تشكل الافكار التي تتحكم بكواليس مصرف لبنان ارتياباً لدى اللبنانيين مع قرب انتهاء ولاية رياض سلامة، دون الانتهاء من الهندسات السياسية والادارية لمن سيخلفه في تسيير هذا المرفق الحساس في المرحلة الخطيرة من عمر الاقتصادِ اللبناني.
بيان نواب الحاكم الاربعة
فيما ترك بيان نواب الحاكم الاربعة المفخخ بنية الاستقالة مواقف متفاوتة على الساحة، فقرأ فيه نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي خطورةً شديدةً في هذا الوقت العصيب، فيما قلق نواب سلامة من حجبه عنهم اي معلومة حول العمليات المالية للمصرف المركزي، ما سيصعب عليهم المهمة بحسب مصادرهم، خاصة في ظل الشغور الرئاسي وغياب سياسة مالية واضحة.
ومع قرب انتهاء ولاية سلامة، ماذا أخفى في طياته تلويح النواب الاربعة للحاكم بالاستقالة؟
النواب الأربعة يستعدّون للاستقالة بعد أسبوع
صحيفة الاخبار ذكرت أن نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين والكسندر مراديان، يتجهون إلى مزيد من الخطوات في حال لم يظهر خلال الأسبوع المقبل أي حل مناسب من قبل السلطات الدستورية. وعلمت “الأخبار” أن النواب الأربعة يدرسون إصدار بيان ثانٍ بعد نحو عشرة أيام، يعلنون فيه الخطوات التي يعتقدون أنها المناسبة ربطاً بما سيحصل من تطورات خلال الفترة الفاصلة.
وبحسب المعطيات، فإن التواصل بين المراجع المعنيين والنواب الأربعة لم يحصل بطريقة تشير إلى نضوج العلاج، وإن نواب الحاكم أبلغوا من يهمّه الأمر، بأن موقفهم يرتبط أساساً باختلافاتهم التي لم تخرج إلى العلن مع سلامة نفسه. ونُقل عنهم أن محاضر جلسات المجلس المركزي لمصرف لبنان سرية، ولكن من يتاح له الاطّلاع عليها، يعرف أن الخلافات مع سلامة كبيرة جداً.
وقال مصدر مطّلع على المداولات إن البيان الذي صدر لا يستهدف إحراج السلطات الدستورية فقط، بل يستهدف سلامة نفسه، وللقول بأن فكرة التمديد له أو الاستعانة به كمستشار في المرحلة الانتقالية هي أمر مرفوض من قبلهم، وأن خلافاتهم تتجاوز النقاش حول منصة “صيرفة” بل تشمل كل آلية العمل واتخاذ القرارات وكيفية التعامل مع السوق النقدية. وأوضح المصدر أن النواب الأربعة يشعرون بالضغط جراء الوضع الذي وصل إليه مصرف لبنان بعد الادّعاء عليه أو توجيه الاتهامات إلى الحاكم من قبل سلطات قضائية في لبنان والخارج، وهو أمر له آثاره السلبية الكبيرة على صورة المصرف وعلاقاته ودوره، وأن النواب الأربعة لهم الحق في التصرف بحذر حتى لا يكونوا عرضة لملاحقات بسبب سياسات وقرارات يتخذها سلامة دون العودة إليهم أو دون الأخذ بملاحظاتهم.
خطورة شديدة في هذا الوقت العصيب
وفي سياق ذلك، برز موقف تصعيدي لنائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الذي لفت إلى أن “البيان استوقفني عند نقطتين مثيرتين للتساؤل: أولاً، التهديد بالاستقالة الذي ينطوي عليه البيان خطير للغاية في هذا المنعطف الحرج والوقت العصيب الذي يمرّ به البلد. يشير البيان الى المادة 18 من قانون النقد والتسليف التي تنص على آلية تعيين حاكم جديد في حال شغور هذا الموقع، ولكن في الوقت نفسه يتجاهل المادة 25 التي تقول بوضوح شديد على أن يتولى النائب الأول للحاكم مسؤولية الحاكم عند الشغور. ولا يمكن أن ننتقي ونختار من القانون ما نشاء. ثانيًا، إن القول بعدم وجود خطة إنقاذ حكومية أمر صادم نظرًا لوجود هذه الخطة ولأن مصرف لبنان كمؤسسة كان جزءًا من الفريق الذي شارك في إعدادها ومناقشها والاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي. نعم، نحن بحاجة إلى حاكم جديد لمصرف لبنان، لكن على نواب الحاكم تحمل مسؤوليتهم في حالة تعذر هذا التعيين”.
وكشفت مصادر مطلعة لـ”البناء” أن “رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سيجري مروحة اتصالات مع القوى السياسية لمحاولة تأمين مظلة تفاهم سياسيّ على تعيين حاكم مركزي جديد، ولفتت الى أن نواب الحاكم رموا الكرة في ملعب المرجعيات المسيحية السياسية والروحية المعنيين بمنصب الحاكمية، ووضعهم أمام خيارين: إما تزكية اسم حاكم للمركزي يتمّ تعيينه في مجلس الوزراء أو الإسراع في الانخراط بتسوية مع الشركاء الآخرين على اسم رئيس الجمهورية وإنهاء الشغور الرئاسي وتأليف حكومة جديدة وإعادة عجلة المؤسسات وحينها يسهل ملء كل الشواغر في المواقع العليا بطريقة عبر حكومة أصيلة وشرعية ودستورية وإلا يبقى الحل الأخير بأن يستقيل نواب الحاكم وترفض الحكومة استقالتهم وتكلفهم بتصريف الأعمال في الحاكمية ريثما يتم تعيين حاكم جديد”.
جسّ النبض للتمديد لسلامة مستمرّ
وعلمت “البناء” أن تهديد نواب الحاكم حرّك قنوات الاتصال بين المقار الرئاسية والقوى السياسية لا سيما بين عين التينة والسراي الحكومي على أن تفتح أبواب الحوار مع المرجعيات السياسية والروحية المسيحية لمحاولة التفاهم على مخرج للمأزق المتمثل بالفراغ في حاكمية مصرف لبنان.
ولفتت أوساط سياسية الى أن “موقف نواب الحاكم فتح المجال على كافة الاحتمالات من بينها الفراغ في الحاكمية في حال تعذر تعيين حاكم جديد والتمديد للحاكم الحالي”. وكشفت الأوساط لـ”البناء” أن “نواب الحاكم شعروا بخطورة الموقف وتيقنوا من صعوبة تعيين حاكم جديد واطلعوا على التقارير الدولية التي تقيم الوضع المالي والاقتصادي في لبنان وآخرها تقرير صندوق النقد الدولي وشعروا بأن الأوضاع ستذهب الى مزيد من الانهيار والانفجار الاجتماعي في أول شهر آب المقبل، لذلك استشعروا خشية من تحملهم لمسؤولية ما قد يحصل”.
إلا أن مصادر نيابية انتقدت تهرُّب نواب الحاكم من مسؤوليتهم، رغم وجود قانون واضح يفرض على نائب الحاكم الأول تسلّم صلاحيات الحاكم وتساءلت: “لماذا لم يتخذ نواب الحاكم أي موقف أو خطوة خلال العامين الماضيين إزاء كل البيانات التي أصدرها مصرف لبنان لا سيما المتعلقة بأموال المودعين وبسعر صرف الدولار والتلاعب بالعملة الوطنية وفرض هيركات على أموال المودعين، كما وقفوا متفرّجين تجاه إقفال المصارف في وجه المودعين وتهريب الأموال الى الخارج للنافذين في الدولة”.
وكشف رأي مستشار رئيس الحكومة الوزير السابق نقولا نحاس عن “تحرك لرئيس الحكومة خلال الأسبوعين المقبلين للحوار مع الأفرقاء للوصول إلى مخرج”. وأضاف: “هناك مخارج متعددة منها التعيين أو تسليم النائب الأول للحاكم، وإذا لم يتم التوافق على المخرجين المطروحين فهناك مخرج جديد سوف يُدرس”. واعتبر نحاس أن “من المبكر اقتراح التمديد للحاكم الحالي، لافتًا إلى «درس آلية جديدة تعطي الثقة للمصارف والمؤسسات”. وعما إذا كان القرار بتعيين حاكم جديد سيتخطى الاعتراضات، قال نحاس إن “الموضوع ليس موضوع تحدٍّ والموقع أساسي يتخطى المصالح السياسية، مشددًا على اولوية التوافق في هذا الملف”، محذرًا من “مسار غير مطمئن في حال عدم حدوثه”.
أزمة “المركزي” معقّدة ومخاوف من خضّات نقدية
وعلى ما يقول خبير مالي لـ”الجمهورية”، “كل الاحتمالات واردة في أفق الأزمة الناشئة حول حاكمية مصرف لبنان، وأخطر ما فيها السقوط في خضّات نقديّة تمهّد لسقوط مالي كبير سيؤدي بدوره إن حصل، إلى انهيار كامل يكمّل الانهيار السياسي، او بمعنى أدق يؤدي ألى زلزال مدمّر للبنية التحتية القائم عليها البلد، والتي يشكّل مصرف لبنان مرتكزها الأساسي”.
وبحسب معلومات “الجمهورية”، انّه حتى الآن لم تبرز ايّ محاولة من السلطة التنفيذية، ولم يتمّ التواصل مع نواب الحاكم الاربعة لاستيضاح مرامي او خلفيات بيانهم المشترك، فيما تحدثت بعض المعلومات عن خطوة حكومية ستُتخذ في هذا الإطار خلال الفترة الفاصلة عن نهاية ولاية سلامة في 31 تموز، من دون ان تحدّد ماهية هذه الخطوة، سواء أكانت تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان او اي تدبير آخر، مثل الذهاب الى تمديد تقني لحاكم مصرف لبنان بناءً على اقتراح من وزير المالية.
وفيما توزعت القراءات القانونية لهذه الأزمة بين قائل انّ تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان اكبر من صلاحية حكومة تصرّف الاعمال في حدودها الضيّقة، وقائل انّ آخر الدواء لهذه الأزمة يكون باللجوء الى تعيين الضرورة، استبعدت مصادر متابعة لهذا الملف خيار التمديد التقني او غير التقني لحاكم مصرف لبنان، الّا انّها كشفت انّ المداولات الجارية في الغرف المغلقة حول هذا الامر، باتت تقارب تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي كأمر واقع لا بدّ من الذهاب اليه، برغم الاعتراضات السياسية التي تحيط بهذه الخطوة، كون هذا التعيين يبقى أهون الشرور ويجنّب البلد خضّة كبرى، اذا ما لجأ نواب الحاكم الاربعة الى الاستقالة.
الوضع في منتهى الدقّة والحساسية
الى ذلك، أبلغت مصادر النائب الاول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري الى “الجمهورية” قولها: “انّ الوضع في منتهى الدقّة والحساسية، والخطوة التي أقدم عليها النواب الاربعة للحاكم، لم تأت استجابة لأي اعتبارات سياسية، بل جاءت انطلاقاً من شعورهم بمدى ما قد يبلغه الوضع من خطورة، إذا ما بقي الحال على ما هو عليه. ومن هنا فإنّ المسؤولية الأساسية تقع على عاتق السلطة السياسية التي عليها ان توجد الحل في اسرع وقت ممكن، اي تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان. والمادة 18 من قانون النقد والتسليف شديدة الوضوح في ما يتعلق بتعيين حاكم المركزي. واتخاذ الاجراءات والاصلاحات التي طال انتظارها”.
ولفتت المصادر، الى انّها “قد تتفهم استغراب المواطن العادي لهذه الخطوة، انما لا ينبغي على السلطة السياسية ان تستغرب هذه الخطوة، وخصوصاً اننا منذ فترة طويلة ندقّ ناقوس الخطر وندعو الجهات المسؤولة لايجاد الحل، ولم نلمس اكتراثاً بما ندعو اليه. وما ورد في بيان النواب الاربعة، هو مناشدة متجدّدة وصريحة للسلطات السياسية في الحكومة ومجلس النواب لايجاد السبل الكفيلة بالحفاط على المؤسسة النقدية في لبنان، والكفيلة ايضاً بترسيح الاستقرار النقدي في البلد، لأنّ اي فلتان في هذا الامر قد لا يجد له ضوابط بسهولة”.
ولفتت المصادر إلى انّ “قرارنا نهائي وفي منتهى الجدّية، وبالتالي فإنّ الاستقالة واردة في أي لحظة، اذا ما وجدنا انّه لا بدّ منها طالما انّ هناك تخلّفاً من السلطة السياسية عن تحمّل مسؤولياتها واتخاذ الاجراء المناسب الا وهو تعيين حاكم اصيل للمصرف المركزي. نحن لا نتهرّب من المسؤولية، بل متحسسون بحجم ما هو ملقى على عاتقنا، وانطلاقاً من هنا نحن متمسكون بالإطار القانوي الذي لا نحيد عنه، ونطالب تكراراً الجميع بتحمّل مسؤولياتهم”.
وحذّرت المصادر من انّ اي إبطاء في تحمّل السلطة السياسية لمسؤولياتها وتعيين الحاكم، وقالت: “انّ ترك الأزمة النقدية على ما هي عليه في أزمة غير مسبوقة، سيؤدي الى خراب كبير في نهاية المطاف”.
بيان نوّاب الحاكم دقّ لناقوس الخطر
وتوقّف الوزير السابق وديع الخازن، في بيان، عند “الإشكالية والجدلية المطروحتين اليوم عشيّة إستحقاق إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان في ظل حكومة تصريف الأعمال”. وأمام صعوبة تعيين حاكم جديد، إقترح “الإستناد إلى المادّة 25 من قانون النقد والتسليف التي تتيح للنّائب الأوّل تولّي مهام الحاكم إلى حين تعيين حاكم جديد، وذلك تحاشيًا للفراغ الكامل عند انتهاء ولاية الحاكم.، وتفادياً لمخالفة الإجتهاد الصادر عن مجلس شورى الدولة حول الأمور المُلحّة والمرتبطة بمهل”.
وقرأ الخازن في بيان نوّاب الحاكم “دقًّا لناقوس الخطر، وحضًّا للسّلطة السّياسيّة على تحمّل مسؤوليّاتها، في خضم هذا الانهيار الإقتصادي الشامل، فضلاً عن الأزمة النقدية غير المسبوقة، والتي تُعتبر الأشدّ والأخطر في تاريخ لبنان المُعاصر”.
وحذّر، في المقابل، “نوّاب الحاكم الأربعة من الغلوّ والتطرّف في الموقف، عبر ذهابهم إلى إستقالة جماعيّة، لاسيّما نائب الحاكم الأوّل، فقسم اليمين الذي أقسموه أمام رئيس الجمهوريّة يُحتم عليهم مسؤولية وطنية، وواجبًا مقدّسًا لتغليب مصلحة البلاد على سواها من المصالح والإنتماءات، وعدم السماح بتمدّد الفراغ إلى السلطة الوطنية النقدية، أسوة بما يواجهه موقع رئاسة الجمهورية”.
المصدر: موقع المنار + صحف