يعود استئناف الحرب على غزة، إلى نفس أسباب بدئها في السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر، مدفوعاً بعدم تحقّق أيّ من الأهداف المعلنة خلال نحو 60 يوماً، حيث يخشى العدو من تكريس الواقع الذي تَشكَّل بعد المرحلة الأولى.
من الواضح أنّ استمرار الواقع القائم قبل استئناف الحرب، يُشكِّل من منظور كيان العدو كارثة استراتيجية. كونه يجسِّد حقيقة فشل في استعادة صورة ردعه وهيبته الاستراتيجية، وما دام الكيان لم يحقِّق أهدافه المرسومة فإنّ ذلك سيشكِّل دافعاً لاستمراره بالحرب.
على هذه الخلفية، بالامكان التقدير أنّ هذه الحرب لن تتوقّف إلا في إحدى الحالات التالية:
– أن تتمكّن من تحقيق أهدافها، رغم ان هذا يبدو بعيد المنال وغير واقعي.
– أن يقتنع المستويان السياسي والأمني في الكيان، بعدم إمكانية تحقيق الأهداف المرسومة وبكلفتها العالية.
– حصول انقسام في الإجماع السياسي والشعبي السائد في الكيان على ضرورة استمرار الحرب.
– حصول تغيير حاد في الموقف الأميركي من استمرار الحرب.
يُضاف إلى العوامل الدافعة لاستئناف الحرب، وجود دافع ذاتي لدى نتنياهو والطاقم الأمني للإصرار على المضي في الحرب من أجل تحقيق انجازات عسكرية جدية، بهدف التعويض عن الإخفاق الذي يتحملون مسؤوليّته. فبدلا من أن يختموا حياتهم المهنية والسياسية بمسؤوليّتهم عن ضربة استراتيجية تعرّض لها الكيان الصهيوني، هم حريصون على أن يستبدلوا ذلك بـ”انجاز استراتيجي وتاريخي”.
أيضاً، يشكّل الموقف الأميركي عاملا رئيسياً في توفير المقوّمات والمظلّة التي تسمح للعدو باستئناف الحرب. وهو أمر برز في أكثر من محطة، آخرها مع مجيء وزير الخارجية انتوني بلينكن الذي أظهر خلال حواره أعضاء مجلس الحرب، أن النقاش تمحور حول مدة الحرب – أسابيع اضافية أم أشهر – ضوابطها واليوم الذي يلي. وتمخض عن هذا الحوار تقسيم جيش العدو لقطاع غزة إلى مناطق، ومطالبة السكان بالنزوح عن مناطق القتال.
يبدو أن الأميركي يهدف من وراء هذه الضوابط إلى أن يظهر كمن يحمي المدنيين بعد ردود الفعل الشعبية في العديد من عواصم العالم الغربي. وبهدف احتواء الغضب الشعبي المتصاعد بما فيها البلدان العربية. اضافة إلى اعتبارات الرئيس الاميركي الداخلية.
الحرب وقضية الأسرى
أتى قرار استئناف الحرب بعد عمليات تبادل ومفاوضات حول من تبقى من الأسرى. وهي قضية تحتل أولوية ملحة، ولكنها ليست الأهم بالنسبة إلى الهدف الاستراتيجي وهو القضاء على المقاومة في غزة وعلى رأسها حركة حماس. وفي هذا المجال يواجه الكيان الصهيوني تحدي تلبية مطالب المقاومة بتبييض السجون مقابل الأسرى الصهاينة. وهو أمر من الصعب على نتنياهو والطاقم السياسي أن يسمح للمقاومة بتحقيق انجاز بهذا الحجم بعد طوفان الأقصى.
في المقابل، لا تستطيع المقاومة التخلي عن هذا السقف لأنها الفرصة الوحيدة لتحرير جميع الأسرى الفلسطينيين. وبالخصوص بعد الثمن الكبير جدا من التضحيات بين الغزيين بفعل العدوان الصهيوني.
بين هذين الموقفين، من الطبيعي أن يسعى الكيان إلى تخفيض السقف الفلسطيني. إلا أن حماس معنية أيضاً أن تكون خاتمة عمليات التبادل جزءا من صفقة أوسع تشمل وقف الحرب وفك الحصار وإعادة الإعمار وتفاصيل أخرى.
بالنسبة لقيادة العدو، يخدم استئناف الحرب الضغط على حركة حماس من أجل تليين مواقفها بخصوص تبادل الأسرى. وهو أمر أشارت اليه تقارير عبرية بالقول أن الموقف السائد في إسرائيل أن “على الجيش الإسرائيلي العودة إلى ممارسة ضغط عسكري على حماس، بحيث يكون بالإمكان بواسطته التوصل إلى اتفاق أفضل حول تحرير المخطوفين في غزة”. فإذا لم يتحقق المطلب الإسرائيلي، تكون الحكومة كمن يستنفذ كافة خياراته، أمام الرأي العام الإسرائيلي، في قضية الأسرى، وفي الوقت نفسه تواصل حربها التي تهدف إلى القضاء على المقاومة.
ماذا بعد الحرب ؟
خصوصية هذا السؤال تنبع من أنه دون تصور سياسي لليوم الذي يلي فإن أي انجازات عملياتية وتكتيكية، مفترضة، ستكون معرضة للخطر. ولذلك هي موضع نقاش بين الحكومة الصهيونية والادارة الاميركية، خاصة وان كل الفرضيات التي يتم وضعها في اروقة الكيان تعتمد على أن المقاومة قد خسرت المعركة.
يتفرع عن هذا التصور المفترض، أسئلة حول من سيسيطر على غزة بعد الحرب. ومن سيعيد بناءها، وما هي الآليات الأمنية التي ستضمن منع تعاظم قوة المقاومة مجدداً، وماهية العلاقة بين غزة والسلطة الفلسطينية؟ تشكّل الاجابة على هذه الاسئلة قضية جوهرية بالنسبة للولايات المتحدة والمعسكر الغربي.
بالموازاة، إن عدم وجود بديل سياسي يُنظِّم المرحلة التي تلي، سيضع الكيان أمام مفترق استراتيجي، أحد سيناريوهاته أنه في اليوم التالي للحرب، ستتحول غزة إلى أكبر مشكلة إنسانية في العالم. وإذا لم يكن هناك أحد يتحمل المسؤولية، فإن الكيان سيتحملها. ويعني ذلك إعادة احتلال غزة.
في المقابل، البديل عن الاحتلال سيكون السلطة الفلسطينية، أو نشر قوات عربية أو دولية.. ويحضر في هذا السياق أيضاً سيناريو الفوضى الذي ينطوي على مخاطر على جميع الأطراف، بنسبة أو بأخرى.
المصدر: موقع المنار