دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخميس الى الاستقرار في منطقة البلقان خلال زيارة الى صربيا، حليف موسكو الرئيسي في المنطقة المضطربة. وعقب وصوله وسط استقبال حافل في بلغراد، قال بوتين إن روسيا ستدعم جهود الحفاظ على الهدوء.
وصرح بوتين للصحافيين في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الصربي الكسندر فوتشيتش إن “روسيا مثل صربيا مهتمة بأن يبقى الوضع في البلقان مستقرا وليس خطيرا”. وفي إطار الاستقبال الحافل للرئيس الروسي، قدم له فوتشيتش جروا من سلالة ساربلانيناك لكلاب الرعي التي تعيش في المنطقة. من ناحيته قدم بوتين لنظيره الصربي وساما روسيا. وشارك عشرات آلاف الصرب في مسيرة في شوارع العاصمة تكريما لبوتين.
وكتب على إحدى اللافتات العديدة التي انتشرت في أرجاء المدينة وعليها أعلام روسية وصربية “أهلا بسيادة الرئيس بوتين، الصديق العزيز”. وتوجهت المسيرة التي شارك فيها صرب من مختلف أنحاء البلاد في كنيسة القديس سافا التي تعد من أهم المواقع الأرثوذكسية في العالم ومولت ترميمها جزئيا مجموعة “غازبروم” النفطية. وفي الأيام الأخيرة انتشر بيع القمصان والكؤوس والكتب التي تحمل صورة بوتين، بينما أضيئت نافورة في وسط بلغراد بألوان العلم الروسي الاحمر والأبيض والأزرق.
لا حل بدون روسيا
مع أن صربيا تتطلع للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أنها ابقت على علاقات وثيقة مع روسيا، “الأخ الأكبر السلافي الأرثوذكسي”، حيث يتشارك شعبا البلدين جذورهما السلافية. إلا أن ما يزيد من تأييد الصرب لروسيا هو دعمها الثابت في مسألة كوسوفو الاقليم الصربي السابق الذي انفصل في حرب 1998-1999.
ولم تقبل صربيا أبدا استقلال كوسوفو الذي رفضته روسيا كذلك واستخدمت حق النقض الذي تملكه في الأمم المتحدة لإفشال أحلام كوسوفو بالانضمام إلى المنظمة الدولية. وصرح فوتشيتش أنه “بدون روسيا وبفضل قوة روسيا في مجلس الأمن الدولي فإنه من الواضح أنه لن يكون هناك حل” بشأن كوسوفو”.
والمحادثات التي يرعاها الاتحاد الأوروبي لتطبيع العلاقات بين بلغراد وبريشتينا متوقفه منذ أشهر. وقال بوتين إنه “لتحقيق الاستقرار في البلقان، علينا أن نتوصل إلى تسويات، وعندما نتوصل إليها علينا احترامها”. وقبل وصوله اتهم بوتين الغرب ب”زعزعة استقرار” البلقان من خلال جهوده لتوسيع الحلف العسكري، وهو الاتهام الذي توجهه له الولايات المتحدة.
خلاص صربيا
في المقابل ترفض بلغراد الانضمام إلى العقوبات التجارية الدولية التي فرضت على روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم الاوكرانية. ويمكن أحيانا مشاهدة عبارة “كوسوفو هي صربيا، والقرم هي روسيا” في الشوارع الصربية. وقال الجنرال المتقاعد ميتار بيتكيتش (66 عاما) الذي جلس لساعات أمام كنيسة القديس سافا للترحيب بالرئيس الروسي إن بوتين “هو خلاص صربيا”. وأضاف “الاتحاد الأوروبي ينهار، عندما ننضم إليه سيكون قد اختفى”. وحملت المتقاعدة جيلينا بوغيتشيفتش لافتة كتب عليها “اهلا ببوتين الاسطورة”، وقالت “لقد جئت لأطلب منه انقاذ كوسوفو إنها أرض صربية ويجب أن تبقى صربية”.
إلا أن الاستقبال الحافل لبوتين لا يمكن أن يخفي النكسات التي منيت بها روسيا مؤخرا في البلقان، حيث زاد الغرب نفوذه. ولم تتمكن موسكو من منع مونتينغرو من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي في 2017، وهو الهدف الذي تقترب مقدونيا من تحقيقه بعد أن صادقت على اتفاق لتغيير اسمها منهية عقودا من الخلاف مع اليونان. وفي حال نجاح مقدونيا فإن سبع دول مجاورة لصربيا التي لا تتطلع إلى الانضمام إلى الحلف، ستكون في نطاق الحلف باستثناء البوسنة بسبب اعتراض سكانها الصرب.
الطاقة مجال رئيسي
اعتبرت المحللة الاقتصادية الصربية بيليانا ستيبانوفيتش أن العلاقة بين روسيا وصربيا هي “عاطفية أكثر منها منطقية”، وطبقا لاستطلاع أجرته الحكومة الصربية في 2017 فإن ربع السكان يعتقدون أن روسيا هي أكبر دولة مانحة لبلادهم، بينما تقول النسبة ذاتها أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر جهة مانحة. وفي الحقيقة فإن 75% من الهبات تأتي من الاتحاد الأوروبي أو الدول الأعضاء فيه، بينما لا تصل نسبة الهبات الروسية إلى 9%. كما أن الاستثمارات المباشرة والتجارة الغربية أكبر من الروسية. إلا أن لروسيا بعض المصالح في المنطقة، إذ تستورد صربيا ثلثي كميات الغاز الطبيعي والنفط الخام من روسيا، بينما تمتلك شركة غازبروم الروسية العملاقة شركة النفط الصربية “إن آي اس”.
وبحسب المحللة ستيبانوفيتش فإن روسيا “لم تستخدم هذه الميزة بعد .. ولكن احتمال التأثير لا يزال ماثلا” لأن صربيا “لا يمكنها أن تتحمل توقف شحنات” الغاز والنفط.
المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية