دراسة | خيارات الجولاني في التعامل مع القضية الفلسطينية – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

دراسة | خيارات الجولاني في التعامل مع القضية الفلسطينية

الجولاني - الفصائل المسلحة

بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وتسارع الأحداث التي تلته، بدأ طرح الأسئلة حول مستقبل سوريا، لا سيما على صعيد العلاقة مع الكيان الاسرائيلي، الذي يشكّل محطّ اهتمام ودراسة، خصوصاً في هذه الفترة الحسّاسة التي تشهدها المنطقة.

فمنذ الأيام القليلة الماضية، تشهد سوريا تطورات عسكرية وسياسية متسارعة، ويُعدّ الكيان الاسرائيلي من بين المستفيدين وربما المتضررين في الآن نفسه من هذه التطورات، وما سيحكم على الفرص والتحديات هو خيارات وسياسة من كان يُعرف بـ”أبو محمد الجولاني” الذي سارع إلى توجيه رسائل تهدئة وتطمين لقادة الكيان، بأن أولوياته الحالية هي إعادة الإعمار وعودة الأمن والاستقرار إلى سوريا التي تعبت من الحروب والإشارة إلى عدم استعدادها لخوض أي صراع في هذه المرحلة.

وفي هذا السياق، نشر مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير، ورقة تعرض لأبرز الخيارات المتوقعة التي قد يلجأ الجولاني لاتباعها تجاه الكيان الاسرائيلي، وما يتعلّق بها من عوامل مساعدة، دوافع، كوابح، إمكانيات كما وتداعيات على كل من الكيان والنظام السوري الجديد.

ويسعى الجولاني من خلال تصريحاته الأخيرة ومواقفة إلى لكسب التأييد والدعم الأمريكي والإسرائيلي للوصول إلى الحكم، وتلميع صورته أمام المجتمع الدولي كمعارض سوري بعيدًا عن الإرهاب، بالإضافة إلى الظهور كمنقذ لاقتصاد ومستقبل الشعب السوري.

ويتجنب الجولاني الدخول في صراع مع الكيان في هذه المرحلة الحساسة التي تمرّ فيها سوريا على مختلف الأصعدة، في حين أن الأولوية بحسب ادّعاءات الجولاني، هي إعادة البناء والاستقرار (تشغيل المؤسسات الحكومية في الفترة الحالية، ريثما يتم إجراء تعديلات للدستور، وإجراء انتخابات) وليس الانجرار إلى نزاعات قد تؤدي إلى مزيد من الدمار. وبالتالي، مراعاة متطلبات الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة لتثبيت وجوده السياسي في الحكم.

العوامل المساعدة و الإمكانيات

ويأمل الجولاني أو الإدارة السورية الجديدة بأن يعيد المجتمع الدولي النظر في مسألة تصنيف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية، الأمر الذي يكسبه شرعية واعتراف رسمي يمكّنه من إعطاء الأولوية لبناء الدولة وإنشاء المؤسسات العامة التي تخدم جميع السوريين، وبالتالي تأمين انتقاله إلى المرحلة السياسية وقيادة سوريا.

وفي السياق، أجرت واشنطن أجرت اتصالاً مباشرًا مع هيئة تحرير الشام، في أول تأكيد علني على وجود اتصال مباشر بين الولايات المتحدة والجماعة، وفق ما صرّح به بلينكن، وبالتالي، محاولة كسب التأييد والدعم الأمريكي سيمكّنه من تحقيق طموحه في قيادة البلاد.

ومن العوامل المساعدة على صعود الجولاني السريع للحكم في سوريا، هو غياب قيادة منافسة فاعلة في هذه المرحلة، على مستوى الخصوم السياسيين والعسكريين في الداخل السوري. أما على صعيد الخارج، فإن الجولاني يتعامل في هذه المرحلة مع إيران، كعدو أول في سوريا، وبالتالي فمن غير المرجح أن يكون الكيان أولوية لهذه الجماعات في المستقبل القريب.

واكتسب الجولاني خلال الأيام القليلة من سيطرته على مقاليد السلطة في سوريا، قبولاً دولياً شبه تام، وهذا ما ظهر في الانفتاح الغربي على الإدارة الجديدة، حيث أجرت كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا إلى جانب الولايات المتحدة اتصالات مع هيئة تحرير الشام، هذا إلى جانب زيارة وفود من الدول الأوروبية دمشق خلال الأيام الماضية، والتقائها بالشرع، والإعلان عن الاستعداد للحديث مع السلطات الجديدة، والمشاركة في تقديم الدعم الاقتصادي الذي تحتاجه سوريا.

خيارات الجولاني في التعامل مع القضية الفلسطينية

الكوابح

يعد تعزيز سيطرة الجولاني خطرًا يهدد بزيادة التطرف والإرهاب العابر للحدود، بحسب بعد الآراء الغربية، كما أنّ أوروبا تخشى أن يؤدي تمدد هيئة تحرير الشام إلى تعزيز البيئة الحاضنة للجماعات التي تصفها بـ المتطرفة.

وبسبب غياب التجانس بين مختلف الجماعات في سوريا على الصعيد الفكري والسلوكي، فإن هذا الأمر قد يعقد بناء حكومة وطنية تستوعب التنوع الديني والعرقي والسياسي. خصوصاً وأن سوريا تعد نقطة تتصارع فيها الأيديولوجيات والأديان، حيث يمتد فيها طيف من ما يطلق عليهم “الجهاديين” إلى “الإسلاميين المعتدلين”، والعلمانيين، والديمقراطيين، وتشمل أقليات كبيرة من المسيحيين والعلويين.

هذا وتعاني سوريا من ضعف الموارد وحالة الفوضى والضغوط الخارجية لا سيما في ظل العدوان الإسرائيلي المتكرر على سوريا، في حين أن الفراغ الأمني من شأنه أن يخلق بيئة خصبة لنشاط جماعات محلية وعابرة للحدود قد تستخدم الأراضي السورية كقاعدة لشن هجمات على حدود الكيان، خاصة في الجولان المحتل، ما يجعل الابتعاد عن المواجهة أمر صعب ويعرقل سعي الجولاني في تثبيت وجوده.

التداعيات

هذه العوامل والأسباب قد تؤدي إلى تعميق سيطرة جيش الاحتلال على الحدود مع سوريا، تحت ذرائع أمنية ودفاعية، في حين أن تل أبيب تريد أن يكون وجود الجولاني في السلطة في دمشق، ضمانة لها يسمح له بالعبث بمقدرات سوريا وثرواتها، والتوسع على حساب اراضيها وسيادتها.

هذا، وتسعى اسرائيل أيضاً إلى ضمان بقاء سوريا ضعيفة وغير قادرة على استعادة دورها الإقليمي، وبالتالي تثبيت وجود الكيان لأطول فترة ممكنة في الأراضي السورية. كما أن تمادي الكيان في اعتداءاته على سوريا، يعني حكماً المزيد من الخسائر البشرية، الاقتصادية والعسكرية.

وأضعف الاحتلال الاسرائيلي المقدرات العسكرية السورية، بعد مئات الغارات التي شنها على المنشآت العسكرية السورية، وسط سعي محموم إلى تحقيق مكاسب على المدى الطويل.

وفي هذا السياق، فقد فرض الاحتلال أمراً واقعاً في الجنوب السوري، من خلال خلق وتوسيع مناطق عازلة على طول الحدود، وربما في مرحلة أخرى على المستوى السياسي والأمني بالاستثمار في دعم أطراف سورية.

تقاسم الجغرافيا والمصالح مع الكيان وقوى أخرى

شكل سقوط النظام في سوريا، فرصة للقوى الإقليمية والدولية المشهد للعبث في المشهد السوري. حيث أن أولى تداعيات هذا الأمر، برزو تموضعات جغرافية جديدة بين القوى.

بالنسبة إلى فرنسا، فهي ترغب في استعادة ممتلكاتها في سوريا. أما تركيا، فإن توجهاتها المعلنة هي القضاء على الهيكلية المسلحة للأكراد، في ظل تلويحها بالتعاون العسكري مع القيادة السورية الجديدة إذا دعت الحاجة.

وفي الإطار نفسه، فإن قطر تسعى إلى استغلال قطر دورها كقناة اتصال مع هيئة تحرير الشام، ومن المرجح أن تستخدم هذا الموقف لترسيخ نفوذها في سوريا الجديدة.

وتريد الولايات المتحدة ضمان تفوق الكيان الاسرائيلي العسكري، عن طريق وتحييدهم الجيش السوري وإخراجه من الصراع العربي – الاسرائيلي، من خلال إضعاف قدراته العسكرية وامكانياته، في حين أن تل أبيب تفضل التعامل في سوريا بشكل منفرد مع المكونات الطائفية والعرقية هناك، وبالتالي دعم بعض الأطراف لانشاء حكم ذاتي أو التقسيم الجغرافي والسياسي.

غير أن مخطط تقسيم سوريا دونه عقبات عدة، أولها الرفض التركي والقطري بالإضافة للعديد من دول المنطقة، كما أن هذا الأمر قد يؤدي إلى اثارة الفوضى، وبالتالي سيشمل تداعيتها السلبية النظام الأمني في الشرق الأوسط.

مشاريع التطبيع السورية الإسرائيلية

سعي الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي إلى دعم نظام حليف لهما في سوريا، وادخاله ضمن ما بعرف بـ “اتفاقيات ابراهام” التطبيعية، سيؤدي إلى تغييرات في التحالفات الإقليمية، كما قد تؤثر هذه الخطوة سلباً على القضية الفلسطينية، مما قد يزيد من التوترات داخل سوريا مع الجماعات الداعمة للقضية.

وقد يواجه النظام السوري الجديد ردود فعل سلبية من الشعب تجاه أي شكل من أشكال التطبيع الأمر الذي سيخلق هامشًا لعودة الاضطرابات الداخلية.

غير أن النظام الجديد في سوريا، قد يسعى بالمقابل إلى خطوات تصعيدية تجاه الكيان الإسرائيلي، بهدف كسب تأييد الداخل السوري المناصر للقضية الفلسطينية، وتأييد الفصائل المسلحة الأخرى ومنعها من استغلال أي ثغرة في وجه الانتقال السلمي للحكم.

لطالما كان الحكام الجدد لسوريا ينتقدون سابقًا نظام الرئيس بشار الأسد كونه لا يواجه الكيان، وامتناعه عن الإقدام على أي إجراء عملي لتحرير الجولان وإسناد الشعب الفلسطيني ومقاومته، وهذا الأمر قد يعزز أي خطوة تصاعدية تقوم بها هيئة تحرير الشام تجاه الكيان، الذي سارع باكراً إلى استغلال الواقع الجديد في تدمير أسلحة الجيش السوري ومنشآته، والسيطرة على أراضي سورية خارج خط اتفاقية “فك الاشتباك” المبرمة عام 1974.

أبرز تصريحات “أبو محمد الجولاني” بما خص الكيان الإسرائيلي

– على الحكومات الأجنبية ألا تقلق بشأن الوضع في سوريا، الناس منهكون من الحرب وبالتالي فإن البلاد غير مستعدة للدخول في حرب أخرى
– لسنا بصدد الخوض في صراع مع إسرائيل
– إسرائيل كانت تنوي دخول سوريا بذريعة التواجد الإيراني وحجتها انتهت الآن
– لا نريد أي صراع سواء مع إسرائيل أو مع أي طرف آخر، ولن نسمح لسوريا بأن تستخدم كمنصة للهجمات. الشعب السوري بحاجة إلى فترة راحة. يجب أن تتوقف الضربات وعلى إسرائيل الانسحاب إلى مواقعها السابقة.

المصدر: موقع المنار