نص الخطبة
في دعاء الامام زين العابدين عند الصباح و المساء وردت فقرة تتعلق بكيفية استقبال اليوم الجديد وطريقة التعامل معه، يقول(ع): ( وَهَذا يَوْمٌ حَادِثٌ جَدِيدٌ، وَهُوَ عَلَيْنَا شَاهِدٌ عَتِيدٌ، إنْ أحْسَنَّا وَدَّعَنَا بِحَمْدٍ، وَإنْ أسأْنَا فَارَقَنَا بِذَمٍّ.
أللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِه، وارْزُقْنا حُسْنَ مُصَاحَبَتِهِ، وَاعْصِمْنا مِنْ سُوءِ مُفَارَقَتِهِ بِارْتِكِابِ جَرِيرَةٍ أوِ اقْتِرافِ صَغِيرَةٍ أوْ كَبِيرَةٍ، وَأجْزِلْ لَنَا فِيهِ مِنَ الحَسَنَاتِ، وَأخْلِنا فيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ، وَامْلأْ لَنَا مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ حَمْداً وشُكْراً وَأجْراً وَذُخْراً وَفَضْلاً وَإحْساناً.
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَوَفِّقْنا في يَوْمِنَا هَذا وَلَيْلَتِنَا هَذِهِ وَفِي جَمِيعِ أيَّامِنَا، لاسْتِعْمَالِ الخَيْرِ، وَهِجْرانِ الشرِّ، وَاتِّبَاعٍ السُّنَنِ، وَمجانَبَةِ البِدَعِ، والأمْرِ بِالمَعْروفِ وَالنَّهْي عَنِ المنْكَرِ، وَحِياطَةِ الإسْلاَمِ، وَانْتِقَاصِ البَاطِلِ وَإذْلالِهِ، وَنُصْرَةِ الحَقِّ وَإعْزَازِهِ، وَإرْشَادِ الضَّالِّ، وَمُعَاوَنَةِ الضّعِيفِ، وَإدْرَاكِ اللَّهِيفِ..).
نحن على ابواب سنة جديدة، فكيف نبدأ سنتنا الجديدة ؟ وكيف نسير ونخطو ونستمر فيها ؟
هل نبدأ فيها باللعب واللهو والعبث، ونستمر فيها بعيدا عن الوعي والطاعة والالتزام بالقيم، كما يفعل البعض منا ؟ أو تكون البداية بداية واعيةً يعرف الانسان فيها مسؤولياته واجباته ودوره في الحياة، يعرف واجباته الفردية وواجباته الاجتماعية والعامة تجاه الاخرين وفي الحياة.
فالإنسان المؤمن هو إنسانٌ مسؤول يعرف ويعي واجباته ودوره في الكون والحياة ، يدرك أنّه مسؤول عن كلّ أعماله وأقواله وأوضاعه ولذلك فإنّه يخطط لتكون أيامه وسنته منسجمة مع مسؤولياته وواجباته ومع ما يريده الله سبحانه، خصوصا ان الزمن شاهد على الانسان، يشهد عليه يوم القيامة.
الزمن: اليوم، الشهر، السنة، العمر كلّه، هو كالعدسة التي ترصد وتصور وتختزن في داخلها حركة الانسان العملية، اقواله وافعاله وتصرفاته وعلاقاته ومواقفه الخ، ولذلك يتحول اليوم إلى شاهد حاضر يرصد أعمال الإنسان ، ليشهد عليه يوم القيامة، وهو في نفس الوقت، لا يقف مجرد راصد وشاهد على الانسان، بل يكون صاحب موقف فيتخذ من الانسان موقفاً إيجابياً إذا كان يسيرفي طريق الإحسان، فيودعه بمحبة وكرامة وحمد، أو يتخذ منه موقفاً سلبياً إذا كان يسير في طريق الإساءة، فيفارقه بعصبية وذمّ. (وَهَذا يَوْمٌ حَادِثٌ جَدِيدٌ، وَهُوَ عَلَيْنَا شَاهِدٌ عَتِيدٌ، إنْ أحْسَنَّا وَدَّعَنَا بِحَمْدٍ، وَإنْ أسأْنَا فَارَقَنَا بِذَمٍّ).
وهذا يعني ان على الانسان ان ينتبه وينضبط في تصرفاته التي يقوم بها في الثواني والدقائق والساعات والأيام ، تماماً كما ينضبط أمام أيّ شخص حيّ يريد ان يشهد عليه، ليواجهه باعماله وتصرفاته.
ولذلك في فقرات الدعاء يقف الإنسان ليدعو ربّه أن يرزقه التوفيق ليصاحب هذا اليوم مصاحبةً حسنةً، ويعصمه من سوء مفارقته بارتكاب الخطيئة، صغيرةً، أو كبيرة، حتى يحصل على محبّة يومه، وليفوز، بالتالي، برضوان الله ومغفرته من خلال ما يوفقه إليه من الحسنات ويبعده فيه عن السيئات.( أللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِه، وارْزُقْنا حُسْنَ مُصَاحَبَتِهِ، وَاعْصِمْنا مِنْ سُوءِ مُفَارَقَتِهِ بِارْتِكِابِ جَرِيرَةٍ أوِ اقْتِرافِ صَغِيرَةٍ أوْ كَبِيرَةٍ، وَأجْزِلْ لَنَا فِيهِ مِنَ الحَسَنَاتِ، وَأخْلِنا فيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ، وَامْلأْ لَنَا مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ حَمْداً وشُكْراً وَأجْراً وَذُخْراً وَفَضْلاً وَإحْساناً).
يعني وفقني كي يكون يومي مملوءا بين طرفيه ومن اوله لاخره بالحمد والشكر والاجر والفضل والاحسان.
ثم يقف الانسان المؤمن ليدعو ربه ان يوفقه في ايامه وفي سنوات عمره لأمرين اساسيين:
الامر الاول: ان تكون اعماله اليومية منسجمة مع انتمائه الايماني الإسلامي، ومندرجة تحت عنوانٍ من عناوين الخير والصلاح والاستقامة.
وقد تحدث الامام في فقرات هذا الدعاء عن عدّة عناوين فكرية واجتماعية واخلاقية وإنسانية وجهادية، مما يطلب الإنسان من ربّه أن يوفقه له، ويحققه في حياته، وهي عبارة عن أربعة عشر عنواناً عامّاً للسلوك الإنساني في الحياة.
وهذه العناوين هي: استعمال الخير. هجران الشر. شكر النّعم. اتباع السنن.مجانبة البدع. الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. حياطة الإسلام.انتقاص الباطل.إذلال الباطل، نصرة الحقّ. إعزاز الحقّ. إرشاد الضال. معاونة الضعيف. إدراك اللهيف.
وإذا تأملنا في هذه العناوين، نرى أنّها تشمل كلّ القيم الأخلاقية والاجتماعية التي ينبغي ان يلتزمها الانسان ويتقيد بها على مدار الايام وعلى مدار السنة.
فالإسلام يريد للانسان المؤمن ان يسلك طريق الخير وان يجسد الخير في كل خطواته ومواقفه، وان يبتعد عن الشر ويشكر النعم بان يستعملها فيما يرضي الله، وان يجتنب البدع، وان يامر بالمعروف وينهى عن المنكر، وان يحمي الاسلام وينتقص الباطل ويذله، وينصر الحق ويعزه، فالاسلام لا يرضى للإنسان أن يقف موقف الحياد أو اللامبالاة في الصراع الدائر بين الحقّ والباطل، والظلم والعدل، بل يريد له أن يكون الانسان الذي له في كلّ معركة موقف، وفي كلّ صراع موقع، وفي كلّ خلاف رأي.
وايضا الاسلام يريد للانسان ان يكون الانسان الذي يتحمل مسؤولية هداية الاخرين كما يتحمل مسؤولية هداية نفسه، فيعمل على إرشاد الضالّ، وهداية الناس إلى الإسلام، وتوجيههم نحو الخير والصلاح والاستقامة، بحيث لا يكتفي الانسان بهداية نفسه فقط بل يعمل على هداية الاخرين ايضا، ويتحول الى مبلغ للإسلام وداعيةٍ الى الله .
وايضا ان يكون الانسان الذي يشعر بالاخرين فيتحسس مشاكلهم والامهم وهمومهم فيبادر الى اعانة الضعفاء وتقويتهم، وإغاثة الملهوف واعانته ، فهناك الكثيرون من الناس الذين يعيشون لهفة الخوف والمرض والألم والحزن وما إلى ذلك، ما يجعلهم بحاجة إلى الناس الذين يستجيبون للهفتهم، ويغيثون صرخاتهم، ويدخلون الهجة والفرح والأمن والعافية والسرورعل حياتهم .
كل هذه العناوين تمثل برنامج يومي للإنسان المسلم على مدار السنة، ليكون الانسان في يومه وفي سنته الإنسان المسؤول عن الإسلام وعقيدته وشريعته وأمّته، والانسان الاجتماعي الذي يشعر بالضعفاء والمحرومين والملهوفين، فيخرج الإنسان من فرديته، وذاتيته، ليفكر ويشعر ويحس بغيره وبمن حوله، ويتفاعل معهم.
وهذا هو الوعي الذي يريد الإسلام أن يعمّقه في شخصية الإنسان المسلم.
الامر الثاني: ان يسعى الانسان في سنته الجديدة نحو الافضل فلا يسمح لنفسه بالتراجع إلى الوراء، ولا يجمد في حدود الواقع الذي يتحرك فيه، بل عليه ان يتطلع نحو الافضل، فيتطور ويتقدم ويسعى نحو الدرجات العليا، سواء في الطاعة لله وفي والعبادات والاعمال الصالحة والامور الدينية او في اعماله وشؤونه المختلفة في الحياة، عليه ان يكون دائماً في خطٍّ تصاعدي فلا تكون سنته الجديدة كسنته السابقة، بل افضل واحسن في جميع اموره وشؤونه، بأن يكون أكثر المؤمنين ايمانا والتزاما بأوامر الله، وأشدّهم وقوفاً عند حدوده واحكامه، وأشكرهم لنعمه والطافه.
فنحن نقرأ في الدعاء المأثور: اللهمّ اجعل مستقبل أمري خيراً من ماضيه، وخير أعمالي خواتيمها، وخير أيامي يوم ألقاك فيه».
فيكون كلّ يوم أفضل من سابقه، وتكون سنته الجديدة افضل من سابقتها ، والمستقبل أفضل من الماضي، ليصل الإنسان إلى الله على أفضل حال يجب أن يكون عليها أحدٌ من عباده .
لذلك ليلة راس السنة يجب ان تكون ليلة التفكر والتأمل والمراجعة والتقييم، ليلة جردة الحساب، لا ليلة اللهو والمجون والتحلل، وليس ليلة التفلت من الضوابط والقيم الاخلاقية، والتفلت من القانون واطلاق الرصاص بشكل عشوائي وتعريض الناس للخطر .
في ليلة راس السنة يجب ان يعود الناس الى الله وان يتضرعوا الى الله، ليغير سوء حالهم الى احسن حال، وليعينهم على مواجهة تحديات المستقبل وتجاوز المشكلات والازمات.
ما يتطلع اليه اللبنانيون على ابواب السنة الجديدة هو ان تكون لديهم دولة حقيقية وقيادات صادقة ومخلصة تعمل على انقاذ البلد وانتشاله من ازماته .
فالبلد بحاجة اليوم الى خطط ومعالجات جادة وواقعية لإنقاذه، والى تعاون حقيقي بين ابنائه، وعدم الرهان على الخارج الذي لم يقدم شيئا في معالجة المشاكل والازمات، بل زاد من تفاقمها باملاءاته وتحريضه واثارته للفتن.
السنة الجديدة هي سنة الانتخابات النيابية، وهذا الاستحقاق يشكل فرصة للناس ليعبروا عن خياراتهم، حزب الله عمل خلال كل السنوات الماضية على تمثيل الناس تمثيلا صادقا وحقيقيا في المجلس النيابي وخارج المجلس النيابي، وقمنا بكل ما نقدر عليه على مستوى حماية البلد وخدمة الناس من خلال وجودنا داخل مؤسسات الدولة وخارج مؤسسات الدولة، لا سيما على مستوى التقديمات الاجتماعية والصحية والدوائية وعلى مستوى تأمين مادة المازوت، وسنكمل هذا المسار في حماية البلد وفي خدمة الناس والتخفيف من معاناتهم، وسنعمل ليكون لنا حضور قوي ومؤثر في البرلمان القادم لنبني ونحمي بلدنا ونحافظ على سيادته واستقلاله، ونحفظ مصالح الناس.
ونحن على ثقة بان اهلنا الذين لمسوا حرصنا على رعاية شؤونهم وخدمتهم والوقوف الى جانبهم خلال كل المراحل السابقة، لن يحيدو عن الخيارات الوطنية الصادقة التي سيحددها حزب الله للانتخابات القادمة، وسيقومون من موقع وفائهم بواجبهم الوطني بالمشاركة الفاعلة في الانتخابات لدعم هذه الخيارات .
المصدر: بريد الموقع