في اليوم التالي للإنتخابات، وعلى ضوء النتائج التفصيلية، أبدى الرئيس نبيه بري عبر مقابلة تلفزيونية رغبته في أن يعمل المجلس النيابي الجديد على إعادة النظر بموضوع الصوت التفضيلي، الذي أثبتت النتائج أنه أعادنا الى الحزازيات المذهبية، لأنه مُنِح للمرشَّحين على هذا الأساس.
وليست المشكلة الكبرى هي في المُنافسة التي حصلت على الصوت التفضيلي بين أعضاء اللائحة الواحدة في العديد من الدوائر، بل في توجهات الناخبين للتصويت على أساس مذهبي، ولعل دائرة البقاع الغربي- راشيا مع فرادة تنوّعها الطائفي، ورمزيتها كمنطقة نموذجية لعيشٍ واحد، ظهَّرت عيوب القانون النسبي على مستوى دائرة صغرى ومساوىء الصوت التفضيلي فيها، بحيث أفرزت الصناديق أرقاماً متفاوتة بين الفائزين تعكس الديموغرافيا الطائفية والمذهبية، وتحوًّل الناخب من تفضيل الأفضل بالنسبة اليه من المرشحين الى من هو أقرب اليه مذهبياً، كما هو وارد في النتائج أدناه بالأصوات:
عبد الرحيم مراد: 15111 – محمد القرعاوي: 8768 (تقاسَم الأصوات مع الخاسر زياد القادري)، وائل ابو فاعور 10677، محمد نصرالله 8897، إيلي الفرزلي 4399، وهنري شديد 1584 صوتاً.
تفاوُت الأصوات التفضيلية بين الفائزين أنفسهم، والخاسرين أنفسهم على حدِّ سواء، عَكَس الحقيقة، أن الصوت التفضيلي في هذه الدائرة كما معظم الدوائر المختلطة، أٌعطي على أساس مذهبي طبقاً لحجم كل طائفة من نسيجها الشعبي، ويؤكد على قراءة الرئيس بري بوجوب إعادة النظر ببُنية القانون النسبي وتوسيع الدوائر، وصولاً ربما الى لبنان دائرة انتخابية واحدة، وإجراء دراسة أعمق لتأثيرات الصوت التفضيلي مستقبلاً، علماً بأن البعض ممَّن عارض سابقاً الدائرة الواحدة على مستوى الوطن وفق النظام النسبي، بات يميل إليها الآن لو قرر الفرقاء إعطاء الصفة الوطنية لأية انتخابات، لتدارك تداعيات العملية الإنتخابية قبل أشهر من الحملات وخلالها، والى ما بعد بعد صدور النتائج، وعدم حصاد ما نعيشه من سجالات حادة على وسائل الإعلام، واحتدام ردود الفعل العنيفة في الشارع على خلفية فوز نائب وخسارة نائب، بحيث بلغت الأمور حدود النوائب.
وليست الصواريخ التي عجَّت بها السماء الإقليمية ليلة الأربعاء/الخميس، أكثر خطراً على لبنان من “الصواريخ” المُتبادلة بين بعض الفرقاء السياسيين، والمُلفت في الأمر، أن الفريق الذي له أدبياته الوطنية والسياسية والإعلامية الراقية، حافظ عليها قبل وبعد الإنتخابات وبصرف النظر عن النتائج، والفريق الذي اختار الشحن والتحدِّي والتحريض استمر بهذه السياسة الخاطئة منذ بدء حملاته الإنتخابية والى ما بعد صدور النتائج، ودخلنا في مرحلة عرض العضلات واستعراض حجم الكُتل وهو ما سوف يندم عليه البعض بعد الإستفاقة من “نشوة النصر”.
لسنا بوارد التعليق على كُتل نيابية توسَّع حجمها بفعل تطبيق القانون النسبي، وقد سبق لقيادات أحزاب كبرى – وعلى رأسها سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله – أن توقَّعت عدالة توزيع بين القوى على الأرض يُتيحها هذا القانون، لكن ازدياد الحجم النيابي لا يستدعي “نفش الريش” لدى البعض، لأن لبنان قائم على ديموقراطية توافقية وليس على أكثريات برلمانية، والقواعد الشعبية هي التي تُعطي القوة للكتلة النيابية مهما كان حجمها، وليست الكتلة التي نالت نصيبها من المقاعد ببضع مئات من الأصوات هي التي تستطيع التغريد منفردة.
وفي هذه المرحلة بالذات ووسط التحديات التي يواجهها لبنان، والتي بدأت منذ يومين بانهيار قيمة “اليورو بوند” نتيجة قرار ترامب الإنسحاب من الإتفاق النووي، وارتدادات ذلك سلباً على الإقتصاد اللبناني المُرهق، ومُسارعة حاكم مصرف لبنان الى الطمأنة الجزئية من التداعيات على الأقل في الوقت الحاضر، تُضاف اليها قرقعة طبول الحرب والمخاطر التي تُحيق بلبنان، فإننا لا نُطالب الفرقاء اللبنانيين بتلقُّف النار الإقليمية بأيديهم لحماية لبنان منها، لكننا على الأقل، من حقِّنا عليهم وفق إطلاق النار في الداخل، لأن صواريخ الإقليم أرحم من قنابلهم الموقوتة داخل المجتمع اللبناني، ولينصرف هذا النائب الجديد أو ذاك الى المباشرة بتحقيق وعوده لناخبيه، لأن الهجوم على سلاح المقاومة لن يُصرَف في أي مكان من لبنان، طالما لبنان في خطر، وليقرأ “نافشو الريش” نتائج الإنتخابات ورغبات الشعب اللبناني، قبل استعراض أنفسهم في لعبة أحجام “تفضيلية” دون قواعد شعبية وازنة…
المصدر: موقع المنار