أخيرا بات للبنان رئيس للجمهورية بعد شغور استمرّ ما يقارب السنتين ونصف، فقد انتخب مجلس النواب العماد ميشال عون ليكون النزيل الـ13 للقصر الجمهوري في بعبدا، انتخابات لاقت ترحيباً كبيراً واشادة داخلية وخارجية، ولكن الأكيد أن هذه الانتخابات الرئاسية دون غيرها جاءت بصناعة لبنانية بالدرجة الأولى وإن “انصاعت” لاحقا الارادة الخارجية خلف الارادة اللبنانية في هذا المجال على غير المعتاد.
فترشيح العماد عون بقي صامدا ولم يتزحزح رغم كل ما جرى منذ بدء الفراغ الرئاسي وما قبله، الوقائع تشير الى ان ما ثبّت هذا الترشيح بعد ثبات العماد عون، هو الوفاء المنقطع النظير لحليف العماد والتيار الوطني الحر أي حزب الله وامينه العام السيد حسن نصر الله، فرغم كل الترشيحات التي طرحت على الطاولة ورغم كل المناورات التي حصلت لم يغير “العماد العنيد” موقفه وكذلك لم يتأثر الدعم المطلق له من قبل الحزب.
ثبات عون ودعم الحزب، جعل العماد الرئيس نقطة الجذب لكل المواقف والمبادرات التي ناور بعضها في البداية حتى رست في النهاية على عون باعتباره يمثل ثقلا سياسيا وطنيا كبيرا، وقد أكد رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل ان ما أدى الى هذه النتيجة في الاستحقاق الرئاسي هو صمود وصبر العماد عون من جهة، ومن جهة ثانية دعم “شريك النصر” حزب الله، وتوجه بالشكر للحزب ولأمينه العام السيد حسن نصر الله، وأوضح باسيل “نحن نعرف ما تحمل حزب الله من ضغوط لإعطاء الشراكة الوطنية معناها الكامل”.
فما أهمية ان يكون هذا الانتخاب لبنانيا مئة في المئة؟ ولماذا اليوم استطاع اللبنانيون فرض ارادتهم على الخارج وليس العكس كما كان يحصل في كثير من الاحيان؟ وما يعني وصول رئيس صنع في لبنان الى سدة الرئاسة الاولى؟ وكيف سيترجم هذا الأمر في قادم الأيام على مستقبل لبنان؟ سواء في عمل المؤسسات الدستورية او في مكافحة الفساد وتفعيل عمل الاجهزة الرقابية او في دعم الأجهزة العسكرية والأمنية وفي طليعتها الجيش اللبناني؟ وكيف سيستخدم ذلك لتعزيز دور القانون والمؤسسات للعبور الى دولة القانون والمؤسسات؟
أسئلة يكفي للاجابة عليها فهم منطق القوى الوطنية التي طالما دعت للرهان على الداخل لفهم بعضنا البعض والجلوس والتحاور فيما بيننا بدل الرهان على الخارج ومتغيرات الاقليم، وللتذكير فقط فإن السيد نصرالله في كثير من المحطات ومنذ بداية أزمة الشغور الرئاسي الاخيرة، طالب بالمبادرة لانتخاب رئيس صنع في لبنان من دون الرهان على الخارج او انتظار اي مبادرة خارجية في هذا الشأن، وفي حواره الشامل مع جريدة “السفير” اللبنانية في 8-4-2014.
وأكد السيد نصرالله يومها ان “المناخ العام في البلاد هو مناخ إجراء انتخابات رئاسية”، ولفت إلى أن “الحزب سيدعم المرشح الذي يحقق المصلحة الوطنية الكبرى”، واعتبر أن “العناصر المحلية ستكون مؤثرة أكثر من أي وقت مضى في الاستحقاق الرئاسي وبالتالي أمامنا فرصة صنع رئيس في لبنان”، وبقي بعد ذلك الحزب على موقفه وكرر السيد نصر الله مرارا وتكرارا دعم ترشيح العماد عون وعدم تبديل هذه المواقف رغم كل ما جرى من ضغوط واتهامات للحزب انه يريد التعطيل والفراغ لا سيما من القوى التي كانت تشكل سابقا ما كان يعرف بفريق “14 آذار”.
وبعد كل هذا الوقت ماذا كانت النتيجة؟ الواقع ان العماد عون نال تأييد شريحة كبيرة من الافرقاء اللبنانيين من مختلف الطوائف والتوجهات السياسية، فقد سلم بترشيحه ألد أخصامه سابقا رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع وابرز معارضيه رئيس “تيار المستقبل” الحريري ودعمته شريحة كبيرة من الكتل النيابية المتنوعة، وهذا ما كان يتحدث عنه السيد نصر الله قبل ما يزيد عن السنتين في حواره مع جريدة “السفير” المشار اليه اعلاه، أي انه دعم المرشح الذي يحقق المصلحة الوطنية الكبرى وبالتالي تحقق ما توقعه السيد نصر الله بأن العناصر اللبنانية ستكون مؤثرة أكثر من أي وقت مضى في الاستحقاق الرئاسي، وهذا ما جرى فعلا.