عندما نرتمي على تعبنا كلبنانيين أمام الشاشات عند المساء، فنحن قادمون من بيئتنا المتنوِّعة في المدرسة والجامعة وأسواق العمل، وتنوُّعنا ليس فقط مناطقياً وطائفياً ومذهبياً، بل هو حزبي وسياسي بامتياز، ونحن مُنسجمون مع هذا التنوُّع وبات جزءاً عزيزاً من ذواتنا وتكويننا الوطني، وإذا كان لا حول لنا ولا قوَّة في تغيير الأحداث، وجعل نشرات الأخبار أقلَّ دراميةً، فإننا لسنا مُلزمين بمتابعة برامج “توك شو” لا تُقارب قناعاتنا الوطنية، خاصة أن بعضها ولدواعٍ تجارية بحتة باتَ كما ضرب الخناجر في صدورنا وفي خاصرة الوطن.
لن ندخُل في قانون “المرئي والمسموع”، لأنه لم يعُد مجدياً ضبط وسائل الإعلام، في الوقت الذي نشهد فيه فلتاناً غير مسبوق على مواقع التواصل الإجتماعي، ومَن مِن اللبنانيين تفُوته تغريدة سياسي معيَّن على التويتر، تحملها إليه نشرات الأخبار، وتُستكمل تغطيتها باستضافة “توك شو” تُشعل المُناصرين الإنفعاليين على مواقع التواصل، لدرجة، أنها تُخرج المواطن من قناعاته الوطنية التي راكمها عبر السنوات وتخطفه ولو للحظات الى الزاروب الضيِّق بل الى الزُقاق، ويشعر وكأنه بحاجة لأن يُقاوم االسياسات الدُّونية ليبقى لبنانياً.
وما يُلفِتنا في بعض برامج “التوك شو”، أن معظم الضيوف أبرياء أطهار يرشحون زيتاً، وهُم مُناضلون في ساحات الحق وتحقيق العدالة، وهُم في الكهرباء والماء والبيئة مُناضلون، وبعضهم سبق له أو لفريقه أن كانت الطاقة والبيئة بعُهدتهم!
لا عجَب في هذا الأمر، طالما أن معظم الحملات الإنتخابية النيابية الماضية، بدل اعتمادها على البرامج والخُطط التنموية الحزبية ذات الصُدقية، عَمَد البعض من أحزابٍ وأفراد لكشف عورات الآخر، أي آخر، والتجريح به وبناء مداميك أدراج الوصول الى ساحة النجمة ولو على رُكام عظامه.
حرامٌ حرام، هذه الثقافة التي تُملى على فئة من اللبنانيين، لا يمتلكون ربما قُدرة بناء ثقافة وطنية وإنسانية جامعة، وحرامٌ ان تتسلَّل السموم الى منازلنا عبر بعض الشاشات، لأن فحيح الأفاعي لا يبني وطناً، ولا يُبقي لنا ما بنيناه لكياناتنا الذاتية، بتربيتنا البيتية وعيشنا الواحد على مقاعد الدراسة، أو في زمالة العمل أو حتى في مناسباتنا الإجتماعية.
ومشكلتنا مع بعض برامج “التوك شو”، أن بعضنا ينساق معها كما “الروبوت”، خاصة عندما تُرمى كل المسؤوليات على الدولة، ونشعر أننا غير مسؤولين عن شيء طالما الدولة بنظر الغالبية هي المسؤولة، خاصة في ملفات الفساد والهدر والعجز عن تحقيق التنمية!
وإذا كان من حق الشعب اللبناني أن يحلم بدولة تستحق هذا الوطن العزيز الكريم، فليبدأ ببناء الدولة في عقله ورؤيته وضميره أولاً، ولا ينتظر من أهل السياسة فقط أن يبنوا له دولة، وهو يرمي النفايات في الطرقات، ويُعلِّق على الكهرباء، ويعتدي على حقوق جاره في المياه، ويتقاضى الرشوة في عمله أو يدفعها للآخرين، وينظر الى المال العام وكأنه “رزقٌ سائب”.
نحن لا ننظم الشعر ولا نُلقي عِظات في المثاليات، لأن موضوعنا هو أن لا نكون “روبوتات” في مسألة بناء الدولة، وأن لا نرهن مصيرنا ومستقبل أولادنا في هذا الوطن بسياسي تاجر، أو إعلامي فاجر، وباستثناء البرامج والخطط التنموية التي تضعها الأحزاب ذات المصداقية مع شعبها ومكوِّناتها المجتمعية، مع دورنا كأفراد تعيش مفاهيم الدولة العادلة فينا، فلا أمل ببناء دولة ننتظرها، ونحن مُتَّكئين على الأرائك في منازلنا، ونحلم بوصول الدولة على بساط الريح، دولةٌ يبنيها لنا بالكلام الممجوج المُمِلّ، بعض أهل السياسة مع بعض أهل الإعلام، من الذين “دفنوا الشيخ زنكي سوا”…
المصدر: موقع المنار