حضر النواب الجلسة الأولى لإنتخاب رئيسٍ للجمهورية، ولم تكن أكثر من عمل إجرائي ضمن العملية الدستورية، مراعاةً للمهلة القانونية قبل حوالي الشهر من انتهاء عهد الرئيس ميشال عون. وإذ جاءت نتيجة الجلسة متوقَّعة، نظراً لغياب التوافق ضمن حدِّه الأدنى، فقد وصَّف عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسين الحاج حسن الجلسة بعد إنتهائها، أنها لإختبار النوايا وحددت الى حدٍّ ما مواقف الفرقاء، وهذا ما توقعته كتلة الوفاء للمقاومة قبل الجلسة، أنها ستكون جلسة جسّ نبض بانتظار التوافق، على أن تكون الجلسة الثانية قبل الدخول في الأيام العشرة الأخيرة من ولاية الرئيس عون، وقد أجاب فعلاً الرئيس نبيه بري لدى سؤال بعض النواب عن موعد الجلسة الثانية، أنه ينتظر التوافق لتحديد الموعد.
ما هو محسوم، هو أن التوافق ممرّ إلزامي لإنتخاب الرئيس، وأن التوافق يستوجب لقاءات، واللقاءات يلزمها الإرتقاء عن الصغائر، وكل كلام إعلامي غير مسؤول يلامس وحدة الوطن هو من الصغائر، وكل إتهام سياسي غير صحيح للتسديد على الخصم هو “رمي حرام”، ولا يجني منه قائله سوى ما زرع، وما أكثر الصغائر التي عاشها لبنان خلال السنوات القليلة الماضية، والتي في أجوائها وجد الرئيس ميشال عون نفسه مُلزماً بتحمُّلها تفادياً للأعظم من الإنقسامات.
وليست الأمور حصراً في التهدئة الإعلامية، بل في الأعمال التمهيدية للتوافق، والتي يبدو أنها تصطدم بحركة سفراء مشبوهة على البعض، في رهاناتٍ خائبة على تأثيرات خارجية بمسألة سيادية، والإقبال على مُجالسة هذا السفير أو تلك السفيرة لإستلام الإملاءات، هي مسألة من كُبريات الصغائر، كما أن الباحثين عن شراكة وطنية، يحتكمون الى الدستور، ولا يفتعلون “الصبينة السياسية” عبر التهديد بالصعود الى بعبدا وإزاحة الرئيس بالقوة ما لم يغادر القصر بنهاية شهر تشرين الأول، والبعض منهم ليست لديهم القدرة على إزاحة شرطي بلدي من مكانه، ووجودهم في الحياة السياسية جموحٌ لإرتكاب الصغائر.
وإذا كانت الجلسة الثانية لإنتخاب الرئيس، سيكون تأمين النصاب هو الناخب الأبرز فيها، فإن الشخصية العتيدة لكرسي بعبدا تنتظر على الأقل تأمين غالبية تُدرك الواقع المُعاش في عيش اللبنانيين، وقبل أن يستمع الفرقاء الى سفيرٍ يخطب فيهم بضرورة وصول رئيسٍ غير فاسدٍ الى بعبدا، القبول بحقيقة وجود ملفات فساد خلال فترات طويلة كانوا فيها شركاء سلطة، وهذه الملفات بعهدة النيابات العامة والقضاء ولجنة الإدارة والعدل النيابية، وكفى القفز فوقها لفتح ملفات لفلفلة وهروب في المتاهات.
المُلفت في الخطاب السياسي لجماعة السفارات، أنهم لا يطلبون رئيساً بمواصفات وطنية جامعة، بل شخصاً مُعلباً مُبرمجاً ليكون ضدّ هذا الخط أو ذاك، ولأن المقاومة تأتي في عناوين هجوم البعض، فإن قيادة هذه المقاومة ما سمَّت مرشحاً لرئاسة الجمهورية، وبيانات قيادتها معروفة على مدى السنوات والعهود المتعاقبة، ليست تبحث عن رئيسٍ يحميها بل على الأقل، أن لا يكون سكيناً في خاصرتها أو خنجراً في ظهر الوطن والشعب، وهذا مطلب الغالبية الواسعة من الشرائح الشعبية والجماهير الواقعية، بعيداً عن العنتريات الإفتراضية وارتكاب الصغائر، بانتظار التوافق على رئيس ينتظر بدوره القرار الوطني الكبير…
المصدر: موقع المنار