الضبابية تُغلِّف لوائح الترشيحات للإنتخابات النيابية المقبلة، ربما لأن بعض القوى الحزبية تستمزج أراء قواعدها الشعبية، وهذا إجراء طبيعي، ولأن المستقلين من النواب الحاليين يُجرون أيضاً اتصالات إنتخابية غير مُعلنة، تحت عنوان “إستفقاد الناس” في هذه الأيام العصيبة. وعلى رأي أحد المفاتيح الإنتخابية لنائبٍ مستقلٍّ بارز، فإن الغالبية الساحقة من أنصاره يلزمها “عصرة حامضة” للجواب عن رأيها حتى ولو عبر الهاتف، والشكوى هي نفسها، الوضع المعيشي بات على الحضيض أو تحته، والحماسة الإنتخابية مفقودة في القرى، و”عصرة الحامض” لا تحلّ مكان البنزين لمَن هو مُلزم بالإنتقال من مكان إقامته الى بلدته للإقتراع.
ولعلّ بعض الطامحين من المجتمع المدني، يواجهون أكثر من سواهم مصاعب الإقدام على الترشُّح، ليس فقط لأسباب مادية، بل لأن كل الحراكات التي حصلت منذ 17 تشرين 2019 ولغاية الآن، لم تؤسس لقواعد ثورية ناخبة، نتيجة التشرذم الذي كان ولا يزال سائداً بين المجموعات، التي فشلت حتى في تعيين هيئة تنسيق فيما بينها، أو في تشكيل لجنة تنظيمية لأنشطتها على مدى أكثر من عامين، وبالتالي، تجد بعض الشخصيات الشبابية الراغبة بالترشُّح تحت عنوان “الثورة”، أنها وحيدة في الساحة، نتيجة عدم وجود شخصية معنوية إسمها “الثورة” من جهة، ومن جهة أخرى، لا وجود لتعاطف شعبي مع معظم اطراف ما سمي ثورة، سيما أنها ما أنتجت طروحات سياسية بديلة، ولا تركت خلفها سوى التدمير والحرق والتكسير وشعارات شعبوية غير ذات جدوى في إحداث أي خرق لا سياسي ولا انتخابي.
وإذا كان الإلتزام الحزبي يقضي بعدم إبداء النواب الحزبيين رغبتهم في الترشُّح بانتظار رأي قياداتهم، التي تتولى حصراً هذا الأمر على ضوء نتائج الإستمزاج الشعبي، فإن المُلفِت عدم تداول أسماء مُستقلَّة بارزة من خارج المجلس الحالي راغبة في الترشُّح، ولو أن هناك مداولات تحت الطاولة مع أقطاب سياسيين حاليين، لدراسة جدوى التحالف معها إذا كانت ترغب بتطعيم لوائحها بأسماء “ثورية”، بمعنى، أن بعض المجموعات التي تنشُد التغيير على قاعدة “كلُّن يعني كلُّن”، تبحث لنفسها عن مكان في أحضان الإقطاع العائلي أو السياسي على حساب مقولة “كلُّن يعني كلُّن”.
وقانون الإنتخاب الحالي على قاعدة تشكيل لوائح، هو الذي يُلزم الغير حزبيين التحالف مع الأحزاب، لكن التحالف بين المستقلين في لبنان لا يدوم لأكثر من رحلة إنتخابية قد تنتهي ليلة إعلان النتائج، أو وإن طالت شهوراً، فلأن كل مستقلّ يعيش استقلاليته السياسية فور وصوله الى المجلس، ويتحدث علناً عن حلف إنتخابي يقف عند حدود الإستقلالية السياسية، وهنا يجب أن يعي الناخب اللبناني، بأن تركيب اللوائح لتجاوز قطوع يوم الإنتخاب لا يؤتي ثماراً على مدى السنوات الأربع، لا بل هو وكالة مجانية بلا أي مردود لا وطني ولا سياسي ولا معيشي على حياة الناخب.
وما كان يتوقعه ما يُعرف بالحراك المدني، عن تغيير يلامس نسبة ال 20 أو 30 % في المجلس الحالي مُستبعدٌ جداً، لأن دوائراً إنتخابية مثل طرابلس وجبيل وكسروان والمتن ووصولاً الى دوائر بيروت، يختلط فيها المستقلّ بالحزبي بالإقطاعي، ويبدو أن بعض حَمَلة الشعارات الثورية، قد ذابوا في أحضان الإقطاع ضمن مُفارقة عجيبة غريبة لهكذا تحالفات تتسرَّب أخبارها بين الحين والآخر، وليس السبب في قوَّة الإقطاع بقدر ما هو ضعف لدى ثوار، غالبيتهم لم لم تبنِ حيثية شعبية لأن أفعال قسم كبير منهم على الأرض لا تشي بأنهم الخلف الصالح…
المصدر: خاص