أدى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان صلاة عيد الأضحى المبارك لهذا العام في مسجد الإمام الحسين، في برج البراجنة، بعدما ألقى خطبة العيد التي جاء فيها: “له الحمد على نعمة الدين والايمان والحج والإنعام، وهو القائل: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا، ميثاقا منه قاله بعد شريعة الحج، وحجة وداعه’، وذلك قوله: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، مؤكدا أن الدين بالداعي اليه، والناظر عليه، والمعتمد من قبل ربه، والمنصوص بشريعة السماء، لذا حين وحدهم بالكعبة، وحدهم بالدين والايمان أولا، ودلهم على الصراط، والقائمين عليه، وحرم عليهم الفرقة والنزاع، وسماهم أخوة، ودعاهم بالأمة، وعصمهم بدينه ونبيه وأوليائه وذمته، لذا وقف النبي’ في مكة في أيام الحج، فحرم عليهم دماءهم وأموالهم وأعراضهم وذراريهم وكافة أنواع الخصومة والعدوان، وأكد أن حرمتهم أعظم من حرمة الشهر الحرام والبيت الحرام، وذلك ليقول للمسلمين في عهده، وفي الآتين من بعده الى يوم القيامة، إن عصمتهم بالدين وليس بالشياطين، هي بولاية الله ونبيه وأهل بيته، وليس بعدو الله أبي جهل أو من يلعب دور أبي جهل، أو بابن أبي سلول، أو اليهودية وشبهها، بقتل المسلمين، وتخريب أوطانهم، وتدمير بلدانهم، وتمزيق وحدتهم، وذلك بعدما أكد سيادة القانون والقيم والمعايير ليمنع سلطة الأشخاص وأنواع الدكتاتوريات كافة”.
وتابع: “بالتالي، فإن الطاعة هي لله ونبيه وأوليائه والمبادئ التي أكدها، وليست للسلطات الشخصية، والظواهر السياسية المستبدة، نعم هذا هو موقف العيد، لأن العيد أكبر معاني الطاعة لله، على قاعدة تأكيد العهد مع الله وميثاقه، وليس مع الامريكان أو اليهود أو تضييع المقدسات كالقدس وفلسطين، أو تحويل ليبيا ميدانا للدماء، أو العراق مركزا للهيب الفتنة الطائفية والمذهبية، أو اليمن الى مشروع حرب الدول المتعطشة للدماء، أو سوريا ساحة لتحالف النفاق والارتزاق بقيادة الأمريكي وحلفائه، لتمزيق بلاد المسلمين والعرب وتقسيمهم، لصالح المشروع الأمريكي الإسرائيلي، الذي يعيش على القتل والخراب والفتنة والتقسيم والطائفية وطاعون الأعراق وغير ذلك، وصولا الى لبنان الذي أريد له أن يكون نموذج التمزيق الطائفي والكانتونات المتحاربة، إلا أنهم فشلوا فشلا ذريعا ولأسباب كثيرة، أهمها الخطاب الوطني، وإصرار المقاومة على حماية لبنان من اللعب بالنار الطائفية، فضلا عن تحريره وحمايته، من أكبر وأخبث عدويين، هما الإسرائيلي والتكفيري”.
اضاف: “لذلك في يوم الله الأكبر، يوم التضحية، حيث يجب أن تذبح هواك الباطل، ورغباتك الفاسدة، وفعلك المحرم، ليقبلك الله، إننا نؤكد على ضرورة الصلح الديني والأخلاقي والسياسي، بين دول المنطقة، لحماية المنطقة من النار الأميركية الإسرائيلية، كما نؤكد ضرورة التمسك بالسلم الأهلي في لبنان، وحماية البلد من الطائفية، ومنع اللعبة المذهبية، وتأكيد قيم المواطنة كأساس للقانون والدولة، لأن المزيد من تكريس الطائفية بالقانون والتوظيف وتقاسم السلطة والمرافق والمؤسسات، يزيد من أزمة مشروع الدولة، ويضع لبنان في قعر الازمات، فمعادلة الطوائف والتوازنات والمناصفة والعدد وكل هذه العبارات الفارغة، أثبتت فشلها وعدم صلاحيتها، ولا تليق أبدا بدولة الإنسان، ولا بحقوق المواطنة، بل هي انتهاك صارخ وفاضح لكل مستحق وصاحب كفاءة. إننا في هذا العيد المبارك نؤكد:
أولا: على ضرورة تأمين حلف وطني وظيفته حماية مشروع الدولة من السقوط.
ثانيا: نحذر من لعبة التعطيل والصفقات الجانبية، ونؤكد أن القرار السياسي يجب أن يكون في مقدار الازمة الوطنية وليس في مقدار نفوذ الزعامات والمحاور أو قيمة الصفقات ونوعها.
ثالثا: إن أزمة لبنان الاجتماعية الاقتصادية وكما يعلم الجميع أصبحت خانقة جدا، ولا بد من حل يعتمد الأساس البنيوي للمشروع الاقتصادي الاجتماعي، ورغم ما قامت به الحكومة ومجلس النواب بخصوص الموازنة، إلا أن هذا ليس كافيا وهم يدركون جيدا أنه ليس كافيا، لأن البلد يحتاج الى من يعطيه وليس الى من يأخذ منه، فالمشكلة اليوم بمن يأخذ، وليس هناك من يعطي، وبخاصة من يحاول أن يجير المصلحة العامة للمصالح الخاصة، وما أكثرهم، والصفقات المفضوحة أكبر دليل عليهم، فللأسف نحن لسنا في دولة، بل نحن نعيش مقاطعات طائفية، وولايات مذهبية، وراحوا يتقاسمون الدولة بإسم الزبائنيات وحقوق الطوائف، الأمر الذي أدى الى تفككها، وتعطيل المؤسسات، وتفشي الفساد، ونهب المال العام، وارتفاع المديونية، وازدياد البطالة، وانعدام النمو، حيث لا كهرباء ولا مياه ولا بنى تحتية ولا خطط اقتصادية، ولا رؤى تنموية.
رابعا: نعيد التأكيد على خيار الجيش والشعب والمقاومة، كأساس لأمن لبنان القومي، بل لأمن المنطقة وحمايتها من كل غزو”.
وقال: “أما على مستوى العلاقة مع سوريا، فإننا نؤكد ضرورة قراءة الواقع ببساطة، وكفى مكابرة، لأن زمن المراهنات سقط، ولم يعد في أيدي المراهنين من حيلة، لذلك لا بد من التنسيق -على الأقل تنسيق الضرورة-مع سوريا، بالأمور المشتركة لحل الازمات المشتركة، وأهمها قضية النازحين. وإذا كان لا بد من نصيحة في يوم الله وعيده، فإننا بكل صدق ومن صميم القلب ننصح المملكة العربية السعودية بالجلوس مع إخوانهم الإيرانيين بروح صادقة، لحل مشاكل المنطقة، وإيران جاهزة لذلك، وقادرة على تأمين شروط عدالة المنطقة واستقرارها، بعيدا من مقولة الهيمنة والاستبداد، بل علاقة قائمة على الثقة”.
وختم قبلان: “من مفهوم هذا العيد المبارك، يجب أن نعمل جميعا لله، وأن نقوم بأمره، وبخاصة بمراده من إنسانه، والنظر بما يؤول اليه أمر آخرتنا، لأن كثيرا ممن حكم وملك وتمكن، في النهاية سيق على الاكف الى حفرته، وليس معه الا عمله، ليلاقي ربا لا يقبل ظلما ولا فسادا ولا اضطهادا أو استبدادا، ولا يقبل بتضييع البلاد والعباد، فاتقوا الله وسابقوا اليه واعلموا أن من يربح الدنيا بخسارة الاخرة يخسر الدنيا والاخرة، وليس أسوأ عند الله من ظلم عباد الله. أضحى مبارك وكل عام وأنتم بخير”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام