على دم أكثر من 30 شهيداً، دخلت القوات الخاصة السعودية أو ما كان يُعرف بـ “صقور نايف” إلى حي المسوّرة، وعلى بعد أمتار من جثث مّنع سحبها، كان عسكر آل سعود يرقص محتفياً بالغلبة. نحو 3 أشهر احتاجها عسكر مدجج بالسلاح للسيطرة على حي أعزل إلا من صلابة من رفضوا إخلائه.. ليرقص المحتفون أخيراً بسفك الدم، واستباحة بيوت الله مستعيدين أدبيات التاريخ التكفيري الذي أُسس عليه حكم أبناء محمد بن سعود.
أخيراً، أعلنت السلطة السعودية تمكنها من السيطرة على حي المسوّرة بأكمله. القصف الذي استهدف الحي منذ أيار/مايو الماضي، تمدد إلى الجوار، لم تكن ذريعة “مشاريع التنمية” كفيلة بتبرير حجم التدمير والقتل، فكان لابد من رواية أخرى تتسلح فيها القوات للإيغال في قتل الآمنين في العوامية.
قتلت القوات السعودية أكثر من 30 شخصاً، بينهم أطفال وعمال أجانب. وأجلت الألوف من منازلهم تحت تهديد الرصاص. خرجت عوائل من العوامية، ورغم السيطرة على حي المسورة، لم يسمح إلى الأهالي بالعودة، بل أخذ الاستهداف يتمدد ليطال اليوم أحياء أخرى بعيدة نسبياً.
وقد صدرت تحذيرات من قبل الأجهزة الرسمية السعودية أهالي بلدة العوامية في القطيف من مغبة عودتهم إلى بيوتهم، ما أثار مخاوف لدى سكان المنطقة من نوايا رسمية بتهجير الأهالي. المصادر المحلية أفادت أن المسؤولين الرسميين في القطيف أرسلوا تحذيرات للعوائل، وعبّرت قلقها من أن ما تشهده المنطقة الشرقية في المملكة يهدف إلى تهجير كامل سكان العوامية بذريعة “ملاحقة إرهابيين” تارة وتنفيذ مشاريع تنموية طوراً.
في تغريدة على “تويتر” سبق وأن لفت رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان علي الدبيسي إلى أن”أحد الأهداف التي ذكرت في العملية العسكرية في العوامية هو تقليص السكان، وهذا ما أكده اليوم خبر رسمي بتعويض منازل أحياء أخرى غير حي المسورة”، مستنداً إلى بيان لمحافظة القطيف.
وبحسب معطيات حصل عليها “موقع قناة المنار” فيبدو أن مشروع إخلاء العوامية أخذ يتمدد. إذ عمدت السلطات السعودية قبل أيام إلى توجيه إنذارات لأهالي حي الشويكة، الواقع وسط القطيف، إلى إخلاء بيوتهم خلال مدة 3 أشهر.
وفي وقت كان تنهمر فيه القذائف ورصاص القنص على أهالي العوامية، كانت تغريدات الموالين للسلطة تمهد للجوالة المقبلة، فجاء في أحد الحسابات المحسوبة على السلطة: “يجب إغلاق مدينة القطيف وبالتحديد حي الشويكة المورد الرئيس للسلاح حيث قتل الإرهابي فاضل حمادة ورفيقه التركيز على العوامية يخدم الإرهابيين”.
لماذا حي الشويكة؟
تجيب مصادر من القطيف، أن الحي الذي تتجه إليه الأنظار اليوم مشابه لحي المسورة لناحية الزقاقات الضيقة التي تمنع دخول أليات إلى داخله. يأتي الحي كرقم (2) بعد بلدة العوامية لناحية عدد أبنائه المشاركين في التظاهرات المطلبية، ومن بين هؤلاء شهداء ومعتقلون وعدد من المطلوبين، وهو الحي الملاصق لشارع الثورة، الذي انطلقت منه التظاهرات الضخمة.
وهي تعتبر أن ما شهدته المسوّرة والأحياء المحيطة، وما يرتقب لحي الشويكة يأتي ضمن مشروع انتقامي ضد الأهالي الذين خرجت من أحيائهم تظاهرات، وتحفظ الذاكرة الرسمية أن في حي الشويكة تحصن مجموعة من المطلوبين بجرم التظاهر، الذي تجرمه المملكة لتصل عقوبته لحد الإعدام.
من العوامية تتحدث المصادر التي تمكن “موقع المنار” من التواصل معها عن قلق متزايد من نوايا السلطة بعدم السماح للأهالي بالعودة. يقول هؤلاء إنه لا يوجد أي خطوات تشي بقرب العودة إلى المنازل، كما أن الدمار الذي لحق بالبنى التحتية والمنازل لا يسمح بذلك… المباني والزقاقات تغيّرت معالمها بفعل الدمار، وجثث أبناء الأحياء لاتزال في الشوارع يُمنع الاقتراب منها أو سحبها بقوة يفرضها رصاص القناصة المنتشرين هناك.
لا يكفي ما يكابده أهالي العوامية من المأساة التي لحقت بممتلكاتهم وأبنائهم، حالة إحباط كبيرة تسود في أوساط من فُرض عليهم المغادرة بعد الخدعة الكبيرة بخصوص توفير أماكن لإيوائهم. منعت السلطات الجمعيات الخيرية من تقديم مساعدات لنازحي العوامية، وأبعد من ذلك فرضت على العوائل أن تقطن في بيوت سيئة التجهيز في العادة يقطنها عمال أجانب.
أغلب المقيمين في البلدة باتوا اليوم مشردين بين قرى صفوى والناصرة والمنيرة ومناطق أخرى في القطيف، واضطر البعض لأن يبتعد أكثر فلجأ إل خارج المحافظة ليقطن في الدمام أو في الخبر أو حتى في ظهران.
ورغم الإجلاء الكامل، والسيطرة الكاملة على حي المسوّرة العوائل القريبة من الحي لاتزال تفيد أن قذائف القوات الخاصة السعودية لم تتوقف وهي تستهدف اليوم الأحياء المجاورة. “لماذا؟ ما هي الأسباب؟ وما الذرائع…” هذا ما يسأله الأهالي اليوم!
أسئلة ملحة أخرى تفرض نفسها على هؤلاء: “متى العودة إلى بيوتنا؟ ماذا ستفعل الدولة بحي المسورة؟ وهل ستصمد ذريعة المشاريع التنموية؟”، وبالمناسبة فإن أمين المنطقة الشرقية أكد في مؤتمر صحفي عقده مؤخراً أن كلفة الخسائر جراء العملية الأمنية في العوامية بلغت 18 مليون ريال سعودي، وأن التعويضات بلغت 800 مليون ريال، فهل بدأت سلطات عهد التقشف والأزمة الاقتصادية تعبيد طريق التنصل من ذرائع طبّلت لها لتمرير انتقامها من العوامية؟
أسئلة أخرى يطرحها المتابعون للأحداث: كيف سيتم رأب الصدع الذي أوجدته السلطة بينها وبين الأهالي؟ وكيف ستصمد ذريعة التنمية مع الكلام الطائفي المقيت الذي يتردده الاعلام السعودي، والذي خرج بشكل فاضح على لسان أحد ضباط في مواساته لأهالي أحد قتلى القوات السعودية: “استشهد في ميدان الشرف والرجولة، دفاعاً عن عقيدة، وليس مثل أعدائنا دفاعاً عن قبوريات ودفاعاً عن معتقدات فاسدة، عزاؤنا أن ابننا شهيد، وهو من أهل الجنة إن شاء الله، وهم من أهل النار، لأنهم أهل فساد عقيدة وهم المعتدين”.. فهل سينسى أهالي العوامية استباحة مساجدهم وحسينياتهم والشتائم الطائفية التي كان يرددها عسكر النظام؟ وكيف بمقدور هؤلاء أن يقنعونا أنهم يحاربون لتنمية مناطق من ينظرون إليهم كأهل “فساد عقيدة ومعتدين”… كيف يمكن لـ “دولة” أن تشرعن قتلاً تحت هذه العناوين، أن تقنعنا بأنها تتعاطى معهم من منطلق المواطنة؟!
المصدر: موقع المنار