عندما سُحبت ورقة “اليوم التالي” من يد العدو… كيف خاض المفاوض الفلسطيني معركته؟ – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

عندما سُحبت ورقة “اليوم التالي” من يد العدو… كيف خاض المفاوض الفلسطيني معركته؟

غزة - حماس
سمية علي

مما لا شك فيه أن مضمون اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي عكس صمودًا أسطوريًا للمقاومة الفلسطينية ولأهل القطاع، عقب أكثر من 15 شهرًا من الإبادة التي مارسها الاحتلال، عكس أيضًا صمودًا وحنكة لدى المفاوض الفلسطيني الذي قاد طوال هذه المدة معركة لا تقل أهمية عن تلك العسكرية، بل إنها أتت استكمالًا للأخيرة وترجمة فعلية لإنجازاتها.

وشهد مسار المفاوضات حلقات وحلقات من المحادثات المتنقلة بين العاصمة القطرية الدوحة والمصرية القاهرة، مارس خلالها العدو وشريكته في الحرب، الولايات المتحدة الأميركية، كل أنواع المراوغة والحيل السياسية التي كان الهدف الأساسي منها تحصيل أكبر قدر ممكن من المكتسبات، حتى تلك التي لم يستطع الاحتلال تحصيلها ميدانيًا، وذلك لمنح الأخير “صورة نصر” كبيرة يكسر بها نتنياهو المقاومة ويستثمرها لتكريس نفسه زعيمًا لا منافس له داخل الكيان.

كل هذا لم يحدث، غير أن المعركة التفاوضية أفرزت اتفاقًا شكّل صورة نصر مشرّفة لغزة وتضحيات أهلها، حتى قالت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية عقب دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ: “من النواحي الثقافية والتطلعات والأيديولوجيا، حماس هي غزة وغزة هي حماس”، وهنا كل الحكاية.

“حماس”: المفاوض الفلسطيني تسلّح بصمود شعبه ومقاومته وخاض معركة حقق من خلالها نصرًا يليق بغزة

عن خلفيات هذا النصر التفاوضي وأسبابه، أكد المتحدث الإعلامي باسم “حركة حماس” في لبنان، وليد الكيلاني، أن “الميدان أو واقع الأحداث والتطورات في غزة على مدار عام، وأهمها صمود المقاومة وحاضنتها الشعبية، حيث كان إنجاز العدو الوحيد القتل والدمار والتشريد، كل هذا أعطى المفاوض الفلسطيني أوراق قوة، وجعله يفرض شروطه على العدو”.

وفي حديث لموقع المنار، فنّد الكيلاني أوراق القوة التي استخدمها المفاوض الفلسطيني في معركته الشاقة والحساسة، مدركًا أهميتها لجهة ترجمة انتصارات الميدان وواقع الصمود الأسطوري في القطاع، ومدركًا أيضًا لألاعيب العدو وأفخاخه، قائلاً إن “جبهات الإسناد من لبنان إلى اليمن فالعراق شكّلت أيضًا عوامل ضغط على العدو طوال هذه المعركة، وبالتالي ورقة قوة بيد المفاوض الفلسطيني. إضافة إلى التأييد الشعبي العالمي واستنكار الإبادة المرتكبة بحق أهل القطاع، أعطى المقاومة مشروعية وأحرج العدو، وبالتالي فإن المفاوض، وبرغم عظم الآلام التي عانى منها شعبه، فإنه فاوض من منطلق أن التنازل إلى الحد الذي يذهب بهذه التضحيات هدرًا مرفوض تمامًا”.

وفي هذا السياق، تابع الكيلاني بأن “هناك أيضًا مذكرات الاعتقال التي قدمت من قبل الجنائية الدولية ضد مجرمي الحرب من قادة هذا الكيان، كرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت. إضافة إلى الدعاوى المرفوعة في محكمة العدل الدولية، كلها عوامل، بالرغم من أنها لم تترجم إلى أفعال لأسباب معروفة، إلا أنها منحت المفاوض القوة ورفعت عنه صورة الإرهاب التي حاول العدو تكريسها إعلاميًا بشتى الوسائل بداية المعركة”.

أما بالنسبة لتطورات الداخل الإسرائيلي خلال الحرب، تحديدًا التظاهرات المطالبة بصفقة تبادل لإعادة الأسرى الصهاينة، أيضًا الخلافات بين المستوى السياسي والعسكري حول الجدوى من الاستمرار في الحرب، “إذ رأى قادة الجيش أن الأخير أنهك في الميدان وتكبد خسائر كبيرة، وبعث برسائل تضغط على المستوى السياسي للتنازل لشروط ومطالب المقاومة وإتمام الصفقة، ولو على حساب عدم تحقق أي من أهداف العدو الأساسية كتهجير الفلسطينيين، وإخلاء الشمال، وإنهاء الوجود العسكري للمقاومة”، كل ذلك طرحه المتحدث باسم حماس “كأوراق ضغط على العدو استفادت منها المقاومة في المفاوضات، خصوصًا لجهة التروي وعدم إفساح المجال للعدو لممارسة الضغط عليها ودفعها للتنازل”.

“الجهاد الإسلامي”: سحبنا ورقة “اليوم التالي للحرب” من يد العدو

من جهته، لفت المتحدث الإعلامي باسم حركة الجهاد الإسلامي في لبنان، خالد أبو الحيط، إلى أن “المفاوض الفلسطيني لديه خبرة أكثر من عقدين من الزمن في التعامل مع الاحتلال الصهيوني، منها مفاوضات عدوان عام 2008/2009 وعدوان عام 2014”.

كما كشف أبو الحيط، في حديث لموقع المنار، أن “المفاوض الفلسطيني كان يدرك منذ البداية أن الميدان هو من سيحدد مصير المعركة، وبالتالي المفاوضات، أي أن تفكيك أهداف العدوان وإفشالها سيعطي المفاوض الفلسطيني فرصة لفرض شروطه”.

هذا وأشار إلى أن “الجرائم غير المسبوقة التي ارتكبها الاحتلال أدّت إلى نتائج عكسية لجهة تمسك أهل القطاع بخيار الصمود والمقاومة، أما لجهة المفاوض الفلسطيني، فقد كان يدرك جيدًا أن أي اتفاق سيتم يجب أن يليق بهذه التضحيات الكبيرة”.

“ولا ننسى أيضًا عامل التشاور الدائم بين ممثلي فصائل المقاومة في القطاع، ووحدة موقف المقاومة طوال المسار التفاوضي”، أكد أبو الحيط، مشيرًا إلى “التنسيق العالي بين المفاوضين والمقاومة الميدانية في القطاع”، موضحًا أنه “لهذا رأينا أن المفاوض لم يتراجع رغم الضغوطات عن شروطه الأساسية من فك الحصار وإعادة الإعمار وانسحاب الاحتلال من كامل القطاع، وقضية الأسرى الفلسطينيين تحديدًا أصحاب المؤبدات”.

في هذا السياق أيضًا، أوضح المتحدث باسم الجهاد أنه “هنا نرى تمسكًا بقضايا وطنية كبرى وليس بأهداف شخصية، وهو ما منح المفاوض، ولو كان من فصيل معين، القوة والمشروعية والتأييد الكامل من قبل الفصائل الأخرى”، متابعًا “المفاوض الفلسطيني كان ثابتًا على مطالبه حتى في الفترات الصعبة إنسانيًا في القطاع، وحتى عقب اغتيال القادة، كرئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية ورئيس “حماس” في غزة الشهيد يحيى السنوار، لأنه كان يفاوض باسم أهل القطاع، فهم كانوا البوصلة”.

ورداً على سؤال عن عدم ورود أي بند يشرح تفاصيل طبيعة “اليوم التالي للحرب” لجهة إدارة القطاع، أعلن أبو الحيط أن “أحد أهم إنجازات المفاوض الفلسطيني هو سحب ورقة “اليوم التالي للحرب” من يد العدو الذي كان يريد فرض سلطة تتبع له بالكامل أو تنسق معه أمنيًا عقب الحرب، أو فرض وجود قوات دولية في القطاع. وهذا لم يتم لأن مستقبل غزة بقي بيد أبنائها ومقاومتها. وهذا الموضوع سيكون بيد الفلسطينيين حصراً لمناقشته، وربما مع بعض الأطراف الإقليمية، ولن يكون للعدو مساهمة فيه لا من قريب ولا من بعيد”.

كدلالة على قوله، أشار أبو الحيط إلى أن “السلطات التي كانت تعمل في غزة قبل الحرب لا تزال موجودة، والهياكل المدنية لهذه السلطة لا تزال قائمة، كما الهياكل العسكرية، ولهذا فإن المساعدات سيتم توزيعها والإشراف عليها من قبل هذه السلطات، وهذا ما لم يكن العدو يريده”.

في هذا الإطار، قال إن “العدو حاول من خلال تمسكه خلال جولات التفاوض بالبقاء في محور نتساريم أو فيلادلفيا أو معبر رفح، بفرض واقع معين في القطاع بعد وقف إطلاق النار، لكن المقاومة أدركت ذلك جيدًا ورفضته بالكامل”، متسلحة بمقاومتها التي بقيت تشتبك مع العدو وتكبده الخسائر حتى اللحظة الأخيرة.

المصدر: موقع المنار