لماذا يحتاج العالم للصين أكثر من حاجة الصين إليه؟ .. سؤال إجابته تكمن في الاستراتيجية التي انتهجتها بكين خلال السنوات الخمسة الأخيرة والقائمة على تعزيز النمو الاقتصادي من خلال تحفيز الطلب المحلي أكثر من التركيز على الصادرات.
فجملة صنع في الصين التي غزت العالم منذ 40 عاما تكشف ضخامة الإنتاج الصيني ومدى ارتباط اقتصادها بحركة الاقتصادات العالمية.
ومع انفجار الأزمة العالمية في عام 2008، والتي أجبرت الاقتصاد الصيني على دفع ثمن اعتماده الكامل على الصادرات لجأت بكين إلى تفعيل سوقها المحلي لتقليل تأثير ضعف الصادرات على نمو الناتج المحلي، وذلك من خلال تحفيز الاستهلاك المحلي الذي نما خلال السنوات الأخيرة بقوة وساهم بنسبة 60 في المئة من النمو الاقتصادي خلال الفترة مابين 2015 إلى 2018 من خلال تنوع المشاريع وتوفير الآف فرص العمل من خلال الشركات والمصانع التي شهدت فورة نمو قوية.
وبمعنى آخر أصبحت الصين أكثر اعتمادا على نفسها وأقل تعرضا لبقية دول العالم خاصة في ظل الحرب التجارية الحالية مع أميركا.
هذا التحول في استراتيجية الصين غيّر من مشهد العلاقة بين التنين الصيني والعديد من الدول والشركات العالمية والتي كانت و لا تزال أسواقا رئيسية للمنتجات الصينية وأبرزها الاقتصادات الآسيوية.
وترتبط هذه الدول بدرجة كبيرة مع الصين عبر سلاسل التوريد ورؤوس الأموال التي تضخها الصين على شكل استثمارات وتحديدا في الدول الآسيوية، التي أصبح مصيرها مرتبطا بمصير الاقتصاد الصيني لا العكس.
وإلى جانب ذلك كله فإن الشركات العالمية العملاقة لا تزال تتسابق على اقتحام السوق الصيني الذي يتميز بضخامة قاعدة المستهلكين وتوفر الأيدي العاملة الماهرة والرخيصة.
لذلك فإن من أهم ما يميز التنين الصيني قدرته على التكيف من خلال وضع الحلول التي تضمن تحفيز الاقتصاد وحمايته من الوقوع في فخ الأزمات عبر قوانين وتشريعات متوازنة رغم المطالبات بالمزيد من الانفتاح على الأسواق العالمية.
وتحظى الصين اليوم بشراكات نشطة مع بلدان في جميع أنحاء العالم، وهو ما دفع العديد من القوى العالمية إلى الدخول في شبكة الشراكة العالمية مع الصين، لتبدو الصين كأحد أبرز المستفيدين من “العولمة” وهي النتيجة التي لم تكن متوقعة مع بدء طرح العولمة، ففي الوقت الذي تتزايد فيه الأصوات المناهضة للعولمة في الغرب، تحدث مفاهيم العولمة تحولات غير مسبوقة في الصين وعدد من القوى الناشئة، وهو ما دفع الصين إلى الدعوة إلى ما هو أبعد من احتضان العولمة إلى العمل على دعم مبادئها والمحافظة على استمرار دعمها.
وتقدم مبادرة “الحزام والطريق” نموذجاً واضحاً يعكس سياسة جمهورية الصين، باعتبارها نموذجا جديدا للتعاون الدولي بين معظم البلدان والمناطق في العالم وسيضمن المشروع تحول الصين إلى ما يمكن وصفه بالعمود الفقري للتنمية في العالم في وقت قصير.
ولا شك أن مؤشرات عديدة طرحتها تقارير دولية تؤكد مدى القوة التي باتت تحتلها الصين فيما يعرف باقتصاد المستقبل، فالصين تتصدر العالم في مختلف القطاعات التكنولوجية والاقتصادية، ابتداء من الذكاء الاصطناعي إلى الطاقة المتجددة والبنية التحتية والقطاعات الطبية، وصولا إلى التكنولوجيا الزراعية وأحدث وسائل النقل في العالم.
ويبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي الصيني حاليا نحو 13 تريليون دولار، فيما يتوقع أن يواصل الاقتصاد الصيني ابتعاده في الصدارة ليصل حجمه إلى 51 تريليون دولار بحلول عام 2040 .
وتتسارع في الصين اليوم وتيرة إنشاء المصانع المؤتمتة بالكامل والتي تخلو من العمال.
وتشير البيانات إلى أنها ضاعفت الإنتاجية 3 مرات وحسنت نوعية الإنتاج بنسبة 20 بالمئة، كما تنفرد الصين حاليا في صدارة دول العالم في بناء أحدث وأسرع شبكات القطارات، حيث أكملت بناء أكبر شبكة عالمية للقطارات فائقة السرعة والتي يطلق عليها “القطار الرصاصة”.
وتقود الصين التحول العالمي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، كمت أصبحت أكبر منتج للطاقة الشمسية في العالم من خلال المزارع البحرية.
ونجح العلماء الصينيون في تطوير نوع من الأرز الذي يمكن زراعته باستخدام مياه البحر المالحة، وتمكنوا من ابتكار أساليب لتحويل الأراضي الرملية إلى أراض خصبة صالحة للزراعة.
وفي ميدان الاتصالات المتطورة تحقق الصين تقدما سريعا نحو بلوغ هدف استخدام مليار صيني لشبكة الاتصالات المتطورة من الجيل الخامس “5G” والتي ستحدث ثورة في عالم الاتصالات وتنعكس على جميع الأنشطة الاقتصادية والحياتية الأخرى.
المصدر: سكاي نيوز