أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ان “موقفنا من قضية فلسطين والكيان الغاصب هو موقف عقائدي ديني شرعي اخلاقي انساني”، وتابع “موقفنا هذا غير قابل للتبديل ومن يراهن انه من خلال الحروب العسكرية او الامنية او التجويع او اي شيء آخر انه يمكن ان يغير بهذا الموقف فهو مشتبه”.
وقال السيد نصر الله في كلمة له عبر الشاشة بمناسبة يوم القدس العالمي الجمعة “يأتي يوم القدس العالمي بالتزامن مع ذكرى نكبة فلسطين التي اسست لقيام هذا الكيان الصهيوني الغدة السرطانية الشر المطلق وما تبعه من نتائج في هذه المقاومة”، واضاف “يوم القدس يأتي ايضا بالتزامن مع ذكرى انتصار 25 ايار 2000 الذي اسس لانتصارات وتحولات كبرى في المنطقة وفلسطين ومواجهة المشروع الصهيونية وتحرير فلسطين”.
ولفت السيد نصر الله الى ان “الامام الخميني عندما أعلن يوم القدس بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران جاء في قمة تصاعد مواقف الامام من قضية القدس وفلسطين وبالصراع مع العدو”، واوضح ان “من الاشكالات الاساسية بالمواجهة مع شاه ايران كانت علاقته باسرائيل وخضوعه للاميركيين”، وتابع “في لبنان أجيالنا منذ السيد عبد الحسين شرف الدين والامام المغيب السيد موسى الصدر وغيرهما من العلماء كالسيد محد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين، تربت على موقف العداء مع العدو الاسرائيلي”.
وشدد السيد نصر الله على انه “لا يوجد احد لديه اي تفويض لتنازل عن القضية الفلسطينية او ان يهب اي شيء من فلسطين للصهاينة تحت اي عنوان من العناوين”، وتابع “مسؤولية حماية ارض فلسطين والمقدسات فيها هي مسؤولية الشعب الفلسطينية والامة كلها وسنسأل عن ذلك يوم القيامة”.
وأكد السيد نصر الله ان “الحق لا يتغير بمرور الزمن وما اخذ بالسرقة لا يصبح ملكا شرعيا عبر مرور الزمن ولو اعترف كل العالم بشرعية ما سرقه اللص”، وشدد على انه “لا يحق لأي فلسطيني او عربي او مسلم او مسيحي ان يهب جزءا من فلسطين او القدس للصهاينة وهذه مقدسات الامة وهذه الارض ملك للشعب الفلسطيني”، ولفت الى ان “مسؤولية استعادت المقدسات والحقوق هي مسؤولية الشعب الفلسطيني اولاً ولكنها ايضاً مسؤولية الامة وفي يوم القيامة الكل سيسأل عن هذا الامر”.
واشار السيد نصر الله الى ان “المقاومة بكل اشكالها هي وحدها السبيل لتحرير الأرض والمقدسات واستعادة الحقوق وكل الطرق الاخرى هي مضيعة للوقت”، واوضح انه “لا ينجز التحرير في سنتين او ثلاثة والمقاومة الشعبية تستنزف سنوات كبيرة”، واضاف “طول زمن المعركة لا يجوز ان يكون سببا لليأس والأجيال”، واعتبر انه “يجب ان تتواصل المقاومة والجيل المعاصر اذا كان يشعر انه غير قادر على المقاومة عليه ان لا يعطي تبرير للشرعنة ولا يجب ان يعترف به او ان يوقع له”.
ولفت السيد نصر الله الى ان “الشعب الفلسطيني يقاوم ويناضل وفي الصورة الظاهرية انه يقاتل الجيش والحكومة الاسرائيلية ولكن في النظرة الباطنية القتال هو ضد الولايات المتحدة الاميركية”، وأكد “معركتنا الحقيقية هي بمواجهة الولايات المتحدة الأميركية لان إسرائيل هي الجبهة المتقدمة للولايات المتحدة الأميركية التي تدعمها عسكريا وأمنيا واقتصاديا وسياسيا”، وتابع “اميركا لم تكن تسمح لنا في لبنان حتى بمجرد الادانة لجرائم الاحتلال الاسرائيلي واميركا جعلت اسرائيل بوابة للتقرب الى الولايات المتحدة”، وأشار الى ان “اميركا تسخر نفوذها وعلاقاتها وقوتها من اجل تثبيت اسرائيل وفرض ذلك على الدول العربية”، واوضح ان “العدو الذي نقاتله في الواقع هم الاميركان”.
وقال السيد نصر الله “في بيئة الصراع الحالي مع العدو، هناك دول وانظمة من العالم العربي والاسلامي خرجت من هذا الصراع هي صامتة او مشغولة بمشاكلها وبعضها خرج من الصراع مع العدو ولكن انتقل الى موقع من يساعد العدو بالامكانات المتاحة كمحاصرة الفلسطينيين ووقف الدعم عنهم واعتقال فلسطينيين على اراضيها والتصويت لمصلحة العدو في بعض المنظمات وغيرها من الشواهد، اي ان بعض الدول انتقلت الى موقع الصديق للعدو والضاغط للشعب الفلسطيني”، وتابع “هناك بعض الدول بقيت في موقع المعادي والمقاوم للعدو وعلى رأس هذه الدول ايران وسوريا بالاضافة الى حركات مقاومة وفصائل من اليمن والعراق ولبنان وباكستان وفلسطين والبحرين”، واكد ان “هذا المحور المسمى محور المقاومة له التأثير الكبير بمواجهة المحور الاميركي الاسرائيلي”، واكد ان “يران هي الثقل الاكير والابرز لمحور المقاومة”.
وذكر السيد نصر الله ان “اسرائيل عملت على تشديد الحصار الاميركي على ايران وكل المعلومات تجمع على الفشل الاسرائيلي بهذا الرهان”، ولفت الى ان “هذا الامر تحقق بسبب صمود ايران القيادة والشعب خلف سيادة بلدهم”، وتابع “اي دولة اخرى قد تنهار وتغير ثوابتها”، وتابع “رغم كل التهويل للرئيس الاميركي دونالد ترامب فالاعتقاد بعدم وقوع اي اعتداء او عملية ضد ايران بسبب قوة الجمهورية الاسلامية”، واشار الى ان “آخر رهان اسرائيلي هو على كورونا في ايران ولكن الجمهورية الاسلامية تواجهه بقوة وستخرج منه منتصرة”.
وعن الوضعين السوري والعراقي، قال السيد نصر الله إن “العراق لا يمكن ان يكون في المحور الاميركي”، وشدد على “ضرورة “الحفاظ على العراق وقوته وهذا يتنافى مع المشروع الصهيوني واسرائيل التي كانت من اشد المحرضين على العراق”، وتابع “مسؤولية العراقيين هو الدفع بالعراق باتجاه موقعه الطبيعي في مواجهة العدو الاسرائيلي”، ولفت الى ان “الولايات المتحدة وإسرائيل راهنتا على إطلاق حرب طائفية في العراق والمنطقة”، واضاف ان “سوريا موقعها معروف في محور المقاومة”، وتابع “الحرب الكونية على سوريا فشلت وهي أسقطت المشروع الأميركي الإسرائيلي لإسقاط الدولة السورية وهي انتصرت في هذه الحرب وبقي لها بعض المعارك”.
وحول الوضع اللبناني، قال السيد نصر الله “في موضوع لبنان اسرائيل حذرة وتدرس خطوات المقاومة بدقة، والبعض يقول إن الردع موجود على طرفي الحدود وهذا انجاز جيد للبنان لان اسرائيل طالما كانت متفوقة على لبنان”، وتابع “قدرات المقاومة تعاظمت وهذا فشل لاسرائيل وهي كانت راهن على التطورات الداخلية لمواجهة المقاومة والآن اسرائيل تراهن على الوضع الاقتصادي الداخلي وعلى العقوبات الاميركية ويراهنون على انقلاب بيئة المقاومة كما حصل في فترة الانتخابات”، واضاف “علينا ان نحافظ على سيادتنا وان نكون اقوياء ونردع عدونا ونحمي ثرواتنا وان يكون بلدنا عزيزا وايضا ان لا نموت الجوع”.
وعن الوضع الفلسطيني، قال السيد نصر الله “في الفترة الاخيرة كان من الواضح الاستعجال الاسرائيلي الاميركي في الملف الفلسطيني لانه يدرك ان الاوضاع ليست من مصلحته، مع صمود غزة وتعاظم قدرات المقاومة فيها ومواصلة عمليات الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية، فالشعب الفلسطيني ما زال يصمد”، واضاف “ترامب جاء واعلن عن صفقته وضغط ومن معه على السلطة للقبول بالصفقة ولكن هم تفاجاؤا انهم لم يجدوا اي فصيل فلسطيني يمشي معهم بهذه الصفقة”، واكد ان “الاسرائيلي والاميركي يفشل مقابل ان هناك من يصمد وينتصر ويفشل مخططات العدو”، وتابع “بعد الحديث عن ضم القدس يذهب العدو لضم اجزاء من الضفة واغوار الاردن هم يعتقدون انه يجب الاستفادة من وجود ترامب وبقي لهم فقط بضعة أشهر”.
وقال السيد نصر الله إن “التطبيع هو مسار فاشل من مصر الى الاردن وصولا لما يجري في بعض دول الخليج ، هو يعبر عن إرادة سياسية وليس عن إرادة الشعب العربي والاسلامي، يكفي ان تتاح لهم الفرص للتعبير عن آرائهم من القدس وفلسطين والعدو الاسرائيلي”، وأكد انه “بدماء الشهداء تدفعنا لمواصلة الطريق وتحمل المشاق والمخاطر ايا كانت”، ولفت الى انه “عام 2019 والجزء الاول من العام 2020 الاخفاقات التي صعنها محورنا للمحور الاميركي والاسرائيلي كانت كبيرة”.
وتابع السيد نصر الله “اليوم المطلوب منا الافق المفتوح والمطلوب صمود محور المقاومة لانه في النهاية الحروب العسكرية سنصل فيها الى نهايات في اليمن وسوريا، ومع وجود مخاطر من حرب مع اسرائيل إلا ان هذا المحور يراهن على الحروب النفسية والاقتصادية”، وشدد على “ضرورة الصبر والصمود لمراكمة وتعاظم قدرات محور المقاومة حيث ان العدو غير قادر على ايقاف ذلك. في ايران وسوريا والعراق واليمن وفلسطين وايضا في لبنان لا بد من التذكير ان قواعد الاشتباك ما زالت قائمة وعلى العدو ان لا يحسب خطأ في هذا الامر”، ودعا “لمواجهة الحرب النفسية بالثقة بالله وبالنفس وقراءة المتغيرات واليوم هناك الكثير يقولون ان اميركا فقدت قيادتها العالمية كما كانت سابقا لا سيما في ظل جائحة كورونا واميركا مشغولة بنفسها واقتصادها ومشاكلها”، واوضح “لدينا عالم جديد من اميركا الى اوروبا والصين وروسيا وايران وربما في اسرائيل”.
وتساءل السيد نصر الله: “مثلث صفقة القرن (ترامب -نتانياهو-ابن سلمان) ماذا عن حالتهم؟ سواء ترامب في اميركا او نتانياهو وايضا ابن سلمان من الوضع الداخلي الى النفط والحرب في ال سعود والعدوان على اليمن”، وشدد على ان “كل هذه الامور تؤكد ان محورنا قادر على تحقيق الانتصارات والانجازات وهو حقق الكثير سابقا وخاصة اليوم علينا الحضور والثبات بوجه الحصار والعقوبات والمعركة هنا هي معركة ايمان وعزم واقتصاد ايضا”، وتابع “نحن على يقين ان شعوب العالمين الاسلامي والعربي تدعم هذا المحور”.
وعن وضع كورونا في لبنان، دعا السيد نصر الله “لعدم التساهل بخصوص اجراءات الوقاية من كورونا”، ولفت الى انه “اذا ارتفعت الاصابات قد لا يحتمل النظام الصحي اللبناني وهذا قد يهدد كل المجتمع”، وشدد على ان “ضرورة الالتزام بالاجراءات وهذا واجب ديني ووطني واخلاقي”.
وفي الختام، هنأ السيد نصر الله بقرب حلول عيد الفطر المبارك، وأمل ان يكون عيدا سعيدا على الامة باستعادة فلسطين ومقدساتها.
نص الكلمة كاملة :
باسمه تعالى
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله بمناسبة يوم القدس العالمي. (22/5/ 2020)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبيّنا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.
مجدداً تقبل الله صيامكم وقيامكم وبارك لكم في أيامكم ولياليكم وبقية شهركم العظيم هذا.
نلتقي اليوم في هذا الوقت للحديث في إطار مناسبة رئيسية هي يوم القدس العالمي، الذي كان قد أعلنه الإمام الخميني قدس سره ورضوان الله تعالى عليه، في سنة 1979 بعد انتصار الثورة الاسلامية في إيران، عندما اعتبر آخر يوم جمعة من شهر رمضان من كل عام يوماً عالمياً للقدس.
أيضاً لدينا ذكرى النكبة في شهر أيار، نكبة فلسطين قبل 72 عاماً والتي أدت إلى تشريد مئات آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، من ديارهم وقراهم داخل فلسطين وخارج فلسطين، وأسست للاسف الشديد لقيام هذا الكيان الشيطاني الغاصب، الظالم، جرثومة الفساد، الغدة السرطانية، الشر المطلق، وكل نتائج وتداعيات وجود هذا الكيان في قلب هذه المنطقة.
إذاً لدينا هذه الذكرى أيضاً ولدينا ذكرى عيد المقاومة والتحرير في 25 أيار، الذكرى العشرين. الآن نحن في الذكرى العشرين لهذا الانتصار التاريخي الذي أسس لتحولات كبرى في المنطقة وفي داخل فلسطين المحتلة والذي كان انتصاراً كبيراً جداً على طريق القدس، وعلى طريق تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني.
طبعاً حديثي اليوم يتركز على مناسبة يوم القدس وتلك المناسبتين تدخلا عليه بشكل أو بآخر. التركيز على موضوع مناسبة عيد المقاومة والتحرير وما يرتبط بالجانب اللبناني، في هذه المعادلة سأشير إليه ولكن سنتحدث عنه أكثر ان شاء الله في الأيام القليلة المقبلة.
حديثي في مناسبة يوم القدس سيكون في قسمين:
القسم الأول: تأكيد وتذكير بمجموعة من الأصول والثوابت، في هذه المعركة، في هذا الصراع القائم.
القسم الثاني هو إطلالة على الوضع القائم منذ عام إلى اليوم، من يوم القدس السابق إلى يوم القدس الحالي، في قراءة للبيئة الاستراتيجية في المنطقة، طبعاً من زاوية الصراع مع العدو الاسرائيلي والأمور التي يجب أن نحدد موقفنا منها ونرسم مسارنا في المدى القريب، والمسؤوليات الملقاة على عاتقنا جميعا.
في القسم الأول:
النقطة الأولى، الامام الخميني رضوان الله تعالى عليه، عندما أعلن يوم القدس بعد انتصار الثورة الاسلامية في إيران، في الحقيقة جاء هذا الإعلان في قمة الموقف، وتصاعد موقف الامام من قضية فلسطين والقدس والصراع مع العدو الصهيوني، وجاءت تتويجاً لمسار طويل من الجهاد والنضال والموقف السياسي والشرعي في هذه القضية. حيث كان للامام الخميني رضوان الله تعالى عليه فتواه ومواقفه، وكانت بياناته واضحة وحاضرة وقوية منذ البدايات، منذ بدايات تصديه للمسؤولية في بداية الستينات في مدينة قم المقدسة، وفي الأساس في مواجهة شاه إيران في ذلك الوقت. ومن الاشكالات الرئيسية أو القضايا الأساسية التي أثارها الإمام الخميني في المعركة والمواجهة مع الشاه كانت خضوعه للأمريكيين وعلاقاته بـ “اسرائيل”، اعترافه بوجود “اسرائيل”، العلاقة مع “إسرائيل”، المساعدات التي كان يقدمها الشاه لـ “اسرائيل” وفي ذلك الوقت كان الشاه حليف العديد من دول الخليج والأنظمة العربية.
في كل الأحوال، بداية المعركة مع الشاه، من عناوينها الكبرى كان موضوع فلسطين والقدس و”إسرائيل” والخضوع للارادة الأمريكية.
الامام من خلال هذا الإعلان أيضاً هو يتوج موقف لعشرات السنين منذ بدايات النكبة وما جرى على الشعب الفلسطيني وقيام هذا الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة، موقف مراجعنا، مرجعياتنا الدينية، وأنا لي غرض من هذا السرد المختصر من هذا الصراع ومن هذا الكيان منذ البداية، سواء المرجعيات الدينية الكبرى المعروفة وغير المعروفة في النجف الأشرف في العراق، أو في قم المقدسة في إيران، أو في أي مكان آخر، لكن هذين المركزين الرئيسيين، المراجع السابقون وصولاً إلى المراجع الحاليين، دون أن أدخل في الأسماء لأن اللائحة طويلة جدا كان لهم موقف واضح وحاسم وبيّن ولا غبار عليه ولا تردد فيه، حول موضوع فلسطين وإسرائيل: فلسطين هي ملك الشعب الفلسطيني، يجب أن تعود للشعب الفلسطيني من البحر إلى النهر، “إسرائيل” كيان غير شرعي، كيان غاصب مغتصب، محتل، ويجب أن يزول من الوجود، لا معنى لبقائه، لا شرعية لبقائه، ونحن هنا لا نتحدث عن القاء أحد في البحر وإنما دائما نقول على الذين جاءوا إلى فلسطين المحتلة بالطائرات وبالسفن وبالقوافل الذين جيء بهم من كل مكان عليهم أن يرحلوا ويعودوا إلى البلدان التي جاءوا منها والسلام.
إذا الموقف الشرعي من موضوع القضية الفلسطينية الشعب الفلسطيني، فلسطين، الكيان الغاصب هي مسألة حاسمة وواضحة وثابتة وراسخة ولا يمكن أن تتبدل.
وأقول لي غرض من هذا السرد.
أيضا نحن في لبنان أجيالنا بالحد الأدنى إن بدأنا من آبائنا، أجدادنا، أنا أتحدث مثلاً جدي، والدي، أنا وثم أولادنا وأحفادنا بالحد الأدنى بالأربعينات نحن أيضا تربّينا على هذا الموقف. من زمن السيد عبد الحسين شرف الدين، إلى زمن االامام السيد محسن الأمين في الأربعينات في الخمسينات إلى الامام السيد موسى الصدر الأمام المغيب أعاده الله ورفيقيه وأخويه الكريمين بخير، كان لديه موقف واضح وصلب أيضاً “اسرائيل شر مطلق” “التعامل مع اسرائيل حرام”، وأسس للمقاومة الميدانية الشعبية الحقيقية في المواجهة.
أيضا بعد ذلك، معه وبعد تغييبه، علماؤنا الكبار في لبنان، وفي مقدمهم آية الله السيد محمد حسين فضل الله، السيد محمد حسين فضل الله رضوان الله عليه، آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين رضوان الله تعالى عليه. هذا كان موقف أجيالنا التي تربت على هذا الموقف.
أنا أريد أن أصل إلى النقطة التالية ومازلنا إلى الآن مع سماحة الإمام الخامنئي وسمعنا خطابه اليوم مع فتاوى، ومواقف وبيانات، مراجعنا الكبار وعلماءنا الكبار في كل انحاء العالم، أريد أن أصل إلى هذه النقطة في يوم القدس وهي النقطة الأولى لأقول ان موقفنا من قضية فلسطين والقدس والمقدسات في فلسطين وشعب فلسطين والكيان الغاصب هو موقف عقائدي، إيماني، ديني، فقهي، شرعي، حقوقي، إضافة إلى كونه موقف انساني، إلى كونه موقفا انسانياً موقفاً أخلاقياً، وهذا يعني أن هذا الموقف غير قابل للتبديل ولا للمقايضة ولا للتفاوض ولا للتناسي ولا للتغافل، نحن نتحدث عن موقف هو جزء من إيماننا والتزامنا وعقديتنا وديننا وصلاتنا وصومنا وجهادنا وشهر رمضان وتلاوة القرآن في شهر رمضان والصيام بشهر رمضان، ولذلك من يراهن أنه من خلال الحروب أو من خلال الحروب العسكرية، أو الاغتيالات الأمنية، أو الحروب النفسية، أو العقوبات، أو التجويع، أو التهويل أو التضليل أو أو أو أي شيئ يخطر في البال أنه يمكن أن يغيّر في هذا الموقف، هو مشتبه ومخطئ ويجب أن ييأس من امكانية حصول ذلك.
وإذا كان البعض يظن أن المقاومة في لبنان أو في فلسطين أو ما يجري اليوم في الساحة هو عبارة عن حماس ثوري شبابي ينتهي عندما تشيب اللحا ويكبر الجيل هو مشتبه، هذا أمر عقائدي، وديني، وإيماني، ينتقل من جيل إلى جيل، ويستمر مع الانسان حتى لحظة الموت أو الشهادة أو إذا كان البعض يتصور ان هذا هو موقف للمجاملة وله أمد وسقف زمني أو أنه موقف للتوظيف السياسي فعندما تتحقق المصالح السياسية ينتهي كل هذا خطأ. لا هو مجاملة، ولا هو حالة حماسة عاطفية، ولا هو مكسب سياسي آني، ولا شيئ. التأكيد على حقيقة الموقف العقائدي والإيماني من قضية فلسطين ومن العدو الإسرائيلي ومن المشروع الصهيوني وهذه هي الخلفية الحقيقية للمقاومة التي تدافع عن أوطانها وعن شعوبها وعن مقدساتها.
النقطة الثانية:
بالثوابت التي يجب أيضاً في ثقافتنا أن نذكّر بها وأن نؤكد عليها، أن الحق لا يتغيّر، لا يسقط بتقادم الزمن. السرقة، ما أخذ بالسرقة وبالإغتصاب وباللصوصية لا يصبح ملكاً شرعياً بتقادم الزمن، هذا أيضاً يجب أن نؤكد عليه ولو اعترف كل العالم بملكية اللص لما سرقه أو المغتصب بما اغتصبه من أملاك ومقدسات الآخرين. في حقيقة الحق هذا أمر لا يتغير ولا يتبدل.
أنا أذكر قبل حرب تموز عندما كنت التقي بصحافيين أجانب ويناقشونني في الموقف من وجود الكيان الإسرائيلي وهم يستغربوا هذا الموقف، أنا كنت أقول لهم أنت لديك بيت، مثلاً فيلا وحديقة وتجلس أنت وعائلتك، جاء واحد حمل سلاحاً وهددك وقتل ابنك وأخرجك من دارك ورماك في الشارع، رماك في الطريق، أنت تعتبر هذا البيت بيتك وهذا الحق حقك، طيب، بعد عشر سنوات، عشرين سنة، ثلاثين سنة أربعين سنة هل تعتبر هذا البيت أصبح ملكا لمن اغتصبه؟ قال: لا. قلت له الجيران ربما في المرحلة الأولى يقاطعوه، لاحقا نتيجة اعتبارات معينة يلتقوا هم مع هذا المغتصب ويتعايشوا معه ويطبعوا حياتهم معه، لكن أنت بنظرك هذا البيت ملك لك أو ملك لمن اغتصبه؟ قال لا، هو ملك لي لو بعد مئة سنة ومئتي سنة يبقى ملك لي، قلت هذه قضية فلسطين.
هو بيت الشعب الفلسطيني، ملك الشعب الفلسطيني، جاء من اغتصبه بالإرهاب والمجازر والقتل والترويع، وألقى به في الطريق، مئة سنة أو مئتي سنة، لو جاءت كل الأمم المتحدة وكل دول وحكومات العالم وكل شعوب العالم واعترفت بأرض فلسطين أرضاً شرعية لكيان اسمه “إسرائيل” هذا لا يجعل الباطل حقاً على الإطلاق ولا ينتقص شيئاً من حق وملك وأحقية وعدالة قضية الشعب الفلسطيني في هذه المسألة.
النقطة الثالثة، لا يحق لأي أحد سواءً كان فلسطينياً أو عربياً مسلماً أو مسيحياً أن يَهب فلسطين أو جزءاً من فلسطين أو القدس أو جزءاً من القدس للصهياينة أو لأي أحد آخر، لغير أهلها، هذه مقدسات الأمة، وهذه الأرض هي ملكٌ للشعب الفلسطيني، وهي ليست ملكاً للجيل الحالي من الشعب الفلسطيني، هي ملك للجيل الحالي وللأجيال المقبلة، ولا يوجد أحد لديه تفويض من الشعب الفلسطيني ومن أجياله المقبلة، ولا يوجد أحد لديه تفويض من قبل الأمة في مقدساتها بأن يَهب ما لا يملك وما لا يملك فيه تفويضاً للصهاينة تحت أي عنوان من العناوين، هذه من الثوابت الحاسمة.
رابعاً: مسؤولية إستعادة المقدسات والأرض والحقوق هي مسؤولية الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى، لأنها أرضه وهو المؤتمن على القدس وعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية، ولكنها أيضاً مسؤولية الأمة، ويوم القيامة الكل سيسأل عن أدائه وقيامه بهذه المسؤولية، يمكن أن يكون هناك اليوم الكثير من الناس في شهر رمضان يصوموا ويُصلوا ويقرأوا القرآن وفي الليل يقعدون ويحاسبون أنفسهم، في يوم القيامة عندما نقعد بين يدي الله سبحانه وتعالى ويريد أن يحاسبنا ويأتي بكتاب الأعمال ويريد أن يسألنا عن أكلنا وشربنا وشبابنا وبيوتنا وعائلاتنا وموقفنا وتجارتنا وزراعتنا وصناعتنا وغيبتنا وصدقنا وكذبنا وغشنا وأمانتنا … الخ.
يمكن أن يتجاهلوا أو ينسوا أو يغفلوا، من جملة الأمور التي سوف يسألنا الله عنه أرضنا المحتلة ومقدساتنا وشعبنا المظلوم والقيادي في الشارع منذ أكثر من 72 عاماً، والمقدسات كما قلت، وكيان يُهدد المنطقة كلها، كل شعوب المنطقة وكل حكومات المنطقة، بكراماتها وحريتها ودمائها وأعراضها وأموالها، الله سوف يسألنا ماذا فعلتم في مواجهة هذا الكيان وهذا المشروع وهذا الإحتلال وهذه النكبة وهذه الكارثة وهذا الإغتصاب؟ وعلينا أن نُعد الجواب في يوم الحساب.
خامساً: المقاومة بكل أشكالها هي وحدها السبيل لتحرير الأرض والمقدسات وإستعادة الحقوق، وكل الطرق الأخرى مضيعةٌ للوقت وتفويت للفرص، ولا تؤدي إلا إلى طريقٍ مسدود، كما بالفعل وصلت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية الأميركية إلى طريقٍ مسدود، وهذا ما نَشهد شواهده القوية هذه الأيام.
سادساً: معارك التحرير طوال التاريخ، لا يُنجز التحرير في سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات، معارك التحرير طوال التاريخ والمقاومات الشعبية طوال التاريخ كانت تستلزم سنوات طويلة، يمكن جيل أو أكثر من جيل، الأجيال، الإحتلال لبعض الدول وبعض البلدان كان يستمر أحياناً لعشرات السنين أو مئة سنة أو مئتي سنة أو أكثر أو أقل، وبالتالي طول زمن المعركة لا يجوز أن يكون سبباً لليأس، ولا تبريراً للعجز، على الإطلاق، الأجيال يجب أن تحمل هذه المسؤولية ، والراية يجب أن تنتقل من جيل إلى جيل، ويجب أن تتواصل المقاومة.
الجيل المعاصر إذا كان يَشعر أنه غير قادرٍ على تحقيق الإنتصار، أو على ممارسة المقاومة الميدانية الفعلية والإيجابية والجدية، في الحد الأدنى عليه أن لا يستسلم، عليه أن لا يُشرّع الإحتلال، عليه أن لا يعترف بالإحتلال، عليه أن لا يُوقع صك الإعدام والتخلي عن الأرض وعن المقدسات، فقط نُسمي المقاومة السلبية، وكثير من الشعوب في التاريخ مارست المقاومة السلبية، عدم الإستسلام وعدم الشرعنة وعدم الإعتراف، حتى لو أنه لم يٌقاتل ولم يتظاهر ولم يعتصم ولم يخطب و..، فقط بقي سلبي إزاء الإحتلال، لم يستسلم له ولم يعترف به ولم يُسلم له ولم يُوقع له، ويترك هذا الأمر للجيل الآتي، بل يكون الجيل الآتي يملك الإرادة أو الإمكانات، وقد تتوفر له الظروف المحلية أو الإقليمية أو الدولية التي تُمكنه من إطلاق مقاومة جادة ومن تحقيق النصر، الظروف والإمكانات، الضعف والخلل وتخلي الآخرين والأوضاع الصعبة وقوة العدو، كل هذا لا يجوز أن يكون سبباً وليس حجةً لا إنسانية ولا أخلاقية ولا قانونية ولا شرعية أمام أحد ليتخذها حجةً للإستسلام ولشرعنة الإحتلال وتكريس الإحتلال، وإنما تبقى مسؤولية المقاومة لتنتقل من جيل إلى جيل.
سابعاً: هزيمة قوى الإحتلال أيضاً طوال التاريخ،لأننا جزء من هذا التاريخ، جزء من السنن، هي تجري علينا القوانين الحاكمة في التاريخ وفي المجتمعات البشرية، توجد الكثير من قوى الإحتلال التي إحتلت ثم هُزمت، طبعاً تُهزم لأسباب، يُمكن أن يكون من الأسباب أنه في الأرض التي إحتلتها قام شعب هذا البلد بالمقاومة وبإستنزاف جيش الإحتلال، خسائر بشرية وخسائر مادية وضغط نفسي، وصل إلى محل أن البقاء هو غير مُجدي وأن البقاء مُكلف، وأن البقاء له تبعات، يُمكن أن تحدث ضغوط داخلية في داخل دولة الإحتلال، أتكلم بشكل عام، مما يؤدي إلى خروجه، وهذا له نماذج معاصرة، حتى لا نأتي بنماذج من التاريخ، فيتنام وجنوب لبنان في 25 أيار2000 وقطاع غزة هذه شواهد معاصرة، الإسرائيلي اضطر أن يطلع من أرضنا نتيجة الإستنزاف والعمليات، هكذا حصل في الجنوب وهكذا حصل في غزة، العمليات الإستشهادية والعمليات اليومية رأى الإحتلال أن هذا الأمر مُكلف وله ثمن، وحصل جدال داخلي وضغط داخلي وقناعة عند قيادة العدو وكيان العدو أنه لا جدوى من البقاء، أعباء البقاء كبيرة جداً فحمل نفسه ومشى.
هناك سبب آخر أحياناً قد يكون سبب وقد يكون العامل لخروج قوات الإحتلال من أرضٍ محتلة، هو تداعيات في دولة المركز، يعني حتى أذهب إلى المثل مباشرةً، مثلاً الإمبراطورية الرومانية أو الإمبراطوريات المشابهة كانت تحتل دول ما شاء الله، لكن عندما حصل الوهن في روما، الإنقسامات والإغتيالات والقتل والفساد والإنهيار، إنهارت دولة المركز وضعفت وتآكلت دولة المركز، لم يعد له خيار سوى أن يسحب جيوشه من الدول التي كان يحتلها ويُسيطر عليها، الآن لا مانع من أن يَجتمع السببان، أنه في اللحظة التي شعرت فيها الشعوب بضعف المركز قامت وثارت على جيوشه في البلدان المتنوعة والمتعددة فسرّع ذلك لإنسحابه، وهذا هو عادةً السبب الأساسي في إنسحاب الإمبراطوريات الكبرى التي كانت تحتل دولاً بأجمعها.
هذا الأمر بالنسبة لكيان العدو يُمكن أن يحصل، ويُمكن أن تجتمع هذه الأسباب على كيان العدو في يومٍ من الأيام، الإستنزاف الدائم والأوضاع الداخلية، الصراعات الداخلية في كيان العدو، والتي نشهدها وتتعاظم سياسياً وأ|يضاً على مستوى الإنتماءات المذهبية أو العرقية أو الجغرافية أو ما شاكل..، الفساد وصولاً إلى قمة الهرم وضعية جيش العدو ومعنويات جيش العدو والظروف الداخلية التي يعيشها، إذاً يوجد شيء له علاقة بالعدو ويوجد شيء له علاقة بدولة المركز، المركز الحالي والداعم لهذا الكيان هو الولايات المتحدة الأميركية.
وبالتالي، نعم يُمكن السنة ويمكن بعد خمس سنوات أو عشر سنوات أو عشرين سنة أو ثلاثين سنة الله أعلم، الله أعلم، لكن مسار الأمور، نعم، التاريخ يقول هذا، والقوانين تقول هذا، والتطورات تقول هذا، وجود شعوب حيّة ومقاومة لم تستسلم ولم تُسقط الراية من يدها بالرغم من كل التضحيات، التجارب تقول هذا، أنه يمكن هذا الأمر أن يحصل في أي وقتٍ من الأوقات، وهذا الأمر سيحصل قطعاً، المسألة هي مسألة وقت.
النقطة التي تليها في هذا القسم وهي النقطة ما قبل الأخيرة، أنه نحن اليوم معركتنا في الحقيقة يجب أن نكون واضحين هي مع من؟ يعني من الذي يقف في الجبهة الأخرى؟ عندما كنا نُقاتل الإحتلال الإسرائيلي في لبنان، في الحقيقة نحن من كنا نُقاتل؟ الشعب الفلسطيني منذ 72 سنة إلى اليوم يُقاتل ويُناضل ويقاوم ويواجه بشتى أنواع المقاومة الشاملة، هو في الحقيقة في وجه من يقف ومن يقاتل؟ الصورة البسيطة الظاهرية أن الجبهة هي مع إسرائيل، مع العدو الإسرائيلي، مع الجيش الإسرائيلي، مع الحكومة الإسرائيلية، لكن النظرة العميقة تقول غير ذلك، تقول أن المعركة الحقيقية هي مع الولايات المتحدة الأميركية، “إسرائيل” هي جزء من جبهة المعركة الأميركية، هي الثكنة المتقدمة، هي الخط الأمامي، هي الجبهة الأمامية، لكن المعركة الحقيقية كانت وما زالت هي مع الولايات المتحدة الأميركية، مع الحكومات الأميركية المتعاقبة، هذا المفهوم وهذه النظرة البعض طبعاً يَقبل بها، والذي لا يًقبل بها يجب أن يُعيد النظر، ومن يَقبل بها البعض يَقبل بها ضمناً ولكن يتصرف بطريقة مختلفة، لكن هذه هي الحقيقة، مثلاً في لبنان، وفي فلسطين وفي هذا الصراع، من الذي يدعم إسرائيل؟ عسكرياً، السلاح هو أعظم وأحدث التكنولوجيا، أميركا تعطي طائرات وتكنولوجيا عسكرية إلى إسرائيل لا تًعطيها لأيٍ من حلفائها في العالم، في الموضوع الأمني والمعلوماتي والسيطرة الأمنية، وفي الدعم المالي وفي الدعم الإقتصادي، المساعدات التي تُقدمها وما زالت بمليارات الدولارات سنوياً، تتحنن والله للبنان مئة مليون دولار للجيش اللبناني أو مئة وعشرين أو أكثر أو أقل، بالأردن يدفعوا فلسين وبمصر يدفعوا فلسين، لكن الأموال الطائلة تُعطى لإسرائيل، التعاون العسكري والمناورات المشتركة مع جيش العدو الإسرائيلي، والأهم تسخير كل النفوذ السياسي الأميركي في العالم لمصلحة “إسرائيل” وتثبيت “إسرائيل” وشرعنة “إسرائيل” وتفوق “إسرائيل” على كل الدول العربية والإسلامية وشعوب المنطقة.
نحن في لبنان أميركا كانت لا تسمح حتى بإدانة العدوان والإحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، تضع “تحط” فيتو على إدانة مجزرة قانا، وعلى أي جريمة ترتكبها “إسرائيل” في لبنان، حتى إدانة ممنوع أن تُدان إسرائيل، والعامل الأساسي هو أميركا، أميركا تُوظف كل علاقاتها الدولية وعلاقاتها مع دول الإقليم لمصلحة إسرائيل، مع الأنظمة الآن، لأن هذا يُدخلنا فيما بعد على حكاية التطبيع، مع الأنظمة، أنت تريد أن تُصبح ملك؟، ماذا سوف تفعل لإسرائيل؟ يجب أن يُقدم برنامج عمل، خدمات لإسرائيل، للتطبيع مع إسرائيل، لتثبيت وجود إسرائيل، لتقوية إسرائيل، لدفع الأخطار عن إسرائيل، أنت ملك أو أمير أو زعيم أو رئيس تريد أن تبق؟ ما هو الشيء الذي تريد أن تُقدمه إلى إسرائيل؟ التقرب إلى أميركا صار بوابته إسرائيل، من الذي عمل هذه البوابة؟ أميركا نفسها، منذ مدة قريبة مثلاً السودان مجلس السيادة السوداني يريد أن يشتغل كي ترفع العقوبات عن السودان أو يتم رفع أو إلغاء أو شطب السودان من لائحة الإرهاب الأميركية، ما هي البوابة؟ يجب أن تذهب ” تبرم”مع نتنياهو، تقعد مع نتنياهو أهلاً وسهلاً بك نأتي ونتكلم معك، نتنياهو على طريقة وزير الدفاع عندما تكلمت في المرة الماضية عن سوريا وزير الحرب الإسرائيلي أنه يُقدم إنجازات كاذبة للجمهور الإسرائيلي، نتنياهو مثله، يعني نتنياهو اليوم هو يُقدم أن بعض التطبيع الذي يحدث مع بعض الزعماء العرب أو بعض دول العرب أو بعض دول الخليج أن هذه نتيجة حنكته وسياساته وقيادته، هذا طبعاً تضليل للرأي العام، هذا نتيجة وهن هذه الحكومات وهؤلاء القادة، ونتيجة الإرادة الأميركية، أميركا تريد من هذا الملك ومن هذا الأمير ومن هذا الشيخ ومن هذا الرئيس ومن هذا الزعيم أن يتقرب من إسرائيل وأن يُطبّع مع إسرائيل، حيث أن رئيس حكومة العدو الآن هو نتنياهو فيجب أن تقعد مع نتنياهو، لو أن رئيس حكومة العدو شخص غير نتنياهو فيجب أن تقعد مع هذا الشخص الذي هو غير نتيناهو، على كلٍ أميركا تُسخّر نفوذها وعلاقاتها الدولية وقوتها وقدرتها وكل ما تملك في العالم من أجل تثبيت إسرائيل وتقوية إسرائيل وتفوق إسرائيل، وتفرض ذلك على الحكومات والأنظمة العربية ، إذاً المعركة الحقيقية مع الإدارة الأميركية وليس فقط مع هذا الكيان، أميركا تشن الحروب في المنطقة لمصلحة تثبيت إسرائيل ودفع الأخطار عنها، أميركا تدعم وتدفع بإتجاه حروب في المنطقة من أجل الدفاع عن إسرائيل وتثبيت إسرائيل، حرب صدام حسين على الجمهورية الإسلامية 8 سنوات.
اليوم الحرب في اليمن، الحروب الموجودة في منطقتنا بتفعيل وتمويل وضغط ومتابعة ودعم أميركي، أحد أهدافها الكبرى هو حماية إسرائيل بسبب التحولات الكبرى لمصلحة المقاومة وثقافتها وإرادتها وفكرة المقاومة في منطقتنا خصوصاً في العقود الماضية، بعد إنتصار الثورة الإسلامية في إيران، وإنتصار لبنان وغزة والتحولات الموجودة في منطقتنا، إذاً العدو الذي نقاتله في الحقيقة هم الأميركان، الان أحياناً نحن وإياهم لا “نتقاوص” ولا نطلق النار على بعضنا بشكل مباشر في بعض الجبهات، لكن في مجمل المعركة في مجمل الجبهة هذه هي الحقيقة، طبعاً، أنا لا أقول ذلك لأصعّب المعركة، كلا، أنا أقول ذلك لأوصّف حقيقة المعركة ونصوّب المسار ولنقول أن المعركة نعم صعبة وأن المعركة طويلة وأنها تحتاج إلى زمن وتحتاج إلى تضحيات ولكن أيضاَ لنضيء على حجم الصمود في محور المقاومة، دول وحكومات وشعوب وقوى وفصائل على حجم الإنجازات وعلى حجم الإنتصارات، لان المعركة إما تكون مع “إسرائيل” الموجودة في فلسطٍين المحتلة كدولة إقليمية قوية والمعركة طرفها القوة العظمى الاولى في العالم وهذا يختلف كثيراً بتقييم الإنجازات والإنتصارات وتقييم التضحيات وتقييم وتحديد الفرص والتهديدات وقراءة البيئة الإستراتيجية.
النقطة الأخيرة في القسم الاول، هو الإشارة الى أنه في توصيف الواقع الحالي فإن المشروع الحقيقي الان بدأ واضحاً، خصوصاً بعد إعلان صفقة القرن، أن المشروع الإسرائيلي الأميركي الحقيقي في الموضوع الفلسطيني هو ليس قيام دولتين ولا قيام دولة فلسطينية بمعزل عن طبيعة وحدود وماهية هذه الدولة الفلسطينية وإنما بعد ضم القدس والجولان والان الإتجاه نحو ضم أجزاء من الضفة الغربية مما سيمهد لضم الضفة الغربية كاملاً، وأيضاً الإتجاه إلى ضم أغوار الأردن، هذا يعني أن الإسرائيلي يسير بإتجاه السيطرة الكاملة والضم الكامل لكل الأراضي العربية المحتلة في فلسطين، أو الجولان أو بقية الأرض اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر وأقصى ما يمكن أن يقبل به للفلسطينيين هو حكم ذاتي إداري محدود وهذا ما يجب أن يبنى عليه في الموقف الأتي الان من قبل الفلسطينيين ومن قبل أطراف الأمة.
ننتقل إلى القسم الثاني لنتكلم عن البيئة، إذا في النقاط الأولى نحن ثبتنا أصول وثوابت ورؤية ووصفنا حقيقة المعركة القائمة، في البيئة الحالية أي بيئة الصراع الحالي، في تصنيف المحاور أو المواقع هناك دول في العالم العربي والإسلامي أصلاً خرجت من المعادلة، يعني لم يعد هذ الصراع وأنا أتكلم كدول وأنظمة، أنا لا أتكلم عن الشعوب الان، كأنظمة هذا الأمر لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد، لا هي في العير ولا في النفير وساكتة، صامتة الخ، ومشغولة بحالها وبأزماتها الإقتصادية والداخلية ومشاكلها أو تتنعم بسلطانها، هناك دول أخرى خرجت من معادلة الصراع مع العدو لكن ليس لتصبح حيادية وغير معنية بل إنتقلت الى موقع من يساعد العدو في هذه المعركة، ولكن يساعده بالطريقة الممكنة والمتاحة، ليس الى حد إرسال قوات مسلحة إلى فلسطين للقتال إلى جانب الجيش الإسرائيلي، كلا، لكن محاصرة الفلسطينيين ووقف الدعم عن الفلسطينيين، وإعتقال فلسطينيين في البلدان العربية، ووضع حركات المقاومة الفلسطينيية واللبنانية وغيرها على لوائح الإرهاب، الدفاع عن إسرائيل في المحافل الدولية والتصويت لمصلحة إسرائيل في بعض المنظمات الدولية، هذا يحصل، وعلى مدار السنوات الماضية، الشواهد كلها تعرفونها، إذا هناك دول إنتقلت إلى موقع ضمناً في الحقيقة الصديق والمساند لإسرائيل والخصم أو الضاغط والذي يتعاطى بقسوة أو بحدة مع الشعب الفلسطيني، هناك دول ما زالت في قلب المعادلة وفي قلب الصراع لها موقفها الحاسم والواضح والقوي وهي عدد قليل جداً وفي مقدمها الجمهورية الإسلامية في إيران والجمهورية العربية السورية، إذا تكلمنا على مستوى المواقف الحاسمة، يوجد قوى شعبية وحركات مقاومة في اليمن والعراق وأفغانستان وباكستان وبطبيعة الحال في لبنان، شعوبنا في المنطقة وفي البحرين وشمال أفريقيا وبنيجيريا وعلى إمتداد العالم العربي جيد وحاضن وداعم وقوي، لكن عندما نتكلم عن حكومات دول المقاومة وقوى المقاومة نتكلم عن عدد محدود ولكنه ليس ضعيفاً وقوي وكبير ومهم ومؤثر في منطقتنا بشكل أساسي، هذا الذي نسمّيه محور المقاومة في مواجهة المحور الأميركي الإسرئيلي وهنا تأتي الدول العربية تجلس على حياد ودول عربية مساندة بشكل او بآخر للمحور الأميركي الإسرئيلي وأحياناً تقدم له علناً خدمات جليلة كتلك الخدمات التي قدمت للمحور الاميركي الإسرائيلي في سورية أو في العراق أو في اليمن أو في البحرين أو ضد الجمهورية الإسلامية أو في أماكن أخرى أو في لبنان، عندما نأتي إلى هذا الصراع بين هذين المحورين أريد أن أتكلم قليلاً عن بلدان محور المقاومة من الزاوية الإسرائيلية لنقول أن الإسرائيلي والأميركي على ماذا كان يراهن؟ وأين أخفق؟ ومكان إخفاقه.
نحن أنجزنا، ونحن إنتصرنا ونحن صمدنا وأنا لا أقول بأنه أخفق لأنه هو لا يعرف أين يدير او لديه ضعف في الإمكانات البشرية أو المادية أو المالية أو الإقتصادية، لأنه إنما هي نتيجة أيضاً الحضور والقوة والتضحيات والصمود والثبات والشهداء والصبر والتحمل في محورنا، وهذا طبعاً وهذه القراءة أريد أن أخلص فيها لنتيجة تضيء لنا المسار وتعطينا الأفق والأمل وتحدد لنا مسؤولياتنا للمرحلة المقبلة، لأن نهاية الطريق هي فلسطين، فأترك فلسطين للآخر وأبدأ من الأبعد، الأبعد جغرافياً، من إيران، في النظرة الأميركية الإسرائيلية، إيران هي مركز الثقل في محور المقاومة، خصوصاً في السنوات الأخيرة وخاصة بعد ما تعرضت سوريا إلى ما تعرضت له، سوريا أيضاً أصبحت بحاجة إلى مساندة الحلفاء في مواجهة الحرب الكونيّة وهذا أكد أن إيران مركز الثقل، ولذلك هي الأكثر إستهدافاً من المحور الأميركي الإسرائيلي، كانت في العام الماضي، لكي لا نتكلم من قبل 40 سنة إلى اليوم، كلا، خلال العام الماضي كان هناك رهانات أميركية إسرائيلية على إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، أو بالحد الأدنى على تغيير سلوك النظام كما يقولون هم، وخاصة في الموضوع الفلسطيني والإسرائيلي، عندما إنسحب ترامب من الإتفاق النووي وأعاد العقوبات، كان يراهن على أن الإنسحاب من الإتفاق النووي سينتج خصاماً كبيراً جداً داخل القوى السياسية في إيران، وستحصل ردة فعل شعبية غاضبة، وستؤدي العقوبات إلى أزمة إقتصادية وإجتماعية ومعيشية، وستنزل الناس إلى الشوراع ودائماً هو كان يتكلم عن المظاهرات بمئات الالاف، وهذا كان فقط في ذهنه وفي هوليوود.
وكان يوجد رهان كبير على هذا الموضوع وكلنا نتذكر جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق الذي توّعد بأنه سيقيم عيد الميلاد في طهران في نهاية عام 2019، إنتهى عام 2019 ودخلنا عام 2020 وبولتون ذهب إلى البيت ونظام الجمهورية الإسلامية ما زالت عاصمته طهران. الإسرائيليون راهنوا كثيراً على هذا العمل الأميركي، ونتذكر كيف أن نتنياهو وقادة العدو عملوا بجهد كبير جداً في أميركا من أجل أن تخرج الإدارة الأميركية من الإتفاق النووي ومن أجل أن تعيد فرض العقوبات ومن أجل أن تشدد الحصار على إيران، وهذا كان الخيار الإسرائيلي والرهان الإسرائيلي، واليوم عندما نقرأ كل التقديرات الإستراتيجية الإسرائيلية التي تصدر أخر العام 2019 بداية العام 2020، كلها تجمع على فشل إسرائيلي إستراتيجي في هذا الرهان، نتكلم هنا عن مكامن فشله وخسارته وهزيمته، طبعاً عندما نقول هذا الرهان فشل، هذا نتيجة توحد موقف الجمهورية الإسلامية وصمود القيادة والنظام والشعب وتحمّل العقوبات وتحمّل الأعباء والإصرار على الثوابت والمبادىء والهوية والعزة والسيادة والكرامة الوطنية وما شاكل، في النهاية هذا مدفوع ثمنه غالياً في إيران، دولة غير إيران وقيادة غير إيران ونظام غير إيران كان ممكن أمام حجم العقوبات والضغط الأميركي والغربي أن ينهار، أن يستسلم، أو يغيّر سلوكه، أو يبدّل ويتراجع عن بعض ثوابته، أو يأجّلها مثلاً، إذاً هذا لم يحصل.
من جملة الرهانات الإسرائيلية الفاشلة في الموضوع الإيراني الرهان على حرب أميركية على إيران أو حرب أميركية – إيرانية، كان الإسرئيليون يدفعون بقوة بهذا الإتجاه، لأنه يعتبر إذا شنت حرب على إيران ستدمر إيران، حتى لو بقيت وبقي النظام لكن إيران بحاجة إلى مئة سنة لكي تقف على قدميها وبالتالي ما تستطيع أن تقدّمه من مساندة سياسيّة ومعنويّة وعسكريّة وماديّة للشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة ولحركات المقاومة ضد المشروع الصهيوني كله سيتوقّف، هذا الرهان أيضاً فشل وباءت آمال نتنياهو والقادة الصهاينة بالخيبة. يمكن إرتفع عندهم الأمل بعد عمليّة إغتيال القائدين الكبيرين الحبيبين الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس، عندما جاء الرد الإيراني على عين الاسد بالصواريخ التي ما زالت الإدارة الاميركية تخفي خسائرها، منذ بضعة أيام نزل شيء عن البنتاغون يتكلم عن أعداد قتلى وجرحى، أنا لا أعرف إذا هذا الكلام دقيق أو غير دقيق، لكن الإسرائيلين توقعوا أن هذا سيغضب ترامب بعد إسقاط المسيّرة الأميركية الضخمة في منطقة الخليج، وبعد قصف عين الأسد ويدفعه إلى رد فعل على إيران مما سيجر إيران إلى حرب مع أميركا، وجدوا أن ترامب إنسحب وتراجع، وفي اللحظة الحالية مع كل تهديد وتهويل ترامب، ما يزال الإعتقاد السائد أن أميركا وإيران أبعد ما يكونان عن الحرب نتيجة قوة إيران وخوف أميركا من التورط في حرب غير محسوبة النتائج، إذاً هذا أيضاً رهان إسرائيلي، سقط الإسرائيليون، راهنوا على المجموعات التكفيريّة والإرهابيّة التي نفذت في العام الماضي والأعوام الماضية والان تحاول أن تنفذ عمليات إرهابية داخل إيران، سواء في الحدود الشرقية أو في الحدود الغربية لإيران، الجمهورية الإسلامية واجهت هذا الرهان أيضاً بقوة، ففشل وسقط.
وآخر رهان إسرائيلي كان على الكورونا وأن حجم الاصابات في إيران سيؤدي إلى انهيار النظام الصحي وإلى غضب اجتماعي وغضب شعبي وانهيار اقتصادي وو… هذا كله موجود في توقعات وتقديرات الإسرائيليين الخائبين، لكن الجمهورية الإسلامية خرجت من امتحان الكورونا الحمد لله مثل ما سماحة القائد أيضاً يعبّر بمفخرة الدولة والنظام والشعب الإيراني في التعاطي مع هذه الجائحة، وبالعكس ما كان امتحاناً صعباً إيران ستخرج منه أقوى إن شاء الله.
العالم اليوم، منظمة الصحة العالمية تعترف أن النظام الصحي في إيران هو من أقوى الأنظمة الصحية في المنطقة. أميركا متربكة وضائعة، قوى كبرى في العالم مرتبكة وضائعة، الجمهورية الإسلامية تدير هذا الأمر بحكمة ودقة ومسؤولية وثبات وتفاعل وتعاون شعبي كبير وتضامن وتكافل اجتماعي كبير وستعبر، لكن لا نعرف إلى أين سيصل الكيان الصهيوني بموضوع الكورونا.
يبقى في نهاية المطاف، يعود في النهاية الرهان الإسرائيلي والأميركي على العقوبات الاقتصادية والمالية على الجمهورية الإسلامية وما له من انعكاسات على الجمهورية الإسلامية وعلى مجمل محور المقاومة التي تدعمه الجمهورية الإسلامية. لكن في نهاية المطاف بهذا العنوان، إيران ما زالت ثابتة راسخة قوية، وهذا ما عبّر عنه أيضاً بوضوح اليوم في خطابه سماحة الإمام القائد السيد الخامنئي دام ظله بمناسبة يوم القدس، إذاً الرهانات خلال العام الماضي – إذا تحدثنا بالبيئة الاستراتيجية الحالية فيما يعني إيران وموقعها وموقفها من الصراع مع المحور الأميركي – الإسرائيلي في الموضوع الإسرائيلي والفلسطيني – يمكننا الحديث عن إخفاق أميركي إسرائيلي، عن صمود إيراني، عن ثبات إيراني وعن قدرة على تجاوز الصعوبات وإن شاء الله يتم تجاوز بقية الصعوبات.
أنتقل إلى المفردة الثانية، العراق، طبعاً العراق حتى أيضاً نكون شفافين وواضحين، يمكن إذا أردنا أن نوصف ونقول العراق كحكومة ونظام وبكله وكلكله هو جزء كامل من محور المقاومة يمكن أن يكون في هذا الموضوع استعجال أو نقاش، لكن لا يوجد شك أن في العراق حصل تحول كبير جداً لمصلحة محور المقاومة ومشروع المقاومة، وجود حركات مقاومة، وجود روح مقاومة، وجود ثقافة مقاومة في العراق هذا واضح وحقيقي للعيان، موقع العراق الجديد في مجمل وضعية المنطقة، أيضاً وجود الحشد العشبي وإن كان هو قوة رسمية لكن الحفاظ على العراق وقوة العراق يتنافى مع المشروع الصهيوني، لأن الإسرائيليين كانوا من أشد المحرضين ليس فقط على احتلال العراق بل كانوا من أشد المحرضين على تدمير الجيش العراقي، على تدمير القوة العسكرية العراقية، على تدمير الشعب العراقي، وهذا فيه وثائق، لا نتحدث عن ثلاثة آلاف سنة، هناك وثائق من زمن جورج بوش الابن عندم شن حرباً على العراق، اللوبي الصهيوني اليهودي في أميركا ماذا كان يريد من الإدارة الأميركية، ليس فقط احتلال العراق وإنما أيضاً تدمير العراق. أن ينهض العراق من جديد، أن يقوم نظام عراقي وجيش عراقي وحشد شعبي عراقي وحياة حقيقية عراقية واقتصاد عراقي والعراق لا يمكن أن يكون جزء من المحور الأميركي – الإسرائيلي أو أن يكون حليفاً لإسرائيل قطعاً ضمن التركيبة وما نعرفه عن إخواننا في العراق، هذا لا شك أنه تطور كبير ومهم.
والأمر الآخر الذي أنجز وتحقق في العراق أن أميركا وإسرائيل كانتا تعملان من خلال الجماعات التكفيرية، أعود وأذكر أن ترامب يقول أن داعش صناعة أميركية وصناعة أوباما وكلينتون، واحدة من الخيارات خلال السنوات الماضية كان إطلاق الحرب الطائفية في منطقتنا، الحرب السنية – الشيعية في منطقتنا، صمود العراقيين، ثبات العراقيين، وحدة العراقيين في مواجهة الجماعات التكفيرية، في إطار الحشد الشعبي، في إطار القوات العراقية، في الموقف السياسي الوطني، الانتصار على داعش، الاستعداد الآن لاستكمال المعركة مع داعش، كل هذه هي عناصر قوة في المنطقة، بشكل أو بآخر هي تخدم محور المقاومة وهي تلحق الخيبة في الأهداف الحقيقية الإسرائيلية فيما يعني العراق والمنطقة. وعلى كل حال مسؤولية والأخوة والأخوات العراقيين أنفسهم إن شاء الله يدفع العراق باتجاه موقعه الطبيعي من خلال انتمائه الاسلامي والعربي والعقائدي في موقعه الطبيعي من الصراع مع العدو الإسرائيلي على المستوى الشعبي والمرجعي هذا موجود، أنا أتحدث حتى على المستوى الرسمي الحاسم والكامل إن شاء الله.
في سوريا، سوريا موقعها في محور المقاومة قديماً وحديثاً معلوم وواضح لا يحتاج إلى شرح، تعرضت سوريا لحرب كونية، لا أريد أن أعيد ما ذكرته لأنه تحدثت عن سوريا بالتفصيل قبل أيام، فشل الحرب الكونية على سوريا، سوريا انتصرت في الحرب، ما زال أمامها بعض المعارك لتخوضها، بقيت القيادة السورية والدولة السورية، والجيش السوري بدأ أيضاً يستعيد عافيته، مشروع “إسرائيل” وهذا كان مشروع أميركي- إسرائيلي في سوريا، إسقاط هذه الدولة وهذا النظام وهذه القيادة ولا داعي لنعود لهذا البحث والاستدلال عليه، طبعاً عندما فشلوا في إسقاط الدولة في المعركة الكبرى كان عندهم طموح الحفاظ على الحزام الأمني في جنوب سوريا في منطقة القنيطرة ودرعا والمناطق المجاورة للجولان السوري المحتل، أيضاً هذا فشل وسقط. اليوم الإسرائيليون عنوان معركتهم في سوريا بعد كل هذا الفشل الذريع للمحور الأميركي الإسرائيلي في سوريا، عنوان معركتهم استغلال الفرض لمنع عودة الجيش السوري ليستعيد عافيته وقدرته الردعية التي كان يمتلكها قبل الأحداث وبالخصوص القوة الصاروخية، عنوان إخراج الوجود الإيراني، الإيرانيين وحزب الله وفصائل المقاومة من سوريا وقلنا سيفشلون وهم فشلوا حتى الآن، ويمدون أيديهم على شرق الفرات ليلعبوا من جديد بالموضوع الكردي وبالخصوصيات الموجدة هناك.
ولكن أنا أيضاً أعتقد أن ما حصل في سوريا هو انتصار كبير لمحور المقاومة، فشل ذريع وكبير للمحور الأميركي الإسرائيلي، خيبة كبيرة لما كانت تطلع إليه إسرائيل، كانت تتوقع أن تأتي حكومة إلى دمشق على الدبابة الأميركية وتؤجر – من الممكن أن لا يكونوا يخجلون لأن هناك أناس كانوا واضحين ليس عندهم مشكلة أن يعطوا الجولان لإسرائيل – فمن الممكن أن يؤجروا الجولان لإسرائيل 99 سنة قابلة للتمديد لاحقاً والحكومة في سوريا تصبح حليفاً لإسرائيل وأشد التصاقاً بإسرائيل حتى من بعض الدول العربية المطبعة وجزء من المحور الأميركي الإسرائيلي، هذا كله خاب، والسنة الماضية أكّدت وكرّست هذه الخيبة. طبعاً مع سوريا مثل ما أنهينا مع إيران أنه بقي الرهان على العقوبات، الآن مع سوريا بقي الرهان على العقوبات وهناك قانون قيصر الأميركي الذي سيبدأ تطبيقه قريباً الذي سيزيد الضغط والحصار والعقوبات الاقتصادية والمالية على سوريا وهذا نفس التحدي، هذا عنوان أختم به في الآخر. إذاً هنا أيضاً نتحدث عن خيبة إسرائيلية وعن فشل إسرائيلي خلال العام الماضي، الأهداف التي وضعها الإسرائيليون لأنفسهم والأميركيون لأنفسهم في سوريا لم يستطيعوا أن يحققوا شيئاً منها، طبعاً لم يحققوا مثل ما تحدثنا عن إيران، ولكن هنا أيضاً بالدماء وبالتضحيات وبالصبر وبالصمود وبالتحمل وإلى آخره.
اليمن، بمعزل كيف بدأت الحرب في اليمن حتى لا نعيد سرد القصة من أولها، لكن مع الوقت أصبح واضحاً أن أحد أهداف الحرب المعلنة في اليمن هو منع قيام قدرة وقوة للمقاومة في اليمن من خلال ما يعبر عنه الشعب اليمني وفي مقدمه وفي قيادته حركة أنصار الله، هذا كان مطلوباً أن ينتهي وأن لا يكون لليمن أي مشاركة أو موقع لا سياسي ولا إعلامي ولا شعبي فضلاً عن عسكري في مجمل قضية الصراع مع العدو الإسرائيلي، كلنا نعرف أهمية اليمن في هذه المعركة، موقعه الجغرافي الاستراتيجي، إطلالته على البحار والمعابر والممرات المائية الاستراتيجية ولذلك هذه الحرب هي حرب أيضاً أميركية وهي حرب إسرائيلية، إسرائيلية داعمة لهذه الحرب على اليمن وتساعد بالتكنولوجيا وبالمعلومات وبالدعم وبأشكال الدعم المختلفة، هذه الحرب أيضاً بعد أن دخلت عامها السادس هناك فشل أميركي – إسرائيلي – سعودي مع بقية دول العدوان في الحرب على اليمن، الذي حصل هو العكس، هم أرادوا أن يمنعوا قيام قوة من هذا النوع في محور المقاومة، قامت هذه القوة وتعاظمت خلال السنوات الماضية بحيث أصبح لديها صورايخ بالستية ولديها مسيرات ولديها دفاع جوي ولديها صناعات عسكرية حقيقية ولديها قوات عسكرية تستطيع أن تقوم بتحرير مساحات ضخمة بحجم دول في عملية هنا أو عملية هناك، وهم الآن يقفون عاجزين وخاضعين وليسوا قادرين على تغيير المعادلة الميدانية هناك. هذا أيضاً في البيئة الاستراتيجية اليوم، هذه قوة نوعية وكمية مهمة جداً أضيفت وتكرست خلال العام الماضي وأصبحت نقطة قلق للإسرائيليين وشاهدنا السنة الماضية التهديدات التي حصلت بين أخينا العزيز القائد السيد عبد الملك الحوثي وبين عدد من القيادات الإسرائيلية، هذا من جهة.
من جهة ثانية، الفشل في اليمن كان له انعكاس مهم على صفقة القرن، لأن أحد أركان صفقة القرن هو الأمير محمد بن سلمان الذي لو قدر له أن ينتصر في حرب اليمن لقدم بعنوان الفارس العربي القائد الفاتح العظيم والذي سيعطيه مكانة إقليمية ومكانة عربية معينة تسخر لمصلحة فرض صفقة القرن على الشعب الفلسطيني، هزيمة محمد بن سلمان في اليمن هي ضربة قوية جداً لأحد الأركان الأساسية الذي كان سيسخر انتصاراً من هذا النوع لو حصل في اليمن لمصلحة إنجاح صفقة القرن.
نصل إلى لبنان ونختم بفلسطين، في لبنان لن أطيل لأنه كما قلنا سنتحدث بعد عدة أيام ونفصل أكثر بالموضوع اللبناني، لكن في الخلاصة في لبنان الردع على طرفي الحدود، إسرائيل في موضوع لبنان حذرة وقلقة، تخشى الذهاب إلى حرب، تدرس ما تقوم به بدقة وتحسب ردات فعل المقاومة، البعض سيقول أن الردع موجود على الطرفين، جيد ليس هناك مشكلة أن يكون الردع موجوداً لأنه دائماً كان الاسرائيلي هو المتفوق واللبناني هو المردوع، أن يكون الردع موجوداً على الطرفين هذا إنجاز للبنان. من جملة أهداف إسرائيل الاستراتيجية خلال العام الماضي كان منع تعاظم قدرات المقاومة في لبنان، هذا الهدف لم يتحقق، خلال العام الماضي قدرات القاومة كانت تتعاظم وهذا ما يعترف الإسرائيليون بأنهم فشلوا في تحقيقه، برغم من كل الغارات الجوية التي قاموا بها على الأهداف التي يتحدثون عنها في سوريا ومن جملتها ما يرتبط بعمليات النقل كما يقولون.
قدرات المقاومة في لبنان تعاظمت، إذاً هذا الهدف فشلت إسرائيل في تحقيقه – هذا نتكلم لاحقاً عنه إن شاء الله بالتفصيل – لذلك نجد الإسرائيليين خلال العام الماضي كانوا يراهنون على التطورات الداخلية في لبنان أكثر من الرهان على قوتهم في مواجهة المقاومة، عندما حصلت أحداث تشرين في العام الماضي الإسرائيليون ابتهجوا بما يجري في لبنان واعتبروها ثورة شعبية ضد حزب الله مثلاً، والآن الإسرائيليون أيضاً يراهنون على الوضع الداخلي، على الوضع الإقتصادي، على العقوبات الأمريكية ، يراهنون على انقلاب بيئة المقاومة على المقاومة، يتحدثون عن هذا علناً، في الإنتخابات الماضية تابعوا الإنتخابات وتوقّعوا إنقلاباً أو وُعِدوا من قِبَل بعض جماعاتهم في البيئة الشّيعية أنّ هُناك تحوّل كبير في البيئة الشّيعية خصوصاً وفي البيئة العامّة الدّاعمة للمقاومة، فُوجِئوا بنتائج الإنتخابات قبل عامين، الآن هم ما زالوا يعملون، يراهنون على إنقلاب البيئة على المقاومة كما يقولون أي العقوبات، في إيران انتهينا للعقوبات والحصار، في سوريا انتهينا الى العقوبات والحصار وقانون قيصر، في اليمن العقوبات والحصار قائمة وفي لبنان أيضاً ننتهي إلى نفس الموضوع، ومحاولة اللعب على الوضع اللبناني على مقولة يا لبنانيين إذا أردتم أموال وان يتم إنقاذ إقتصادكم وحتى لا تموتوا من الجوع عليكم أن تسلّموا سلاحكم وأن تلقوا سلاحكم وأنت تتخلّوا عن المقاومة وهنا تبدأ الألف، وبعدها الحدود البحرية تُرسّموها كما تريد أمريكا وإسرائيل وتحسموا نقاط النّزاع كما تريد إسرائيل وأميركا وإلا فإنّ الأمريكان سيغضبون عليكم وسيمتنعون عن إعطائكم مساعدات ولن يسمحوا لصندوق النقد ولن يرفعوا العقوبات، وبعدها عليكم أن تقبلوا بالطرح الأمريكي لترسيم الحدود البحرية.
والشروط الأمريكية لها ألف وليس لها ياء، وليس لها حدّ تقف عنده، في كل الأحوال هذا الذي يحاولون إثارته اليوم في البلد هذا أيضاً نتركه ونتكلم عنه بعد كم يوم بالتفصيل، لكن أنا اقول لكم بكل صراحة وبساطة الدول التي استسلمت الآن هي ميْتة من الجوع وبقيت جائعة ولن يساعدوها وليس هذا هو الحل، هذا من جهة ولا أريد ان أطرح أمثلة تعرفون الكثير منها، وأيضاً نحن نستطيع من خلال قدراتنا البشرية والمادية وإمكاناتنا الموجودة بالبلد وتضامنا وعقلنا وإرادتنا الوطنية أن نحافظ على سيادتنا وأن لا نموت جوعاً، ليس صحيح أننا بين خيارين، نحن نستطيع أن نكون أقوياء في لبنان ونحافظ على سيادتنا وحدودنا وأمننا وأن نردع عدونا ونستعيد مياهنا الإقليمية ونحفر أبار نفط وغاز في هذه المنطقة ويكون بلد عزيز ويخشاه العدوّ وأن لا نموت الجوع، هذا أتكلّم فيه أكثر بالتفصيل، إذاً يصبح العنوان مجدداً العقوبات والرّهان على الجوع والضّغط، هنا نصل في المفردة الأخيرة الى فلسطين.
خلال السنوات الماضية، لكن خلال هذه السّنة 2019 – 2020 كان واضحاً الإستعجال الإسرائيلي، لأنّ الأمريكي والإسرائيلي يرى، وبنفس الوقت إيران تصمُد وصمدت، العراق يتجاوز المرحلة الصّعبة التي هو فيها، سوريا تنتصر بعد أن صمدت، لبنان والتحولات التي راهنوا عليها، في اليمن تكلمنا، في داخل فلسطين أيضاً عندما نأتي إلى العناوين نجد صمود غزّة هنا أيضاً فشل إسرائيلي في غزّة، في غزّة أيضاً جرى رهان على تحريض أهل غزّة على المقاومة، وسمعنا بعض الأصوات ورأينا بعض مواقع التواصل وبعض المقالات والأصوات التي أتت من الخارج، بأنّ ثمن أن لا نجوع في غزّة هو ان نستسلم وأن نقبل بااشروط الإسرائيلية، لكن غزّة صمدت في هذا الأمر، والأمر الثاني كان هدف الإسرائيلي في غزّة منع تعاظم قدرات المقاومة واليوم الإسرائيلي يعترف أنه عجز من منع تعاظم قدرات المقاومة في غزّة، لا إغتيال القادة ولا إغتيال المهندسين الفلسطينيين، ولا ضرب بعض المصانع المفترضة، ولا الحصار المالي والغير المالي إستطاع أن يمنع هذا التعاظم، وسمعنا قبل أيام قادة الفصائل والمقاومة الفلسطينية بعضهم يقول أن صواريخ المقاومة الفلسطينية تصل إلى كل المدن في فلسطين المحتلة، هذا التطوّر لم يكن في الوقت الذي كان هدف الإسرائيلي أنّ هذه القدرة تتضائل وتضعُف وتزول نجد انّ هذه القدرة تصاعدت، في الضّفّة الغربية إستمرار عمليات الشباب الفلسطيني والشجاعة التي شاهدناها من خلال العمليات المختلفة وآخرها عملية إلقاء الحجر الذي قتلَ جنديّا، إذاً هو يرى أنّ الشعب الفلسطيني ما زال يصمد، لكن الأهم في التطور العام الماضي عندما جاء ترامب وقدّم صفقة القرن بكل عنجهيّته وجبروته وتكبّره ضامناً معه مجموعة من الدول العربية التي ضغطت على السّلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية للقبول بصفقة القرن، ففوجئوا في موقف فلسطين، لم يجدوا فلسطينياً من أي فصيل فلسطين أو من أي موقع فلسطيني يمكن أن يوقّع على صفقة القرن، يمكن أن يقبل ببنود ومواد صفقة القرن خصوصاُ في ما يتعلّق بالقدس، وهذا طبعاً فشل أميركي وإسرائيلي كبير، ولكن هذا الفشل سببه الشجاعة الفلسطينية، الصّمود الفلسطيني، إردة التحدي الفلسطيني، الموقف الفلسطيني، الإجماع الفلسطيني، دائماً أنا أحبّ أن أذكّر وأقول هنا فشل وهنا فشل ليس لأنّ الإسرائيلي فاشل والأمريكي فاشل لا، لأنّ هناك من يقف ويصمد ويواجه ويصبر ويتحمّل ويضحّي ويملك إرادة وعزم ويفشل أهداف محور الهيمنة والإحتلال الأميركي الإسرائيلي.
لذلك هو بدأ بالتسارع، لأنه يرى أن البيئة الإستراتيجية لا ليست معلوم أن تبقى لمصلحته، والإسرائيلي خصوصاُ الآن يجب أن يستغل بقية الوقت المتاح لبقاء ترامب في البيت الأبيض، مع ذهاب ترمب ليس أن الإدارات الأمريكية مختلفة كثيراً بالإستراجيات، لكن بالتكتيك هذا مؤكّد، تختلف بالحدّة وبالشّدة والقسوة، تختلف بطريقة الإدارة والأداء والإحتيال، ولذلك ترامب هو فرصة تاريخية لكيان العدوّ، لذلك اليوم نراهم مستعجلين رغم معرفتهم مخاطر الخطوات التي يقدمون عليها، بعد ضم القدس الآن وضم الجولان، الذهاب لضم أجزاء من الضّفّة الغربية ولضم أغوار الأردن بالرّغم من تهديد السّلطة الفلسطينية، وبالرّغم من الموقف الذي يعبّر عنه الأردن بشكل أو بآخر، نجد أنّ الإسرائيليين ماضون بهذه الخطوة، لأنهم يعتبرون أنه بقي لديهم عدّة أشهر، يجب أن يستفيدوا من فرصة وجود ترامب في البيت الأبيض لإعلان هذا الضم ولأخذ تأييد أمريكي حاسم وقاطع، لأنه اذا ما اتى الديمقراطيين قد يردّوهم إلى فكرة الدولتين وما شاكل، بينما هذه الخطوات في إطار صفقة القرن مآلها إلى دولة إسرائيلية يهودية واحدة أقصى ما يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون في بعض الضفة الغربية هو حكم ذاتي إداري. حسناً، إذاً هنا توجد هجمة وتقدّم إسرائيلي لكن من موقع محاولة الإستفادة من الفرصة التي يخافون أن تضيع، وفي المقابل موقف فلسطيني لم يقدّم الغطاء ولم يسمح لهذه الخطوة ولهذا المشروع أن ينجح، حسناً هنا أيضاُ نريد أن نقف عند صمود الفلسطينيين عموماً، تمسّكهم في حقوقهم بداخل فلسطين وخارج فلسطين، في المخيمات في الشتات، صمود فلسطينيي 48، صمود أهل القدس بالتحديد، والحفاظ على معالم هذه المدينة كلها، طبعاً عندما نقول صمود بالرّغم من الظروف المعيشية الصّعبة، والإقتصادية الصّعبة والسّجون والإعتقالات وهدم البيوت والأذى الذي يلحق بهم يومياً والإهانات الشخصية وحالة الرّعب والخوف الذي يشيعها جيش العدوّ وأجهزته الأمنية، لكن الناس صامدون صابرون واعين ثابتين، ولا يحق لأحد في العالم العربي أن يتّهمهم أنهم تخلّوا عن قضيتهم تريدون منا أن نكون ملكيين أكثر من الملك لا، الفلسطينيون يثبتون يوماً بعد يوم أنهم متمسّكون بحقوقهم وثابتون في أرضهم وصامدون وصابرون بالرغم من عشرات السّنين وما مرّ عليهم وما لحق بهم.
العنوان الذي أريد أن أقف عنده بشكل سريع وهو عنوان التطبيع، ذهاب بعض الحكومات العربية إلى التطبيع، في السابق كانوا يقولون التطبيع بعد السلام الشامل، اليوم لا يوجد سلام شامل، هناك ضم للقدس، وضم للجولان، والان ذاهبين على ضم لأجزاء من الضّفة الغربية والحدود الأردنية الفلسطينية، ولكن هناك حكومات عربية جاهزة للتطبيع، طبعاً مثلما قلنا هذا ليس نجاح نتانياهو وانما نتيجة الإرادة الأمريكية وضعف هذه الحكومات وخضوعها إلى الإرادة الأمريكية وتذلّلها للأمريكيين، في كل الأحوال هذا التطبيع مُدان ويجب أن يُدان من كل المنابر ومسؤولية العلماء بالدّرجة الأولى أن يدينوه، وهذا امتحان كبير على كل حال للموقف، وثانياً الشعوب العربية الإسلامية يجب أن تعبّر عن موقفها في هذا المجال وتمنع الذهاب إلى التطبيع وخطوات التطبيع بكل ما هو متاح لديها، لكن النقطة التي أريد ان أتوقّف عندها مع التأكيد على الإدانة ووجوب مواجهة موضوع التطبيع، لكن التطبيع أيضاً هو مسار فاشل، في مصر رأينا، في الأردن، اليوم بعض ما تقوم به بعض دول الخليج لن يكون له عمق، سوف يبقى هامشياً وشكلياً وسطحياً ويعبّر عن إرادة سياسية وليس إرادة شعبية ولا عن وجدان شعبي، والإرادة الشعبية بالعالم العربي والإسلامي لا يعبّر عنها بعض المرتزقة من رجال الدين أو الصحافيين أوالنُّخب أو بعض الأشخاص المتفلّتين أو بعض مواقع التواصل ولا الجيوش الإلكترونية. الإرادة إرادة الشعوب العربية الإسلامية، فقط لو يُتاح المجال، ليس هناك داعي لأن يقيم أحد ما دعوة، فقط ان يُقال في اليوم الفلاني مسموح للشعوب العربية والإسلامية في كل أنحاء العالم ان تعبّر عن رأيها وموقفها من إسرائيل وفلسطين والقدس، هذا الذي يُعبّر وليس الجيوش الإلكترونية الذي يستطيع خمسة أو ستة اشخاص مع بعض الأموال أن يشكلوا جيش إلكتروني ويقول لك هذا رأي عام !
التطبيع الذي يقومون به أيضاً هو مسار فاشل، مسار خائب، وإن كان مساراً ذليلاً وخاضعاً وحراماً وخيانياً ويجب أن يتوقّف.
أيضاُ من نقاط التحولات المهمّة خلال 2019 -2020 فيما يرتبط بمحور المقاومة عملية إستشهاد القائد الكبير والعظيم الحاج قاسم سليماني قائد قوّة القدس والذي كان ركناً كبيراً من أركان محور المقاومة، أيضاُ إستشهاد القائد الكبير الحاج أبو مهدي المهندس الذي كان قائداً كبيراً في الحشد الشعبي، وعندما تحدّثت قبل قليل عن الإنجازات والإنتصارات في العراق وكان من الأساسيين في صنع هذه الإنتصارات، وكان أيضاً من القيادات والنُّخب والعقول التي تدفع بالعراق باتجاه ان يكون في موقعه الطبيعي في محور المقاومة، اما استشهاد الأخ الحاج قاسم سليماني نحن نعترف هذه كانت ضربة قاسية لمحورنا ولنا، واستشهاد الحاج بالمعنى الظاهري والخارجي والمادي والدنيوي هو خسارة كبيرة جداً لنا، لكن الله سبحانه وتعالى يعوّض على هذا المحور برفاق وأخوة وعائلة وأحبّة وأعزّاء الحاج قاسم سليماني، وأنّ دماء الحاج قاسم سليماني كما قلنا في المناسبات الماضية سوف ترسّخ وتعزّز مسار المقاومة والإندفاع كما فعل الشهداء القادة، الشهداء القادة من الفلسطينيين ومن اللبنانيين وفي أكثر من ساحة، هؤلاء القادة الشهداء بدمائهم نزداد تمسّكاً ورسوخاً وإيماناً ونشعر أنّ إلتصاقنا بهذه المسيرة يصبح أقوى وأشدّ وأنّ الأمانة أصبحت أعظم، والمسؤولية أصبحت أكبر، وأنّ الوفاء لهؤلاء الأحبّة والأعزّاء الذين استشهدوا في هذا الطريق، تدفعنا لمواصلة الطريق وتحمّل التعب والمشاق والمخاطر مهما كانت، من حيث المجموع اذا ما أردت ان اختم، عام 2019 والجزء الذي مرّ من عام 2020 أنا لا أنكر أن هناك يمكن أن نتحدّث عن موثّقيات أو تقدّم إسرائيلي في بعض المجالات وكل العالم يتكلم عنهم، لذلك نحن نريد أن نتكلّم عن الإخفافات التي صنعها محورنا لمحورهم بفضل تضحياته وشهدائه وصموده وثباته وحكمته وتماسكه ووحدته، هذا كان شيء كثي مهم جداً، وأهم الإنجزات هو العبور من مشروع الحرب الطائفية والمذهبية والسنية والشيعية التي خططت له أميركا وإسرائيل وبعض ادواتها في المنطقة وهذا تم التعبير عنه في أكثر من مناسبة وفي أكثر من جبهة من ساحة.
اليوم ختاماً، مطلوب منا أولاً أفق مفتوح يدعوا الى الأمل، الى التفائل، الآن أعود وأؤكّد لأقول لماذا، المطلوب صمود محور المقاومة، الحروب العسكرية، في اليمن في النهاية ستصل لنهاياتها، في العراق ستُحسم المعركة مع داعش بلا شك، في سوريا قلت إنتصارنا كبير، في لبنان هناك خشية في الحرب مع لبنان، هناك خشية مع الحرب مع العراق، خيارات الحروب العسكرية المباشرة من قبل الامريكيين والإسرائيليين قد تكون في المدى المنظور أو القريب مستبعدة، لكن نحن لا نجزم بشيء ولكن واضح أنّ أولوية المحور الامريكي والإسرائيلي الحرب النفسية، الموضوع الإقتصادي، موضوع العقوبات، موضوع المجاعة، هذا ما يريدون العمل عليه.
النقطة الثانية، اذاً مطلوب منا بالدرجة الأولى الصّمود، مطلوب منا استكمال القدرة في كل محور المقاومة، الوقت المتاح امامنا سنة سنتان ثلاثة بقدر ما يكون، هذا البرنامج اسمه تعاظم قدرات قوى المقاومة وحكومات المقاومة واستعادة العافية حيث هناك تضحيات او خسائر هذا المسار أيضاً مستمرّ ولن يستطيع العدوّ الإسرائيلي أن يوقفه، أقول لكم لن يستطيع أن يوقفه لا في إيران ولا في اليمن ولا في العراق ولا في سوريا ولا في لبنان ولا في فلسطين ولا في غزّة على الإطلاق، وفي لبنان عليه أن يكون جداً حذر عندما يتكلّم في هذا الموضوع ولا يراهم على الإطلاق أنّ حزب الله ممكن أن يكون مضغوط بأوضاع داخلية ومعيشية وفلانية، قواعد الإشتباك التي تأسّس لها من خلال الصّمود الأسطوري في حرب تمّوز ما زالت قائمة ولا يمكن التصالح فيها على الإطلاق أيّاً كانت حجج العدوّ، يجب أن لا يقرأ خطأ أو يحسب خطأ فيما يتعلّق بإرادتنا أو عزمنا أو قرارنا، إذاً استكمال قدرات وتصاعد قدرات قوى المقاومة، مواجهة الحرب النفسية بمزيد من الأمل والثقة بالله والثقة بالنفس والقراءة الموضوعية لتطوّرات الأحداث وأيضاً إنتظار المتغيّرات نحن قوم مؤمنون بالغيب، الغيب ليس شرط أن يأتي بعد مئة سنة ، قبل كم شهر كانت الكورونا من الغيب الآتي وجائت، اليوم نحن سنكون أمام عالم جديد، هذا العالم الجديد بدأت معالمه تتكوّن، المركز الذي تكلّمت عنه في بداية الكلمة الذي هو الولايات المتحدة الأمريكية، اليوم هناك نُخب في العالم كبار المفكّرين في العالم يقولون حتى الآن الولايات المتحدة الأمريكية فقدت موقع قيادتها للعالم وهذا واضح، مثلاُ في مواجهة جائحة كورونا لا يوجد قيادة أميريكية لهذه الجائحة في العالم، بالعكس إذا كانت هناك من قيادة عالمية تمثلها بشكل أو بآخر منظمة الصحة العالمية إدارة ترامب اليوم تحاربها وتكسّرها وتحطّمها وتجفف مصادر التمويل خاصّتها، قيادة عالمية لا توجد اليوم، أميركا مشغولة بنفسها بولاياتها، بصراعها الداخلي، بإقتصادها وكسادها الكبير الذي لا سابقة له، بعشرات الملايين العاطلين عن العمل، وأكثر من 93 ألف متوفى، حسناً يوجد عالم جديد، يوجد أميركا جديدة، هذا كله سيتابع، هل يوجد أوروبا جديدة؟ صين جديدة؟ روسيا جديدة؟ إيران جديدة؟ منطقة جديدة؟ يمكن يوجد إسرائيل جديدة، إذاً نحن ذاهبون إلى وضع دولي جديد ووضع إقليمي جديد قد تتاح فيه فرص لم تتاح في السابق، قد تنشىء أيضاً فيه تهديدات لم تكن موجودة في السابق، يكفي أن نقول اليوم أن مثلّث صفقة القرن التي لم تعد صفقة وإنما أصبحت عدواناً على الشعب الفلسطيني، لأن الشروط أصبحت تفرض وتنفذ من طرف واحد، وليس إتفاق وصفقة بين طرفين، أركان مثلث صفقة القرن هم ترامب، نتنياهو، ومحمد بن سلمان، لانه لم يعد هناك متسع من الوقت وإن كان الواحد من الجيد أن يوصّف حالتهم هؤلاء الثلاثة.
اليوم أين ترامب؟ يمكنكم أن تشاهدوه اليوم على التلفزيون وتشاهدون حالته في أميركا، وأين نتنياهو؟ الذي أجرى عدة إنتخابات في الكنيست وجاء ضمن تسوية وخائف من المحكمة، واليوم أين محمد بن سلمان؟ في الاعتبارات الداخلية وفي حرب اليمن وفي حرب النفط وفي الأزمة الداخلية داخل آل سعود ؟ ووو، إذا أركان صفقة القرن الان كل واحد منهم لديه أزمته ومأزقه وصعوباته، هذه البيئة كلها تفتح امامنا أبواب للأمل وأن المحور المقابل محور يمكن إلحاق الهزيمة به وقد ألحقنا به كثيراً من الهزائم وحققنا الكثير من الإنتصارات وإستطعنا أن نفشل أهداف هذا المحور في الكثير من الساحات في المنطقة، إذاً هذا أمل يمكن أن يبنى عليه، لكن بوحدتنا وتماسكنا وبحضورنا وتحملنا للمسؤولية وبالأخص أمام التحدي الكبير الذي يسمى العقوبات والحصار ومحاولات التجويع وهذا طبعاً بحاجة إلى كلام منفصل ولكن هذا عنوان عريض يحتاج إلى مواجهة وإلى تعاون الجميع وهذا أيضاً المعركة فيه هي معركة إيمانية وثقافية وأخلاقية وإنسانية وإرادية وعزم ومال وإقتصاد، وليست مال وإقتصاد فقط، إذاً نحن نمضي إلى العام الجديد، إلى يوم القدس الآتي إن شاء الله بآمال كبيرة وتوقعات كبيرة وإمكانيات أيضاً كبيرة رغم أنه الكثير في عالمنا العربي والإسلامي من الحكومات والدول تقف جانباً لكن نحن على ثقة بأن شعوبنا العربية والإسلامية تدعم هذا المحور وهذا المسار وعندما تتوفر الفرصة لهذه الشعوب لأن تعبر عن نفسها ولأن تحضر ولأن تدعم ولأن تباشر، الإنتماء المباشر لهذا المحور، نحن واثقون لأن الخير في هذه الأمة إلى يوم القيامة.
انتهيت بالحديث عن يوم القدس، ولكن أريد أن أقول كلمتين للبنانيين وللمقيمين في لبنان، يبدو في موضوع كورونا، يجب أن نعيد ونشدد، يا ناس، التسامح والتساهل، الان عندما بدأت الناس ترى أن عدد الإصابات محدود ويوجد سيطرة جيدة ويوجد إحتواء جيد بدأت العالم تتسامح، فعاد العدد للإرتفاع، إذا كبر العدد يمكن النظام الصحي اللبناني لا يتحمل، إذا إنهار النظام الصحي سنكون أمام تفشي كبير لكورونا وهذا يهدد كل المجتمع وكل البلد، لذلك مجدداً بالإعتبار الإنساني والأخلاقي والديني والشرعي والدنيا والأخرة والوطني وكل الإعتبارات، كل الناس في لبنان من لبنانيين ومقيمين أدعوهم مجدداً إلى التشدد وإلى الإلتزام وإلى تحمّل المسؤولية لأننا مجدداً أمام الخطر وكأنه بدأ من جديد. أختم نحن أمام أبواب عيد الفطر المبارك إن شاء الله، اليوم يقولون عيد الفطر السعيد للأسف لا يوجد شيء سعيد في منطقتنا إلا بعد الإشراقات والإضاءات والإنتصارات، لكن عيد الفطر المبارك الذي نأمل أن يأتي يوم ليكون فيه شعبنا سعيداً، عندما تحقق هذه الأمة كرامتها وسيادتها وتحصل على حريتها الحقيقية وتستعيد فيها فلسطين ومقدساتها في بيت المقدس، كل عام وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: موقع المنار