على وقع اشتداد حدّة الخلاف حول ما يسمى “الخطة القضائية” في الكيان الاسرائيلي، واتساع ظاهرة الاحجام عن الخدمة الاحتياطية في الجيش، انطلق أمس ما سُمّي بـ “يوم المعارضة القومي”، الذي ضمّ فعاليات احتجاجية عدّة في مختلف المدن والمناطق، والذي سعى المنظمون من خلاله إلى تشويش الحياة اليومية في كلّ الكيان، الأمر الذي أدّى إلى تشويش زيارة وزير الحرب الأميركي، لويد أوستن إلى الكيان، وتأخير زيارة رسمية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى روما.
من جهة ثانية، واصلت ظاهرة الاحجام عن الخدمة الاحتياطية انتشارها على الرغم من جهود وقفها من قبل رئيس وقادة هيئة الأركان في جيش العدو، عَبر سلسلة لقاءات مع الضباط والجنود المحتجّين لشرح مخاطر هذه الظاهرة على الردع ووحدة الجيش.
وفي الموازاة، واصل الخبراء والمُعلّقون الإعراب عن قلقهم من انعكاسات الأزمة السياسية على الجيش ووحدته، وعن خشيتهم من انتقال عدوى الرفض إلى التشكيلات النظامية، الأمر الذي ستكون تبعاته- برأيهم – “خطيرة ومدمّرة”.
يوم مناهضة الديكتاتورية
انطلقت التظاهرات في مختلف أنحاء الكيان في ما سُمّي بـ”يوم مناهضة الديكتاتورية” و”يوم المعارضة”، الذي سعى منظمو الاحتجاج، في إطاره إلى تشويش الحياة اليومية، كجزء من تزخيم الاحتجاجات المستمرّة ضدّ خطة نتنياهو الفضائية.
وكانت اللقاءات السياسية والدبلوماسية الرفيعة من أولى ضحايا هذا اليوم، إذ أنّه وفي أعقاب التظاهرات والاضطرابات، لاسيّما في محيط مطار “بن غوريون”، والطريق المُوصِل إليه، اضطرّ وزير الحرب الأميركي، لويد أوستين، الذي يزور الكيان إلى إجراء تعديلات على زمان ومكان لقائه مع المسؤولين الصهاينة، وأجرى اجتماعاته داخل حرم المطار. كما تأخرت رحلة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى روما حتى الثانية عصرا.
وكان منظّمو الاحتجاج قد أعلنوا سابقاً عن نيّتهم عرقلة وصول موكب نتنياهو إلى المطار، وحشدوا لذلك مئات السيارات التي كانت ستسير ببطئ شديد باتجاه المطار بالتزامن مع تحرّك موكب نتنياهو، الأمر الذي قُوبل باضطرار نتنياهو لاستخدام مروحية للوصول إلى المطار.
يُذكر أنّ رحلة نتنياهو الرسمية إلى روما واجهت سابقاً تعقيدات لوجستية في الكيان الصهيوني، عندما عجزت شركة “إل عال” للطيران عن إيجاد طيّارين لنقل نتنياهو والوفد المرافق له إلى إيطاليا، على خلفية الاحتجاجات ضدّ “الخطة القضائية”.
قلق على الجيش
في ضوء اتساع ظاهرة التمنُّع عن أداء الخدمة الاحتياطية في الجيش وانضمام المزيد والمزيد من خرّيجي الوحدات (أفراداً وجماعات) إلى دائرة التمنُّع عن الخدمة، يزداد الاحتقان في صفوف الجيش، لاسيّما بعد تعرّض جنود وضبّاط الاحتياط المحجمين عن الخدمة، لانتقادات واتهامات قاسية من وزراء في الحكومة، حيث جرى وصفهم بالفوضويين والإرهابيين والخونة.
وكان وزير الاتصالات، شلومو قرعي، قد صعد هجومه على المتظاهرين ضد “الإصلاح القضائي”، وخصوصاً، الطيارين والضباط الذين أعلنوا أنّهم لن يستمروا في خدمة الاحتياط، وقال لهم: “اذهبوا إلى الجحيم”، ووصفهم بقوله “رافضي خدمة وقحين”. وكتب قرعي على تويتر: “نقول ما قاله مُردخاي لأستير: سَيَجيءُ الفَرَج والخلاص لِليهودِ مِنْ مكانٍ آخرَ، وأنتِ وبَيتُ أبيكِ تَهلكونَ. شعب إسرائيل سيتدبر أموره من دونكم، ولتذهبوا إلى الجحيم”.
وفي سياق متصل، حاول اللواء احتياط اسحاق بريك التذكير مجددا بالمخاطر التي يسببها امتناع ضباط وجنود عن الخدمة، معتبرا أن هذا الامر هو وصفة مضمونة لتفكك الجيش، وفي حديث لموقع قناة 12 العبرية أكد بريك “أنّ إسرائيل تتواجد اليوم في أحد أسوأ الأوضاع الأمنية التي عرفتها منذ قيامها”.
وقال بريك (مفوّض شكاوى الجنود سابقاً) إنّ “إسرائيل محاطة بطوق خانق من الصواريخ يتجاوز 200 ألف صاروخ (معظمها دقيق)، وصواريخ منحنية المسار، وطائرات مسيَّرة تشكّل تهديداً على إسرائيل. يتعلّق الأمر خلال الحرب بإطلاق 3000 صاروخ بشكل يومي، وأيضاً عشرات الطائرات المسيَّرة كمعدل وسطي، على الجبهة الداخلية. وستضطر الدولة إلى القتال على خمس جبهات، مقابل عشرات الآلاف من الجنود المدربين والمجهزين بالمدفعية والصواريخ المضادة للدبابات التابعين لحزب الله؛ وآلاف المقاتلين (الفلسطينيين) من غزة؛ والميلشيات الموالية لإيران في سوريا؛ وانتفاضة ثالثة في الضفة الغربية؛ وأعمال فوضى لمتطرفين داخل إسرائيل (يقصد فلسطينيي 48)”.
وأضاف بريك إن هذه الحرب ستتسبّب لنا بخسائر بشرية كبيرة، وبأضرار جسيمة في الممتلكات، محذراً من أنّ “الجيش الإسرائيلي لم يُعدّ نفسه لهذه الحرب، التي قد تندلع في الزمن القريب أو البعيد”. ولفت اللواء احتياط بريك، إلى أنّ “جيش الاحتياط هو عنصر مهم جداً وأساس في قدرة الجيش الإسرائيلي للدفاع والانتصار في الحرب، وإلحاق الضرر بهذه المنظومة – بسبب رفض عدد متزايد من أقسام الاحتياط الخدمة – هو ضرر مميت في قدرات الجيش الإسرائيلي في الروتين وفي الحرب”. وشدّد بريك على أن رفض القادة والجنود في الخدمة الاحتياطية التجّند للجيش في وحدات عديدة هو “وصفة مجرَّبة ومضمونة لتفكّك الجيش”.
وفي محاولة لتخفيف الاحتقان من جهة، وكبح موجة التمنّع من جهة ثانية، عقد رئيس أركان العدو هرتسي هليفي لقاءً مع ضبّاط وجنود من مختلف تشكيلات الاحتياط، خصّصها لشرح مخاطر الإحجام عن تلبية الخدمة الاحتياطية، وتأثيرها على الردع الاستراتيجي وتماسك الجيش. ونُقل عن هليفي رفضه للكلام القاسي الذي يتفوّه به وزراء بحق الجنود والضباط المتمنّعين عن الخدمة الاحتياطية.
موقف الخبراء
واصل الخبراء والمُعلّقون الإعراب عن قلقهم من انعكاسات الأزمة السياسية على الجيش ووحدته، ويبدو أنّ أكثر ما يقلق هؤلاء هو ما يُعرف بـ “تأثير أحجار الدومينو”، الذي بدأ في تشكيل الاحتياط، ويُخشى انتقاله الى بقية التشكيلات في الجيش النظامي.
وفي ضوء تعمّق وتشعّب النقاش حول ظاهرة الامتناع عن الخدمة الاحتياطية، أعرب عدد من الخبراء والمُعلّقين عن قلقهم من “المنحدر الزلق” الذي وصلت إليه الأمور في الجيش، حيث تتبلور خشية فعلية من انتقال عدوى التمنّع أيضاً إلى الخدمة النظاميّة.
ويؤكد الخبراء أنّ الاحتياط يواجه منذ سنوات تحدّيات غير سهلة، لكن يبدو اليوم أنّ تحدّيات عدّة تضافرت ويمكن أن توصله إلى أزمة، منها تراجع حافزية الخدمة على مرّ السنين، وتزايد “الرفض الرمادي” للخدمة، وضعف الكفاءة والاستعداد اللازمين لتحقيق النصر في الحرب.
المشكلة تزداد تعقيداً- برأيهم- في ضوء حقيقة “أنّ خدمة الاحتياط هي تطوّعية أصلاً، ووقف التطوّع ليس رفضاً للخدمة”، وإذا استمرّ الوضع على ما هو عليه حالياً فإنّ الأضرار المتوقّعة ستُلامس تنفيذ الجيش لمهامه العملانية، لاسيّما في الضفّة الغربيّة.
ويلفت هؤلاء إلى أنّ هذه الظواهر قد تضرّ بـ”النسيج الدقيق داخل وحدات الجيش نفسها، حيث تتبلور حالة استقطاب بين أولئك الذين ينضمّون إلى الاحتياطيات وأولئك الذين يرفضون الانضمام إلى الخدمة”.
المصدر: اعلام العدو