لسنا بحاجة لأن نكون خبراء في الإستراتيجيا العسكرية، لنتناول الفارق الشاسع بين الدفاع الإستراتيجي المَبني على تقدير المخاطر المحدِقة وتحديد هوية العدو، وبين الإستراتيجية الدفاعية التي تأتي ملحقاً له كخطة عمل، ومنهجية لوجستية تنفيذية عملانية لتحقيق الهدف الدفاعي، وإذا كانت عبارة “الإستراتيجية الدفاعية” في لبنان مادة سجال سياسي منذ عدوان تموز 2006، فإن “حق الدفاع الإستراتيجي” مقدَّس منذ نشوء المجتمعات والنزاعات وبدايات الغزوات، ومن قبل أن تنشأ الكيانات السياسية.
ولأن عبارة “الإستراتيجية الدفاعية” قد أفرغتها من مضمونها، تصريحات من لا يفقهون شؤون الدفاع ، ولأنها اقترنت بصراعات سياسية لبنانية داخلية، لعل أبرزها عدم تحديد العدو من الصديق، فإن من حقنا كمواطنين لبنانيين عاديين، مسلمين ومسيحيين، أن نُطلِق صرخة الآلاف من اللبنانيين الذين لا ينتمون الى أي حزب، ويؤمنون بمعادلة الجيش والشعب والمقاومة منذ إنجاز التحرير المُبارك عام 2000، والنصر المُظفَّر عام 2006، وعلى ضوء ما حققته المقاومة في دحر الإرهاب بمعركة جرود عرسال مؤخراُ، وبدء الجيش استعدادات التحرير في جرود رأس بعلبك والقاع، وأن نستجلب عبارة “حق الدفاع الإستراتيجي” من قراءتنا للتاريخ.
عُمر “الإستراتيجية الدفاعية” أيها اللبنانيون 11 سنة، وعُمر “حق الدفاع الإستراتيجي” قرون من الزمان، وإذا كانت هزالة الإستراتيجية الدفاعية أنها في لبنان لم تُحدِّد من هو العدو، فإن قوة حق الدفاع الإستراتيجي في هذا الشرق تكمُن في أن العدو معروف، وهو كل فكرٍ يحمل بدعةّ يَكفِّر من خلالها كل آخر، لأسباب دينية أو مذهبية أو عرقية أو إتنية، وقد بدأ هذا الفكر الشيطاني مع تعاليم وفتاوى التكفير عند “إبن تيمية”، ودفعت بعض الجماعات الدينية الإسلامية والمسيحية وسواها نتائج هذا الإنحراف في تفسير الدين، إباحة لتكفيرها وإضطهادها لم يعرف التاريخ الغابر مثيلاً له سوى في زمن المماليك!
وقبل أن نتطرَّق الى الإرهاب المُتوارث في هذا الشرق من زمن المماليك الى زمن “الممالِك”، وقبل الحديث عن التكفيريين المُعاصرين الذين تتلمذوا على كُتب “إبن تيمية”، فنحن في هذا الشرق نواجه عنصرية صهيونية استوحت تعاليمها منذ آلاف السنوات من كتاب “التلمود”، وتكفِّر كل من ليس يهودياً صهيونياً، ودفعت فلسطين وجودها وحرمة مقدساتها نتيجة غطرسة هذا العدو، ودفعت الأمَّة العربية الأثمان الباهظة نتيجة سياسيات “الحُكام النعام”، ولبنان تحمَّل أوزار وتبعات هذا الإحتلال أكثر من سواه.
نصف قرنٍ من العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني والدول العربية، وما زال لدينا في لبنان “حفنة” تعتبر الإسرائيلي صديقاً، وهناك من يعتبره شريك أمر واقع في شرق المتوسط، وإذا كان هؤلاء يدورون في فلك “عرب الإعتدال” فإنهم منذ مقولة “إسرائيل من الفرات الى النيل” حتى زمن “دولة الخلافة” وهُم مشاركون أو متواطئون مع كلِّ عدو ويُطالبون باستراتيجية دفاعية!
وإذا كانت مواجهة الإسرائيلي تخضع لقواعد الحرب مع عدو عنصري لديه جيش نظامي، يخشى على جنوده وعلى مجتمعه الداخلي، فإن الإرهاب التكفيري مواجهته أصعب، لأن لا شيء لديه يخشى خسارته، وإذا كانت الإستراتيجية الدفاعية التي يتشدَّق بها البعض في لبنان، أن تنتقل البندقية من كتف المقاومة بعد تحرير جرود عرسال الى كتف الجيش لتحرير جرود رأس بعلبك والقاع، فهي استراتيجية تُقارب التكتيك العسكري وفقاً لمقتضيات كل معركة بتفاهمٍ وانسجام وكفاءة في التقدير، لكن أن يكون مفهوم الإستراتيجية الدفاعية، نقل أسلحة المقاومة مع ما لأهمية سرِّيتها من هيبة، من خزانة المقاومة الى خزانة الجيش وكأنها قطعة سلاحٍ فردي، فإن المُنادين بها مدعوون الى الإعتراف أولاً، أن الصهيوني العنصري إبن مدرسة “التلمود” هو عدو، والتكفيري الإرهابي القادم من مدرسة “إبن تيمية” ويحمل ثقافة المماليك بدعمٍ من ممالك الإنحطاط العربي هو عدو، وطالما أن لدينا أرضٌ لبنانية محتلَّة وسيادتنا مهدَّدة من الجنوب والشرق، فإن حقنا في “الدفاع الإستراتيجي” مقدَّس بقداسة دماء شهدائنا، و”الإستراتيجية الدفاعية” مجرَّد تفاصيل يُمكن البحث بها على ضوء مستلزمات حقوقنا المقدَّسة بوطنٍ سيِّدٍ عزيزٍ كريم…