عقودٌ مضت والكثير من الأكراد يحلمون بدولة خاصة بهم خارج اطر “سايكس – بيكو”، وجاءت الخرائط الأميركية لِترسم لهم حدودها بين سوريا والعراق وإيران وتركيا. وقد اعترفت وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس ضمن إعلانها عن إقامة “الشرق الأوسط الجديد”، أن أميركا غير راضية عن تقسيمات سايكس – بيكو، وأن إعادة الترسيم ستلحظ دولة للأكراد، وارتضى كثير من الأكراد أن يكونوا الدويلة الأولى في عملية تمزيق الشرق، دون أن تكون لديهم الرؤية لمستقبل هذه الدويلة التي كانت سوف تقوم على حساب دول ذات سيادة.
بعد خيبتهم في إقامة دولتهم المستقلة المعروفة بإسم “كردستان العراق”، التي كانت تتمتَّع بحُكمٍ ذاتي، لم يُدرك بعض الأكراد أن تهريب النفط العراقي وبيعه الى تركيا دون المرور بالحكومة المركزية في بغداد هو امتصاصٌ لخيراتهم دون جدوى في تحقيق حلمهم، واستمر زعيم الإقليم مسعود البرزاني في مغامرة إعلان الدولة التي لم يُّؤيد قيامها سوى أميركا والكيان الصهيوني، الى أن أصيب بالنكسة الشخصية عندما تأكد له وللشعب الكردي أنها دولة غير قابلة للحياة، فكانت اللدغة الأميركية الأولى وتبدَّد الحُلم الكردي.
اللدغة الثانية من الجحر الأميركي جاءت من ترامب، بحيث أمر بشحن أطنان من الأسلحة الى “قسد” خلال الأشهر الماضية بذريعة محاربة داعش، ثم فجأة، قرر منذ أيام سحب القوات الأميركية الرمزية من شرق الفرات، وأعلن أنه لن يُساعد الأكراد لأنهم “لم يُساعدوا أميركا خلال عملية إنزال النورماندي”!!، لكن الحقيقة، أن الكونغرس الأميركي بجناحيه الديموقراطي والجمهوري يتَّهم ترامب بأنه صُورياً يرفض الهجوم التركي على شرق الفرات، لكنه لا يستطيع الذهاب الى حدّ العداء مع تركيا لأسباب شخصية ترتبط بمصالحه التجارية فيها، ومن ضمنها “ترامب تاورز” والشركات التركية التي دخل فيها شريكاً عبر العلامات التجارية التي يملكها.
ومع معرفة الأكراد بأنهم أخطأوا عندما ارتضوا أن يكونوا أدوات بأيدي أميركا الغادرة، فقد كرَّروا خطأ العراق في سوريا عبر قوات سوريا الديموقراطية الكُردية “قسد”، التي كات آخر خنجر أرادته أميركا في الشمال السوري لتمزيق الشرق، وقد يرتدّ الى نُحورِ الأكراد ما لم يُسارعوا الى تسليم الجيش السوري المناطق التي كانوا يحلمون بها كنواة لدولة الحكم الذاتي، خاصة مع استمرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عملية “نبع السلام” للقضاء عليهم.
وبصرف النظر عن النتائج العسكرية للمغامرة التركية في الشمال السوري، فهي ستنتج المزيد من الفوضى ، اضافة الى فلتان ألفيّ إرهابي من الدواعش كانوا في سجون “قسد” وبدأوا بالفرار، ولا ملاذ لهم سوى الهروب الى تركيا أو العراق لأن الجيش السوري قد استكمل كامل جهوزيته لإستعادة شرق الفرات وكل حبَّة من التراب السوري، وليس على مسلحي الأكراد سوى الجلوس بصدق على طاولة المفاوضات السورية – السورية والعودة الى دولتهم الحاضنة بعيداً عن الأحلام الإنفصالية…
المصدر: خاص