رأيت من حقي الوقوف على ناصية كل شارعٍ في وطني، أتأمَّل من تظلَّلوا بالعلم اللبناني في الساحات، يُطلقون صرخات ليست مطلبية بل بديهية في قاموس كرامة العيش، ولو أن مسامعنا تخدَّشت بما لا يجوز، وعيوننا كانت شاهدة على “الثورة المخطوفة”، وعلى الحراك الذي امتطته بعد اليوم الثالث عفاريت غير منظورة لا علاقة لها بوجع المظلومين ودمعة المقهورين، لتثير الفوضى وتنشرها على امتداد خارطة وطن، وتحاول ان تسرق الحراك الشعبي على غفلةٍ من عشرات الآلاف الذين نزِلوا بتلقائية وعفوية للمطالبة بالتغيير.
ليس يكفي أن يجمعنا العلم اللبناني، لنكون على ثقة أن ما مِن إختراقٍ بين صفوف المتظاهرين مِمَن يحملون الهوية اللبنانية المُلتَبِسَة، وليس هناك ما نُفَاخر به، أننا توحَّدنا سُنَّة وشيعةً ومسيحيين ودروزاً، لأن الخطأ أن نكون خلاف ذلك، نحن الذين تشاركنا المُعاناة والقهر، في معيشتنا وفي صبرنا وفي أحلامنا الواحدة بسلطة تحترم شعبها وتليق بوطن المقاومة الذي رُوِي ترابه بدماء الشهادة في مواجهة الصهيوني والإرهابي وسحقهما، وكان حرِيَّاً بالمواطنين الغاضبين او بعضهم عدم ركوب موجة الفوضى الإقليمية التي يُريدها الأميركي ويصنعها مع الإسرائيلي والخليجي، عبر أموالٍ مشبوهة بأيدي عملاء داخليين.
سمعنا الآلاف من المطالِب المُحِقَّة وأبكَتنا الحناجر الموجوعة، لأن الشعب اللبناني هو من أهل الكرامة وتليق به الحياة الكريمة، وفيما رأى بعض المتظاهرين ان قطع الطرق وسيلة احتجاج وضغط رأينا في قطع الطرقات عدم جدوى، سوى تقطيع أوصال الوطن واستقطاع وقت من حياتنا اليومية ومن الدورة الإقتصادية، وإذا كان الحراك الشعبي مطلوباً ومحموداً فإن التحركات المشبوهة التي تمتطيه وما زالت – بإيعازات خارجية – جعلت كثيرين منا ينأون بأنفسهم وسط صيحات السباب والشتائم الهادفة ان يكون هناك شارعٌ مقابل شارع.
اعتبر الكثير من المتظاهرين استقالة الحكومة نصرا وبعضهم اكتفى وبعضهم طالبوا بالمزيد، والعِبرة الآن في إعادة تشكيل حكومة في زمنٍ لا نتمتَّع فيه بِتَرف الوقت، فاهدأوا ليس عن الثورة المطلبية با أخوتنا في المُواطنة اللبنانية، بل عن الغوغائية التي أسقطوكم بها في الشارع، ونحن واثقون أن من كانوا مؤتمنين على الدماء وعلى تحقيق السيادة والكرامة الوطنية، هُم الضمانة لتحقيق العيش الكريم عبر دولةٍ تستحق شعباً صابراً ووطناً كريماً كتب ملاحم البطولة على جبين الشرق…
المصدر: موقع المنار