بحصوله على غالبية غير مسبوقة في البرلمان، بات فلاديمير بوتين في موقع قوي يتيح له تنبي موازنة تقشف تأخذ في الحسبان تدهور عائدات النفط، بانتظار إصلاحات مؤلمة ما بعد الانتخابات الرئاسية في 2018.
ورغم الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ حوإلى عامين، خرج «حزب روسيا الموحدة» اقوى من الانتخابات التشريعية أمس الأول، امام خصومه الرئيسيين الشيوعيين والقوميين.
ويمكن للحكومة ان تعتمد على دعم النواب المعهود خلال التصويت على مشروع الموازنة لعامي 2017-2019. وبالتالي يمكنها التركيز على عمليات توزيع المخصصات المالية بين الإدارات والوزارات والقطاعات الاقتصادية.
وقال رئيس مجلس الدوما المنتهية ولايته سيرغي ناريشكين ان البرلمان الجديد الذي قد يجتمع مطلع تشرين الأول/أكتوبر سيدرس مشروع الموازنة بـ»مهنية وليس بشعبوية».
وباتت عائدات بيع النفط والغاز، التي كانت تؤمن نصف إيرادات الموازنة في السنوات الجيدة، أقل بمرتين مما كانت عليه قبل عامين. وتساهم العقوبات الغربية المرتبطة بالأزمة الأوكرانية في تعقيد عمليات الاقتراض.
والاحتياجات كبيرة لاقتصاد يستعيد استقراره بعد ركود دام سنة ونصف.
وبوتين الذي وصل إلى سدة الحكم بعد عام من عجز روسيا المذل عن سداد الدين الخارجي في 1998، حدد سقف العجز تحت عتبة 3 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي. ولتحقيق هذا الهدف، قرر رئيس الوزراء دميتري ميدفيديف تجميد النفقات لمدة ثلاث سنوات، أي باكثر من 15 الف مليار روبل (200 مليار يورو بسعر الصرف الحالي). وبعد مراجعة الأرقام في ضوء التضخم بات يشكل هذا «التجميد» في الواقع خفضا جديدا.
هل يطال حصر النفقات المؤسسة العسكرية؟
تفيد التسريبات في الصحف الروسية ان وزارة المال تريد جمع المال من القطاع النفطي وخفض النفقات في مجالي الإعلام الحكومي والبرامج الفضائية وكذلك النفقات المتعلقة بالجيش والتي ازدادت إلى حد كبير خلال 10 سنوات.
وبحسب صحيفة (كومرسنت) فان نقاشات حادة دارت خلال اجتماع عقد مطلع ايلول/سبتمبر بين وزيري المال انطون سيلوانوف والدفاع سيرغي شويغو.
وهذا الخلاف لا يشكل سوى مثال على اختبار القوة المستمر حول الأموال العامة، اذ ان وزارة المال تضاعف التحذيرات من نضوب الاحتياطي المالي الذي جمع خلال السنوات الماضية.
وقال خبير الاقتصاد كريس ويفر من شركة «ماركو ادفايزوري» الاستشارية «بوتين سيكون الحَكَم». واضاف «سيتردد في اقتطاع النفقات العسكرية او الاجتماعية (…) لكنه لا يريد ان يجازف بان يرى روسيا في وضع حرج اقتصاديا حيال الغرب (…) او في فقدان الدعم الشعبي».
أدت التدابير الاقتصادية الأولى التي تم تبنيها في السنوات الماضية إلى خفض عدد العاملين في الدوائر العامة، وكذلك القدرة الشرائية للعاملين في القطاع العام والمتقاعدين، دون ان يؤثر ذلك على شعبية الرئيس الروسي.
لكن شعبية الحكومة تراجعت وبرزت سلسلة مشاكل اجتماعية محلية في الاشهر الاخيرة: غضب سائقي الشاحنات لفرض ضريبة جديدة، وإضرار الشركات الكبرى بالمزارعين الصغار، وعدم دفع رواتب الموظفين في شركة مفلسة لتصنيع السيارات تعمل من الباطن.
وقبل عام ونصف من الاقتراع الرئاسي، باتت السلطة في وضع صعب، خصوصا وأن التدابير الاقتصادية المعتمدة حاليا ليست سوى بداية لإصلاحات جذرية اكثر تفاديا للركود، في حال لم يرتفع سعر برميل النفط.
وفي الحكومة يؤكد البعض ضرورة تحرير سوق العمل، وزيادة سن التقاعد، وفرض ضرائب جديدة. ويجري بوتين مشاورات واعدا بالإبقاء على تحرير الاقتصاد.
ورأى أمس انه «من الضروري اجراء تغييرات مدروسة» لكنه استبعد اي «تدابير قاسية»، في إشارة إلى الاصلاحات الليبرالية التي اجريت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
ورأى كريس ويفر ان التغيرات غير الشعبية «ضرورية لان البلاد لم يعد لديها المال (…) لكن لن يتم البحث علنا في اي من هذه التدابير قبل اعادة انتخاب بوتين في 2018».
المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية