“اللهم أشهد أني بلَّغت”، أنهى بها الرئيس العماد ميشال عون تحذيره من “صفقة القرن”، ضمن كلمته أمام القِمَّة العربية، التي عُقِدَت في الأردن بأواخر آذار من العام 2017 في منطقة السويمة على البحر الميِّت، وكان عون يُدرِك أنه يخطُب في شِبهِ أموات، بدليل ردود الفعل العربية اليوم، التي تفاوتت بين الخجولة والإنهزامية، على إعلان دونالد ترامب عن هذه الصفقة وبجانبه الصهيوني بنيامين نتانياهو، الذي أسماه ترامب “بيبي”، خلال إلقاء كلمته عن هذه الصفقة التي تحمِل رياء التاجر ترامب وغباء الفاجر نتانياهو.
رياء ترامب يتمثَّل في إعطاء مهلة أربع سنوات لإنجاز هذه الصفقة الوهمية، التي باعها للصهاينة عشية بدء حملته الإنتخابية لولاية ثانية مُدَّتها أربع سنوات، وغباء نتانياهو يتمثَّل في اقتناعه أن هذه الصفقة هي مفتاح صناديق الإقتراع التي سوف تُعيده الى رئاسة الحكومة بعد شهرين، ويبقى على المُتابع أن يطَّلع على خريطة “دولة فلسطين” المزعومة وهي أشبه بِمُخيَّم كبير مُطوَّق تربط أوصاله المُقطَّعة جسورٌ وأنفاق، ليتبيَّن له، أن لا غرابة فيها اقتطاع ثلث الضفة الغربية لصالح إسرائيل، ولا بالجزيرتين المُنعزلتين المُتباعدتين في جنوب قطاع غزة، إحداهما صناعية والثانية زراعية سكنية، بل أن غباء نتانياهو يكمُن في أنه يحلم بأن تكون مزارع شبعا اللبنانية والجولان السوري المُحتل، إمتداداً للطوق الخانق على الدولة الفلسطينية الهجينة بعد أن تضمَّنت خارطة الصفقة السيطرة الإسرائيلية على غور الأردن.
وقبل الذهاب الى القِمَّة الطارئة على مستوى وزراء الخارجية العرب المُقررة يوم السبت القادم لبحث تداعيات صفقة القرن، فإن البيان الختامي مقروء من قِبَلنا نحن اللبنانيين سلفاً، شجب واستنكار وابتداع إنشائيات تعتبر هذه الصفقة أنها بداية مُشجِّعَة لعودة الحوار الفلسطيني الإسرائيلي، ولا شأن لنا ببيانات كل قِمَم ومؤتمرات العرب، لأن لبنان، من أعلى هرم السلطة الرسمية الى شرائحه الجماهيرية، رفض هذه الصفقة جملةً وتفصيلاً.
لكل دولةٍ في هذه الجامعة العربية العجوز العاجزة خياراتها، وللبنان خياره كدولة مواجهة حقيقية، أولاً من منطق “ديكتاتورية الجغرافيا” التي فرضَت منذ وعد بلفور هذا الجسم الغريب على حدودنا، وثانياً وثالثاً وأخيراً، من منطلق ثلاثية السيادة والكرامة والمقاومة التي قلبت كل المُعادلات، ولقَّنت العدو وسوف تُلَقِّنه دروساً بنكهة لبنانية، تُبدِّد كل أحلامه في توطين الفلسطينيين خارج أرضهم، وفي جعل مزارع شبعا جزءاً من الطوق الخانق على دولتهم المُحاصرة، وفي قطع اليد الصهيونية عن كل حبة تراب وقطرة ماء ونُقطة نفط في مياهنا الإقليمية، وعلى هذا الأساس يذهب لبنان الى أي مؤتمر أو قِمَّة عربية بعد الإعلان عن “صفقة القرن”.
صفقة الرشوة بمالٍ عربي، أسماها الرئيس برِّي، وهي ليست مسألة عقارية كما وصَّفها وزير الخارجية ناصيف حتي، وبناءً عليه، ستكون كلمة لبنان المُقاوِم قاطعة أمام العرب، وإذا كانت حدود العرب مرسومة سلمياً بين بعضهم البعض، فهي تختلف عن ترسيم الحدود اللبنانية بدماء الشهادة، وإذا كانت رمالهم بعيدة عن معموديات الكرامة، فإن تُراب لبنان يتعمَّد بها كل يوم، ولو اجتمعت كل الدول العربية التي كانت تُسمِّي نفسها محور الإعتدال، فهي لن تستطيع تغيير سطرِ من تاريخ محور مقاومة، لم تكُن هكذا جامعة ولن تكون يوماً مرجعاً له في مواجهة صفقة التاجر الأميركي والفاجر الصهيوني وبأموال النفط العربي…
المصدر: موقع المنار