انطلقت مساء الثلاثاء المناظرة الرئاسية الأولى بين مرشحة الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية كامالا هاريس ومنافسها الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا.
وبدأ المرشحان المناظرة بالحديث عن ملف الاقتصاد، حيث تحدثت هاريس عن خططها لخفض الضرائب، قائلة “أنا ابنة الطبقة المتوسطة ولدي خطة لتحسين المستوى المعيشي وخفض الضرائب”.
من جهته، شن ترامب هجوما لاذعا على الديمقراطيين، معتبرا أن “انتخاب هاريس سيمثل نهاية للولايات المتحدة”، مجددا اتهامه لها بأنها “ماركسية”، قائلا “إنها ماركسية، والجميع يعرف أنها ماركسية”.
واعتبر ترامب أن هاريس ليست لديها خطة للنهوض بالاقتصاد الأميركي.
من جهتها، أعلنت هاريس أن إدارة بايدن اضطرت إلى تنظيف “الفوضى” التي خلّفها الرئيس الجمهوري السابق. وقالت: “لقد ترك لنا دونالد ترامب أسوأ بطالة منذ الكساد العظيم.. وأسوأ جائحة صحية منذ قرن، وأسوأ هجوم على ديمقراطيتنا منذ الحرب الأهلية، وما فعلناه هو تنظيف الفوضى التي خلّفها دونالد ترامب”.
في سياق آخر، اتهمت هاريس ترامب بنشر “شبكة من الأكاذيب” حول الإجهاض، معتبرة أن سياسته على هذا الصعيد “مهينة لنساء أميركا”. وبعدما شدّدت على “أكاذيب” منافسها الجمهوري بشأن الإجهاض، أطلقت هاريس نداء قويا سلّطت فيه الضوء على المعاناة التي تقاسيها النساء الأميركيات نتيجة إلغاء حكم المحكمة العليا الذي كان يضمن الحق في الإجهاض في كل ولايات البلاد.
هذا واعتبرت المرشحة الديمقراطية أن “الملل” يدفع الجمهور لأن يغادر باكرا التجمعات الانتخابية التي ينظمها الرئيس السابق. وقالت هاريس: “سترون خلال تجمعاته أنه يتحدّث عن شخصيات خيالية مثل هانيبال ليكتر، ويتحدث عن كيف أن طواحين الهواء تسبّب السرطان. ما ستلاحظونه أيضاً هو أن الناس يبدأون بمغادرة التجمعات مبكرا بسبب الإرهاق والملل. وسأخبركم الشيء الوحيد الذي لن تسمعوه يتحدث عنه هو أنتم”.
رفض ترامب نتائج انتخابات 2020
من جهته، رفض ترامب مجدداً الاعتراف بهزيمته في الانتخابات الرئاسية قبل أربع سنوات، مكرراً مزاعمه بشأن تزوير نتيجة الانتخابات. وقال: “هناك الكثير من الأدلة، كل ما عليكم فعله هو إلقاء نظرة.. لقد حصلتُ على أكثر من 75 مليون صوت، أي أكثر من أي رئيس منتهية ولايته. قيل لي إنه عندما تحصل على 63 مليون صوت، وهو ما حصلت عليه في عام 2016، لا يمكن التغلب عليك”.
كما شن ترامب هجوماً شرساً على المهاجرين، مكرّراً اتهامات بأن وافدين جدداً من هايتي إلى ولاية أوهايو الأميركية “يأكلون قطط” السكان. وقال ترامب إنه “في سبرينغفيلد، (المهاجرون) يأكلون الكلاب – الأشخاص الذين جاؤوا – يأكلون القطط، يأكلون الحيوانات الأليفة للأشخاص الذين يعيشون هناك. هذا ما يحدث في بلدنا”، مكرراً بذلك قصةً أكد رئيس بلدية مدينة سبرينغفيلد أن لا أساس لها من الصحة.
ترامب ينهر هاريس
وفي لحظة لافتة من المناظرة، نهرَ ترامب منافسته الديمقراطية لمحاولتها مقاطعته بينما كان يتكلّم مستخدما عبارة ضمّنها إشارة واضحة إلى توبيخها نائب الرئيس السابق مايك بنس قبل أربع سنوات خلال مناظرة جرت بينهما يومها. وقال ترامب “انتظري دقيقة، أنا أتحدث الآن، إذا لم تمانعي، من فضلك!”، قبل أن يضيف “هل يبدو لك هذا مألوفا؟”، في إشارة إلى المناظرة التي جرت بين هاريس وبنس.
في سياق آخر، اتهمت هاريس ترامب بأنه “أضحوكة” في العالم ويمكن التلاعب به بسهولة من قبل بعض أسوأ قادة العالم، في واحد من الاشتباكات العديدة التي دارت بين الطرفين حول السياسة الخارجية. وقالت هاريس مخاطبة ترامب “لقد سافرتُ حول العالم بصفتي نائبة لرئيس الولايات المتحدة، وزعماء العالم يسخرون من دونالد ترامب. لقد تحدثتُ مع قادة عسكريين، عمل بعضهم معك، وقالوا إنك عار”. وأضافت أنّه “من المعروف أن هؤلاء الدكتاتوريين والمستبدين يشجعونك على أن تكون رئيسا مرة أخرى لأنهم واضحون للغاية – يمكنهم التلاعب بك بالإطراء والمحاباة، ولهذا السبب أخبرني العديد من القادة العسكريين الذين عملتَ معهم أنك عار”.
كما اعتبرت أن الرئيس السابق لن يكون سوى “لقمة سائغة” للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مؤكدة أنه لو كان ترامب رئيسا اليوم لكان بوتين جالسا في كييف. وقالت هاريس مخاطبة ترامب “أنت لن تكون سوى لقمة سائغة” لبوتين، مؤكدة أنّه لو كان ترامب رئيسا اليوم “لكان بوتين يجلس حاليا في كييف، ولكانت أنظاره متّجهة نحو بقية أوروبا، بدءا من بولندا”. وأضافت “لماذا لا تخبر 800000 أميركي بولندي هنا في بنسلفانيا بمدى السرعة التي ستستسلم بها تحت شعار خدمة وما تعتقد أنه صداقة مع.. دكتاتور سيبتلعك لقمة سائغة”.
من جهته، اعتبر ترامب أن “إسرائيل ستزول” إذا ما أصبحت هاريس رئيسة للولايات المتحدة. وقال ترامب إن هاريس “تكره “إسرائيل”، إذا أصبحت رئيسة، أعتقد أن “إسرائيل” لن تكون موجودة في غضون عامين..”إسرائيل ستزول”، لتردّ عليه نائبة الرئيس بالقول إن اتّهامها بكره “إسرائيل” “غير صحيح على الإطلاق”، مذكرة بأنّها دعمت تل أبيب طوال حياتها ومسيرتها المهنية.
وتعد هذه المناظرة لحظة حاسمة في منافسة محتدمة حيث تأتي قبل ثمانية أسابيع فحسب من انتخابات الخامس من نوفمبر، وقبل أيام من بدء التصويت المبكر في بعض الولايات.
وكانت هاريس، وهي أول سيدة وسوداء وجنوب آسيوية تتولى نيابة الرئاسة في الولايات المتحدة، قد وصلت إلى فيلادلفيا الاثنين، بعدما أمضت الأيام الخمسة الماضية في فندق تستعد مع فريقها للمناظرة.
وأشارت تقارير إلى أن أحد مساعديها ارتدى بدلة رسمية واسعة وربطة عنق طويلة في زيّ مشابه لما يرتديه ترامب عادة، لتعتاد هاريس على توجيه الكلام إليه وتدلي بأفضل ما لديها ضده.
في المقابل، أكد فريق ترامب أن الملياردير الجمهوري اعتمد نهجاً أكثر استرخاء قبل المناظرة. وقد اختار أن يحضر إلى فيلادلفيا قبل ساعتين فقط من الموعد، وأبقى تحضيراته محدودة.
وكان ترامب قد تفوّق بشكل صريح في المناظرة التي عقدت في 27 حزيران ضد جو بايدن. وكان الأداء الكارثي للرئيس الحالي من أبرز الأسباب التي دفعته بعد نحو شهر للانسحاب من السباق ودعم هاريس لتحلّ بدلا منه كمرشحة الحزب الديمقراطي.
وبحسب المتابع الدكتور محمد حسن سويدان فإن أبرز ملفات السياسة الخارجية الأميركية التي تم تناولها في المناظرة بين ترامب و هاريس:
1. الحرب في أوكرانيا:
تعهّد ترامب في وقف الحرب وانتقد حجم الدعم الأميركي لأوكرانيا مؤكّدًا أنه سيوقف الحرب فور فوزه ولن ينتظر حتى يستلم رسميًا الرئاسة في كانون الثاني. لكنه لم يقدّم أي شرح لخطّته لوقف الحرب.
-أكّدت هاريس على أهمية دعم واشنطن لأوكرانيا ولكنها تركت الباب مفتوحًا لما ستكون خطواتها اتجاه الحرب في حال فازت في الانتخابات. فهي لم تقدّم رؤيتها للمستقبل بل اكتفت بتأكيد دعمها لكل ما حصل حتى اليوم
2. الحرب في غزة:
- من الواضح أن هاريس سعت إلى نيل رضى أصوات اليهود في أميركا لأقصى حد، فهي أعادت التذكير بما قامت به حماس يوم 7 تشرين الأول مؤكّدة على دعمها الكامل لحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها أمام إيران وحلفائها. في الوقت ذاته أعادت تأكيد دعمها لحل الدولتين.
-لم يقدم ترامب أي تفاصيل بشأن الكيفية التي سيتصرّف فيها اتجاه الحرب. وبدلاً من ذلك، أصر مراراً وتكراراً على أنه لو كان رئيساً، لما بدأت الحرب بين إسرائيل وحماس أبداً، في محاولة لإلقاء اللوم على إدارة بايدن بكل ما يحدث حتى اليوم. كما اتّهم هاريس بأنها تكره الاسرائيليين والعرب وأن استكمال هاريس للتوجه الحالي في إدارة الحرب سيؤدّي إلى زوال اسرائيل خلال عامين. وتعهّد ترامب في حالة انتخابه بـ”تسوية” النزاعات الجارية قبل أي تنصيب، ولكن مرة أخرى دون تقديم أي تفاصيل حول كيفية حدوث ذلك.
3. الصين:
انتقدت هاريس بشدة سياسة ترامب تجاه الصين، وخاصة زيادات التعريفات الجمركية التي اقترحها، بحجة أن مثل هذه التدابير من شأنها أن تلحق ضررا كبيرا بالاقتصاد الأميركي، كونها قد تؤدي إلى تفاقم التضخم وربما تؤدي إلى الركود. كما سلطت هاريس الضوء على العجز التجاري في ظل إدارة ترامب، ووصفته بأنه أحد أعلى العجز في تاريخ الولايات المتحدة وألقت باللوم على سياسات ترامب في دعوة الحروب التجارية. بالإضافة إلى ذلك، اتهمت ترامب بتعريض الأمن القومي للخطر من خلال بيع رقائق أشباه الموصلات إلى الصين، وهي الخطوة التي اقترحت أنها تقوّض القدرة التنافسية الأميركية في الساحة العالمية، وخاصة في السباق نحو الهيمنة التكنولوجية في القرن الحادي والعشرين.
وعلى النقيض من ذلك، دافع ترامب عن استراتيجيته برفع التعريفات الجمركية باعتبارها ضرورية لمكافحة ما يراه استغلالًا صينيًا طويل الأمد للاقتصاد الأميركي. وتعهد بفرض تعريفات جمركية باهظة، بما في ذلك تعريفة بنسبة 50 في المائة على السلع الصينية، كوسيلة لتصحيح اختلالات التجارة وضمان مواجهة الصين. ورفض ترامب مخاوف هاريس بشأن التأثير الاقتصادي، مؤكدًا بدلاً من ذلك أن إدارة بايدن حافظت إلى حد كبير على التعريفات الجمركية التي تم فرضها خلال رئاسته. كما دحض ادعاءاتها بشأن بيع الرقائق إلى الصين، وأصر على أن الصين تشتري رقائقها من تايوان، وليس الولايات المتحدة.
المصدر: وكالات