هناك في قرية الحويز في سهل الغاب بريف حماة، ولد مؤسس حركة أحرار الشام حسان عبود الملقب بـ ” أبو عبد الله الحموي”. وفي احدى قرى سهل الغاب أيضاً، وقف الحموي إلى جانب صديقه عبد الناصر ياسين الملقب بـ “أبو طلحة الغاب”، معلناً تأسيس كتائب أحرار الشام، النواة الأساسية لما بات يسمى لاحقاً “حركة أحرار الشام الإسلامية”.
وفي شهر آب / اغسطس من العام ألفين واحدى عشر، أي بعد شهرين على التأسيس، بدأت هذه الجماعة بعملياتها ضد الجيش السوري، حيث فجرت عشرات العبوات الناسفة بآليات عسكرية، في محاولة منها آنذاك لنقل التجربة العسكرية لتنظيم القاعدة في العراق إلى سوريا، خصوصاً وأن العديد من قادتها المؤسسين قاتلوا في العراق تحت راية القاعدة، بينهم الحموي نفسه، وحسين عبد السلام الملقب بـ “أبو حمزة الشرقية”.
كل شيء كان يسير على ما يرام .. سيطرة عسكرية في الميدان، تمويل مالي ضخم من دول إقليمية عدة، علاقات مميزة مع تنظيم القاعدة العالمي، وبدت حركة احرار الشام آنذاك احدى أهم الجماعات المسلحة في سوريا، بعلاقات مميزة جداً مع دول خليجية، ومع تركيا، حتى جاء تاريخ 9-9-2014.
في النقطة صفر في بلدة رام حمدان بريف ادلب، قتل قادة الصف الأول في احرار الشام، في حادثة بقيت تفاصيلها غامضة إلى الآن، ولم يوجه الإتهام رسمياً إلى أي طرف. لكن أصواتاً تحدثت مؤخراً عن دور إماراتي في عملية الإغتيال، والهدف تصفية الجماعات ذات العلاقة الفكرية مع “تيار الصحوة” في الخليج، واحرار الشام كانت على رأسها.
بعد رام حمدان *، تعاقب خمس قادة على زعامة الحركة، هم هاشم الشيخ الملقب بـ “أبو جابر مسكنة” من 2014 إلى 2015، يليه مهند المصري الملقب بـ “أبو يحيى الحموي” أو “أبو يحيى الغاب” حتى 2016. في تلك المرحلة بدأت الحركة بالتحول من ما يسمى “السلفية الجهادية”، إلى “الوطنية”، وذلك بتعميق التحالف مع جماعات الجيش الحر، والإبتعاد عن جبهة النصرة وتنظيم القاعدة العالمي، وشهدت انقسامات داخلية، وبرز إلى الواجهة تيار يقوده “هاشم الشيخ”، والمسؤول العسكري “أبو صالح طحان”، والمسؤول الشرعي “أبو محمد الصادق”، وغيرهم.
وفي خضم تلك الإنقسامات، انتخب مجلس الشورى في الحركة المدعو علي العمر “أبو عمار العمر” مسؤولاً عاماً للحركة، الذي قدم استقالته في آب / اغسطس من العام 2017، بعدما خسرت حركته العديد من مناطق سيطرتها في ادلب لصالح هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً”، خصوصاً معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.
وبعد أبو عمار، تزعم حسن صوفان الملقب بـ “ابو البراء” الحركة، حيث وقع الإختيار عليه كشخص توافقي بين تيار أبو صالح طحان، والتيار الآخر الذي يريد للحركة أن تكون بعيدة عن الأفكار التي يعتبرونها إسلامية، بهدف ابعاد التصنيف الإرهابي عنها، بحسب ما قال العديد من قادة هذا التيار، وأبرزهم لبيب النحاس، الذي استقال هو الآخر من منصبه كمسؤول للعلاقات الخارجية في الحركة أواخر العام 2017.
في تلك الفترة، اندمجت أحرار الشام مع حركة نور الدين الزنكي تحت مسمى جبهة تحرير سوريا، ودخلت بمواجهات جديدة مع تحرير الشام في مناطق ادلب.
وفي آب من العام الماضي – 2018، تسلم رئاسة الحركة جابر علي باشا، بعد أيام من تشكيل ما يسمى “الجبهة الوطنية للتحرير”. ومع مطلع العام الحالي دخلت الحركة أيضاً في مواجهات مع هيئة تحرير الشام، خسرت بموجبه العديد من مناطق نفوذها في ريف ادلب الجنوبي المتصل بريف حماة، وأبرزها سهل الغاب وجبل شحشبو، فيما خسرت الزنكي كامل مناطقها في ريف حلب الغربي لصالح تحرير الشام.
وحتى التاسع من كانون الثاني / يناير من العام 2019، تشير الخريطة الميدانية إلى فقد حركة أحرار الشام أغلب مناطقها في ادلب وارياف حماة، وكان لافتاً حل الحركة نفسها في سهل الغاب، تلك المنطقة التي خرج منها مؤسسها ليعلن بداية العمل المسلح. وبموجب الإتفاق الذي نشرته التنسيقيات، فإن الحركة حلت نفسها في سهل الغاب وجبل شحشبو، وسلمت سلاحها الثقيل والمتوسط إلى تحرير الشام. كما نص الإتفاق على خروج من يريد من عناصر الحركة ومؤيديها إلى منطقة عفرين، بالتنسيق مع الهيئة.
وإلى جانب هذا الإتفاق، وقع بعض من وجهاء قرى “الحواش، الحويجة، الحويز، الحمرا، باب الطاقة، والشريعة” اتفاقاً آخر مع هيئة تحرير الشام، يقضي بتسليم كامل سلاح الحركة إلى الهيئة، واعفاء عناصر الحركة من أي حقوق للهيئة، على أن تتبع هذه القرى إداريا لـ”حكومة الإنقاذ”، التابعة لتحرير الشام.
تقصدت هيئة تحرير الشام هذا الاتفاق مع تلك القرى، بطمس أي أثر لأحرار الشام فيها، لأن من بينها قرية الحويز، مسقط رأس المؤسس حسان عبود، وعرفت تلك القرى بولائها الشديد لحركة احرار الشام، التي انسحبت ايضاً من بلدة جرجناز، مسقط رأس القيادي البارز حسام سلامة، الذي اشتهر بمواقفه المعادية لتحرير الشام ولتنظيم القاعدة وداعش. كما اخلت حركة أحرار الشام قرية التوينة، مسقط رأس قائدها العسكري الأول عبد الناصر ياسين الملقب بـ “ابو طلحة الغاب”. وتقول بعض التنسيقيات إن من هذه القرية والحويز، انطلقت أولى جماعات “كتائب احرار الشام”.
بسهولة تخلت أحرار الشام عن مناطق نفوذها، وتركت من وقفوا إلى جانبها وحملوا راياتها ليلاقوا مصيرهم اعتقالاً وحصاراً على أيدي هيئة تحرير الشام، وسقطت شعارات الحركة أمام من ظنوا يوماً أنها ستؤمن لهم عيشاً رغيداً أو آفاقاً جديدة، فإذا بها استغلت حماسة العديد منهم، لغايات سياسية ومالية وإقتصادية.
وعبر أحد مؤيدي الحركة عن أسفه لتخلي احرار الشام عن مؤيديها ومقاتليها بالقول، إن أحد قادة أحرار الشام الذي وصف فترة أبو عمار العمر بـ “الذهبية”، ” خرج هو وكامل عائلته إلى تركيا ومن قاتل انحاز لريف حلب الشمالي لا جزاء ولا شكوراً”. وأشار آخرون إلى أن قادة الصف الأول في أحرار الشام هم فعلاً “في الصف الأول الابتدائي بتفكيرهم وقيادتهم وتوجيههم فكل شيء عندهم لعب وهزل وأحلام وردية وعبارات ماوكلية”.
وفقدت أحرار الشام أغلب مناطقها في ادلب وارياف حماة وحلب لصالح تحرير الشام، رغم الشعارات الكبيرة التي رفعتها خلال الأيام الماضية، وباتت السيطرة الميدانية على الشكل التالي:
* جيب في ريف حماة الشمالي يسيطر عليه فصيل جيش العزة، وأبرز مناطقه: كفر نبودة، الهبيط، كفر زيتا، اللطامنة، لحايا، لطمين.
* جسر الشغور وريفها، تحت سيطرة الحزب التركستاني، والمكون من مقاتلين صينيين متحالفين مع هيئة تحرير الشام.
* سهل الغاب وجبل شحشبو، بالكامل تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، وأبرز مناطقه: قلعة المضيق، جسر بيت الراس، الحويز، الحرية، باب الطاقة، التوينة، القرقور، خربة الناقوس، زيزون، قسطون، شهرناز، تل هواش.
* مورك، خان شيخون، كفر سجنة، تحت سيطرة هيئة تحرير الشام.
* وتسيطر هيئة تحرير الشام على كامل ادلب وارياف حماة وحلب، باستثناء: معرة النعمان، كفرومة اريحا، سرجة، الرامي حاس، حزارين، كفرنبل، مرديخ، في ريف ادلب الجنوبي. وكفر تخاريم، ارمناز، سردين، كفر يحمول، في ريف ادلب الغربي. ومعرة النعسان، تفتناز، طعوم، بنش، في ريف ادلب الشمالي. وبيانون، حيان، حريتان، في ريف حلب الشمالي. وبحسب تنسيقيات المسلحين، فإن تحرير الشام تسيطر على 80 % من مسلحة السيطرة الإجمالية للجماعات المسلحة في ادلب وارياف حماة وحلب واللاذقية.
فهل نحن على مشارف طي صفحة حركة أحرار الشام، على ايدي حلفاء الأمس، بعد سنوات من القتال، وبعد الخلافات الكبيرة التي عصفت بها، خصوصاً مع تردد قادتها في اتخاذ العديد من القرارات التي تتعلق بقتال جبهة النصرة تحت مسمايتها العديدة (جبهة فتح الشام، هيئة تحرير الشام)؟، أم أن الرعاة الإقليميين خصوصاً تركيا سيكون لهم الكلمة الأخيرة في هذه المسألة؟ وما هو مصير إتفاق سوتشي بعد هذه التطورات في ادلب؟
- رام حمدان نسبة إلى بلدة رام حمدان في ريف ادلب، حيث حصل تفجير غامض، قتل فيه العشرات من قادة الصف الأول والثاني في الحركة، من بينهم حسان عبود، وأبو حمزة شرقية، وأبو طلحة الغاب.
المصدر: موقع المنار