يأتي وصول رئيس، أيّ رئيس، الى قصر بعبدا بعد سنتين ونصف من الشغور الرئاسي، ليعيد الصورة الصحية للبلاد التي افتقدها امام العالم فترة غير قصيرة، لكن هو على الصعيد المؤسساتي يرمز الى اعادة الانتظام العام ، ووجود رمز الدولة في منصبه يعيد دفعا اقتصاديا للبلاد واستقرارا سياسياً لوطن يقع تحت ازمات متلاحقة ومتنوعة، لكن اذا كان رئيساً له مزايا وطنية عديدة فهذا يحمل آمالاً أوسع.
دعمَ حزب الله العماد عون حتى النهاية كونه يملك من الصدق والثبات ما هو غير قليل، وهو بهذا الدعم كان ينظر الى البعد الوطني والاستراتيجي والداخلي على السواء في ان يكسب لبنان رئيسا من هذا النوع ما يعتبر نقطة قوة لصالح لبنان انطلاقا من شخصية الرئيس الوطنية ، والثابتة على الموقف مهما كانت المصاعب، مستندا الى حيثية شعبية واسعة ، وهذه امور تسجل لصالح الوطن في مرحلته المقبلة.
هذا العماد التزم بالموقف الوطني مع المقاومة وفي منعطفات خطيرة مرّت، وكما كان حزب الله وفياً لحلفائه فان المتوقع ان هذا الرئيس سيكون وفيا وهو الواعي للدور الكبير للمقاومة في التحرير والحماية -الذي تحدث عنه مراراً- في مواجهة “اسرائيل” والتكفيريين وهو ما سيعني ترسيخ معادلة “جيش شعب مقاومة” وهذا ما حملته مضامين خطاب القسم حيث كانت المقاومة حاضرة بقوة في الخطاب اضافة الى تعزيز الجيش. فقال “لن نألوا جهداً ولن نوفر مقاومة في سبيل تحرير ما تبقى من أرضنا المحتلة وحماية وطننا، وسنتعامل مع الارهاب استباقياً وردعياً وتصدياً حتى القضاء عليه”. وهنا يمكن ان نعود الى موقف سابق للرئيس عون حول المقاومة بين عشرات المواقف المشابهة: “هذا السلاح مهم في ظل عدم امتلاك لبنان لأي جهاز دفاعي يقوم بالواجب الردعي لأي اعتداء اسرائيلي، وفي هذه الحالة المقاومة هي الخيار الأوحد، وعند غياب الخطر يجب أن نكون قد بنينا المؤسسات العسكرية اللبنانية ونبقى على استعداد تام .. فنحن بحاجة الى استراتيجية دفاع ترتكز على مثلث الشعب والجيش والمقاومة”.
وكما هو معروف عن الرئيس وتياره عدم المهادنة في الحقوق وفي مجابهة الفساد وهذا ما يمنح العهد الجديد ثقة ورهانا شعبيا في كبح الفساد وتفعيل القطاعات المختلفة، وسيسعى عون الى ان يترك بصمة في هذا المجال، وهو اكد في خطابه من مجلس النواب على “اصلاح اقتصادي يقوم على التخطيط والتنسيق بين الوزارات اذ لا يمكن أن نستمر دون خطة اقتصادية شاملة واستثمار الموارد الطبيعية في مشاريع منتجة”.
مؤسساتيا فإن انتخاب رئيس ، بل عون شخصيا ، يسهم في اعادة الثقة تدريجيا بين المواطن والمؤسسات الرسمية اذ يمر لبنان بفترة تنخفض فيها بقوة ثقة الشعب بالقيادات ، وهذا الانتخاب ربما يعيد نوعا من التوازن وسيكون موضوع قانون الانتخاب الجديد الذي اكد الرئيس على السعي اليه، دورا جديا في الاصلاح السياسي.
بغض النظر عن الظروف بابعادها المختلفة التي حدت بالحريري لدعم عون اخيرا بعد طول رفض، فان هذا السياق العام يفترض ان يلقي بظلاله على المرحلة المقبلة من خلال سقوف سياسة منخفضة وتوتر اقل وهذا مكسب وطني عام، ويستفاد في هذا السياق من حوار حزب الله- المستقبل الذي كان يحقق جوا من التلاقي وتخفيف التشنجات.
من المكاسب ان انتخاب عون في ظل هذه الاجواء، يمهد لحكومة وحدة وطنية تعيد العجلة الاقتصادية من جهة وتحمل توافقا سياسيا على مواجهة العديد من الملفات الداخلية الضاغطة والاقليمية الصعبة، وقد لوحظ ان هناك شبه اجماع بين القيادات السياسية على ان صفحة جديدة تفتح لمواجهة التحديات والدفع قدما نحو حكومة وحدة وطنية لجميع اللبنانيين. والاتجاه بعد تكليف الحريري المتوقع، الى مسألة التاليف التي ربما تواجه عقدا لكن تذليلها سيكون رهنا بهذا الجو التوافقي.
لا بد من الاشارة اخيرا الى ان انتخاب الرئيس عون اثبت خطأ الاصوات التي كان تقول ان حزب الله لا يريد رئيسا لكن التطلع سيكون الى الامام وليس ما مضى، وبين القائل ان وصول عون انتصار لمحور معين او القائل ان تاييد سعد الحريري هو ما دفع الامور قدما لكن الواضح ان وصول عون جاء نتيجة ثباته وصبره اولاً، ودعم حزب الله الثابت له كان له الاثر المهم ، ودعم سعد الحريري له كان نتيجة هذا الثبات وفي ظل الظروف التي يتواجد فيها الحريري والظروف الاقليمية، لكن لن يتعامل عون او حزب الله وحلفاؤه بمنطق الانتصار بل التعاون. يفترض اليوم بل كان يفترض منذ سنتين ونصف ان يعرف معارضو عون ان مجيئه رئيسا هو تعميم للفائدة على مختلف اللبنانيين وليس لفريق منهم دون آخر .
المصدر: موقع المنار