأردن على المستوى الشعبي، أو مصر على المستويين السياسي والعسكري على خلفية ما يحصل في رفح وتحديداً محور فيلادلفيا، وإتهام “إسرائيل” لمصر بالتغطية على أنفاق تخترق شبه جزيرة سيناء.
والختام الإقليمي هو مع محور المقاومة من طهران إلى بيروت مروراً بصنعاء وبغداد ودمشق، والتهديدات الصريحة المستدامة للكيان “الإسرائيلي” ما دام عدوانه مستمراً على غزة، أما جبهة لبنان تحديداً، فيأتي التحذير من المعارضة “الإسرائيلية” بعدم الدخول في معارك تؤدي إلى حرب، بالنظر لعدم جهوزية الجيش الإسرائيلي الذي أجهزت عليه معارك غزة، ولأن حرباً إقليمية شاملة قد تشتعل من جنوب لبنان، ولن تحمي “إسرائيل” حجراً وبشراً كل ترسانات الأسلحة الأميركية، خاصة أن قواعد الإشتباك قد تحرر منها حزب الله في الردّ التصاعدي على العدوان الصهيوني، والمجتمع “الإسرائيلي” الذي ينزف هجرةً وفق أرقام بمئات الآلاف تحصل عليها وكالات الأنباء الأجنبية من قلب مطار بن غوريون، هذا المجتمع في ظل هكذا حكومة عنصرية بقيادة نتانياهو، عليه أن ينتظر حرباً وصَّفها سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أنها ستكون بلا حدود ولا ضوابط ولا سقوف..
المصدر: بريد الموقع