“..انطلاقاً من مسؤولياتنا تجاه الشعب اليمني الشقيق، واستجابةً لما تضمنته رسالة فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي من طلب لتقديم المساندة الفورية بكافة الوسائل والتدابير اللازمة لحماية اليمن وشعبه.. فقد قررت دولنا الاستجابة لطلب الرئيس هادي لحماية اليمن وشعبه العزيز…”
تحركت السعودية في تمام الساعة الثانية بعد منتصف ليل الخميس، السادس والعشرين من شهر آذار/ مارس 2015، إنطلاقاً من مسؤولياتها تجاه الشعب اليمني الشقيق، معلنة بدء عملياتها العسكرية العدوانية على اليمن، من خلال التحالف العربي الذي ضم دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء سلطنة عمان، بالإضافة إلى كل من مصر والأردن والسودان والمغرب، وبغطاء دولي أميركي أممي واضح.
ولحماية اليمن وشعبه العزيز، ارتكب العدوان الأميركي – السعودي ابشع الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب بحق النساء والاطفال، فقتلت السعودية 9366 مواطناً بينهم أكثر من 4254 إمرأة وطفل، وأصابت أكثر من 17663 مواطن، بينهم أكثر من 4351 إمرأة وطفل.
وانطلاقاً من مسؤولياته في حماية اليمن ولاستعادة “الشرعية”، دمر العدوان 346103 منزلاً، و14 مطارا، و10 موانئ، و35 جسرا وطريقا، و140 محطةً كهربائية ومولدا، عدا عن تضرر 167 شبكة ومحطة اتصال، كما تم قصف 163 شبكة مياه، ودمر 810 مدرسة ومعهد، و41 منشاة جامعية بالإضافة إلى تدمير 285 مستشفى ووحدة صحية، فيما بلغت المساجد المتضررة 664 مسجدا، ووصل عدد النازحين إلى 2.714.579 نازحاً.
“عاصفة الحزم”، لم تعد الأمل للسعودية، التي لم تحقق حتى هذه اللحظة أياً من أهداف عمليتها الأولى والتي أعلنت نهايتها!، ولا من عمليتها الثانية المستمرة، التي ضخت فيها مملكة النفط مليارات الدولارات، واستندت فيها إلى غطاء من المنظمات الدولية ودعم دولي وتغطية إعلامية واسعة.
عدوان وحشي لم يشهد له التاريخ مثيلاً، بلغ عدد غاراته الجوية أَكثر من ستين ألف غارة، متجاوزة ما تم تنفيذه في الحرب العالمية الثانية بنسبة أَكثر من 30%، مستخدما كل أنواع الأسلحة المحرمة دولياً ومنها العنقودية والانشطارية وقنابل الدخان الخانق، ليجعلوا من اليمن حقل تجارب لأسلحتهم حديثة الصنع.
الاعتقاد السائد لدى قوى العدوان كان في البداية، أن الشعب اليمني سيستسلم خلال أيام أو ربما أسابيع على أبعد تقدير، لكن الشعب اليمني سجل صموداً أُسطُورياً استراتيجيا أذهل أهل العدوان والدول التي تقف خلفه وتدعمه.
انطلق الصمود اليمني من قوة ارتباط الشعب بالله ووقوفه على مرّ الزمن إلى جانب الحق، ومن إيمانه بقضيته وعدالتها، والدور الفعلي للشعوب، فلعب دوره بفعالية لمواجهة أخطار العدوان، مقدما التضحيات الجسام في سبيل الوطن وكرامته وعزته.
كما مثل التماسك المذهل للجيش واللجان الشعبية ومقاتلي القبائل في الجبهات الداخلية، أحد أبرز عوامل الصمود اليمني، خاصة مع وجود القيادة الحكيمة لإدارة المعركة، واستعدادها لمعركة طويلة الأمد ضمن خيارات استراتيجية مرتبة ومدروسة استنزفت العدو طيلة العام الأول للعدوان.
عوامل الصمود طوعها اليمني لخدمته، فأحسن استخدامها، واتخذ قرار عدم التعجل في الرد بداية، ليس من باب الضعف وإنما لإعطاء النظام السعودي فرصة للتراجع، صمد لمدة 40 يوماً دون ردّ، وبعد هذه المرحلة بدأ اليمني يكيف ردّه صعوداً وهبوطاً بمستويات وبطريقة منظمة تتيح الفرصة مرة أخرى للمعتدين بمراجعة حساباتهم.
لم يستفد العدوان من “صبر اليمني الإستراتيجي”، فما كان من الشعب اليمني وقيادته إلا أن أعلنت البدء بالتعبئة العامة في أوساط المجتمع، تحضيراً للرد والمواجهة.. في حين كان يسير شؤون حياته اليومية بما يعزز ثباته، وعمل بثقافة التراحم والتكافل، والترابط بمختلف مكوناته وفئاته، وبادر الجميع إلى تقديم المساعدات الإنسانية من تجار وجمعيات وحتى المواطن البسيط الذي لا يمتلك إلا قوت يومه أعطى وشارك.
أدرك اليمني مخاطر العدوان والحصار، فخرج بالملايين بمسيرات حاشدة وصلت إلى 26 مسيرة، وما يربو على 250 وقفة، وشكلت العديد من الجبهات والتكتلات والائتلافات والمبادرات ومن مختلف المكونات، نفذت من خلالها مئات الوقفات الاحتجاجية المناهضة للعـدوان والحصار، وأقيمت الندوات، والفعاليات الثقافية، والسياسية، والقانونية، والحقوقية والأُمسيات الشعرية والأفلام الوثائقية، والمعارض التشكيلية والمجسمات.
الحضور في الساحات رافقه اندفاع في رفد الجبهات الداخلية والخارجية، لدعم الجيش واللجان الشعـبية، فسارع المجتمع اليمني، وبأطيافه المختلفة يتعزيز الخطوط الأمامية بالمقاتلين، ومدهم بالمال والسلاح، وقوافل الدعم والمساعدات، ونظمت أنشطة تهدف إلى الدعم النفسي والمعنوي للجيش واللجان الشعـبية، والإشادة بصمودهم ودورهم العظيم، وكان في مقدمها اللقاءات القبلية الموسعة التي أكدت على مواصلة الصمود ودعم الخيارات الاستراتيجية لردع الغزاة والمحتلين ومرتزقتهم في الداخل.
رفد الجبهات بالمقاتلين عزز صمود الجيش واللجان الشعبية، وما تعرض له الجيش اليمني طيلة الأعوام الماضية من إقصاء وإهمال واستهداف وتفكيك ممنهج، غير خاف، إلا أنه أثبت أنه جيش الوطن فتحرك بكل قوة يخوض معركة الشرف والبطولة، وبجانبه اللجان الشعبية، مسطرين أروع الملاحم، رغم كل المحاولات التي قام ويقوم بها العدوان، ومنها نقل القاعدة وداعش من مختلف البلدان إلى أرض اليمن، والمرتزقة الذين تم جلبهم من مختلف الجنسيات، واستخدامه الغطاء الجوي المكثف، وشراء الضمائر والمواقف بالمال، والغطاء الاعلامي المدروس الذي يسعى دائماً إلى قلب الحقائق، وكذلك إثارة الفتن المناطقية والمذهبية، وتوظيف الدين لمصالحهم وأهدافه بإصدار الفتاوى المتعددة بهدف التحشيد للعدوان.
وعلى الرغم من قوة ودعم هذه الوسائل المتعددة والمتنوعة إلّا أنه وبعد عام كامل استطاع الجيش واللجان الشعـبية إفشال العدوان من خلال منعه من تحقيق أي من أهدافه المعلنة، ونقلوا مسار المعركة إلَـى العمق السعودي ضمن خطوات استراتيجية مرتبة ومتدحرجة.
وخلال عام على العدوان، لم يحقق العدوان أي من اهدافه، وباعتراف من وكالات ووسائل إعلام غربية فالجيش واللجان الشعبية يسيطرون على المحافظات الشمالية ويتقدمون داخل الأراضي السعودية، والمحافظات الجنوبية تتقاسم القاعدة وداعش السيطرة عليها، فأين “الشرعية” المزعومة واستعادتها، واين أهداف العدوان؟
الشعب اليمني، وباختبار عام من العدوان، أثبت أنه شعب عزيز وصامد يستمد قوته، وعزمه، وإباءه من اعتماده على الله، وأنه يمن الأْنصار والأوس والخزرج، يمن الحكمة والإيمان، والحضارة والقيم والشموخ، لا ينكسر في أي حال من الأحوال، مهما كان حجم التضحيات التي يقدمها والصعوبات، والتحديات التي يواجهها، حول التهديد إلى فرصة، وجعل من الفشل مرافقاً للسعودية، ووضعها أمام معضلة النزول عن الشجرة اليمنية، والحيرة في كيفية إعلانها نهاية الحرب.
المصدر: موقع المنار