تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاثنين 31-7-2023 سلسلة من الملفات المحلية والإقليمية والدولية.
البناء:
تحت ضغط تهديد السيد نصرالله: نتنياهو والقيادة العسكرية… لا عمل عسكرياً ضد خيمة حزب الله
عين الحلوة تخرج عن السيطرة… والجيش سيردّ على أي استهداف… وحوار القاهرة طبخة بحص
البخاري يستضيف «الجنبلاطين» لتمييز الحوار عن المشاورات… وباسيل للانتقال إلى أولوية المشروع
كتب المحرّر السياسيّ
أعلنت وزارة الخارجية الدانماركية أنها تدرس وضع قيود على التظاهرات التي تتخللها عمليات إحراق نسخ من القرآن، فيما أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أنه اقرّ الخطط والأساليب التي اقترحها جيش الاحتلال للتعامل مع “خيام حزب الله” على الحدود مع لبنان. وعقد نتنياهو، بمشاركة قادة الأجهزة الأمنية وهيئة مصغرة من الوزراء “الكابينت”، اجتماعاً حول الأوضاع الميدانية والتطورات الجارية مع حزب الله في المنطقة الحدودية، بمشاركة كل من وزير الجيش، يوآف غالانت، ووزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، إلى جانب نتنياهو. وشارك في الاجتماع رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي، ورئيس الموساد، ديفيد (ديدي) برنياع، ورئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي، ورئيس الشاباك، رونين بار. ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أهارون حاليفا، ورئيس شعبة العمليات، عوديد بسيوك، ورئيس شعبة الشؤون الأمنية والسياسية التابعة لوزارة الجيش، ونقلت القناة الثالثة عشرة عن نتنياهو والقيادة العسكرية صرف النظر عن أي عمل عسكري شمالاً على قاعدة توصيف يقول إن الخيمة التي أقامها حزب الله لا تمثل تهديداً أمنياً يستدعي عملاً حربياً لإزالتها، وإن الاستجابة لما وصف بـ استفزاز حزب الله والانخراط في المواجهة مع حزب الله ليس مصلحة “إسرائيلية”.
في عنواني الاعتداء على القرآن، والوضع الحدودي، تبدو المعادلات التي رسمها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطاب عاشوراء حاضرة في خلفية الكلام الدنماركي الجديد، تفادياً لمواجهة تداعيات حذّر منها السيد نصرالله، بدعوته الشباب المسلم الى أخذ الأمر بين يديه إذا قصرت الحكومات الإسلامية باتخاذ قرارات بمستوى يليق بالدفاع عن القرآن، ومحورها قطع العلاقات مع الدول التي تسمح حكوماتها باستمرار الاعتداءات على القرآن، بينما حذّر السيد نصرالله حكومة الاحتلال وقيادته العسكرية من ارتكاب أي حماقة على الحدود، لأنها سوف تلقى الرد المناسب.
في لبنان شغل الوضع الأمني المتفجّر في مخيم عين الحلوة اللبنانيين بعدما بدا أن الأمور تخرج عن السيطرة، وتهدّد بتوسّع الانفجار الى خارج المخيم، مع سقوط قذائف على مواقع الجيش اللبناني أدّت الى صدور بيان عن قيادة الجيش يحذّر من استهداف مواقعه ويؤكد أنه سوف يضطر للردّ على النار بما يلزم، وربطت مصادر فلسطينية بين انفجار الوضع في المخيم وعودة مجموعات المبعدين الذين كانوا وراء تفجيرات عام 2019، وانتهت مفاوضات طويلة شاركت فيها قطر وقادها المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم يومها الى اتفاق الإبعاد الى تركيا والمناطق الخاضعة للجماعات الإرهابية في شمال سورية والخاضعة للسيطرة التركية، دون معرفة طبيعة الدور الإقليمي ووظيفة العودة وسياقها في ضوء التطورات المتسارعة في اشتباكات مخيم عين الحلوة، بينما سجلت المصادر الفلسطينية قلقها من تداعيات متعددة الجوانب للاشتباكات سواء على العلاقات الفلسطينية أو علاقة المخيم ومحيطه، بينما كانت أجواء حوارات الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في القاهرة لا تحمل مؤشرات التفاؤل بالعلاقات بين الفصائل، حيث أكد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تمسكه بأن تكون المقاومة شعبية سلمية لا مسلحة، وربط الانتخابات بتوافر ظروف لإجرائها في القدس، حيث الأمر منوط بسماح قوات الاحتلال بذلك.
داخلياً، وفي الشأن الرئاسي تبدو الحوارات الثنائية من جهة، والمشاورات التي دعا إليها المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان محور التداول والمتابعة، حيث الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر يتزامن مع مواقف معلنة من رئيس التيار النائب جبران باسيل تعلن الانتقال من مرحلة التركيز على شخص المرشح الرئاسي الى اعتبار الأولوية للمشروع والاستعداد للتضحية بقبول اسم مرشح رئاسي لقاء التفاهم على المشروع السياسي الإصلاحي، بينما كان السفير السعودي وليد البخاري يستضيف النائب السابق وليد جنبلاط والنائب تيمور جنبلاط يرافقهما النائب وائل أبو فاعور للتباحث في كيفية التعامل مع المبادرة الفرنسية وتميز المشاركات الهادفة لانتخاب رئيس عن الحوار الذي يريده البعض تحت شعار عقد سياسي جديد بديل عن اتفاق الطائف، واعتبار أن الموافقة على المشاورات المقيدة بالملف الرئاسي لا تعني القبول بالحوار الوطني الذي يفترض أن يقوم به رئيس الجمهورية حول تطبيق اتفاق الطائف، ولا القبول حكماً بأي نقاش يطرح مصير اتفاق الطائف على الطاولة.
وأكدّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على ضرورة أن تفهم حكومتا السويد والدنمارك وكلّ العالم «أننا أمة لا تتحمّل الاعتداء والإساءة الى رموزها ومقدساتها ولا الى نبيّها ولا الى مصحفها»، وقال: «إذا كان هناك أمم لا تهتمّ ولا تهتزّ عندما يُساء إلى رموزها المقدسة وتتعاطى مع الاعتداء بلا مبالاة، أمة الملياري مسلم ليست كذلك».
وخلال خطابه في العاشر من المحرم في ختام المسيرة العاشورائية المركزية في الضاحية الجنوبية، أشار السيد نصرالله إلى أهمية أن تتخذ «الدول الإسلامية ووزراء خارجيتها قرارات بمستوى الانتهاك والاعتداء في السويد والدنمارك، وأن يوجهوا رسالة حاسمة وقاطعة بأن الاعتداء مجددًا سيُقابل بالمقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية»، وأضاف «إذا لم تفعل الدول ذلك في يوم رفض الذلّ، فإن على شباب المسلمين في العالم الغيارى والشجعان أن يتصرّفوا بمسؤوليتهم حينئذ وأن يعاقبوا هؤلاء المدنّسين لحرق القرآن دفاعًا عن دينهم».
وقال: «أمام كلّ التحديات القائمة واجبنا أن نكون حاضرين في كل الميادين وكلّ الساحات، مهما كانت التضحيات والآلام وألّا نُخلي الساحة وخصوصًا في مواجهة الشيطان الأكبر الذي يستغلّ وجود الكيان الغاصب لمحاصرة المنطقة ونهب خيراتها»، معلنًا أن «المعركة مفتوحة دفاعًا عن لبنان والأمة والمقدسات».
وأكد السيد نصر الله «وقوف حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان وبكلّ ما نستطيع الى جانب الشعب الفلسطيني»، وقال: «نعتبر معركتنا واحدة ومستقبلنا واحداً وأن الشعب الفلسطيني المظلوم والصابر حقّه على جميع أحرار العالم أن يدعموه وينصروه»، وأردف: «الشعب الفلسطيني أكثر من أيّ وقت مضى يؤمن بالمقاومة ويقدم الشهداء في كل يوم ويقاتل كل يوم بالسكين والسيارة والمسدس والبندقية والعبوات».
وبيّن أن «لبنان هو المُعتدى عليه و»إسرائيل» لا تزال تحتل جزءًا من أرضنا وهي أعادت احتلال جزء من الغجر وتتحدّث بوقاحة عن استفزازات»، وتوجّه إلى للصهاينة بالقول: «انتبهوا من أي حماقة أو أي خيارات خاطئة والمقاومة لن تتهاون عن أيّ من مسؤولياتها لا في الردع ولا في التحرير»، وتابع «العدو الاسرائيلي يتحدث بوقاحة عن استفزازات المقاومة بينما هو مَن يستمر في احتلال الارض ولا سيما في الغجر اللبنانية». وشدّد على أن «المقاومة ستكون جاهزة لأيّ خيار ولن تسكت عن أية حماقة».
وعلق رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على خطاب السيد نصر الله مدعياً: «أنه في ساعة الامتحان سيجد إسرائيل متراصة كتفاً إلى كتف»، وأضاف: «نصرالله يعلم أيضاً أنه من غير المجدي له وللبنان أن يختبرنا».
الى ذلك، لفتت قناة «المنار»، الى أن «شبّاناً لبنانيين قطعوا السياج الذي وضعته اليونيفيل ودخلوا إلى الطريق المحرّمة على اللبنانيين منذ العام 2006، وذلك احتجاجاً على احتلال قرية الغجر وإقفال قوات اليونيفيل الدولية الطريق اللبناني بين الوزاني والعباسية الذي يمرّ بالقرب من الغجر».
في غضون ذلك، وبينما كان اللبنانيون يترقبون مصير استحقاق حاكمية مصرف لبنان نظراً لارتباطه بكافة مفاصل وشؤون حياتهم المعيشية واليومية وينتظرون صدمة نقدية – اقتصادية بقفزة كبيرة لسعر صرف الدولار، جاءتهم الصدمة أمنية، حيث انفجر الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة بعد اندلاع اشتباكات عنيفة بين حركة فتح ومجموعات من الفصائل الإسلامية استخدمت فيها قذائف الـ «أر بي جي» وتوسعت الى خارج المخيم وحصدت 4 قتلى وعدداً من الجرحى ولم تسلم مراكز الجيش اللبناني المجاورة من القذائف وكذلك المواطنون الذين صودف مرورهم من المنطقة، حيث تعرّضوا للقنص والرصاص الطائش ما أدى إلى إقفال المحال التجارية وقطع الطرقات وشلل تام لفّ مدينة صيدا.
وكان الإشكال بدأ فردياً مساء يوم السبت وفق معلومات «البناء» وتطوّر صباح الأحد وتوسع الى اشتباكات مسلحة بين حركة فتح وتنظيم جند الشام وعصبة الأنصار ما أدى الى مقتل أحد أنصار جند الشام، وبعد ذلك قتل العميد في حركة فتح أبو أشرف العرموشي بعد تعرّضه لكمين مسلح مع عدد من مرافقيه في حي البساتين في مخيم عين الحلوة.
وأكد مصدر فلسطيني مقتل العرموشي وثلاثة من مرافقيه وهم «ب. ع.، ط. ب. وم. ق.» وقد نقلوا جميعاً الى مستشفى الراعي في صيدا».
وأعلنت قيادة الجيش، عن إصابة أحد العسكريين بشظايا جراء سقوط قذيفة هاون داخل أحد المراكز العسكرية بسبب اشتباكات مخيم عين الحلوة وأن حالته الصحية مستقرة».
وحذّرت قيادة الجيش من «مغبة تعريض المراكز العسكرية وعناصرها للخطر مهما كانت الأسباب»، وأكدت أن «الجيش سيردّ على مصادر النيران بالمثل».
وقطع السير على اوتوستراد الشرقي واوتوستراد الغازية وتحويله باتجاه الطريق البحرية بصيدا نتيجة الاشتباكات في مخيم عين الحلوة. وطاول الرصاص الطائش محال ومنازل في صيدا ولا سيما في أحياء الصباغ والبراد وواجهة مول تجاري عند تقاطع إيليا، كما سقطت قذيفة في ساحة الشهداء في صيدا.
وفيما تراجعت حدة الاشتباكات بعد اتصالات فلسطينية – فلسطينية، وفلسطينية – لبنانية دخلت على خطها قيادة حركة أمل لتطويق ذيول ما جرى، سرعان ما سقطت الهدنة القصيرة وتوسّعت رقعة الاشتباكات الى محور جبل الحليب – حي حطين، كما سجّل المخيم المزيد من حالات النزوح الكثيف من مناطق الاشتباكات مع اشتداد المعارك.
وأشارت مصادر سياسية وأمنية لـ”البناء” إلى أن اشتباكات الأمس مفتعلة لجر مخيم عين الحلوة الى معركة عسكرية جديدة من أطراف خارجية لها مصلحة في ذلك عبر تحريك أدواتها في لبنان لضرب أمن المخيم وجواره، لا سيما أن الجميع يعرف انتماءات بعض التنظيمات الإسلامية المتطرفة في المخيم لقوى إقليمية ودولية”. وحذرت المصادر من توريط الجيش اللبناني بمعركة عسكرية طويلة مع قوى متطرفة داخل المخيم على غرار معركة نهر البارد في العام 2007 وإلا لماذا الاستهداف المقصود لمراكز الجيش اللبناني في المنطقة؟ الأمر الذي دفعه لإرسال فوج المغاوير والتهديد بالردّ على مصادر النيران.
وفي موقف حاسم، أكدت الرئاسة الفلسطينية في بيان أن “أمن المخيمات خط أحمر ومن غير المسموح لأي كان ترويع أبناء شعبنا والعبث بأمنهم”، وأضافت “إننا ندعم ما تقوم به الحكومة اللبنانية من أجل فرض النظام والقانون، ونؤكد حرصنا الشديد على سيادة لبنان، بما يشمل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، والحفاظ على الأمن والقانون”.
واعتبرت الرئاسة الفلسطينية أن “ما حدث من مجزرة بشعة واغتيال غادر وإرهابي لمناضلين من قوات الأمن الوطني أثناء أدائهم واجباتهم الوطنية في الحفاظ على صون الأمن والأمان لشعبنا في مخيم عين الحلوة، والسهر على أمن الجوار اللبناني، هي تجاوز لكل الخطوط الحمراء وعبث بالأمن اللبناني وأمن المخيم من قبل مجموعات إرهابية متطرفة دأبت منذ سنوات العمل على إدخال المخيم في تنفيذ أجندات هدفها النيل من الاستقرار الذي يشهده المخيم، إن هذا الأمر غير مسموح به ولن يمرّ دون محاسبة مرتكبي هذه المجزرة”.
بدوره، أشار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الى أن “توقيت الاشتباكات الفلسطينية في مخيم عين الحلوة، في الظرف الإقليمي والدولي الراهن مشبوه، ويندرج في سياق المحاولات المتكرّرة لاستخدام الساحة اللبنانية لتصفية الحسابات الخارجية على حساب لبنان واللبنانيين”.
ولفت ميقاتي، الى أن “تزامن هذه الاشتباكات مع الجهود التي تبذلها مصر لوقف الخلافات الفلسطينية – الفلسطينية، هو في سياق الرسائل التي تستخدم الساحة اللبنانية منطلقاً لها”.
من جهته، أشار المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان في بيان، الى أن “ما يجري بمخيم عين الحلوة خطير ومريب ويدق ناقوس الخطر ويطال أهم شرايين البلد، والدولة اللبنانية مطالبة بفرض الأمن وحماية السيادة الوطنية، كما أنّ الفصائل الفلسطينية مطالبة بحماية القضية الفلسطينية، وطبيعة ما يجري بالمخيمات يؤكد ضرورة منع أي فتنة لها دافع داخلي أو خارجي. وهذا يفترض بالقوى السياسية اللبنانية الدخول سريعاً بتسوية رئاسية لحماية البلد من الفوضى الأمنية والبدء بورشة قرار وطني لإنقاذ لبنان”.
في غضون ذلك، تنتهي مساء اليوم ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد 30 عاماً على رأس الحاكمية من دون التمديد له ولا تعيين حاكم جديد، وسط ترقب للمؤتمر الصحافي للنائب الأول للحاكم وسيم منصوري يشرح خلاله موقفه ويعلن قراره الحاسم من تسلّم صلاحيات الحاكم.
وأشارت مصادر إعلامية الى أن منصوري سيعرض اليوم أمام اللبنانيين برنامج العمل والسياسة المالية التي سيتم اعتمادها ومصير منصة صيرفة ضمناً.
ووفق معلومات “البناء” فإن منصوري لن يستقيل بل سيؤكد تسلمه للمنصب لكن سيطالب الحكومة بضمانات ضمن مهلة معينة، لأنه لن يستطيع الاستمرار بالسياسة النقدية والمصرفية السابقة من دون تشريعات وقوانين تسمح له ذلك، ولذلك سيربط منصوري بين عدم استقالته واستمراره في ممارسة صلاحيات الحاكم بالتعاون مع نواب الحاكم الثلاثة الآخرين، بتأكيد الحكومة والمجلس النيابي على إقرار قوانين وإصلاحات عدة لا سيما قانون في المجلس النيابي يبيح للحكومة الاستقراض من مصرف لبنان وبناء عليه يمكن للحاكمية الاستمرار بدعم صيرفة وتمويل الدولة.
لكن الإشكالية وفق مصادر نيابية لـ”البناء” قدرة المجلس النيابي على الاجتماع وتأمين نصاب اي جلسة تشريعية، وهذا يتوقف على مشاركة أحد الأطراف المسيحية التيار الوطني الحر أو القوات اللبنانية.
ولم تقفل أوساط التيار بحسب معلومات “البناء” الباب أمام المشاركة في الجلسة، لكن الأمر مرهون بالحوار مع التيار ومدى اعتبار هذا الأمر من الملفات الملحة والضرورية، وثانياً مدى قانونية تشريع تمويل الدولة من مصرف لبنان.
ووفق ما تقول المصادر النيابية لـ”البناء” فإنه تم الاتفاق على تسلم منصوري سدّة الحاكمية مقابل وعود بالسعي لإقرار قوانين إصلاحية تشرع عمل نواب الحاكم، لكن مع إقرار الجميع بصعوبة عقد جلسة تشريعية في الظروف السياسية القائمة، لكن سيصار الى تمرير الوقت حتى انتخاب رئيس للجمهورية لإعادة انتظام العمل العام وملء الفراغات في مؤسسات الدولة لا سيما في حاكمية مصرف لبنان في ظل الرهان على عودة الموفد الفرنسي الى لبنان في أيلول المقبل وإطلاق حوار ثنائي مع القوى السياسية بموازاة حوار يسجل تقدماً وفق معلومات “البناء” بين حزب الله والتيار الوطني الحر.
وأمس، سجل لقاء لافت بين السفير السعودي في لبنان وليد بخاري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تيمور جنبلاط ووالده الوزير السابق وليد جنبلاط.
وأفادت مصادر إعلامية الى أنه “تمّ التطرق والتباحث بشأن أبرز المستجدات ومن بينها نتائج زيارة المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان ومضمون بيان الدوحة”، وأكدت بأنه “لم يتم التطرق أبداً الى اسم الرئيس المقبل خلال اللقاء في اليرزة”.
وأشارت مصادر دبلوماسية سعودية إلى أن “هناك دعوة للتشاور بشأن المعايير والمواصفات التي تؤدي الى توافق لاستكمال الاستحقاق الرئاسي، والبحث في المهام المنوطة لعملية الإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي”. وأوضحت المصادر الدبلوماسية السعودية أنه “من المناسب العمل على أن يكون الحوار الوطني بعد انتخاب رئيس للجمهورية، وأن يكون برعاية الرئيس المنتخب في إطار اتفاق الطائف ومندرجاته”.
وفي عظة الأحد توجّه البطريرك الماروني بشارة الراعي بعدّة أسئلة: “هل من أحد يشرح لنا لماذا لا يلتئم المجلس النيابي في جلسات متتالية بدوراتها لانتخاب رئيس للجمهورية بحسب المادة 49 من الدستور، ويوجد مرشحان أساسيان كفؤان كما ظهر في جلسة 14 حزيران الماضي؟ فإما ينجح واحد منهما وإما لا أحد، ولكن بعد ثلاث دورات متتالية على الأكثر، يصار إلى الاتفاق على ثالث بحوار مسؤول؟ وهل من يقول لنا لماذا أُبطل النصاب في تلك الجلسة التي كادت أن تكون حاسمة؟ وهل من يشرح لنا الغاية من ترحيل هذا الاستحقاق الاساسي لقيام مؤسسات الدولة الى شهر أيلول؟ أهي عطلة شهر آب للسادة النواب، للاستجمام بحرًا وجبلًا وسفرًا، فيما الشعب يموت جوعًا، والدولة في حالة الفوضى الدائرة، والنازحون السوريون يحتلون البلاد بدعم من الأسرة الدولية، ونحن مغفّلون، وهم متناسون أرضهم ووطنهم وتاريخهم وثقافتهم”.
اللواء:
“اللغم الفلسطيني” ينفجر في عين الحلوة.. والجيش يحذِّر من استهداف مراكزه
منصوري يكشف أوراقه في المركزي اليوم.. وبخاري يولم لجنبلاط والطبق رئاسي
إنضم الملف الأمني، من بوابة مخيم عين الحلوة الى سائر الملفات الثقيلة في شهر تموز، الذي يعدّ الأكثر سخونة على مستوى الحرارة الطبيعية والحرارة السياسية، وحتى الحرارة النقدية، عشية يوم الفصل بين مرحلتين في المصرف المركزي، حاكم لمدة ثلاثين عاماً، وهو يغادر عند منتصف هذه الليلة مقره مصرف لبنان، وبنواب الحاكم، بدءاً من النائب الأول وسيم منصوري، الذي يعقد مؤتمراً صحافياً اليوم مع زملائه الثلاثة لإعلان ما لديهم قبل تسلّم مهامهم، من دون سلامة، حيث سيعلنون اليوم أنهم كانوا على خلاف معه في غير موضوع، وهم يحرصون على تشريع يسمح لهم بتحويل 200 مليون دولار شهرياً من احتياط المصرف لمدة اربعة اشهر، وإلَّا.. سوف ننتظر ما سيتم إعلانه، وما يجري فعله بدءاً من يوم غد، سواء على صعيد الرواتب العائدة لموظفي القطاع العام، في الخدمة او معاشات التقاعد للعسكريين والمدنيين في مختلف الاسلاك والقطاعات، المفترض ان تكون وزارة المال حوّلتهم مساء الجمعة الماضي الى مصرف لبنان ليحولهم بدوره الى المصارف، حيث موطّنة فيها الرواتب والمعاشات.
وجاء انفجار «اللغم الفلسطيني»، ليطرح اسئلة مشروعة عن التوقيت، والاهداف المباشرة والبعيدة، بصرف النظر عن حجم الخسائر في الاشتباك الذي وقع بين عناصر من «فتح» و«إسلاميين»، وأدى بعد نصب كمين الى اغتيال قائد الامن الوطني في منطقة صيدا العميد حسن الهرموشي (أبو أشرف) و4 من مرافقيه..
ودفع سقوط قذيفة في احد المراكز العسكرية، ونقاط المراقبة، مما ادى الى اصابة عسكريين بجروح.
وحذر بيان صادر عن قيادة الجيش من تعريض المراكز العسكرية للخطر، مؤكداً ان الجيش سيرد على مصادر النيران بالمثل.
واعتبر الرئيس نجيب ميقاتي ان توقيت الاشتباكات الفلسطينية في مخيم عين الحلوة، في الظرف الاقليمي والدولي الراهن، مشبوه، ويندرج في سياق المحاولات المتكررة لإستخدام الساحة اللبنانية لتصفية الحسابات الخارجية على حساب لبنان واللبنانيين، كما أن تزامن هذه الاشتباكات مع الجهود التي تبذلها مصر لوقف الخلافات الفلسطينية- الفلسطينية، هو في سياق الرسائل التي تستخدم الساحة اللبنانية منطلقا لها».
وطالب الجيش والأجهزة الامنية ضبط الوضع في المخيم لما فيه مصلحة لبنان واللاجئين الفلسطينيين على حد سواء.. كما طالب كافة الجهات الفلسطينية ان تُنهي ظاهرة الاشتباكات المتكررة.
وربطت مصادر مراقبة بين انفجار الوضع والزيارة الخاطفة لمدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج ووضعية المخيم في ترتيبات تجري على صعيد الوضع الفلسطيني، وما يجري في مناطق السلطة والاشتباكات بين اسرائيل وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية.
واكد منير المقدح القيادي في «فتح» ان حركته مع وقف النار، وان التنسيق قائم مع الجيش اللبناني.
وكان الرئيس ميقاتي، دعا الحكومة إلى جلسة لمتابعة مناقشة مشروع قانون موازنة 2023، عند الساعة الرابعة من بعد ظهر اليوم في السراي الحكومية.
وأوضحت مصادر وزارية لـ«اللواء» أن مجلس الوزراء يباشر في عرض مشروع الموازنة دون المباشرة في دراسة التفاصيل على أنها أوضحت أن أحداث عين الحلوة تخيم على أعمال الحكومة.
وقالت المصادر أن المجلس يطلق شارة الانطلاق للبحث في مشروع الموازنة في جلسات لاحقة.
إلى ذلك توقعت مصادر سياسية مطلعة أن تبرز مواقف من طرح الموفد الرئاسي الفرنسي جان- ايف لودربان بشأن الاجتماع أو الحوار حول مواصفات رئيس الجمهورية وقالت إن عدم التجاوب مع هذا الطرح يعني حكما فشل قيام أي حوار على أن الصورة قد تتبلور في التوقيت المناسب.
لقاء وعشاء في منزل بخاري
دبلوماسياً، وعلى مدى ساعتين ونصف التقى سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس اللقاء الديمقراطي تيمور جنبلاط، والنائب وائل ابو فاعور، والبحث تناول بيان الدوحة الأخير.
وهذا اللقاء كان حضر سلفاً، واستبقى السفير بخاري زواره الى مأدبة عشاء، وجرى البحث بمختلف المستجدات، بما فيها مهمة الموفد الفرنسي جان- ايف لودريان.
ولاحظت مصادر سياسية استمرار التحرك حول الرئاسة بعد انتهاء زيارة لودريان.
ولم يستبعد ان يواصل السفير السعودي لقاءاته مع مكونات المعارضة في وقت لاحق، وذلك لوضعهم في اجواء لقاءات اللجنة الخماسية التي عقدت في الدوحة مؤخرا،مايؤشر إلى اهتمام المملكة بدفع ملف الانتخابات الرئاسية قدما الى الامام،وحرصها على انتخاب رئيس جديد للبلاد.
من ناحية ثانية سجلت المصادر محاولة النائب جبران باسيل، استغلال الشعارات الطنانة في خطابه السياسي بالمناسبات، لإعادة شد العصب الشعبي المسيحي من حول التيار بعد انحدار التأييد والتعاطف معه إلى مستوى غير مسبوق،بسبب الفشل الذريع للعهد العوني الذي تولى ادارته، عمليا باسيل طوال السنوات الست الماضية على كافة المستويات، والازمة الخطيرة التي ادخل بها البلاد جراء سياسات التعطيل وهدر ونهب الاموال في قطاع الكهرباء، واستعداء الدول العربية الشقيقة والانحياز للسياسة الايرانية ومصالحها الاقليمية والدولية.
وقالت المصادر ان مطالبة باسيل بمقايضة اسم الرئيس المقبل مقابل الموافقة على اقرار قانون اعتماد اللامركزية الادارية والمالية واعطاءه الصندوق الائتماني، انما يندرج في اطار استباق اي خطوة تراجعية للتيار في العلاقة مع حزب الله في الملف الرئاسي، بخصوص الرئيس المقبل،واعتبار ما طرحه بمثابة مقايضة مربحة لهذا التراجع، ولدغدغة مشاعر جمهور التيار واستجداء عطفهم وتاييدهم للتيار من جديد.
وتعتبر المصادر محاولة باسيل بهذا الطرح،بمثابة فقاعه فارغة،ليس لهااي مفعول واقعي على الارض،لان موضوع اقرار قانون اللامركزية الادارية الوارد في وثيقة الطائف، تم اقراره بعدما قدمه الوزير السابق زياد بارود في عهد الرئيس ميشال سليمان والمطلوب تطبيقه،بينما مايطالب به باسيل حاليا،اقرار مشروع قانون اللامركزية الادارية والمالية الموسع،انما يتطلب تعديل الدستور، ولايمكن تمريره بمجرد فقط بالاتفاق مع حزب الله.
ويأتي اللقاء، ضمن دخول لبنان شهر انتظار تبلور نتائج اقتراح الموفد العربي- الدولي جان- ايف لودريان، حيث باشرت قوى المعارضة عقد اجتماعات لدرس ما عرضه واتخاذ موقف لجهة عقد لقاء او طاولة عمل بين القوى القوى السياسية «للتوافق على مواصفات رئيس الجمهورية وبرنامج عمله لإختيار اسم لاحقا تتوافر فيه المواصفات والقدرة على تنفيذ برنامج الاصلاحات المطلوبة، وإلا سحبت دول مجموعة الخمسة يدها من لبنان». لكن قوى المعارضة استمرت على رفضها عقد طاولة حوار، فيما استمرت مواقف ثنائي امل وحزب الله التمسك بمرشحها سليمان فرنجية من دون اقفال باب الحوار والنقاش للتوافق.
واوضحت مصادر المعارضة لـ «اللواء»: صحيح ان الاجتماعات واللقاءات والاتصالات متواصلة بين اركان المعارضة للتشاور وتبادل الافكار حول ما حمله لودريان، لكن من المبكر اتخاذ القرار طالما ان مهلة الشهر التي حددها لا زالت في بدايتها، لكن يُفترض تبلور موقف ما خلال اسبوع او عشرة ايام.
وكان المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان استقبل في دار الفتوى امس الاول، سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو في زيارة وداعية بمناسبة انتهاء مهامها الدبلوماسية. وكانت مناسبة تم فيها التداول في الشؤون اللبنانية وتعزيز التعاون بين البلدين.
وأشار المكتب الإعلامي في دار الفتوى الى ان «المفتي دريان اطلع من السفيرة غريو على المشاورات التي أجراها الموفد الفرنسي جان إيف لودريان مع القيادات اللبنانية والتي كانت بناءة وجيدة. واكد المفتي خلال اللقاء ان المساعي التي يقوم بها الموفد الفرنسي للمساهمة في الخروج من الأزمة التي يعاني منها لبنان ينبغي أن تستمر للوصول الى حلول».
وشدد المفتي دريان على ان دول اللجنة الخماسية هي صمام أمان للبنان.
وفي ذكرى عاشوراء، اعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن لبنان هو المُعتدى عليه وإسرائيل» لا تزال تحتل جزءًا من أرضنا وهي أعادت احتلال جزءًا من الغجر وتتحدّث بوقاحة عن استفززات، ونتوجّه إلى الصهاينة بالقول: انتبهوا من أي حماقة أو أي خيارات خاطئة والمقاومة لن تتهاون عن أيّ من مسؤولياتها لا في الردع ولا في التحرير»، وتابع:«العدو الاسرائيلي يتحدث بوقاحة عن استفزازات المقاومة بينما هو من يستمر في احتلال الارض ولا سيما في الغجر اللبنانية» .
وشدد على أن «المقاومة ستكون جاهزة لأيّ خيار ولن تسكت عن أية حماقة» .
وفي الملفّ الرئاسي، قال نصر الله: من الواضح وبعد كل الجهود وكل المبادرات أن هناك قوى سياسية ترفض الحوار الذي يجمع الجميع في مكان واحد وعلى طاولة واحدة بمعزل عمن يرأس هذا الحوار. ومن الواضح أيضاً أنّ الجميع سينتظر شهر أيلول لعودة الموفد الفرنسي ومبادرته التي يتحدث عنها. إنّنا نعتقد في هذه الفرصة المتاحة إلى ذلك الوقت أن فتح الباب لحوارات ثنائية جادة، حوارات جادة ودؤوبة وليس لتقطيع الوقت، قد يفتح أفقا في جدار الانسداد القائم في مسألة الانتخابات الرئاسية، وهذا ما نعمل عليه ونتعاون عليه ونأمل أن نصل فيه إلى نتيجة وسنرى ما نصل إليه في قادم الأيام.
وأعلن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل السبت الماضي، من مخيم الشباب في بشتودار «استعداده للتضحية باسم رئيس الجمهورية فقط لا بموقع الرئاسة او بصلاحياتها، وذلك مقابل مكسبين للبنان: اللامركزية الادارية والمالية الموسعة والصندوق الائتماتي». وقال: وهذه ليست مقايضة ولا تنازلًا انما تحصيل لحقوق اللبنانيين وأموالهم. ولنا الشرف ان نقوم بمعركة حقيقية لتطبيق اللامركزية التي اقرت منذ ثلاث وثلاثين سنة ولم تنفذ بعد. كما حققنا الشراكة في قانون الانتخاب والحكومات ورئاسة الجمهورية سنحقق للبنانيين اللامركزية الموسعة شاء من شاء وأبى من أبى.
وعن الصندوق الائتماني قال باسيل: هو يقضي بحفظ أصول الدولة وملكيتها فيما تتم ادارتها من القطاع الخاص، ما يسمح بتحسين ايرادات الدولة وردم جزء من الفجوة المالية واعادة الأموال للمودعين. الدولة مفلسة والحل لا يكون ببيع املاكها انما بحسن ادارتها. والصندوق الائتماني لا علاقة له بالصندوق السيادي الذي اقر عام ٢٠٢٢ في قانون استخراج النفط والغاز».
تثبيت لا ترسيم الحدود
وفي مجال آخر، وبعد الالتباس الذي حصل حول استخدام عبارة «ترسيم الحدود البرية الجنوبية»، أوضحت بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك في بيان، عطفا على البيان الذي تلته المندوبة الدائمة بالوكالة في بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك المستشار جان مراد، خلال المناقشة العامة لمجلس الأمن حول الحالة في الشرق الأوسط، التي انعقدت في 27 تموز 2023، ان «حدود لبنان مرسمة ومعترف بها دولياً على قاعدة اتفاقية بوليه-نيوكومب لعام 1923، والخرائط الرسمية العائدة لها مودعة لدى الأمم المتحدة.
الاخبار:
تركة الحاكم: قنبلة سعر الصرف
الحاكم يورّث نوابه فوضى وخسائر
يعلن النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري، اليوم، استعداده لتولي مهمة الحاكم بعد انتهاء ولاية رياض سلامة، وفي انتظار تعيين حاكم جديد، وفقاً لما تنص عليه المادة 27 من قانون النقد والتسليف. ويستند منصوري في قراره عدم الاستقالة، إلى اتفاق مع أركان الحكم، يقضي بتوفير تغطية تشريعية للإنفاق من الاحتياطي الإلزامي بالعملة الأجنبية ضمن سقف لا يتجاوز 200 مليون دولار شهرياً، وإقرار الحكومة ومجلس النواب مجموعة قوانين يطلبها صندوق النقد الدولي في إطار الشروط المسبقة للاتفاق النهائي معه.
البند الأول الخاص بتشريع الإنفاق من الاحتياطي، كان محور النقاش الجدّي الذي جرى في الأسبوعين الماضيين بين نواب الحاكم الأربعة ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أما البند الثاني الخاص بالقوانين الإصلاحية، فقد تمّت مقاربته على شكل وعود حصراً. أي أنه تجوز الخشية من أن يكون هدف الاتفاق إطالة مرحلة «الترقيع» و«ترتيب الانتظار».
كان منصوري يقول دوماً إنه لن ينفق دولاراً واحداً من الاحتياطي الإلزامي بالدولار إلا بقانون. وقد تكرّر الأمر في الاجتماعات التي عقدها مع ميقاتي، وهو ما قاله أيضاً أمام النواب في اجتماعَي لجنة الإدارة والعدل. وموقفه هذا كان يمثله والنواب الثلاثة الآخرين: بشير يقظان، سليم شاهين وألكسندر مراديان.
واضح أن منصوري تمايز في الموقف السياسي، إذ كان يرغب في الاستقالة الشكلية فقط وتسيير المرفق العام، بينما كان رئيس مجلس النواب نبيه برّي يحثّه على الاستقالة والخروج من مصرف لبنان نهائياً «حتى لا يتم تحميل الشيعة مسؤولية الانهيار». ورغم تكتّلهم، إلا أن تمايز منصوري انسحب أيضاً على علاقته مع نواب الحاكم الثلاثة، إذ كان يقظان متردّداً ومتقلباً تجاه الاستقالة، بينما حسم شاهين أمره منذ البداية بالاستمرار، أما مراديان فقد طلب حزب الطاشناق منه الاستمرار. حصل كل ذلك، فيما كان ميقاتي وبري يرغبان في تعيين حاكم جديد، لكنهما اصطدما برفض التيار الوطني الحر وحزب الله وتيار المردة.
وسط تشابك المصالح وتنافرها، فشل التعيين، وانتهت المفاوضات بين ميقاتي ومنصوري إلى اتفاق على التغطية التشريعية للإنفاق من الاحتياطي الإلزامي. وينقل مقرّبون من منصوري أنه أبلغ الجميع: «لن أنفق دولاراً واحداً من الاحتياطي إلا بتغطية. وقد لمست إيجابية من الكتل النيابية. أما السقف المتفق عليه مع الرئيس ميقاتي فهو 200 مليون دولار ضمن مدى قصير لا يتجاوز ستة أشهر، على أن تحدّد الحكومة حاجتها وتطلب من مجلس النواب إجازة تشريعية للاقتراض بالدولار من الاحتياطي. بعد ذلك، يجب أن تصدر القوانين الأخرى، مثل الكابيتال كونترول، إعادة هيكلة القطاع المصرفي… عندها قد يكون مناسباً إنفاق دولارات إضافية».
هل تبقى التعاميم التنظيمية التي أُقرّت في عهد سلامة مثل 151 و154 و158 على حالها؟
في المحصّلة، سيحضر منصوري مراسم التسليم والتسلّم، وسيمارس مهام الحاكمية ابتداءً من صباح غد. وستنتقل إلى يديه من رياض سلامة، أزمة تراكمت على مدى 30 سنة، وفيها خسائر بقيمة 72 مليار دولار، وتعدّدية في أسعار الصرف، واستقرار هشّ مموّل بدولارات قابلة للنفاد سريعاً. كما سيتسلّم نظاماً لضخّ السيولة وتجفيفها ويُستعمل أيضاً لدعم العملة اسمه «صيرفة». يقوم هذا النظام على التوزيع المجاني للدولارات سواء عبر استخدام الاحتياطي، أو من خلال شراء الدولارات من السوق ثم ضخّها مجدداً. وكان يجري توزيع الدولارات على ثلاث فئات: الأثرياء الذين لديهم كميات من الدولارات تتيح لهم المشاركة بنصيب وافر في عمليات صيرفة، الأزلام والمحاسيب الذين تختارهم قوى السلطة بالشراكة مع المصارف وكبار المديرين فيها وسواهم من المضاربين، وموظفو القطاع العام.
على أن الأسئلة التي أثيرت حول استمرارية منصوري ورفاقه الثلاثة في الحاكمية، بقيت ذات مدى قصير، إذ إن تغيير آليات العمل التي تحكم منصّة «صيرفة» ليس سوى المسألة التي تتعلق بـ«الترقيع» وترتيب فترة «الانتظار». أما المسألة الأساسية التي يجب أن تثار، فتتعلق بالتعاميم التنظيمية التي أُقرّت في عهد سلامة، مثل الـ 151 والـ 154 والـ 158… إذ لا يجب حصر الأمر بـ«صيرفة» ودفع رواتب العاملين في القطاع العام وما يتصل بتسيير المرفق العام، بل يجب العودة إلى محور توزيع الخسائر والنهوض. فهل كان يجب أن يدفع المقيمون في لبنان تضخماً في الأسعار بنحو 42 ضعفاً منذ مطلع عام 2019 حتى حزيران 2023، ليتم إعفاء المصارف من مسؤولياتها تجاه الودائع؟ هل كان يجب أن يضخّ رياض سلامة 75 تريليون ليرة في السوق ويشرّع تعدّدية أسعار الصرف في سياق فرض «هيركات» مقنّع؟
بمعزل عن قرارات السلطة وامتناعها عن إقرار قوانين واتخاذ إجراءات، فإن المطلوب من منصوري وشاهين ويقظان ومراديان، اتخاذ قرارات تحمي البلاد من تضخّم إضافي، ومن التوزيع غير العادل للخسائر، وإجبار السلطة على مصارحة المودعين بأن كل الطرق للحصول على ودائعهم يجب أن تمرّ بالاقتطاع من الودائع. واليوم، يتم الاقتطاع بطريقة مقنعة، إذ يحصل المودعون على 15% من ودائعهم بالحدّ الأقصى، وهذا يأتي مع تضخّم مستمرّ، ومع إنفاق متواصل للدولارات التي يملكها مصرف لبنان، ومع استنزاف للدولارات الواردة إلى السوق والتي تُضخّ حصراً لدعم العملة وتمويل الاستيراد. بأي أموال سيتم الاستثمار في الاقتصاد بعد ذلك؟
«صيرفة»: أين رجالها وما هو مصيرها؟
قبل نحو عشرة أيام، راج أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قرّر السير باقتراح نواب الحاكم بوقف العمل بمنصة «صيرفة». سريعاً تبيّن أن سلامة أبلغ كل المتعاطين بالمنصة من سماسرة ومصرفيين بأنه قرّر وقف شراء الليرات. وترافق ذلك مع ضجة حول مصير سعر العملة ربطاً بما يمكن أن يحصل على صعيد حاكمية مصرف لبنان.
ما حصل عملياً هو التوقف عن تلقّي الإيداعات من العملاء، أي أن ضخّ الليرات والدولارات توقّف. وبقي مصرف لبنان، يصرف الدولارات لتغطية لوائح إيداعات سابقة على قراره، ما انعكس تراجعاً تدريجياً في أرقام التعامل عبر منصة «صيرفة» إلى نحو ثلث ما كانت عليه، من دون أن يمس سلامة بسعر الدولار على المنصة ذاتها. وترافقت الخطوة مع أنباء عن اختفاء سماسرة كبار كان سلامة يعتمد عليهم في إدارة العملية خارج مصرف لبنان، وأبرزهم سليم الخليل الذي كان يعمل عبر مصرف «الاعتماد المصرفي»، وتردّد أنه غادر لبنان. كما اختفى من السوق عدد آخر من المضاربين ويجري التدقيق في ما إذا كانوا قد غادروا البلاد فعلاً. ويفسر البعض الأمر بأن الإدارة الجديدة لمصرف لبنان ستكون خلال فترة قصيرة على اطّلاع تفصيلي على كل العمليات التي جرت على المنصة، وبالتالي سيكون من الممكن تحديد المؤسسات أو الاشخاص الذين استفادوا من المنصة، خصوصاً من العمولة التي كانت تُدفع من أطراف المبادلات.
ولن يعلن النائب الأول للحاكم وسيم منصوري اليوم دفن منصة «صيرفة» وإطلاق منصّة جديدة، رغم أن العمل جارٍ بين نواب الحاكم الأربعة على إطلاق منصّة جديدة تقوم على حرية التبادل وشفافيته في السوق، من خلال وكالتي «بلومبيرغ» و«رويترز»، وهو أمر بات قابلاً للتطبيق. لكنّ منصوري لديه مخاوف من التلاعب بالسوق، إذ إن سعر الصرف الآن يسجّل انخفاضاً لأن مصرف لبنان استمرّ بضخّ الدولارات عبر منصة «صيرفة».
يشار هنا إلى أنه خلال الاجتماعات التي عقدها نواب الحاكم مع عدد من النواب المعارضين لسياسات سلامة، سمعوا طلبات بأن يكونوا حذرين عند عملية التسلّم والتسليم. ويجري الحديث عن أن الفريق الجديد قد يوقّع إشعار الاستلام من سلامة، مع إيراد عبارة «مع التحفظ لحين إجراء عملية تدقيق داخلية في مصرف لبنان»، إذ يُتوقع أن تفتح عمليات التدقيق الأبواب على أمور كثيرة في ما كان سلامة يقوم به مع العاملين معه، سواء داخل المصرف أو خارجه طوال السنوات الأربع الماضية.
أما بالنسبة إلى سعر الصرف، فقد أوجد انخفاضه خلال اليومين الماضيين مساراً، لم تتضح بعد إمكانية استدامته، وهو ما يدفع اللاعبين في السوق إلى الاحتفاظ بالليرات الموجودة لديهم، لاعتقادهم بأن سعر الليرة سيكون أعلى في الأيام المقبلة. وبمعزل عن التفسيرات التقنية، من اللافت أن السوق لم تشهد انعكاساً للفوضى السياسية التي رافقت مشروع التمديد لسلامة أو استقالة نوابه الأربعة، ويبدو أنها لا توجد أي مصلحة للقوى السياسية في انفلات سعر الصرف وسط هذه الظروف.
سلامة الثابت في نظام ضد شعبه: هل سقط آخر رموز الحريرية؟
ابراهيم الأمين
وقت طويل سيمرّ حتى يتخلّص النقد في لبنان من عوارض رياض سلامة. وهي عوارض مرض عُضال له عمر يمتد إلى تاريخ قيام هذا النموذج من الاقتصاد، ولو أنه انكشف بعد تولّي رفيق الحريري الإدارة الفعلية للحكم في البلاد مطلع تسعينيات القرن الماضي.
سيرة رياض سلامة تحتاج إلى أكثر من خبير لكتابتها. لكنّ عناوينها البارزة لا تتعلق بشخصه فقط، بل بالدور الذي لعبه منذ تولّيه منصبه قبل ثلاثين سنة. كان سلامة، باختصار، الذراع القوية لرفيق الحريري في إدارة السياسة النقدية. والحريري الذي كان يمسك بواسطة فؤاد السنيورة بالسياسة المالية للبلاد، كان يتولّى هو صياغة التصور الاقتصادي الإجمالي، مستفيداً من كونه حجر الزاوية في تسوية اتفاق الطائف. التسوية التي ألزمت كل الأطراف المحلية والخارجية بتفويضه إدارة هذا الملف. حتى سوريا التي كان النقاش فيها قائماً حول كل مشروع الحريري، التزمت عملياً بشروط التسوية مع السعودية والولايات المتحدة، ولم تعرقل جدياً خططه، وإن حفظت لنفسها هامشين بارزين، تمثّل الأول في منع الحريري وحلفائه اللبنانيين من الإمساك بالجيش، والثاني، في توفير الحماية للمقاومة باعتبارها القوة القادرة على مواجهة الضغوط الخارجية في جانبها العسكري، وحتى الشعبي.
عملياً، لم يكن هناك تطابق تام بين أدوات الحريري في العمل. كان مشروعه الاقتصادي مرتبطاً بمشروع التسوية الشاملة مع العدو. فيما كانت سياسته المالية مطابقة لهذا التوجّه، وفرض مجموعة من القوانين التي تناسب مشروعه، من سرقة العصر في سوليدير، إلى كل الموازنات وسياسات الإنفاق التي هدفت إلى رشوة حلفائه من السياسيين المحليين، وفتح الباب أمام مشروع الاستدانة الواسع، فيما تولّى سلامة، بصحبة فريق من المصرفيين الجدد أو العريقين، مهمة خلق نظام مصرفي خاص، قام على فكرة الريع وجذب الأموال واستخدامها في خدمة السياسات المالية والسياسية.
برز دور سلامة في مرحلة أولى امتدّت حتى تاريخ اغتيال رفيق الحريري، عمل خلالها بأمانة على تنفيذ المطلوب، وقاد عملية بناء قطاع مصرفي على قياس السياسات القائمة، ودفع ضمنياً إلى خروج المصارف الأجنبية، مبقياً على مؤسسات مصرفية تعمل تحت إمرته، وتتغذّى من برنامج الاقتراض العشوائي، ومن خلال عملية الدعم المباشر من قبل مصرف لبنان لهذه المصارف، سواء في حال تعثّرها، أو في حال تراجعت أرباحها. وصنع سلامة عجائب في هذا العالم، من عمليات الدمج التي كان مصرف لبنان يموّلها، إلى الهندسات المالية الشهيرة. وكان القطاع يمارس بدوره أكبر عملية رشوة وغشّ للمودعين من خلال برنامج الفوائد العالية، بينما تذهب أموالهم لخدمة المشروع المالي والسياسي بفوائد عُليا، لكن، لم يكن هناك أي ضمانات، حتى إذا ما وقع الانفجار، تبيّن أن الأموال قد تبخّرت!
لكنّ سلامة عرف بعد اغتيال الحريري أن دوره تعاظم تلقائياً، فكان أول انفجار علني بينه وبين السنيورة وفريقه العامل في السياسات المالية. لم يكن السنيورة يدرك حجم قوة سلامة، لكنه انتبه إلى أنه غير قادر على تقييده وحصر دوره في سوق النقد، كما لم يكن قادراً على إطاحته. علماً أن السنيورة لم يكن يهتم بإدخال أي تغييرات في السياسات المالية العامة، وبات هو الآخر أسير حاجات لا يلبّيها إلا رياض سلامة.
سلامة لم يكن ليكتفي بدوره، فسرعان ما مدّ يده إلى القطاعات الأخرى، وصار شريكاً في تخطيط السياسات المالية والاقتصادية أيضاً. وقرّر سلسلة من برامج العمل التي تهدف إلى تغذية قطاعات الاستهلاك على حساب أي إنتاج في الاقتصاد، واستغلّ كل النفوذ الذي بناه خلال فترة وجود الحريري، إلى النفوذ الموازي الذي بناه مع سائر أقطاب البلاد من سياسيين ومرجعيات دينية ورجال أعمال، وعمد إلى فرض نفسه، لاعباً لا يمكن أحداً تجاوزه. وتحوّل خلال سنوات قليلة، إلى الرجل المتحكّم بدماء الاقتصاد والمالية العامة وقطاع النقد أيضاً. ولم ينسَ أن يعمّم منطق الزبائنيّة في كل القطاعات التي يخشاها أو التي يريد تعزيزها، وهو ما جعله، خلال سنوات قليلة، اللاعب الأكثر نفوذاً لدى الإعلاميين في لبنان، والأكثر قدرة على التدخل في نادي رجال الأعمال، والأكثر حضوراً في حماية المصارف من الانهيار الفعلي الذي أصابها بعد عام 2011.
خلال كل تلك الفترة، لم يكتف سلامة بالصلاحيات الكبيرة التي يمنحه إياها قانون النقد والتسليف. إلى جانب حصانته القانونية، صار سلامة هو الحاكم الذي يعمل الجميع في خدمته، وكل التغييرات التي شهدناها على صعيد أسماء نواب الحاكم أو بعض المدراء في المصرف المركزي لم تكن لتؤثّر أبداً على وجهته وآلية تحكّمه بالقرارات وآليات العمل. وهو الذي كان قد أجهز كلياً على كل أدوات التدقيق والمحاسبة والمساءلة. إضافة إلى أنه لم يكن يوماً بعيداً عن وجهة السياسات الخارجية حيال لبنان، وكان كل لبنان، وأبعد منه أيضاً، يعرف أن المظلة الأميركية فوقه تكفي لحمايته من الجميع دفعة واحدة.
خلال عقدين فقط، نجح سلامة في أن يكون الشريك الثابت لكل سلطة سياسية تتشكّل في البلاد. هكذا كان وضعه مع التحالف الذي كان قائماً يوم تولّت سوريا الإشراف على تنفيذ تسوية الطائف مع السعودية وأميركا، وظل الثابت الوحيد بعد انقلاب أميركا والسعودية على الاتفاق مع سوريا، وبقيت علاقته قوية مع التركيبة التي لم تتغير بنيتها وإن تَعدّلت موازين القوى الخاصة بها. وهو لم يقطع علاقته مع كل حلفاء سوريا، لكنه عزّز موقعه مع الفريق الآخر، خصوصاً أن ورثة الحريري هم من قادوا الحقبة الجديدة. وهو كان يدرك أن التغيير إنما يقتصر على شكل السلطة ولا يمسّ بأصل النظام، بكل جوانبه السياسية أو الاقتصادية أو المالية، وبقي خادماً لهذا النظام، ومعه كل الأدوات من مصارف ومؤسسات مالية وأندية رجال المال والأعمال. بل عزّز أكثر حضوره على الصعيد الشعبي، من خلال تفريع سياسة الدعم العشوائي، وافتتاح برامج دعم مفتوحة لكل ما ورد اسمه تحت عنوان «المطوّرون»، سواءٌ العاملون في الحقل العقاري أو الاستهلاك على أنواعه أو على مستوى المعرفة والعلوم التكنولوجية، بما في ذلك وسائل الإعلام في لبنان وخارجه. وظل متحكّماً بمالية الدولة، واضعاً الخطة تلو الخطة، لجذب أكبر قدر من الأموال التي تخدم النظام نفسه. لكنه ما كان يتصوّر أن الانهيار سيحصل على النحو الذي حصل فيه، ولم يكن يتصرف يوماً على أن ساعة محاسبته قد تقترب. وهو اليوم، حتى بعد خروجه من مصرف لبنان، لا يرى أن الغطاء رُفع عنه، سيّما أنه رأى بأمّ العين كيف أن حلفاءه من النوادي السياسية والاقتصادية والمالية والمصرفية، جهدوا لكي يبقى في منصبه، لكن فاته أن في القدر وقتاً لا يمكن لأحد التحكّم به… وقد حانت لحظته!
اشتباكات وتصفيات أعقبت زيارة ماجد فرج: برنامج إسرائيلي في عين الحلوة
هل بدأ حصاد زيارة ماجد فرج للبنان؟
ما كان مجرّد تقدير حذر، تحوّل بسرعة كبيرة إلى واقع قائم، إذ إن الأيدي التي تقف خلف الانفجار الأمني المفاجئ في مخيم عين الحلوة لا تبدو خارج سياق ما تدبّره جهات في لبنان وفلسطين، مع تأثير للعدو في ما يجري. السؤال الأساسي هو: هل ما يشهده مخيم عين الحلوة يُعدّ ترجمة أولية لزيارة رئيس مخابرات السلطة الفلسطينية ماجد فرج لبيروت الأسبوع الماضي؟
المسؤول الأمني الفلسطيني طلب زيارة لبنان منذ أكثر من شهر، وكان في جعبته عدد من الأهداف، بينها ترتيب الوضع داخل القيادتين العسكرية والسياسية لفريق السلطة في لبنان، بدءاً بوضع السفارة الفلسطينية ومعالجة الشكاوى ضد السفير أشرف دبور، وهي شكاوى تجاوزت الفلسطينيين لتصل إلى جهات رسمية لبنانية، بينها رئيس لجنة الحوار باسل الحسن، مروراً بالوضع الأمني والعسكري في مخيمات الجنوب، حيث يريد فرج أن تلعب فتح دوراً في «كبح جماح» فصائل المقاومة الفلسطينية التي باتت قادرة على قصف مستعمرات العدو بالصواريخ، وصولاً إلى إبداء فرج، ومن خلفه سلطة رام الله، بالتنسيق مع الأميركيين والإسرائيليين، الاستعداد لإجراء مقايضة مع السلطات اللبنانية، يُعرض فيها ضبط السلاح المتفلّت في المخيمات الفلسطينية وتسليم جميع المطلوبين للدولة، مقابل أن تضيّق بيروت على النشاط السياسي والعسكري لحركتَي حماس والجهاد الإسلامي.
وقد أكثر فرج من التحريض على قيادة حركة حماس، خصوصاً نائب رئيس المكتب السياسي الشيخ صالح العاروري، المسؤول الفعلي عن جناح الحركة في الضفة الغربية، والذي يحمّله العدو وأجهزة السلطة، المسؤولية عن تمويل مجموعات المقاومة في الضفة بالمال والسلاح. كما كان فرج مهتمّاً بمحاولة عقد صفقة مع قيادة الجهاد الإسلامي لضبط الوضع في شمال ووسط الضفة الغربية، وطلب عقد اجتماع مع الأمين العام للحركة زياد نخالة، غير أن الأخير رفض اللقاء، فجرت الاستعاضة عنه باتصال هاتفي، أكّد خلاله النخالة أن المقاومة غير معنية بأيّ نوع من التفاوض، وطالب فرج، ومن خلفه السلطة، بإطلاق جميع المعتقلين من أعضاء الجهاد في الضفة، ووقف المطاردات الأمنية الجارية ضدهم في مدن الضفة ومخيماتها.
عملياً، لم يحصد فرج من زيارته سوى وضع تصوّر دموي لتحقيق أهدافه. فهو من جهة، ناقش خطة لتوحيد أجنحة حركة فتح ولو بالقوة، وناقش من جهة ثانية، الطريقة الأفضل لضبط القوى الإسلامية في المخيم. ورغم أن فرج يعرف، من داخل المخيمات ومن خارجها، أن أي معركة مفتوحة بين فتح والإسلاميين ستنتهي سريعاً بطرد فتح، لم يبد مهتماً بهذه النتيجة، بقدر ما كان همه منصبّاً على وقوع الفتنة، وهو ما لم يكن ممكناً أن يحصل مع حركتَي الجهاد وحماس اللتين ترفضان أي مواجهة في مخيمات لبنان أو داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. لكنّ فرج، لا يعنيه من الأمر، سوى رفع منسوب التوتر مع القوى الإسلامية، لاعتقاده بأن ذلك، سينعكس توتراً بين قواعد فتح من جهة وقواعد حماس والجهاد في الضفة الغربية، وقطع أي نوع من التواصل بين قواعد الجهتين، خصوصاً أن المعطيات التي زوّده بها العدو تؤكد أن قسماً كبيراً من الشباب الفلسطينيين المنخرطين في عمليات المقاومة داخل الضفة، هم من شباب فتح وقواعدها.
ما جرى في اليومين الماضيين في عين الحلوة لم يجر حصره بعد، لكنّ مصادر ميدانية متابعة أشارت إلى ضرورة حصول تحقيق مهني في ظروف اغتيال الضابط الفتحاوي أبو أشرف العرموشي، إذ تظهر الوقائع أنها كانت أقرب إلى عملية إعدام وليس إلى اغتيال عشوائي. كما أشارت إلى أن عمليات الاغتيال ليس بعضُها مرتبطاً ببعض،
وأن محاولة تحميل قوى إسلامية بعينها مسؤولية ما يحصل ليست بالأمر السهل، خصوصاً أن المواجهات ليست جديدة بين فتح ومجموعات تنتمي إلى «جند الشام» أو إلى «الشباب المسلم». حتى عن عصبة الأنصار التي اتُّهمت بتوفير الحماية والدعم للمسلحين الإسلاميين، نفت علاقتها بالاشتباكات، فيما كان لافتاً إقحامها في الأمر، بعد وقت قصير من وفاة أبرز قادتها «أبو طارق السعدي»، وبدء النقاش حول إمكانية حصول تسوية تسمح لقائدها الفعلي «أبو محجن» بالتحرك براحة أكبر وسط المخيم.
الجيش لا ينصح نتنياهو بالحرب مع لبنان
تصعيد إسرائيلي يخيف الإسرائيليين!
صعّدت إسرائيل تهديداتها «غير المباشرة» للساحة اللبنانية، مع حديث مسؤوليها المتزايد عن جهوزية «من دون قرار إلى الآن» لمواجهة «استفزازات» حزب الله على طول الحدود، وعن رفع مستوى الاستعداد لسيناريوهات مختلفة، فيما أشيع أن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو «وافق» على «توصيات» الجيش الإسرائيلي لمواجهة «الاستفزازات». لكنّ الأسئلة بقيت حول ما يمكن أن تقدم عليه إسرائيل، وكيف سيكون ردّ حزب الله، ما تسبّب في شائعات على مواقع التواصل أمس، أثارت هلعاً بين سكان المستوطنات الشمالية.
لكن، هل نحن أمام تهديدات لا تعقبها أفعال كما حصل سابقاً، أم هي إشارة إلى توثّب فعلي للمبادرة الاعتدائية الإسرائيلية؟ يبدو ان الفرضية الأولى ارجح، وإن كانت التفاصيل غير كاملة، مع اشارات لافتة وردت أمس من تل أبيب: تهديدات واشارات حرب، وفي الوقت نفسه اشارات تهدئة وابتعاد عن التصعيد.
افتتح العدو موجة التهديد بتصريحات لنتنياهو، حذّر فيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من المبادرة إلى الإضرار بإسرائيل، وقال في مستهلّ جلسة الحكومة أمس، إن «تهديدات نصرالله من المخبأ لا تؤثّر فينا، وعند الاختبار الجدي، سيجدنا نقف كتفاً بكتف، ولذلك أنصحه بألا يختبر قوتنا».
وسبق حديث نتنياهو نشر كتائب إضافية في الشمال استعداداً للأسوأ، مع إعادة تنشيط التغطية الإعلامية في ما يتعلق بخيمة حزب الله في مزارع شبعا، التي «أوحت» مصادر عسكرية أن قرار إزالتها اتُّخذ في المؤسسة العسكرية، إلا أنها تنتظر قرار المؤسسة السياسية «حتى وإن كان الثمن مواجهة مفتوحة».
وما زاد منسوب الخشية والقلق لدى المستوطنين في الشمال هو أخبار «الجلسة المغلقة» التي أعلن عنها مكتب نتنياهو، وقيل في أعقابها إن رئيس الحكومة وافق على التوصيات التي عرضها الجيش الإسرائيلي لمعالجة «استفزازات» حزب الله و«خيمة المزارع»، رغم أنه لم يجر الحديث عن مضمون التوصيات ووجهتها.
وكانت «النبرة العبرية» تغيّرت في اليومين الماضيين، مع محاولة الحكومة والمؤسسة الأمنية تهدئة الاحتجاجات الداخلية عبر الحديث عن «شؤون أخرى» تجمع الإسرائيليين بعيداً عن الانقسامات.
وتعامل الإعلام العبري مع تهديدات نصرالله، التي حذّر فيها إسرائيل من المبادرة إلى أي «حماقة»، على أنها تهديدات بإمكان شن هجمات على طول الحدود والسيطرة على مستوطنات، مع أسئلة طرحها المعلّقون حول نجاعة الإجراءات الدفاعية الإسرائيلية في وجه الهجمات المحتملة انطلاقاً من لبنان.
إعادة تنشيط التغطية الإعلامية في ما يتعلق بخيمة حزب الله في مزارع شبعا
وعلى غير عادة متّبعة، روّجت إسرائيل إعلامياً لمناقشات حول تطورات ومستجدات على طاولة التقدير الأمني، وهي نقاشات تجري بشكل دوري حول الأوضاع على مختلف الجبهات، ومن بينها الجبهة الشمالية مع لبنان. وجرى التشديد على أن الجيش الإسرائيلي سينقل إلى السياسيين في جلسة إحاطة خاصة (النقاش الدوري) تقديراته حول زيادة الخطورة على الحدود مع لبنان، وإمكان انزلاق الوضع إلى مواجهة. وهي المناقشة التي قيل في أعقابها إن نتنياهو وافق على توصيات الجيش لمعالجة «الاستفزازات».
واضح أن النبرة الإسرائيلية الجديدة، من خلال حديث نتنياهو أمس، وكذلك موافقته على التوصيات، مخصّصة لتحذير حزب الله من الإقدام على ما يخرق قواعد الاشتباك على طول الحدود. كما أنه «إعلان نيات» عدائية قابل للتراجع عنه في حال تطوّرت الأمور ميدانياً إلى الأسوأ، سواء من ناحية إسرائيل أو من ناحية حزب الله.
التحذير الإسرائيلي، مع تضمّنه «النيات العدائية» يخدم فرضيتين: منع حزب الله من المبادرة للإضرار بإسرائيل عبر شن عمليات، أو منع حزب الله – على فرضية أكثر خطورة – من الرد على اعتداء إسرائيلي، رغم أن للفرضية المخلوطة من الفرضيتين، مكاناً معتداً به على طاولة التقدير.
وتريد إسرائيل أن تُفهِم حزب الله أنها متوثّبة وأكملت استعداداتها لمواجهة كل سيناريو محتمل لمنعه من المبادرة، من خلال إفهامه بأن نظرته إلى الوضع في إسرائيل خاطئة. لكن هل تقديرات حزب الله مبنيّة فعلاً على تأثيرات الأزمة الداخلية في إسرائيل؟
قد يكون هذا العامل مساعداً، لكنه لا يكفي لتفسير الواقع كما هو. فاستعداد حزب الله للرد، مع قرار قاطع وحاسم بذلك، متّخذ منذ سنوات، وإسرائيل تتعامل معه بجدية مطلقة، ما يفسر انكفاءَها عن الساحة اللبنانية طوال السنوات الماضية.
لكن ماذا عن العمليات الابتدائية؟
صحيح أن هناك اختلافاً بين مواجهة موضعية محدودة، وتلك التي تنزلق لساعات قتالية، أو أيام، أو تلك التي تتدحرج إلى مواجهة واسعة. لكن ما الذي يضمن عدم تدحرجها إلى ما لا يريده الطرفان غير الانكفاء المتبادل عن التسبب بالمواجهة؟ لا شيء.
نعم، للأزمة الداخلية في إسرائيل تأثيرات، إلا أنها لا تكفي لتفسير ما يجري، وقد تكون المسألة نتيجة مغالطات أوقعت إسرائيل نفسها والآخرين بها، في معرض إنكارها عن تسببها بتغيير جزء من واقع الميزان العملي والقرار والمبادرة الابتدائية والردّية بين الجانبين.
يوجد ميزان قدرة عسكرية تطوّرت وتنامت على مرّ السنوات بين الجانبين، باتت مشبعة بقابليات الأذية والإضرار غير المسبوقيْن، ليس فقط من ناحية إسرائيل صاحبة القدرة على الإيذاء المفرط، بل أيضا لدى حزب الله، وهو ميزان يمنع الطرفين من الذهاب نحو المواجهة والأذية، ما لم تكن الأسباب والأهداف، تستأهل هكذا مواجهات.
مع ذلك، جاءت نتائج التعويل أمس متناقصة مع أهدافها، كما أرادتها طاولة القرار في تل أبيب، وبدلا من تخويف حزب الله ودفعه للانكفاء، أخافت إسرائيل نفسها وتسببت بموجه قلق وشائعات عمّت المستوطنات، الأمر الذي دفع لاحقا، بعد التهديدات، إلى تراجع النبرة و«التهديدات»، إلى التأكيد على ان وجهة اسرائيل ليست الحرب في مواجهة حزب الله، وأن التوصيات التي عرضها الجيش أمام نتنياهو، وحصلت على موافقته، تتعلق بأساليب غير متطرفة مع تفضيل المعالجة الدبلوماسية. وقالت المصادر مطمئنة المستوطنين إنه «من غير المعقول أن تتسبب إسرائيل بحرب من اجل خيمة»، أو «بسبب استفزازات تكتيكية على طول الحدود».
نقاشات الحرب… والتراجع عنها
كثيرة هي الأسئلة التي أثيرت أمس حول النقاشات في جلسة إحاطة خاصة لدى حكومة العدو في شأن «استفزازات» حزب الله المتكررة على الحدود الشمالية. وبحسب وسائل إعلام عبرية، فإن الحديث يجري عن جلسة سرية مغلقة، وهي ليست جلسة للمجلس الوزاري المصغّر، شارك فيها كل من وزير الأمن ورئيس الأركان والاستخبارات العسكرية ورئيس الموساد ورئيس مجلس الأمن القومي والسكرتير العسكري للحكومة. وقد حرص البيان الصادر عن الجلسة «السرية»، على غير عادة، على الاستفاضة في ذكر أسماء المشاركين. ومع أن توصيات الجيش لم تُنشر، إلا أن مكتب نتنياهو أشار حرفياً إلى أن «رئيس الحكومة قبل التوصيات وأساليب العمل المقترحة من قبل الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية»، من دون الإشارة إلى اتجاه تصعيدي، وبقيت الأمور حمّالة أوجه.
الخبر احتلّ صدارة عناوين الأخبار والتعليقات في إسرائيل، طوال يوم أمس وليله، وهو ما يفيد رئيس الحكومة والائتلاف الساعيين إلى تهدئة الداخل، وإن على حساب إثارة الخارج وتهديداته. لكن، وفقاً للمراسلين، فإن مسؤولي الجيش عرضوا أمام رئيس الحكومة السيناريوهات المحتملة في موضوع الساحة الشمالية، بما في ذلك موضوع الخيمة في مزارع شبعا وما يجب فعله في هذا التوقيت، والاعتقاد السائد أن جزءاً من حقيقة نشر نتنياهو البيان عن الجلسة ومداولاتها والتشديد على أنه صادق على توصيات الجيش، هو أنه ربما يحاول إلقاء المسؤولية على المستوى العسكري، والقول إن أي قرار يُنفذ، إذا ما نُفذ، غير مرتبط بوضعه السياسي الداخلي، بل بالتوصيات التي قُدمت من المستوى العسكري.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجة من الشائعات أدّت إلى حالة من القلق لدى المستوطنين في الشمال الذين بادروا إلى طرح الأسئلة والبحث عن إيضاحات، ما دفع المراسلين العسكريين لإطلالات إعلامية خُصصت لتهدئة الخواطر ومنع تفاقم تأثير الشائعات، وكما ورد عن أحدهم «أحيي كل من يتصل بي من الشمال. كلا، لم يصادقوا للجيش بأن يبادر إلى حرب»، في حين قال آخر: «لو كان الأمر يتعلق بنقاش بخصوص حرب، لما تمّ تأجيله خمسة أيام وأُبلغت الصحافة به مسبقاً، لكان النقاش جرى في منتصف الليل، من دون أن يعلم به أيّ منا»، وكذلك «سمعت في الجيش الإسرائيلي من يقول: لن نتسبب بحرب من أجل خيمة».
ودفعت الشائعات أمس، القيادة الإسرائيلية لإصدار بيان استثنائي تمّ توزيعه على سكان المستوطنات شمالاً، جاء فيه أن «ما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي عن تغيير في سياسات الجبهة الداخلية، هو نشر غير صحيحة»، مع التشديد على أن «الجبهة الداخلية في روتين مدني كامل، دون أي تغيير في التوجيهات»، فيما طالبت بلدية كريات شمونة، حيث تفاعلت الشائعات أكثر من غيرها، بأن يتجنّب الجميع نشر الشائعات التي تسبب الذعر بين السكان.
الجيش لا ينصح نتنياهو بالحرب
بحسب توصية الجيش الإسرائيلي لرئيس الحكومة والمجتمعين لديه لمناقشة الوضع على الحدود الشمالية وإمكان التصعيد مع لبنان، ورد أنه من الضروري التمييز بين الاستفزازات مثل تخريب كاميرات المراقبة وإقامة خيم في الأراضي الإسرائيلية وإطلاق المسيّرات على طول السياج، والأعمال التي تنطوي على احتمالية التصعيد، مثل الهجوم في مجيدو، المنسوب إلى حزب الله، والذي كان من الممكن أن يؤدي إلى مواجهة. وخلصت إلى أن الاستفزازات الأخيرة، في نظر الجيش، لا تشكّل تصعيداً أمنياً.
إلا أن المؤسسة العسكرية طالبت بأن يوضح لحزب الله أن خطأ واحداً قد يكون خطيراً ويتسبّب بتصعيد. فالهدف الذي يرى الجيش أن عليه تحقيقه هو «إفشال الأفعال وعدم الانجرار إلى الاستفزازات». وكان هناك إجماع على أنه من الخطأ التحرّك الآن، رغم أن داخل المؤسسة الأمنية من يعتقد أن الانتظار لفترة طويلة في ما يتعلّق بوضع خيمة مزارع شبعا، يمكن أن يخلق وضعاً سيكون من الصعب تغييره لاحقاً، ما يتسبب كذلك بضرر للردع. لكن في نهاية المطاف، غلب الرأي الأول الذي تمّت الموافقة عليه.
الجزائر تفجّرها في وجه الإمارات: أنتم عاصمة الفتنة
لا ينفك رئيس الإمارات، محمد بن زايد، يمارس هوايته المفضلة في إثارة الصراعات، متمدّداً إلى رقعة جغرافية واسعة ما كان يمكن لأبو ظبي وحدها إدارة صراعات فيها، وهو ما يضفي مصداقية على الاتهامات الموجهة إلى الدولة الخليجية من أطراف ودول تتزايد يوماً بعد يوم، بأنها تعمل في ذلك كوكيل للولايات المتحدة وإسرائيل
أثارت الإمارات أزمة جديدة في علاقاتها العربية، هذه المرّة مع الجزائر التي اتهمتها بمساعدة المغرب على إقامة نظام للتجسس على حدودها، في الوقت الذي يتفاقم فيه الخلاف المغربي – الجزائري حول الصحراء الغربية بعد الدخول الإسرائيلي على خطه، من خلال الاعتراف بمغربية الصحراء، وما كشفته وثائق ديبلوماسية سرية أخيراً نقلاً عن سفير المغرب في تايلاند، عبد الإله الحسني، من إقامة قواعد عسكرية جديدة على الحدود نفسها، بتعاون مغربي – إسرائيلي.
متى يتوقف محمد بن زايد عن خلق الأزمات مع الدول العربية؟ هذا السؤال صار ملحاً بعد تزايد الدول العربية التي تتهم أبو ظبي بالتآمر عليها وعلى وحدتها. وهذا كله في كفة والاتهامات السعودية لابن زايد بالتآمر على المملكة في كفة أخرى. فهذه الاتهامات تطرح سؤالاً أخطر وأفدح، وهو هل الإمارات تفعل ذلك لغاية في نفسها، أم بالنيابة عن إسرائيل والولايات المتحدة في مشروع للفتنة المتنقلة، بدأ يتضح أكثر مع انفجار حرب تمزيق السودان، وصولاً إلى انقلاب النيجر الأخير الذي قرأته الجزائر في سياق التآمر الإماراتي عليها، حينما اتهمت، عبر صحفها، ابن زايد بالوقوف وراءه.
وعلى نحو مفاجئ، اتهمت صحيفة “الخبر” الجزائرية، الإمارات، بإمداد المغرب بنظام جديد للتجسس طوّرته شركة «كوادريم» الإسرائيلية، موجّه لاختراق هواتف المسؤولين والصحافيين في عشر دول، حيث تم نصبه بالقرب من الحدود الجزائرية، وذلك في تقرير مفصل نشرته الخميس الماضي حمل عنوان «أبو ظبي عاصمة التخلاط» وهي كلمة عامية جزائرية تعني «الفتنة».
من الصعب تصوّر أن تتدخّل الإمارات في كل هذه الملفات بالاستناد إلى قوتها الذاتية وحدها. فلا قدرة لدولة بحجمها على القيام بذلك من دون بُعد أكثر اتساعاً، يندرج ضمن سياقات إقليمية وحتى عالمية، في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة تحدياً لهيمنتها في مناطق عديدة. وفي حالة الشرق الأوسط والساحل الأفريقي، تتبع واشنطن بالتعاون مع تل أبيب وأبو ظبي أسلوب إشعال الأزمات وتفجير الحروب لمنع الذهاب حتى النهاية في اتفاقات بين دول إقليمية، قد تضر بمصالحها. وتقوم إسرائيل والإمارات بمهمات متزايدة منذ توقيع «اتفاقات أبراهام» التي يشارك فيها المغرب.
ويتزامن الخلاف الإماراتي – الجزائري مع محاولة مغربية – إسرائيلية لـ «عسكرة» النزاع حول الصحراء الغربية، وفق ما تكشف وثائق سرية اطلعت عليها “الأخبار”، تظهر قيام الرباط بناء قواعد عسكرية جديدة قرب الحدود مع الجزائر بالتعاون مع إسرائيل، فضلاً عن توجيه دعوة علنية من الملك محمد السادس إلى رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، لزيارة المغرب، مكافأة له على «اعترافه» بسيادته على الصحراء الغربية، في الوقت الذي يتجنّب فيه كثيرون في العالم ومنهم الرئيس الأميركي، جو بايدن، وابن زايد نفسه الاجتماع به في هذه المرحلة.
يتزامن الخلاف الإماراتي – الجزائري مع محاولة مغربية – إسرائيلية لـ «عسكرة» النزاع حول الصحراء الغربية
توقيت الدخول الإسرائيلي – الإماراتي على خط مشكلة الصحراء الغربية بذاته مثير للشبهة، وهي مشكلة تعود إلى عام 1975، حينما سحبت إسبانيا ما بعد فرانكو قواتها منها. فلم تكتف الصحف الجزائرية باتهام الإمارات بالتآمر مع المغرب ضدها، وإنما بتدبير الانقلاب العسكري في النيجر الأسبوع الماضي، لإكمال الطوق حول الجزائر، ولا سيما أن الاتهامات الجزائرية شملت أيضاً محاولة أبو ظبي ابتزاز تونس، المأزومة اقتصادياً، من خلال إغرائها بالمال شريطة تطبيع علاقاتها مع إسرائيل وقطع علاقاتها مع الجزائر، وأيضاً سعيها لترتيب زيارة لوزير الدفاع الموريتاني، حننه ولد سيدي، إلى إسرائيل برفقة وفد إماراتي. قبل ذلك كله، يتحدث مراقبون عن أن اندلاع حرب السودان، ليس بعيداً عن الحراك الإماراتي، في ضوء العلاقة التي تربط أبناء زايد بقائدي الحرب هناك، ولكن خصوصاً بقائد قوات “الدعم السريع”، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وابتعاد أبو ظبي عن بذل أي جهد للحلّ انطلاقاً من هذه العلاقات.
ولعل ما نقل عن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، من اتهام لابن زايد بطعن السعودية في الظهر، يعكس بدقة موقع الإمارات الحالي، وما هو المشروع الذي تعمل ضمنه، وبمن تستقوي. فالصراع السعودي – الإماراتي يتصاعد حيث توجد ملفّات مشتركة بين البلدين، ولكنه يظهر خاصة في اليمن حيث تسعى أبو ظبي بالتعاون مع واشنطن لتخريب محادثات السلام بين الرياض وحركة «أنصار الله»، وإن أمكن نسف الاتفاق السعودي – الإيراني برمته، مستخدمتين نفوذهما وميليشياتهما في جنوب البلاد، بعد أن استشعرت الولايات المتحدة خطراً على مصالحها في المنطقة من خلال التقاربات الجارية، ولا سيما من تفلت ابن سلمان من سيطرتها. وحتى لو لم تتمكّن الولايات المتحدة وحلفاؤها من إبطال تلك التقاربات، فقد تستطيع وقف الذهاب بها بعيداً أو إبطاءها.
ولأن الإمارات في هذا التموضع، فقد يكون تهديد ابن سلمان في حديث أمام صحافيين سعوديين سُربت مقتطفات صغيرة منه إلى «وول ستريت جورنال»، بأن يفعل معها أكثر مما فعله مع قطر عام 2017، مقصوداً لإثارة الشك في قدرة الرجل على الفعل، بعد أن مُني حصار قطر بقيادته بفشل ذريع، وارتد عليه بنتائج سلبية. لكن المؤشرات حتى الآن في التعامل مع أبو ظبي تفيد بأن ولي العهد السعودي تعلّم من ذلك الخطأ، ويتصرّف بطريقة مغايرة هذه المرّة، من خلال السعي على المدى الأطول للاستيلاء على دور الإمارات التجاري والمالي، وتلك لا يمكن لأحد أن يمنعه من القيام بها. وهذا هو سر التوتر الإماراتي.
المصدر: صحف