من غير الدقيق اعتبار القمة الثلاثية بين ايران وروسيا وتركيا والتي انعقدت مؤخراً في طهران، مجرد جولة من جولات مسار استانة. أهمية القمة تكمن في توقيتها، أي الأحداث التي سبقت أو رافقت أو تلت انعقادها. بدءاً من جولة الرئيس الأميركي جو بايدن في المنطقة والتي اختتمت في ما سُمي بـ”قمة جدة”، والتي هدفت اولاً إلى جلب النفط والغاز الخليجي وبالتالي تعزيز الصمود الغربي في مواجهة روسيا، وثانياً إلى دعم مسار التطبيع العربي مع العدو الاسرائيلي، وبعث رسائل التهديد باتجاه الجمهورية الإسلامية، إلى الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الكبيرة على القارة الأوروبية، إذ أعادت الأزمة تشكيل سوق النفط والغاز العالمية، مما أدّى إلى ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة والتضخم.
في ما يتعلق بأجواء القمة وتداعياتها، فقد أجمعت الدول الثلاث على “ايجابيتها” إلى حد كبير، ذلك على أكثر من صعيد، إن كان على المستوى الاقتصادي، تحديداً في ما يتعلق بطهران وموسكو، اللتان وقعتا مذكّرة تفاهم على مستوى عال من الأهمية، بين الشركة الوطنية الإيرانية للنفط، و”غازبروم” الروسية بقيمة 40 مليار دولار، إذ ستساعد الأخيرة على تطوير حقلَي كيش وبارس الشمالي للغاز وستّة حقول نفطية أخرى، كما ستشارك في استكمال مشروعات الغاز الطبيعي المسال وإنشاء خطوط أنابيب لتصدير الغاز.
في المقابل، وقعت كل من ايران وتركيا بحضور الرئيسين الايراني السيد ابراهيم رئيسي والتركي رجب طيب اردوغان ثماني وثائق ومذكرات تعاون بالمجال السياسي والاقتصادي والرياضي والثقافي، إذ شملت المذكرات الموقعة، مشروع التعاون الشامل الطويل الأمد بين البلدين، واتفاقية مجالات تطوير التأمينات الاجتماعية والرياضة، ودعم المؤسسات الاقتصادية الصغيرة، والتعاون بقطاع الاذاعة والتلفزيون، والتعاون بين منظمة الاستثمار والدعم الاقتصادي والفني الايراني والمكتب الاستثماري الرئاسي التركي.
أمّا على المستوى السياسي، فقد شكلت القمة، إن كان من خلال البيان الصادر عنها أو من خلال التصريحات التي انبثقت عن اللقاءات التي سبقت انعقادها وعلى رأسها لقاء الرئيس التركي بالامام السيد علي الخامنئي، (اعلان الأخير أن أمن سوريا من أمن تركيا وأمن تركيا من أن ايران، وبالتالي رفض التدخل العسكري التركي في سوريا الذي من شأنه مفاقمة الأزمة بين دمشق وأنقرة)، شكّل محطة حاسمة في ملف العملية العسكرية التركية المرتقبة في الشمال السوري، لجهة فرملة هذه العملية. وهنا أثبتت ايران نفسها مجدداً كلاعب أساسي على الساحة الاقليمية، وكوسيط فعال يمتلك فرص نجاح جيدة في ما يتعلق بتقريب المسافات بين سوريا وتركيا، وقد بدأت مفاعيل ذلك منذ فترة خصوصاً مع زيارة وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبداللهيان الأخيرة إلى تركيا ومن ثم سوريا.
وفي السياق، تجدر الإشارة إلى ما نشرته “صحيفة الأخبار” اللبنانية عن “دور بارز لعبته موسكو من خلال التوصّل إلى اتفاقية مع قسد، تَقضي بانتشار القوات السورية في مناطق حسّاسة في الشمال والشمال الشرقي من سوريا، بهدف إزاحة الحجّة التي يرتكز عليها إردوغان لشنّ هجوم عسكري جديد، إذ ستُفضي هذه التحرّكات إلى إبعاد القوى الكردية عن الحدود نحو 30 كيلومتراً وفق اتفاقات روسية – تركية سابقة، كما أنها ستضع الجيش التركي في مواجهة مع الجيش السوري في حال قرّرت أنقرة المُضيَّ قُدُماً في عمليتها، وهو ما سيستتبع فاتورة باهظة”.
هذا الحراك اللافت الذي انتجته قمة طهران على صعيد الشمال السوري، بدا جلياً من خلال الزيارة السريعة لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد والتي أعقبت القمة مباشرة، بهدف الاطلاع عن كثب على التطورات، وهو ما ألمح إليه المتحدث باسم الخارجية الايرانية ناصر كنعاني، عن وساطة عبداللهيان بين المقداد ونظيره التركي مولود تشاووش اوغلو، أثمرت توافقاً على أن أي عمل عسكري شمال سوريا سيؤدي لتفاقم الأزمة والأوضاع الإنسانية، مع اجماع على أن انهاء واشنطن وجودها العسكري هناك سيشكل تلقائياً نهاية لـ “الجماعات الانفصالية”، وهو ما تسعى إليه أنقرة وتدركه جيداً باعتبار أن الأخيرة تشكل تهديداً لأمنها القومي، إضافة إلى حاجتها الملحة لحل أزمة اللاجئين السوريين، الذين باتوا يشكلون عبئاً عليها.
المصدر: موقع المنار