تتواصل الممارسات الاسرائيلية التعسفية في مدينة القدس المحتلة وبالتحديد في محيط المسجد الاقصى، عبر زيادة الاجراءات الرقابة والتفتيش الاستفزازية وتركيب بوابات الكترونية في تضييق واضح على زوار المسجد المبارك، بما يشكل انتهاكا لحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية التي تكفلها كل الاديان السماوية والقوانين والاعراف الدولية وسعيا لتقسيم العدو ، وهذه العدوانية الاسرائيلية ليست جديدة ولا مستغربة على عدو صهيوني قتل ما قتل وارتكب ما ارتكب من جرائم على مدى عشرات السنوات بحق الشعب الفلسطيني وباقي الشعوب العربية في الدول المجاورة.
لكن اللافت هنا ليس العدوانية الاسرائيلية بقدر ما هو التخاذل العربي لا سيما على صعيد الانظمة التي بعضها لا يتوانى عن الهرولة خلف العدو سعيا وراء فتح قنوات الاتصال او تطبيع العلاقات او حتى نيل الرضى كمقدمة لنيل مباركة “السيد الاميركي”، والحقيقة ان البعض لا يستغرب المواقف العدائية لبعض الانظمة ضد الشعوب والحركات المقاومة إلا ان المستغرب هذا الابتعاد عن القضية المركزية للامة والتخلي عن المقدسات بكل ما فيها من معانٍ وقيم دينية وأخلاقية وتاريخية حيث تعتبر جزءا لا يتجزأ من التراث الاسلامي في القدس وفلسطين، فلماذا هذا الترك للمسجد الاقصى بهذا الشكل؟ وهل المسجد الاقصى لا يستحق التحرك ولو الشكلي من قبل هذه الانظمة؟
العدوانية الاسرائيلية والاداء العربي..
وأين الانظمة العربية والاسلامية التي تزعم انها “السيدة والقائدة” للامة ولغيرها من الانظمة التابعة هنا وهناك؟ وعلى رأس هذه الانظمة التي تعتبر نفسها في موقع القيادة النظام القائم في السعودية، فما سر هذا الاداء السعودي بالتحديد حول كل ما يجري في فلسطين بشكل عام وما يجري اليوم في الاقصى والقدس بشكل خاص؟ أليس من الواجب على القيادة السعودية التحرك في هذا المجال ورفع الصوت عاليا لوقف الانتهاكات الاسرائيلية بحق الاقصى وكل المقدسات؟ أليس صدور مواقف من السعودية وتحركها على الارض ضد العدو الاسرائيلي يدحض بشكل او بآخر كل الاتهامات التي توجه للسلطة السعودية بفتح علاقات مع الصهاينة سرا وفي الكواليس؟
هل سكوت السعودية وصمت حكامها ينفعها اكثر ام انه يساعد في تثبيت التهم عليها بأنها إما متواطئة او بالحد الادنى لا تجرؤ على الوقوف بوجه “اسرائيل” العدو الأول للامة؟ وكيف يمكن تفسير هذا الصمت المريب من قبل السلطة السياسية والدينية في الممكلة السعودية؟ هل هو دليل عافية ام انه مؤشر خطر على أداء سلبي ممن يتوجب عليهم إظهار حد أدنى ولو شكليا من الدفاع عن حقوق الامة ومقدساتها؟ لماذا تتعمد المملكة السعودية الى تجاهل هذا الرأي العام العربي والاسلامي؟ ولماذا لا تعمد الى تهيئة الشارع وتوعيته لحقيقة ما يجري في فلسطين؟ أليس هذا الاداء يؤكد ان الهدف هو سحب القضية الفلسطينية من التداول وكذلك الأخبار المتداولة عن الصراع والخلافات والاشتباك والمقاومة ضد المحتل الصهيوني؟
بين العلاقات مع العدو والقضية الفلسطينية..
ومن الجدير الاشارة لما نقلته وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الاميركية قبل ايام من ان “عدد الشركات الإسرائيلية التي باتت تعمل في السوق السعودية والخليجية في تزايد إلا أن معظمها يخفي أصولها”، وذكرت الوكالة نقلا عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن “أكثر المنتجات الاسرائيلية رواجا هي المتعلقة بمجال الدفاع الإلكتروني والتكنولوجيا الزراعية وتحلية المياه”.
كما نقلت الوكالة عن وزير الاتصالات الصهيوني أيوب قرا تأكيده أن “العلاقات التجارية بين إسرائيل ودول خليجية ستتعمق حتى ولو انهارت جهود السلام”، مشيرا الى ان “علاقات إسرائيل مع الدول العربية لا يمكن أن تبقى رهينة القضية الفلسطينية”، على حد قوله.
من جهته، كشف وزير حرب العدو الإسرائيلي السابق موشي يعالون أن “تل أبيب تحاول دائما التمسك بأوراق استراتيجية وسياسية مهمة تقوم من خلالها على ضبط الإيقاع في منطقة الشرق الأوسط”، وأشار الى “التنسيق والتعاون مع الدول العربية المعتدلة على قدم وساق وخصوصا مع السعودية”، وتابع “نحن نحاول أن نساعد بعضنا البعض في المنطقة المليئة بالأزمات”، واعتبر أن “المفاوضات السرية بين إسرائيل والسعودية مهمة للطرفين فالسعودية من جهتها تجد أن التنسيق والاتصال السري هو أكثر إنتاجاً ويلحق أضراراً أقل للسعودية نفسها”.
أين الشعوب العربية؟
والغريب هنا ان الملاحظات السلبية على الاداء العربي حول ما يجري في الاقصى لا تقتصر فقط على الانظمة بل تتعداها الى الشعوب العربية والاسلامية -سواء في السعودية وغيرها من دول الخليج-، حتى ان العديد من الدول(شعوبا وأنظمة) باتت تنتظر الاشارات السعودية في هذا المجال حتى تتفعل التحركات السياسية الاعلامية والشعبية فيها، وهنا الفارق بين هذه الاجيال المختلفة لا سيما فئة الشباب في كثير من دول العالمين العربي والاسلامي وبين الجيل الشاب في فلسطين، فالشباب الفلسطيني ما زال يحمل قضيته بأمانة ويزداد توهجا وتوقدا دفاعا عن القدس والمسجد الاقصى بينما نرى الشباب الخليجي والعربي يهتم ببرامج الحياة الغربية والاميركية متخليا عن كثير من مبادئ وقيم الدين والاخلاق.
والانظمة والشعوب العربية والاسلامية وبالتحديد في الخليج وبالاخص في السعودية باتوا ينجرفون اكثر فأكثر نحو الخصومات مع الجيران والاخوة والانغماس بشكل أعمق في خلق حروب وازمات تبعدهم وتلهيهم عن العدو الحقيقي وتشغلهم عن الازمة الحقيقية التي تتسبب بكل الازمات الاخرى، الا وهي القضية الفلسطينية وإقامة الكيان الصهيوني الذي تسبب بكل مشاكل وازمات المنطقة منذ عشرات السنين وحتى اليوم.
بعد كل ذلك لا يكفي صدور بعض البيانات المستنكرة لممارسات الاحتلال الاسرائيلي من قبل بعض الانظمة والحكومات بينما في الواقع هم لا يحركون ساكنا للضغط على العدو او مقاطعته رغم ان الوسائل الممكنة لذلك اكثر من ان تعد او تحصى.
المصدر: موقع المنار