لماذا سُمي اليمن سعيداً؟ وما أكثر ما طُرح هذا السؤال (ولو ليس بهدف معرفة الأصل من التسمية بل تعجباً من كيفية ارتباط السعادة كمفهوم مع فكرة الحرب والفقر والحصار والجوع)، ما أكثر ما طُرح تحديداً خلال فترة العدوان الذي شنّته عليه جارته الشمالية المملكة العربية السعودية على امتداد تسع سنوات تقريباً.
ولو أن البعض لم يعلم، أو يبحث عن السبب الكامن خلف الوصف الشهير، إلا أن للأخير ارتباطاً جميلاً ووثيقاً بشعب صلب شجاع، كسر شوكة العدوان السعودي الأميركي رغم كل التحديات التي لا تزال تتربص به خصوصاً الداخلية منها.
هو الشعب نفسه الذي كان لم يمض أكثر من عام ونصف العام تقريباً على الهدنة التي أوقفت العدوان الظالم عليه، حتى خرج معلناً جهوزيته لنصرة المظلومين في قطاع غزة، نصرة حقيقية بالكلمة والموقف والحضور الشعبي المليوني في الشارع، وبالسلاح والمفاجآت. أليسوا أصحاب شعار ” “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”. هم أبناء البلد الذي وصفه الاسكندر المقدوني بـ “السعيد”، لأنه يئس من غزوه، وهنا أصل التسمية.
ساندت صنعاء غزة. فعلت ذلك بلا حد أو سقف، إذ إنها توعدت العدو وحلفائه منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بالبدء بالعمليات التي تشمل قصف الأراضي المحتلة والسفن التي “لها ارتباط بالكيان الصهيوني” في البحر الأحمر، أي انخراطهم فعلياً في الحرب ضد العدو “انتصاراً للمظلومية التاريخية للشعب الفلسطيني”، حسب تصريح المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع.
وهنا منذ المراحل الأولى (التصعيد اليمني كان على خمس مراحل، آخرها تمثل بضربة تل أبيب) برز اليمن كجبهة إسناد واعدة ومؤثرة ليس على مصالح الكيان فقط بل على حلفائه من الولايات المتحدة إلى بريطانيا وغيرهما وهذا ما يفسر مسارعة هؤلاء إلى الإعلان لاحقاً عن تشكيل ما سُمي “تحالف حارس الازدهار”، والذي فشل حتى اللحظة في لجم الصواريخ والمسيّرات التي يطلقها الجيش اليمني لضرب الكيان إضافة إلى استهداف السفن في البحر الأحمر.
كما أن أبرز تجليات تأثير هذه الجبهة على الصراع، هو سعي واشنطن الحثيث لإخراج اليمن من دائرة الصراع وذلك من خلال تقديم مغريات للأخيرة بشرط توقفها عن دعم القطاع.
فعالية التصعيد اليمني… واشنطن تقدم المغريات
وفي هذا السياق، فقد سبق أن دفعت الولايات المتحدة بمبعوثها لدى اليمن، تيم ليندركينغ، إلى المنطقة، في محاولة لإحداث اختراق دبلوماسي يسهم في خفض التصعيد العسكري الذي تقوده صنعاء، كما أن “الولايات المتحدة أبدت استعدادها لدعم أي اتفاق يقضي بحلّ ملف المرتّبات ومعالجة الانقسام المالي والنقدي في البلد”، كما أكدت مصادر يمنية مطلعة لصحيفة الأخبار اللبنانية.
وفي “اطار المغريات الأميركية”، كان تعهد الأخيرة بالـ “اعتراف بشرعية حكومة صنعاء” مع ما يحمله ذلك من تقليص لدور المجلس الرئاسي برئاسة رشيد العليمي وتعجيل التوقيع على خارطة طريق مع “السعودية والإمارات” لوقف العدوان. إضافة إلى ذلك فتح مطار صنعاء ورفع القيود عن ميناء الحديدة، وإنجاح صفقة تبادل أسرى مع الأطراف كافة”.
وحول إعادة الإعمار، تؤكّد الأوساط أن الأميركيين تعهّدوا بذلك مع “جبر الضرر وإخراج القوات الأجنبية من الأراضي والجزر اليمنية المحتلة كافة، وإزالة حركة أنصار الله عن قائمة الإرهاب بمجرد وقف الهجمات المساندة لغزة”.
في المقابل، فقد كان الرد اليمني واضحًا، وهو ما كرّره قائد أنصار الله السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي مع كل خطاب له، بأن “العمليات ستستمر ما دام العدوان الإسرائيلي على غزة مستمرًا”.
فكان أن اتخذت واشنطن قرار شنّ عمليات عسكرية محدودة ضد صنعاء، باءت بالفشل لجهة تحقيق أهدافها، وقد أثبت ذلك وصول “مسيرة يافا” إلى عمق الكيان، وما شكله ذلك من صدمة على كافة المستويات، وبداية لمرحلة جديدة في الصراع، بين صنعاء والعدو خصوصاً بعد العدوان الذي شنّه الأخير مؤخراً على صهاريج تخزين الوقود في ميناء الحديدة وتعهد اليمن برد كبير مرتقب: إنها جبهة بلا قواعد اشتباك.
ما الذي يميز جبهة الإسناد اليمنية؟
منذ اتخاذ اليمن القرار الكبير بدخول المواجهة مع كيان الاحتلال أواخر تشرين الأول/اكتوبر 2023، أي بعد أسابيع قليلة من عملية طوفان الأقصى وبدء العدوان على غزة، برز وخلال فترة زمنية قليلة فعالية هذه الجبهة وحتى تميزها عن باقي الجبهات.
وفي هذا السياق، يرى خبراء أن هذا التأثير يلقي بظلاله أولاً وإلى حد كبير على الاقتصاد الإسرائيلي خصوصاً في “إيلات” حيث عطّلت الميناء، وهو أمر يقرّ به الإسرائيليون عمليًا مع توجّه الشركة المشغّلة للميناء لصرف ٥٠٪ من العاملين في الميناء.
ثانياً، تثبيت اليمن نفسه كلاعب إقليمي لا يمكن تجاوزه، وإظهاره قدرة عالية على المناورة سياسيًا وعسكريًا، وذلك مع إدخال السفن الأميركية والبريطانية وبوارجهما ضمن دائرة النار، مع مواصلة منع السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى موانئ العدو من العبور.
ثالثاً، النجاح في رفد المقاومة الفلسطينية بورقة تفاوض قوية، إضافة إلى النجاح في توسيع العمل العسكري في ظل العدوان عليه (ضربة تل أبيب وما قد بعقبها خير دليل) سواء نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة أو في البحر وصولًا إلى المحيط الهندي.
رابعاً، بروز تموضعها ضمن محور المقاومة وكجزء بارز وفعال ضمن استراتيجية وحدة الساحات.
خامساً، الحاضنة الشعبية الضخمة والمؤمنة بخيارات القيادة، وقد عكس ذلك استمرار التظاهرات المليونية كل أسبوع وبالزخم نفسه دعماً لهذا الخيار وإعلان الاستعداد الدائم للمقاومة والجهاد رغم كل الضغوطات والاحتمالات، وهو شعب خارج من عدوان وحصار قاس.
آفاق المواجهة المباشرة مع العدو
“ما التهديد الذي تمّ بناء سلاح الجو من أجله في العقد الماضي؟”
نقلاً عن موقع “والا” الاسرائيلي رداً على فشل سلاح الجو في الدفاع عن الجبهة الداخلية عقب ضربة تل أبيب.
أثبتت “ضربة الحديدة”، عدم قدرة الاحتلال على تخطي الصدمة. كما أثبتت فشل المواجهة بينه وبين صنعاء من خلال وسطاء. فتحت “اسرائيل” إذاً جبهة جديدة، وهي المأزومة والمتورطة في جبهة غزة وجبهة الشمال مع حزب الله. وهنا نذكر أن هذه هي المرة الأولى التي يضرب فيها الكيان الغاصب الأراضي اليمنية بشكل مباشر، ولهذا فقد قيل إن هذه الجبهة لا قواعد اشتباك لها.
يعكس ذلك ما كتبه المُحلّل العسكري أمير بوخبوط في مقال بصحيفة هآرتس (21 يوليو/تموز) بأن “هجوم المُسيّرة اليمنية غيرت قواعد اللعبة في الحرب التي تخوضها “إسرائيل” على عدّة جبهاتٍ”، معتبراً أنها “علامة فارقة فيما يُسمى عسكرياً بالمعارك بين الحروب”.
وفي هذا الإطار، يوضح خبراء بأن “المعركة مع حزب الله ما زالت ضمن قواعد الاشتباك المرسومة رغم التصعيد الحاصل أحيانًا، كما تخضع لوسائل ردع متبادلة تبقيها نسبيا ضمن هذه القواعد، بينما لا يخضع أنصار الله لأي قواعد اشتباك، كما لا توجد عملياً وسائل ردع فعالة عسكرية أو اقتصادية أو حتى قانونية ضدهم”.
كما يشير هؤلاء الخبراء إلى موضوع تأثير البعد الجغرافي بين الجبهتين، بالقول إن ” “إسرائيل” تقصف باستمرار ما تقول إنها أهداف معادية في سوريا نظراً لقرب المسافة وسهولة الرصد والتحرك”، لكن في حالة اليمن “تصعب الاستجابة المباشرة ولا يمكن لمقاتلاتها أن تركز باستمرار على جبهة تبعد نحو ألفي كيلومتر، بما يعنيه ذلك من تعبئة لوجستية واستعداد دائم وخسائر اقتصادية وتعقيدات عبور المجال الجوي لدول أخرى وغيرها”.
وهنا يصف الخبراء جبهة صنعاء بأنها “جبهة غير قابلة للحسم”، خصوصاً أن قوى التحالف الدولي فشلت في ذلك بعد 9 أشهر من الاستهدافات رغم امتلاكهم قدرات وظروف لوجستية أفضل من كيان العدو.
ينتظر كيان العدو حالياً الرد اليمني، الذي قد يتطلب ايضاً عدواناً اسرائيلياً جديداً، وما قد يعقبه من استهداف يمني جديد. وفي هذه الحالة فإن “التهديد الحقيقي، الذي يتراكم أمام أعين الجميع، هو الحرب الكبرى”، كما قال محلل الشؤون العسكرية في موقع “والاه” أمير بوحبوط.
وفي هذه الحال، يشير بوخبوط في تحليله إلى أن تقديرات الخبراء تشير إلى نحو 5 آلاف طائرة مسيّرة وصاروخ من أنواع مختلفة ستسقط على منطقة “غوش دان” (مركز تل أبيب الحيوي) من مناطق متعددة في الشرق الأوسط: إنه الجحيم الذي تعرفه واشنطن جيداً وتحاول منعه، لكن هل يبقى ذلك ممكناً مع تعنت نتنياهو وعرقلته توقيع اتفاق لوقف الحرب مع المقاومة الفلسطينية؟
لماذا سُمي اليمن سعيداً؟ بعيداً عن رواية الاسكندر المقدوني، إنه كذلك لأن فيه من قال “هيهات للذل”، وترجمها فعلاً ونصراً. ثم آمن بأن الموت في سبيل الحق سعادة والحياة مع الظالمين موتاً، فانطلق في تلك الدرب التي سيمنّ الله على السائرين فيها بفوز عظيم.
المصدر: موقع المنار