في حزيران 2021 على هامش قمة الأطلسي في بروكسل، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الرئيس الأميركي جو بايدن. خيمت أزمة الـ “اس 400” على اللقاء، إضافة إلى امتعاض أنقرة من دعم واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية والتي ترى فيها الأولى تهديداً لأمنها القومي. لكن أردوغان أراد لجم التوتر الحاصل منذ عهد الرئيس دونالد ترامب، خصوصاً أن ذلك انعكس ضغوطاً كبيرة على اقتصاد بلاده، مما يؤثر على حظوظه في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2023، فأشهر ورقة “مطار كابول”، والتي لاقت قبولاً من الرئيس الأميركي، مقابل طلب أردوغان دعماً سياسياً ولوجستياً ومالياً من الأخير لإنجاح المهمة.
يرى الخبير في الشؤون التركية محمد نور الدين، في حديث لموقع المنار، أن “التقرب من واشنطن لتخفيف الضغوط وبالتالي تحصين الساحة الانتخابية”، هو الهدف الذي قاد أردوغان إلى هذه الخطوة “المحفوفة بالمخاطر”، لكن هل هناك من أسباب اخرى؟
من المنطقي أن يكون لتركيا أسباب أخرى. الأخيرة سعت في السنوات الماضية إلى تعزيز نفوذها الدولي والاقليمي من خلال الخوض في صراعات عديدة، الحرب السورية على رأسها، العراق، ليبيا، وغيرها. في المحصلة تحاول فرض نفسها كلاعب أساسي ومؤثر.
ثانياً، تشكل هذه الخطوة، في حال نجاح تركيا في إدارة المطار، فرصة لها لاثبات نفسها داخل “الناتو”، الذي يخرج من البلاد بتجربة فاشلة.
ثالثاً، هناك قضية بالغة الأهمية بالنسبة لتركيا وهي موضوع تدفق اللاجئين الأفغان عبر ايران إلى تركيا، التي لم تعالج حتى الآن أزمة اللاجئين السوريين، وفي السياق، ذكر مركز دراسات اللجوء والهجرة بأنقرة أن ما لا يقل عن 1000 لاجئ يعبرون إلى داخل الأراضي التركية يومياً. ففي حال نجاحها في تثبيت نفوذ ما في العاصمة ما بعد الانسحاب الأميركي، قد تستطيع تركيا السيطرة إلى حد ما على هذا التدفق، خصوصاً إذا ترافق ذلك مع ارساء اتفاق ما مع طالبان، الطرف الأقوى على الساحة الأفغانية في ظل انكفاء القوات الحكومية في مساحات واسعة أمام عناصر الحركة.
لكن إلى أي مدى ستستطيع أنقرة خوض المغامرة الأفغانية بأقل الخسائر؟
لا شيء محسوم حتى الساعة، حتى المشهد الأفغاني يسوده الكثير من التقلبات لجهة مناطق السيطرة بين الأطراف المتصارعة (القوات الحكومية وطالبان بشكل أساسي)، لكن مع ميل الكفة لطالبان، “يبقى قبول الأخيرة بالوجود التركي في العاصمة مفتاحاً مهماً لتثبيت هذا الوجود واستقراره”، بحسب نور الدين.
حتى اللحظة، يبدو موقف طالبان رافضاً للوجود التركي في المطار، إذ أعلن المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، في مقابلة مع القناة التركية “تي آر تي” عربي، رفض طالبان خطط تركيا لتشغيل المطار بعد انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنهم مع “علاقات جيدة مع تركيا، نطلب منها أن تأتي بالمهندسين والأطباء والعلماء والتجار، وليس عن طريق الحرب والأسلحة”. هذا الرفض، يبقى بالنسبة لتركيا، غير حاسم، خصوصاً أنها طوال فترة سيطرة “الناتو” حرصت قواتها (تشارك أنقرة بما يزيد عن 500 جندي ضمن قوة الأطلسي في أفغانستان) على عدم المشاركة في أي عمل عسكري ضمن البلاد، مما لم يجعلها في موضع استهداف من قبل الحركة ومما يمنحها مقبولية ما في المرحلة المقبلة أكثر من الدول الأخرى المشاركة في الحلف.
إضافة إلى ذلك، فإن تركيا تعوّل على علاقتها الجيدة بباكستان وقطر اللتين تملكان نوعاً من التأثير على الحركة. لكن في حال بقاء موقف الأخيرة سلبياً فمما لا شك فيه أن تركيا ستجد نفسها في مواجهة معها، وهذا ما يتخوف منه المعارضون لخطوة أردوغان في الداخل التركي. أما بالنسبة للأطراف الأخرى تحديداً القوات الحكومية، فلا عائق بينها وبين أنقرة خصوصاً أن الأخيرة، وبحسب الخبير نور الدين، “تربطها علاقات صداقة قديمة وجيدة مع زعيم الأوزبك عبد الرشيد دوستم الذي يملك رصيداً سياسياً في البلاد، وسبق أن كان نائباً للرئيس الأفغاني”، وهنا نلفت أن لقاءً مغلقاً سبق أن جمع أردوغان بدوستم في نيسان/أبريل الماضي.
هذا في الداخل، أما في الخارج، فإن من المعروف أن هناك لاعبين كثر معنيون بما يجري في البلاد كروسيا وايران بشكل اساسي، وهنا يشير نور الدين إلى أن “الدور التركي في افغانستان غير مرحب به بالنسبة لايران لأنه يعني أنه بات هناك موطئ قدم تركية، لكن ذلك لا يعني توتراً مع طهران، هذا يعتمد على شكل علاقات الطرفين مع القوى المتصارعة في افغانستان، أي هل ستقوم تركيا بالتواصل مع طالبان؟ كيف ستكون علاقة ايران بالحكومة الأفغانية؟”.
أما بالنسبة لروسيا، فإن “ورقة مطار كابول هي ورقة حساسة وقوية بيد تركيا، تجاه علاقتها بموسكو، خصوصاً أن الأخيرة معنية مباشرة بما يحدث في أفغانستان وسبق أن غزتها عام 1980” يقول نور الدين. وهنا نذكر أن ما من ترحيب روسي بهذه الخطوة، إذ سبق أن أعلن المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى أفغانستان زامير كابولوف أن “خطط تركيا لضمان أمن مطار كابل بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، تنتهك الاتفاقات المبرمة مع طالبان”. يبقى تقييم خطوة أنقرة بنتائجها وانعكاساتها رهناً بتطورات ما يجري في الميدان الأفغاني المفتوح على العديد من الاحتمالات، خصوصاً عقب اتمام الانسحاب الأميركي في 31 من الشهر الحالي، التاريخ الذي أعلنه الرئيس جو بايدن.
المصدر: موقع المنار