في مناسبة الربيع الأربعيني للمقاومة في لبنان 1982-2022، استوقفتنا منذ أيام مشهدية من بيت العنكبوت الإسرائيلي، عندما انهمرت بضعة صواريخ من غزة على تل أبيب، قبل ثلاث ساعات من تطبيق إتفاق وقف إطلاق النار، ورأينا حالة الذعر التي سادت الشوارع والشواطىء والأجواء، لدرجة توقُّف مطار بن غوريون لفترة عن العمل، وتذكَّرنا خلال متابعة ذلك مقولة سماحة السيد حسن نصرالله، حول الجبهة الداخلية الصهيونية التي ستواجه في اي حرب مقبلة وقائع لم تواجهها منذ قيام الكيان المحتل.
تحويل “اسرائيل” الى “بيت العنكبوت”، استغرق من المقاومة وقيادتها سنوات من تفكيك الأسرار والمواجهة الندِّية، قبل أن يُعلن السيد نصرالله في العام 2000، أن هذا الكيان الغاصب المُتجبِّر أوهن من بيت العنكبوت، والتوصيف ليس سياسياً، ولا هو من قبيل الحرب الثقافية، بل من منطلق علمي بحت لطبيعة المجتمع الإسرائيلي وتركيبته الديموغرافية من جهة، والخذلان العربي الذي حال دون إدراك الأنظمة مخاطر استمرار الأمان داخل مجتمع يهودي عنصري فيما العرب يعيشون النكبات من جهة أخرى.
لم ترِث المقاومة في لبنان عن معظم العرب لا إبرةً ولا خيطاً لحياكة بيت العنكبوت لكيانٍ حديديٍّ، هو أشبه اليوم بالقبَّة الحديدية التي لطالما فاخر العدو بها، لكنها بدَت منظومة عاجزة في أكثر من معركة عن صدّ الصواريخ، سواء المتطوِّرة منها، أو تلك الصواريخ المحليَّة الصُنع بقطاع غزَّة المُحاصر، ولا ورِثت هذه المقاومة أيضاً، أسلحةً من معظم العرب، ولا ورِثت كرامةً إلَّا من مدرستها الذاتية كي تنتصر عام 2000 و 2006 وما بينهما وما بعدهما من معارك توازن الردع.
توازن الردع هو الذي أذاب الهيكل الحديدي لهذا الكيان، وجعله بيت عنكبوتٍ يؤوي إتنيات شعبية من كل مناحي الأرض، والتأشيرات جاهزة لمجرد أن القادمين يهوداً، وفي ما عدا ذلك، ظنَّت الحكومات الإسرائيلية المُتعاقبة أن بناء المستوطنات وملأها بمستوطنين كيفما كان، يُحقق لها مجتمعاً مُتماسكاً يُكتب له العيش أكثر مما تتوقع الكُتُب التي تُثير الذُعر في قلوب الإسرائيليين حول عُمر “دولة إسرائيل”، لكن اعترافات المستوطنين الذين استُقدموا بعد العام 2000 أن إسرائيل ليست آمنة، وهي وإن كانت تُناسب اليهود الشرقيين الهاربين من الفقر في بلدانهم، فهي لا تُناسب اليهود الغربيين الباحثين عن الأمن الإجتماعي والأمان الإستثماري، وهنا بيت القصيد في تشريح تطلعات كل فئة شعبية تستوطن إسرائيل.
وقد إنقسم الرأي في الإعلام الإسرائيلي وعلى المستوى “الشعبي” حول جدوى توطين اليهود الشرقيين، لأنهم برأي الأشكيناز الغربيين يُشكِّلون عبئاً مالياً على “الدولة”، مثلهم مثل القادمين من أوروبا الشرقية، ودخل يومذاك على خط المناقشات “الحريديون” وهُم “التيار المُتشدِّد” ، واعتبر أن توطين اليهود هو الأساس في معادلة التوازن الديموغرافي مع الفلسطينيين الآخذين في النمو، بينما اليهود من الأصول الغربية يُهاجرون من “إسرائيل” بكثافة بعد العام 2000.
هذه هي التركيبة المُفكَّكة لما يسمى المجتمع الإسرائيلي، لكل فئة أسبابها للقدوم أو البقاء ، ولكل فئة معيارها الذاتي في النظرة الى الأمن الإجتماعي، وهذه المعايير تتراوح ما بين: وجود ملجأ لحالات الحرب، أو انتفاء كلمة حرب من قاموس الحكومات الإسرائيلية لأن اليهود الغربيين ما جاؤوا الى إسرائيل لهذه الغاية بل ينشدون الأمان الشخصي والاجتماعي والاقتصادي وإلا الرحيل مجدداً الى الغرب.
مدينة مقابل مدينة، ومستوطنة مقابل قرية، ومُنشأة مقابل مُنشأة، وأهداف استراتيجية مقابل نفس الأهداف، هذه هي حكاية حياكة بيت العنكبوت لهيكلٍ كرتوني أرعب العرب لنحو نصف قرن، الى أن انتفضت مقاومة تُجيد الحياكة وتفصيل الكفن لكل نظامٍ عدوانيٍّ ظالم…