لا يزال اقرار الكونغرس قانون “جاستا” الذي يتيح مقاضاة مواطنين اميركيين للسعودية وطلب تعويضات منها عن التضرر من احداث 11 ايلول يلقى تعليقات في الإعلام السعودية والخليجي، وهو القانون الذي يثير القلق السعودي بشكل كبير وستتوضح تداعياته القانونية والمالية وعلى العلاقة السعودية- الاميركية شيئا فشيئا في المرحلة المقبلة.
“جاستا” الذي يعتبر مفصلاً تاريخياً في العلاقة الأميركية – السعودية وشكلاً من اشكال التعاطي الاميركي مع حليف تاريخي، يشكل مؤشرا على منحى جديد يمكن ان تتخذه العلاقة بين الحليفين التاريخيين في المرحل المقبلة وتتراوح التوقعات ما بين تاثير نسبي مع عدم القضاء المبرم على هذه العلاقة، ويذهب بعض المحللين الى اعتبار القانون مؤشرا على التخلي عن الحليف السعودي. لكن سيأخد توضُّح غلبة احد هذين الاحتمالين على الاحتمال الآخر وقتاً.
وجاءت الاغلبية الواسعة التي حصل عليها المشروع لتظهر جوا سياسيا مناوئا للسعودية يثير حنق الرياض ويعيد الى الاذهان تصريحات المرشح ترامب ان السعودية بقرة اذا جف حليبها سنذبحها ، وربما يكون تهجم كلا المرشحين للرئاسة الاميركية على السعودية بشأن الارهاب او موقفهما بشأن الاعتماد على السعودية كحليف في المنطقة مجرد حديث انتخابي ولكن اقرار القانون يثير فعلا جواً عن معالم مرحلة ما بعد اوباما.
وفي هذا الاطار يقول الكاتب في نيويورك تايمز سكوت شاين ” لا يكاد يمر أسبوع من دون أن يلقي ناقد تلفزيوني أو كاتب صحفي اللوم على المملكة العربية السعودية للعنف الجهادي. فعلى شبكة “إتش بي أو” على سبيل المثال، اعتبر بيل مار أن التعاليم السعودية “تعود إلى القرون الوسطى”. أما في صحيفة “واشنطن بوست”، فقد كتب فريد زكريا أن السعوديين قد “خلقوا وحشًا في العالم الإسلامي”.
ويتساءل “هل بات العالم الآن مكانًا أكثر انقسامًا وخطرًا وعنفًا بسبب التأثير التراكمي لخمسة عقود من الدعوة التي تمولها عائدات النفط من القلب التاريخي للعالم الإسلامي؟ أم أن المملكة العربية السعودية، والتي غالبًا ما دعمت الحكام المستبدين القريبين من الغرب في وجه الإسلاميين، هي مجرد كبش فداء للتطرف والإرهاب نتيجة العديد من الأسباب المعقدة، ومن بينها تصرفات الولايات المتحدة بحد ذاتها؟
لقد خرجت آراء مراقبين بعد اقرار القانون تشير ان جاستا دليل ان واشنطن لا يمكن المراهنة عليها من اي حليف ، و من جانب الاعلام الخليجي والسعودي اصبحنا نرى اجواء انتقادية للسياسات الاميركية لم نعهدها من قبل، وفي هذا المجال يورد موقع عيون الخليج تقريرا ويعدد فيه “سجل التدخلات الحربية لواشنطن” من “حروب تحت غطاء دولي ” و” حروب بدون غطاء دولي “.
صحيفة “عكاظ” السعودية قالت ان اقرار “جاستا” هو منعطف في العلاقة السعودية الأميركية، لكنه لن يكون أمرا سيئا بالضرورة، لكن عدم الاستعداد للأسوأ سيكون عملا ضاراً، ويجب الاستفادة من اللحظة للعمل الإستراتيجي في علاقاتنا مع دولة مهمة كأميركا، وأخذ بادرة الفعل لا ردات الفعل وبشكل متأخر غالبا.
خطوات السعودية
الرياض التي تبدي قلقا شديدا من القانون يبدو انها ليست في وارد اي ردود قريبة. وقد خرج مجلس الوزراء السعودي امس بموقف عبر فيه عن مستوى القلق من مخاطر القانون ولكن دون ان يؤشر الموقف الى خطوات مقبلة محتملة.
وحتى مسالة سحب الودائع التي تقدر بمئات الملايين ستتضرر هي منها، وتقول نيويورك تايمز في حول إمكانية قيام الرياض ببيع أصولها ان خطوات السعودية الاقتصادية المحتملة ضد حليفتها، وإن تركت تأثيراً في الاقتصاد الأميركي، إلا أنّ المتضرر الأكبر منها سيكون السعودية.
حول الخطوات المطلوبة تقول “عكاظ” ان من الضروري أن تُفعل المملكة قوتها الناعمة، في التواصل مع المؤسسات الأميركية المختلفة، سواء المؤسسات السياسية كالكونغرس، أو المؤسسات الإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني، “لإيصال صورة طيبة عن السعودية”.
وتضيف “جاستا فرصة أيضا للاستمرار في تنويع التحالفات، وفي العمل أكثر للاستقلال العسكري، واستقلال الاقتصاد السعودي بدرجة أكبر عن النفط، فقوة الدول دوما تقاس بعدد الخيارات التي تملكها، وعدد الأوراق التي يمكنها اللعب بها”.
وفي هذا الاطار قال مايكل هايدن، رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية السابق، إن السعودية بإمكانها الرد بل وبإمكانها الانتقام، ولكن لا اعتقد أنهم سيقومون بذلك، نحن لدينا علاقات معهم، ومن وجهة نظري اعتقد أن الكثير من الخطوات التي يدعو لها بعض الأشخاص ضد السعودية ستكون مؤذية على أميركا تماما كما ستكون مؤذية للمملكة.”
الولايات المتحدة الأميركية تعتبر أكثر الدول المنتفعة بالحصانة السيادية
في موضوع المخاوف يقول هايدن: “عندما نقوم بخرق الحصانة السيادية، فإن أكثر الدول على وجه الكرة الأرضية التي يمكن أن تخسر جراء ذلك هو الولايات المتحدة الأميركية.”
وفي نفس الاطار تنقل “سي ان ان” عن جيف توبين، المحلل والمختص بشؤون القانون الدولي، إن قانون “جاستا” الذي يخول ذوي ضحايا هجمات الـ11 من سبتمبر/ أيلول 2001 بمقاضاة المملكة العربية السعودية ودورها المزعوم في الهجمات يحمل في طياته الكثير من التعقيدات القانونية.
وأوضح توبين: “هناك العديد من التعقيدات التي على الأغلب ستحد من إمكانية عائلات الضحايا من الحصول على أي تعويضات مالية، ولكنه خرق في جدار تقليدي يمنع الأفراد في دولة ما من مقاضاة حكومات تابعة لدول أخرى، وهو مفهوم يعرف باسم الحصانة السيادية ويعتبر أحد المبادئ المهمة في القانون الدولي.”
وتابع توبين قائلا: “المخاوف الحقيقية والتي لفتت إليها الإدارة الأميركية تتمثل بما سيفتحه هذا الباب على الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال يمكن لأحد في باكستان أن يرفع دعوى قضائية حول أن الغارات الأميركية التي تنفذها طائرات بدون طيارات تعتبر خرقا للقانون الباكستاني وعليه سنقوم بمقاضاة أميركا.” ويشير في تحذير مبطن ان “الولايات المتحدة الأميركية تعتبر أكثر الدول المنتفعة بالحصانة السيادية.”
المصدر: موقع المنار