يمر تشكيل نسخة جديدة من “التحالف الحكومي الكبير” في ألمانيا بأزمة منذ انتهاء الانتخابات، خاصة بعد عودة الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى التركيز على القضايا الاجتماعية وإصراره على المضي قدماً في تحقيق مطالبه.
الساعة الثامنة مساءاً من يوم الخميس المقبل ستكون لحظة حاسمة على طريق البحث عن مخرج من أزمة تشكيل الحكومة، إذ سيجتمع في هذا اليوم كل من المستشارة أنغيلا ميركل ورئيس الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري هورست زيهوفر وزعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتس مع الرئيس الاتحادي فرانك فالتر شتاينماير فى قصر الرئاسة “بيلفو” ببرلين. لا يعلق الرئيس شتاينماير آمالاً على انتخابات جديدة، ويصر بعد فشل مفاوضات تشكيل ائتلاف “جمايكا” على أن تحالف ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي يسيران من أجل مصلحة البلاد إلى تشكيل حكومة ممثلة في اللونين “الأسود” و”الأحمر”، الذين يمثلان الحزبين. وسيمثل هذا التحالف الثاني على التوالي والثالث منذ عام 2005.
وعمل التحالف المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي معاً بشكل جيد نسبياً في الماضي، أو على الأقل أفضل من المتوقع. لكن نتيجة 20.5 في المائة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية، التي جرت في أيلول/ سبتمبر، كانت الأسوأ للحزب الاشتراكي الديمقراطي في تاريخ الجمهورية الاتحادية، ودفعت به إلى صفوف المعارضة.
قائمة مطالب طويلة
لهذا، استبعد الرفاق في الحزب بشكل متكرر وقاطع في الأسابيع التي تلت الانتخابات أي عودة لائتلاف كبير، حتى بعد فشل محادثات الائتلاف بين التحالف المسيحي المكون من الحزب المسيحي الديقمراطي والحزب المسيحي الاجتماعي وبين الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) وحزب الخضر. وقال الحزب الاشتراكي الديمقراطي بصوت موحد “نحن لسنا جاهزين”، ذلك أنه يسعى لتجديد نفسه وشحذ شخصيته وإعادة التركيز أكثر على الموضوعات الاجتماعية. لكن الموقف الصعب في الأسابيع القليلة الماضية يمكن أن يساعد رفاق الحزب ويمكن أن تكلفهم نسخة جديدة من التحالف الكبير الكثير، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الاجتماعية، والتي لن يكون الحزب مستعد فيها لتقديم أي تنازلات في حال خوض مفاوضات تشكيل ائتلاف كبير جديد.
وضع الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي الديمقراطي لجميع الحالات قائمة مطالب شاملة. على هذه القائمة يندرج كل ما يسميه الحزب “المطالب الأساسية”: المعونة العائلية والتأمين المدني وضريبة الأغنياء وزيادة ضريبة الميراث والمساواة في الأجور بين النساء والرجال وإلغاء عقود العمل المؤقتة دون أي سبب مقنع، إضافة إلى إلغاء حظر التعاون التعليمي بين الحكومات الاتحادية وحكومات الولايات، وحق العودة من العمل بدوام جزئي إلى العمل بدوام كامل، والمزيد من الإرادة لإدماج اللاجئين.
برمجة الخلافات
يرغب الحزب الاشتراكى الديمقراطي في الحفاظ على وزارة الخارجية، التي يشعر فيها زعيم الحزب السابق زيغمارغابرييل بالراحة، وكذلك تولي وزارة المالية. الحكومة تملك المال، ولكن هذا يجب أن لا يتغير الآن، خاصة أن تنفيذ هذه المطالب سيكون مكلفاً.
أما بالنسبة للاتحاد المسيحي، فمن المرجح أن تكون هناك عراقيل صعبة. فعلى الرغم من أن ميركل وزيهوفر أعلنا بعد نجاحات حزب “البديل من أجل ألمانيا” في الانتخابات أنهما يرغبان في تحسين الضمان الاجتماعي للمواطنين، إلا أن المحافظين من جهة أخرى لا يريدون مجاراة الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وستكون هناك مقاومة خاصة في مجالي الصحة ومعاشات التقاعد.
التوافق بعيد المنال
دعا الحزب الاشتراكي الديمقراطي منذ سنوات لضم التأمين الصحي الحكومي والتأمين الصحي الخاص في تأمين موحد للمواطنين، كما ينبغي أن يكون تمويل التأمين الصحي بالتساوي بين الموظفين وأرباب العمل. وبهذه الطريقة يتم إلغاء “صحة الدرجة الثانية” في ألمانيا. لكن الاتحاد المسيحي يصرّ حتى الآن على رفض إلغاء التأمين الصحي الخاص، وإبقائه مفتوحاً أمام ذوي الدخل المرتفع والعاملين لحسابهم الخاص والموظفين الحكوميين.
كما من المرجح أن يضع الحزب الاشتراكي الديمقراطي استراتيجيته الضريبية التي أدرجها في حملته الانتخابية على طاولة مفاوضات الائتلاف. وبعد ذلك، سيتم إلغاء الرسوم الإضافية التضامنية مع ولايات ألمانيا الشرقية سابقاً اعتباراً من عام 2020 بالنسبة لذوي الدخل الأدنى والمتوسط. في المقابل، يجب أن يخضع الدخل المرتفع والثروات الكبيرة لضرائب أعلى، وهو ما يرفضه الاتحاد. في الوقت نفسه، يصر الاتحاد على عدم الاستمرار في مراكمة ديون جديدة، لأن الحفاظ على ميزانية متوازنة ليس محلاً للنقاش. فمن أين إذاً ستأتي الأموال اللازمة لكل ما سبق؟
التقاعد: نقطة التحول
فيما يتعلق بموضوع المعاشات التقاعدية، يولي كل من الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي والحزب الاشتراكي اهتماماً خاصاً بتحقيق الاستقرار في نظام المعاشات التقاعدية، ولكن إلى هنا ينتهي وجه التشابه بين الأحزاب. فالحزب الاشتراكى الديمقراطى لا يريد قبول المزيد من التخفيض في المعاشات التقاعدية ويطالب بضمانات حكومية لاستقرار المعاشات فى البداية على الأقل عند المستوى الحالى، والذي يبلغ 48 فى المائة من آخر راتب حتى حلول عام 2030.
وحتى الآن، يكبح الاتحاد المعاشات التقاعدية، وقد كان قد رفض مطالب الحزب الاشتراكي الديمقراطي المتعلقة بالمعاش التقاعدي قبل الانتخابات، وشجع في برنامجه الانتخابي على إنشاء لجنة للمعاشات التقاعدية فقط. ويدعو الحزب الاشتراكي الديمقراطي أيضاً إلى معاش تضامني لذوي الأجور المتدنية – على أولئك الذين دفعوا واجباتهم التقاعدية لمدة 35 سنة أو أكثر أن يحصلوا، حسب شروط معينة، على دخل تقاعدي أعلى من الضمان الأساسي. وقوبلت هذه الدعوة بالرفض من الاتحاد بحجة أن تمويلها غير ممكن.
اتفاق واسع في السياسة الخارجية
في المقابل، هناك اتفاق واسع يسود السياسة الأوروبية والخارجية. فعلى الرغم من وجود اختلافات فيما يتعلق بالسياسة المالية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على سبيل المثال، إلا أنه فيما يتعلق بالمهام الخارجية للجيش الاتحادي والخطوط العريضة للسياستين الخارجية والأوروبية، هناك توافق كبير بين الطرفين. ويملك كل من زعيم الحزب الاشتراكى الديمقراطي مارتن شولتس ووزير الخارجية زيغمار غابرييل علاقات وثيقة مع ماكرون.
وفيما يتعلق أيضاً بالهجرة واللاجئين، لا ينبغي أن تكون هناك عقبات لا يمكن التغلب عليها بين الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي. فعلى الرغم من أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي قد رفض في برنامجه الانتخابي فرض قيود على لم شمل أسر للاجئين الذين حصلوا على حماية ثانوية بعد شهر آذار/ مارس، إلا أنه في الوقت الحالي بدأ كبار ساسة الاشتراكي الديمقراطي بتصعيد لهجتهم فيما يتعلق بسياسة اللاجئين. هذا ولا يواجه قانون الهجرة، الذي طالب به الحزب الاشتراكي الديمقراطي، معارضة تذكر في أوساط التحالف المسيحي.
المقال نقلا عن دوتشيه فيلله
المصدر: دوتشيه فيلله