ألقى رئيس “تيار الكرامة” النائب فيصل كرامي، كلمة للبنانيين لمناسبة الذكرى 33 لاستشهاد الرئيس الشهيد رشيد كرامي، صباح اليوم من مكتبه في طرابلس، قال فيها: “عاش ومات في سبيل لبنان. هذا هو شهيد لبنان رشيد كرامي”.
أضاف: “في الأول من حزيران، ككل عام، نتلو فعل الوفاء لرشيد الوطن، للهامة القامة التي تملأ الزمان والمكان، لرجل المواقف والثوابت القاطعة كحد السيف، ولرمز من رموز السماحة والزهد والتواضع الباقي والمستمر جرحا في سيرة وطن ودولة ومدينة. وجرت العادة أن نتذكر الرشيد بكل ما يمثله من قيم ومبادىء ومواقف، لكنني أشعر بهذا العام أن رشيد كرامي، من عليائه، هو الذي يتذكرنا ويتذكر لبنانه الذي يوشك أن يندثر. أشعر أن رشيد كرامي يسألنا بمرارة، أين لبنان الذي حلمنا به؟ وماذا فعلتم بهذا الوطن؟ والى أين أنتم ماضون؟ أين لبنان الذي تفاخرنا طويلا أن ليرته أقوى من الدولار الأميركي؟ أين لبنان الذي أسسنا له دولة قانون ومؤسسات قبل ستين عاما، وتحديدا في العهد الشهابي – الكرامي، حين بدأ اللبنانيون يكتشفون معنى أن يكون للوطن الصغير دولة؟”
وتابع: “هي الدولة التي تفتح خلال أقل من سنتين ألف وسبعمئة مدرسة في قرى نائية لم يكن فيها مدارس، في البقاع والجنوب وعكار. وهي الدولة التي تجر الماء والكهرباء إلى حيث لا ماء ولا نور. هي الدولة التي تضع حدا لمحاصصات التوظيف وفق قاعدة تكافؤ الفرص. وهي دولة إنشاء وزارة التصميم ومجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي وديوان المحاسبة ومجلس شورى الدولة. هي دولة قانون الضمان الاجتماعي والمشروع الأخضر وقانون المحاسبة العمومية وتعاونية موظفي الدولة ومصلحة استثمار مرفأ طرابلس والمجلس الوطني للبحوث العلمية ودور المعلمين ونظام التقاعد ومصرف التسليف الزراعي والصناعي. هي دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية التي وضعت قواعدها الأساسية عبر 495 قانونا ومرسوما اشتراعيا خلال حكومتين فقط في العهد الشهابي – الكرامي”.
وقال: “لكأن رشيد كرامي يضعنا في هذه اللحظات أمام الحقيقة السوداء، ويقول لنا، لقد قضيتم على أخضر هذه الدولة خلال سنوات الحرب العبثية المجنونة، ثم أكملتم القضاء على يابسها خلال سنوات السلم الوهمي، وها أنتم في قلب الكارثة. أولا تدرون اليوم كيف تخرجون من الكارثة؟ قالها الرشيد قبل نصف قرن وبالحرف، بأن المسألة بسيطة لو توفرت الإرادات الوطنية المخلصة، وهي ليست في حاجة إلى أكثر من أن يطمئن المواطن إلى تجرد الحاكم وعدل القاضي وأمانة الموظف. رحم الله أيامك يا رشيد، بل أكرر ما قاله حامل أمانتك عمر كرامي ذات يوم: الله يرجع إيامك يا رشيد”.
أضاف: “اغتيل رشيد كرامي في سياق مشروع يستهدف وحدة لبنان. علينا اليوم، وبلا مكابرة أن نقر ونعترف بأن اللبنانيين راكموا الفشل تلو الفشل في صيانة وحماية وحدتهم الوطنية، إلى أن انتهى بهم الأمر وقزموها في السنوات الأخيرة إلى ما يسمونه التوافق الوطني، والتوافق نقيض الوحدة، لا بل ان التوافق لا يكون سوى ربط نزاع بين منقسمين. وللأسف، حتى التوافق أفرغوه من غاياته النبيلة إن وجدت، وحولوه وسيلة لتقاسم المغانم وتعطيل الحياة الدستورية والسكوت المتبادل المتواطىء عن الموبقات والمفاسد”.
وتابع: “ببساطة، برعنا على مدى عقود طويلة في تجاوز المشاكل من دون الوصول إلى الحلول. فشلنا في تحديد موقع هذا الوطن في التاريخ والجغرافيا. تجاهلنا دائما الاعتراف بأن نشوء الكيان الصهيوني العام 1948 ليس مسألة صراع قومي مع عدو اغتصب الأرض والمقدسات وشرد الشعب الفلسطيني فقط، بل هو تهديد مباشر لفكرة لبنان القائم على الحريات والتنوع والعيش الواحد. وفوق كل ذلك مارسنا سياسة تحنيط الماضي ومنعنا تطوير عقد اجتماعي ملائم للخصوصية اللبنانية، فخسرنا الحاضر وها نحن في هذه الأيام نشهد بأم العين كيف نخسر المستقبل. لطالما حذر رشيد كرامي من أن الانقسامات بين اللبنانيين كفيلة بأن تقضي على لبنان، ولطالما عمل ودعا وسعى بحنكة وحكمة إلى تطهير نظامنا السياسي من الطائفية السياسية بالتفاهم والحوار والوعي، لإدراكه بأن مقتل لبنان في انقساماته الطائفية التي تحولت وتطورت إلى انقسامات مذهبية، شكلت دائما، وتشكل اليوم على وجه الخصوص، الأداة الرئيسية لإنهاء لبنان. ولعل السؤال الكبير المطروح اليوم هو: ماذا بقي من لبنان؟”
وقال: “ثمة ثلاثة عناوين لهذه الأيام العصيبة التي نعيشها. العنوان الأول، عودة نغمة الفيديرالية التي تهيأ لنا انها انطوت إلى غير رجعة. والعجيب ان بعض اللبنانيين لم يدركوا بعد أن بديل الدولة الواحدة ليس على الإطلاق نشوء دويلات طائفية، فالبديل للدولة الواحدة هو زوال لبنان الوطن والكيان والدولة. وأراني مضطرا في ذكرى الرشيد إلى تكرار مواقفه وكلماته بشكل حرفي حين قال العام 1985: عبثا يراهنون على أميركا أو على الشيطان الرجيم، فلا كانتونات ولا فيديراليات ولا كونفيديراليات، بل لبنان بلد واحد سيد عربي حر مستقل”.
أضاف كرامي: “العنوان الثاني يتمثل بنعي الطائف، والدعوة إلى عقد اجتماعيٍ جديد عبر مؤتمر تأسيسي أو ما يشابهه. وأنا أقول كيف تنعون الطائف والطائف ما زال حبرا على ورق؟ كيف تنعون الطائف وهو يتضمن الآليات والنصوص الدقيقة والواضحة لبناء الجمهورية الثانية والدولة العصرية عبر الإلغاء التدريجي للطائفية السياسية من دون المساس بالتوازنات بين المكونات اللبنانية؟ الأحرى ان تكون الدعوة إلى تطبيق الطائف واعتباره مرجعا وحيدا للحياة السياسية والديموقراطية ولتأكيد الميثاقية التي توحد اللبنانيين وتتيح لهم الانتقال إلى دولة عصرية ترضي العقل والمنطق والضمير والأجيال الجديدة”.
وتابع: “العنوان الثالث، هو الانهيار الاقتصادي والمالي غير المسبوق الذي يشهده لبنان، وسيؤدي عاجلا أو آجلا إلى انفجار اجتماعي كارثي لا نزال في مقدماته الأولى. لا شك في أن لبنان يدفع أثمان سياسات اقتصادية ومالية خاطئة، ولا شك في أن البلد واقع في أزمة كبرى هي النتيجة الطبيعية لسياسة الالتفاف على الطائف والتحايل عليه، عبر تقاسم السلطة والنفوذ والإمعان في ممارسة وتغطية الفساد ونهب المال العام، فضلا عن ضرب معظم القطاعات الإنتاجية لصالح اقتصاد ريعي وهندسات مالية تراكم ثروات الأثرياء وتراكم فقر الفقراء. لا شك في أن ذلك جعل البلد ساحة مستباحة لتسعير أزمة اقتصادية واجتماعية تهدد لبنان بالإفلاس وتنذر اللبنانيين بالمجاعة. ولكن، وبكل وضوح، أقول إن الجزء الخفي الذي لم يعد خافيا علينا من تفاقم هذه الأزمة هو سياسي وليس اقتصاديا أو ماليا، وخنق لبنان هو قرار سياسي يخيل لأصحابه أنه سيحقق لهم ما عجزوا عن تحقيقه في الماضي عبر الحروب وعبر السياسة. ونحن نقول لأصحاب هذا الرهان إن ما عجزتم وعجزت إسرائيل عن أخذه بالحروب والسياسات، لن تنجحوا ولن تنجح في أخذه عبر الاقتصاد. بل وبمزيد من الوضوح، أقول إن لبنان المنفتح على كل الحلول الاقتصادية الإنقاذية مع كل الناصحين والمهتمين في الشرق والغرب، جاهز للبحث في كل الأمور، لكنه لن يقايض على الإطلاق في أمرين، وحدته الوطنية ووحدة شعبه وأرضه ودولته، وتوازن الرعب الاستراتيجي مع العدو الصهيوني الذي يشكل صمام الأمان في حماية لبنان وشعبه وثرواته”.
وقال: “ما يؤسف له أن بعض اللبنانيين لم يقتنعوا بعد أن الأوطان لا تبنى على قاعدة الجريمة، وكما تم إصدار عفو غير قانوني وغير دستوري وغير أخلاقي عن قاتل رشيد كرامي العام 2005، شهدنا بالأمس القريب محاولة لتكرار واستكمال هذه الهرطقة عبر قانون عفو ملغوم يستثني الموقوفين ظلما من دون محاكمات ويسقط التهم عن قتلة رشيد كرامي المحكومين غيابيا والفارين خارج لبنان. غريب عجيب هذا البلد الذي يمعن في قتل القتيل وفي تمجيد القاتل. ولكن لن يكون لهم ذلك، ولن نسمح باغتيال جديد لرشيد كرامي ولكل شهداء الوطن”.
أضاف: “أحبائي ورفاقي، أبناء تيار الكرامة ومناصروه، ارفعوا رؤوسكم وأنتم تحيون ذكرى رجل الدولة والمؤسسات والوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية، رجل الوطنية الصافية والعروبة الصادقة الذي افتدى لبنان ووحدته وعروبته بدمائه الزكية. ارفعوا رؤوسكم وأنتم تتذكرون رشيد الوطن وشهيده، رشيد كرامي. وكما في كل عام، نجدد العهد معا بأننا سائرون على النهج الذي عمده رشيد كرامي بدمه، وحفظ أمانته عمر كرامي قابضا على الجمر، ولن نحيد عنه بإذن الله مهما كانت الصعاب والتضحيات. وإذ نكرر وبصوت عال، بأننا لم نسامح ولن ننسى، فإننا نكرر أيضا بأننا لسنا طلاب انتقام بل طلاب عدالة”.
وختم كرامي: “لن يتزعزع إيماننا بلبنان الواحد والمستقل في ظل الحرية والديموقراطية ودولة القانون، ولن نتنازل عن الاستقامة نهجا على خطى الرشيد وعمر، وسيظل شهيد لبنان رشيد كرامي الملهم والمرشد على مر الأيام. حمى الله لبنان”.
بعد ذلك، توجه كرامي الى ضريح الرئيس الشهيد في مدافن العائلة في باب الرمل لقراءة سورة الفاتحة عن روحه، بمشاركة رئيس بلدية طرابلس رياض يمق وحشد من القيادات السياسية والاقتصادية والدينية والأحزاب والقوى الإسلامية والوطنية والشعبية.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام