لماذا “العصر الحجري” يا غالانت؟ هناك “العصر الحديدي” أو “العصر البرونزي” مثلاً. يمكنك الاطلاع على معالم تلك العصور ايضاً، أي على طبيعة حياة الانسان في تلك الحقبة، أين كان يسكن، ماذا كان يأكل، كيف كان يؤمن استمراريته، وغيرها من التفاصيل.
لماذا؟ سنقول لك، من أجل اضفاء عنصر التشويق والإثارة على تهديداتك المقبلة، فأنت وزير حرب “للجيش الذي يملك أكبر وأقوى ترسانة عسكرية في الشرق الأوسط”، وعليك أن تهزنا وتحبس أنفاسنا بتصريحاتك، وتؤرّق ليلنا، وتحيل أحلامنا كوابيساً، كما فعل أسلافك، كما فعلت رئيسة وزرائك غولدا مائير منذ خمسة عقود تقريباً عندما قالت إنها ستحتل لبنان بفرقة موسيقية، يا لجبروتها!
الأمر نفسه يسري على حقبة العصر الحجري (بدأت قبل 2.5 مليون سنة من تاريخ البشرية، وانتهت قبل 12000 سنة تقريبًا)، عليك بالمزيد من المعرفة، العمق مطلوب هنا، سأفسر لك الأسباب، لا يجب أن يكون مجرد مصطلح يُرمى عبثاً فقط لتقول لنا إنك ستحيلنا شعباً متخلفاً “يعيش في المغارات، يقتات من الصيد، وكل ما يملك هو من العظام والحجارة”، إذا لم تنجح في ذلك كله في حربك المقبلة ضد حزب الله لن تكون قد أعدتنا فعلياً إلى تلك الحقبة، كلامك كله سيوضع في خانة العبث أو الفشل، الفشل مجدداً، كما في أيار/مايو 2000، أو تموز/يوليو 2006، أو في غزة، أو في جنين ونابلس. لقد تورطت يا غالانت، يبدو أنك لم تجر بحثاً جيداً عن العصر الحجري، وجدت فيه مصطلحاً قوياً، أردت أن تكون كغولدا مائير، يا لهشاشة جبروتك!
لنعد إلى أسباب ضرورة البحث التاريخي الجيد قبل اطلاق التصريحات. لن نطيل الشرح، خير الكلام ما قلّ ودلّ نقول في أوساطنا، ما جرى منذ سبعة عشر عاماً في مثل هذه الأيام بالمناسبة التي أطلقت فيها تهديدك المتسرع، هو “خير دليل”. وقتها، لا نذكر أن نظيرك عمير بيريتس أتى على ذكر “العصر الحجري”، في تصريحاته قبل وخلال الحرب التي شنّها على لبنان (فاته المصطلح ربما)، لكنه توعدنا بالقضاء على حزب الله، تصفيته، وكأن الأخير هو مجموع من الكائنات الفضائية، أو المرتزقة وليس جزءاً كبيراً من شعب كامل. تعلم مصير وعود بيرتس، أليس كذلك؟ لقد خضت الحرب وقتها، إذاً لماذا أعدت الكرة وأنت تعلم أن حزب الله بات اقوى وأكثر قدرة وخبرة بأشواط؟ كيف ستنزل عن الشجرة؟ المشكلة أنك اخترت أقدم العصور البشرية، لو اخترت البرونزي أو الحديدي لكان المأزق أقل، لكنك لم تبحث جيداً، هذا واضح.
ستقول لنا، لقد استخدم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله المصطلح نفسه. نعم هذا صحيح، لكن مما لا شك فيه أن الأخير لم يتسلق الشجرة. أنت تعلم أن الدقة والوعود المدروسة والصادقة هي سمة أساسية في خطاب السيد نصرالله للصديق والعدو ايضاً. إذاً لقد بحث الأخير جيداً قبل اطلاق تهديده، حتى أنه للمفارقة ذهب أبعد من احالتكم إلى العصر الحجري، إلى انهاء وجودكم. تقول “يا لجبروته”، ونقول لك، الأمر بسيط: كل ما في الأمر أنه هو ومن معه جميعاً من ايران إلى اليمن والعراق وسوريا وفلسطين أبناء هذه الأرض منذ الاف السنين. التاريخ (الذي انطلقت من مصطلحاته في صوغ تهديدك” حليفه، السلاح النوعي الذي يرعبكم ويقلككم ليس شيئاً، تملكون مثله وأكثر، ولم تحققوا شيئاً، بل إنكم تزدادون وهناً وارباكاً، وهم يزدادون ثقة وألقاً. لأنه كذلك، ابن هذه الأرض، قال كلمته على مسمع العالم: “لن يبقى شيء اسمه اسرائيل”.
- يوآف غالانت هو عسكري سابق وسياسي صهيوني، شغل منصب رئيس القيادة الجنوبية في جيش العدو الاسرائيلي، منصب وزير البناء والإسكان ومنصب وزير استيعاب المهاجرين. مؤخراً كان وزير الحرب في الحكومة الإسرائيلية السابعة والثلاثين بدءًا من 29 كانون الأول/ديسمبر 2022، حتى أقاله رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في آذار/مارس 2023 لمطالبته بتعليق إقرار التغييرات في القضاء الإسرئيلي، ليعود ويتراجع عن قراره بعد أسبوعين معلناً بقاء غالانت في منصبه.
المصدر: موقع المنار