نص الخطبة
قوله تعالى: وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيب . هود:61
هناك الكثير من النصوص الدينية التي توحي بأن على الإنسان مسؤولية تجاه المحيط الذي يعيش فيه، وذلك بالحفاظ على جماله ونظافته ونقاوته، والالتزام برعاية الطهارة والنظافة على مستوى الشخصي وفي كل جوانب الحياة.
فكما يجب الحفاظ على الثروات النباتية والحيوانية والمائية وغيرها من مكونات البيئة من الافساد والتخريب والتلف والهدروالضياع، يجب الحفاظ على المحيط الذي يعيش فيه الانسان من الاوساخ والنفايات والدنس والقذارة، من أجل أن يعيش الإنسان في محيط نظيف وغير ملوث.
ولذلك أكد الإسلام على رعاية النظافة والنقاوة في كل جوانب الحياة، أكد على ضرورة الحفاظ على نقاء الهواء من الملوثات المختلفة، وعلى نظافة الثياب، ونظافة البيت، ونظافة الطعام والشراب، ونظافة الشوارع والطرقات والساحات والمرافق العامة كالمساجد والحدائق، ونهى عن أي تلويث عبثي للبيئة والمحيط، أو تخريب شي من جمال الطبيعة.
فالهواء يجب الحفاظ على نقاوته وعدم تلويثه باعتباره العامل الرئيسي لاستمرار الأحياء، فالأوكسجين عنصر أساسي في تغذية الإنسان والحيوان ، ولكن الصناعات الحديثة والانبعثات التي تخرج من السيارات والشاحنات ووسائل النقل المختلفة تسببت يتلويث الهواء، نحن لا نقول يجب الاستغناء عن هذه الوسائل وما شابه لكن يجب استعمالها بشكل صحيح وعدم الاضرار بالآخرين، وفي هذا المجال نجد أن من صلاحيات الحاكم أن يحول دون أن ينصب المالك تنوراً في داره يؤذي الجار بدخانه، فإذا كان هذا الأمر ممنوعاً، فما بالك في غير ذلك مما يشكل ضرراً أكبر يتجاوز الجار ليعم البشر كما هو الحال في الغازات السامة والاشعاعات النووية.
كما اننا نجد في مجال الحفاظ على النظافة والتطهير تشديد وتأكيد الاسلام على طهارة ونظافة جسم الانسان وثيابه باعتبار ان ذلك يساهم في حفظ البيئة، والإسلام اهتم بالنظافة اكثر من اهتمام اي دين او تشريع او قانون انساني بالنظافة، فجعل الطهارة والنظافة جزءًا لا يتجزأ من حالة الإيمان والتدين.
فقد روي عن رسول الله (ص) أنه قال: النظافة من الإيمان والإيمان وصاحبه في الجنة.
وجاء في سنن الترمذي عنه (ص): إن الله طيِّب يحب الطيِّب نظيف يحب النظافة.
وعنه (ص): تنظفوا بكل ما استطعتم، فإن الله تعالى بنى الإسلام على النظافة، ولن يدخل الجنة إلا كل نظيف.
فعلى الإنسان أن يلتزم تنظيفوتطهير جسمه وثيابه ومكان تواجده والأدوات التي يستخدمها في شؤونه، ليعيش نظيفًا نقيًا في محيط نظيف نقي.
ونظافة الجسم والاشياء المحيطة به من لباس وادوات هي ضرورة لصحة الانسان وعدم تعرضه للأوبئة والامراض المختلفة التي تنجم عن القذارة، وهي ايضا ضرورة لانها تنعكس على الجانب النفسي للإنسان، فيشعر بالراحة والارتياح على المستوى النفسي عندما يكون نظيفا، ونظافته تساعده على النجاح في علاقته مع الآخرين، وارتباطه بهم، حيث يرتاحون إلى مجالسته والاقتراب منه، بينما ينفرون ويتقززون من الشخص الذي تنبعث منه روائح كريهة، أو يرونه في منظر كريه.
ولشدة اهتمام الاسلام بنظافة جميع أجزاء جسم الإنسان، تحدثت النصوص الدينية بالتفصيل عن العناية بنظافة كل عضو من أعضائه، بدءًا من غسل شعر الرأس وحلاقته، واستحباب تسريحه وتمشيطه وتدهنه، وكذلك شعر اللحية والشارب، مرورًا بنظافة العين وكحلها، وتنظيف الأنف، والتشديد على نظافة الفم وتنظيف الأسنان بالسواك، الذي كاد رسول الله (ص) أن يجعله فريضة واجبة عند كل صلاة، لولا خوف المشقة على الناس، حيث ورد عنه (ص) أنه قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) وانتهاء بتقليم الأظافر.
إن ورود هذا العدد الكبير من الأحاديث والروايات حول نظافة الجسم، تدل على مدى اهتمام الإسلام بموضوع النظافة والطهارة. حتى عند النوم ينبغي للإنسان أن ينام نظيف الجسم، فقد جاء عن رسول الله (ص): طهروا هذه الأجساد طهركم الله، فإنه ليس عبد يبيت طاهرًا إلا بات معه ملك في شعاره، ولا يتقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً.
وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (من تطهر ثم أوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده).
ويظهر مدى اهتمام الاسلام بطهارة ونظافة البدن واللباس من خلال بعض الأحكام الشرعية المرتبطة بالعبادة حيث نجد ان أهم عبادة من عبادات الاسلام وهي الصلاة مشروطة بالوضوء والاغتسال وإزالة الخبائث عن البدن واللباس، فقد روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: “لا يقبل اللَّه صلاة بغير طهور.
ومن أجل أن يعيش الإنسان في محيط نظيف، أكد الإسلام اضافة الى نظافة الجسم والثياب على رعاية النظافة في كل جوانب الحياة، كنظافة البيت، ونظافة الطعام والشراب، ونظافة الشوارع والمرافق العامة ، وإزالة الأذى والضرر عنها، وهذا ما تذكره الأحاديث والروايات الكثيرة.
فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا اللَّه وأدناها إماطته الأذى عن الطريق.
وفي الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “إن على كل مسلم في كل يوم صدقة
قيل: من يطيق ذلك؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: “إماطتك الأذى عن الطريق صدقة”.
والأذى هنا يشمل كل ما يضرّ بالطريق ويشوه جماله ونظافته.
ولشدة اهتمام الاسلام والتشريع الاسلامي بالأماكن العامة والاقسام المشتركة فقد أفرد الفقهاء باباً في كتب الفقه أسموه بالمشتركات، والمراد بها الطرق والشوارع والمساجد وغيرها مما كان الانتفاع بها عاماً، ذكروا فيه أحكام التصرف فيها فقالوا مثلاً: لا يجوز التصرف لأحد في (الشارع العام) ببناء حائط أو حفر بئر، أو شق نهر أو غرس أشجار ونحو ذلك، ومن اضر بطريق او ممر او رصيف عام فانه يضمن التلف الذي احدثه في ذلك المكان، فقد ورد عن الإمام الصادق: “من أضرّ بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن”.
ويدخل ضمن الأذى الذي دعا الإسلام إلى رفعه وإماطته عن الطريق كل ما يضرّ بمستخدمي هذه الطرق، كإلقاء الزجاجات الفارغة وبقايا الطعام والنفايات وايقاف السيارات في الأماكن المعدّة للمشاة وعلى الارصفة او في الطرقات الضيقة والفرعية بحيث تعيق حركة الناس،فان ترك هذه التجاوزات إماطة أذى عن الطريق ومستخدميه وهو صدقة يؤجر عليها الإنسان.
ايضا من أنواع التلوث البيئي الذي يشكو منه الكثيرون التلوث الضوضائي أو السمعي، ويراد به الضجيج والأصوات العالية التي تؤذي السمع وتقلق الراحة وتتلف الأعصاب، وخصوصاً المرضى والأطفال ومن عملهم يحتاج إلى فكر وسكينة وهدوء.
فان البعض تجده يستهتر بمشاعر الاخرين وحرياتهم، ولا يهمه راحة الناس وما ينتج عن تصرفاته من ازعاج الناس ولا يهتم الا بنفسه وحب ذاته وتحقيق رغباتها وما يرضيها، فيطلق الاصوات المرتفعة من داخل بيته في الافراح وغيرها ويرفع من صوت التلفاز بما يؤدي الى ازعاج جيرانه او يطلق المذياع من سيارته على اقصى مدا او يملىء الدنيا زمامير او ما شاكل، وكأنه يعيش لوحده، وعندما تطالبه بذلك يقول لك انا حر؟!! انت حر عندما لا تتعارض حريتك مع حرية الاخرين، اما اذا ازعجت الآخرين وسلبت راحتهم فانت لست حرا، وانما عليك ان تقف عند حدودك وان تحس بالاخرين وتشعر بوجودهم، لذا تجد في الأحاديث والروايات ما يحث الفرد المسلم على الإحساس بالآخرين وان عليه ان يتخلى عن النوازع الذاتية والعوامل الفردية والانانية : اجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك فأحب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها.
ولذلك الموقف الشرعي من ما يمكن أن نسميه بالتلوث الضوضائي، واضح جدا وهو وجوب الحفاظ على الهدوء وعدم احداث الضجيج واطلاق الاصوات العالية التي تسبب ازعاجا للاخرين
يقول تعالى: (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) لقمان:19.
وما يستهدفه القران الكريم هو تربية الذوق الإنساني على أن يمارس الإنسان وظائف أعضائه بحكمة وهدوء، دون أن يسيئ إلى نفسه وإلى الآخرين.
وذم الإسلام للأصوات العالية والضجيج لا يقتصر على مضمون دون مضمون بل أن الأمر مرتبط بطبيعة الصوت أيّاً كان المحتوى والمضمون فحتى لو كان المضمون قرانا ولا شيء اعلى من القران، فلا يجوز استعمال المكبرات الصوتية بشكل مزعج إذا كان في ذلك إيذاء للناس، وإن تضمن قراءة القرآن الكريم.
نعم هناك أمور ورد الشرع برفع الصوت فيها من شأنها ألا تحدث ضجيجاً إذا روعيت فيها تعاليم الشرع وآدابه، كالأذان والتلبية في الحج، ومن الأمور التي يرجح رفع الصوت فيها صيحات التكبير في الحرب التي لها تأثيرها في تقوية قلوب الجنود المؤمنين وبث الرعب في قلوب أعدائهم.
أما ان تطلق الأصوات والمكبرات في أي وقت كان وأن ترفع إلى أبعد الحدود بحجة تضمنها القرآن الكريم أو غير ذلك مما هو راجح في نفسه، فهذا خاضع للقاعدة العامة القاضية بضرورة عدم الإساءة إلى الآخرين.
وهذا ايضا ينسحب على ما يحصل احيانا حتى في المساجد اثناء الصلاة حيث نسمع أحيانا رنين الهواتف من كل صوب بما يؤدي الى انصراف اذهان المصلين عن التوجه في صلاتهم وعباداتهم، او نسمع الضجيج وارتفاع اصوات البعض عندما يتحدثون بصوت مرتفع في المسجد، او نشاهد الفوضى والضجيج الذي يحدثه الاولاد اثناء الصلاة بما ينعكس سلبا على توجه المصلين في صلاتهم او في قرائتهم للقرآن وادعيتهم، فنحن نشجع على ارتياد اولادنا وابنائنا المساجد ليتربوا فيها على العبادة والطاعة لله، لكن على الاهل من الآباء والأمهات ان يضبطوا اولادهم داخل المسجد ويمنعونهم من احداث الفوضى والضجيج، كما ان على المصلين اقفال هواتفهم حين الصلاة حتى لا يعكر رنينها توجه المصلين في صلاتهم.
ان كل هذه الامور يجب مراعاتها لانها تدخل في اطار الحفاظ على الهدوء وعلى البيئة وفي اطار حماية المحيط مما نسميه بالتلوث السمعي او الضوضائي.
في مثل هذا اليوم من العام 2006 شن العدو الاسرائيلي على لبنان ابشع عدوان عرفه لبنان في تاريخ صراعه مع الكيان الصهيوني، استخدم فيه العدو كل آلته التدميرية من اجل القضاءعلى المقاومة وإبعاد اللبنانيين عنها، لكنه انتهى بالفشل والخيبة والهزيمة، بفعل الجهاد والمقاومة والتضحيات، وبفعل الوعي والبصيرة والصبر والتحمل والثبات، وتمسك اللبنانيين بمعادلة الجيش والشعب والمقاومة وكل عناصر القوة التي تحلى بها شعبنا ، ونحن لا زلنا بحاجة اليوم الى عناصر القوة هذه لمواجهة التحديات والعقوبات والاستحقاقات التي يفرضها علينا الاعداء حيث لا زلنا في قلب الصراع.فان الصراع قائم وان كان يتخذ اشكالا اخرى غير عسكرية ولا أمنية وانما سياسية واعلامية واقتصادية ومالية وغير ذلك، مما يستدعي التمسك بعناصر القوة التي نملكها حتى نستطيع مواجهة كل التحديات الجديدة.
نحن إنما نتمسك بالمقاومة لانها تحمي لبنان وتدافع عن الشعب اللبناني، وقد فعلت ذلك في كل مراحل الصراع مع العدو الصهيوني وفي مواجهة الارهاب التكفيري، والمقاومة بالنسبة إلينا هي قناعة راسخة، وفعل ايمان، وحق شرعي ووطني وقومي وقانوني واخلاقي وانساني ثابت، وكل محاولات التحريض والضغوط والعقوبات التي تمارسها الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها على حزب الله لن تزحزحنا عن التمسك بهذا الحق، ولن تغير من قناعاتنا ومواقفنا، ولن تثنينا عن متابعة طريق المقاومة ومواجهة الاحتلال والاطماع الاسرائيلية ومواجهة المحاولات الاميركية المستمرة للايقاع بين اللبنانيين وضرب وحدتهم الداخلية.
المصدر: موقع المنار