أكثر ما يحتاجه الصهاينة في هذه الأيام هو تذكر المقولة المشهورة لرئيس وزراء العدو السابق إسحاق رابين الذي تمنى لو ان غزة غرقت في البحر، نعم فغزة بالمقياس الصهيوني باتت عصية اكثر على الكسر وباتت اكثر ايلاما وفتكا بالنسبة للصهاينة والاهم من ذلك انها انتقلت الى موقع متقدم في صناعة مصيرها رغم الحصار المشدد ورغم الزمن العربي السيء الذي يركع فيه حكام من العرب امام الاميركيين والصهاينة عبر مشاركتهم في التآمر على فلسطين وتصفية قضيتها.
غزة في هذه الأيام باتت ثقلا يفرض ارادته بقوة العزيمة الممهورة بسواعد المقاومين الحاضرين الذين اثبتوا جدارتهم وكفاءتهم في الميدان، هذا الواقع اظهرته بقوة جولة المواجهة الأخيرة التي ثبتت مجموعة من الحقائق والتي كانت بارزة جدا في النقاش الداخلي الصهيوني الذي اعطى تقييما سلبيا وقاتما لأداء المستويات السياسية والعسكرية الصهيونية، ورسم جملة من الإنجازات السياسية والميدانية لفصائل المقاومة التي استطاعت باصرارها وحنكتها ان تفرض على الاحتلال الخروج من ما يسمى معادلة الهدوء مقابل الهدوء الى معادلة الهدوء مقابل الحقوق.
وبالعودة الى الصورة من الجانب الصهيوني فإن اغلب التعليقات والتحليلات التي حفل بها المستوى السياسي والإعلامي الصهيوني اكدت على مجموعة من المعطيات التي وصفت بالمقلقة والسلبية جدا والتي ولدت حالة من الخيبة والإحباط في داخل الكيان ومن هذه المعطيات:
- النتيجة الأبرز والتي اكد عليها قادة العدو ومن بينهم قادة الجيش وعلى رأسهم رئيس الأركان افيف كوخافي هو انه لا مناص من الخروج بحل جذري للوضع مع قطاع غزة، والحديث هنا ليس عن الخيار العسكري انما البحث عن طبيعة التسوية السياسية التي توصل الى حل يضمن الاستقرار والهدوء لأطول فترة ممكنة وربما دائمة على جانبي الحدود، وهنا إشارة واضحة الى عقم الخيار العسكري في إيجاد حل للمعضلة بالنسبة للاسرائيليين وهذا يلقي الكرة في ملعب المستوى السياسي الصهيوني للتوصل الى ما يرضي الفلسطينيين في رفع الحصار عن القطاع ضمن صيغة يقبلون بها في اطار قناة الوساطة المصرية وهذا يمثل انتصارا كبيرا لمنطقة المقاومة التي اكدت على استمرار التحركات بمختلف الاشكال حتى رفع الحصار عن قطاع غزة.
- النقطة الثانية: سقوط محاولات رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو التملص من التزاماته ووضعه دائما امام خيار التصعيد طالما لم يلتزم بهذه الالتزامات، وقد بدا واضحا امام كافة المستويات في كيان العدو ان من يتحمل المسؤولية عن الجولة الأخيرة كان تلكؤ حكومة العدو عن الإيفاء بالتزاماتها التي تم التوصل اليها مؤخرا مع الجانب المصري، وربما توحي بعض التسريبات التي تحدثت عن موافقة ضمنية من قبل نتنياهو على فتح مرفأ في قطاع غزة رغبة الأخير في إيجاد حلول نهائية مرضية للفلسطينيين متجاوزا ربما ما قد يواجهه من اعتراض من قبل أحزاب اليمين طالما انه يدرك ان هناك قناعة على المستوى الصهيوني العام بضرورة حل الازمة مع قطاع غزة، وهذا قد يحرره الى حد ما من نيران الانتقاد ويجعله اكثر قدرة على الالتزام بتعهداته لان ذلك السبيل الوحيد لتوفير الامن للمستوطنين.
- ثالثا: تمكن المقاومة في نهاية الجولة من فرض شروطها كاملة فيما يتعلق بتخفيف إجراءات الحصار على المستوى البحري وتوسيع مساحة الصيد إضافة الى فتح الباب امام الأموال المقدمة لدعم الفلسطينيين ولاعادة ترميم ما دمر في الجولة الأخيرة وقبول الاحتلال باستمرار مسيرات العودة عند حدود القطاع وتعهده بعدم المساس بها او اطلاق النار نحو المتظاهرين، وقد اكدت المصادر الصهيونية على صحة الالتزامات ما يعني ان المقاومة انهت جولة المواجهة وفق أهدافها وشروطها.
- رابعا: على مستوى الشكل، كان واضحا ان من اعلن عن نهاية جولة المواجهات كانت فصائل المقاومة وهذه نقطة تحسب لها، حيث اعتبر محللون عسكريون ومن بينهم آفي بنياهو المتحدث السابق باسم الجيش ان هذه النهاية وبالشكل الذي أعلنتها فيه الفصائل قبل أي مصدر إسرائيلي عن موعد الدخول في وقف اطلاق النار تُمثل انتصارا على مستوى الصورة وتؤكد ان فصائل المقاومة باتت تمتلك المبادرة على مستوى البدء في جولات التصعيد وعلى مستوى انهائها مذكرا بالتجربة الإسرائيلية مع حزب الله في هذا الشأن.
- خامسا: أظهرت فصائل المقاومة بشكل واضح امساكها بالميدان وكانت طليقة اليد في إمطار المستوطنات بكميات غير مسبوقة من الصواريخ وصلت الى قرابة 700 صاروخ خلال 36 ساعة، وهذا يحمل مؤشرا عسكريا خطيرا بالنسبة لكيان الاحتلال إضافة الى ان هذه الصواريخ شملت صواريخ تستخدم لأول مرة كانت اكثر دقة وابعد مدى مع رؤوس متفجرة ضخمة وصل بعضها الى 250 كيلوغرام وهي تمثل كابوسا للصهاينة بعد ان رأوا حجم الضرر الذي الحقته المقاومة في مستوطناتهم، كما ان المقاومة لجأت الى تكتيكات الكثافة الصاروخية في أوقات قياسية ما أدى الى خرق منظومة القبة الحديدية ووصول اعداد كبيرة من الصواريخ الى قلب المستوطنات وايقاع عشرات القتلى والجرحى واحداث اضرار كبيرة وغير مسبوقة بالعمق الصهيوني، يضاف الى ذلك استعمال المقاومة طائرات مسيرة القت قنابل على الآليات العسكرية الصهيونية ولجوء فصائل المقاومة الى استهداف اليات العدو بصواريخ موجهة ما دفع سلطات الاحتلال الى دراسة انشاء جدران في بعض المناطق لحماية حركة الجيش والمستوطنين المكشوفة امام قطاع غزة.
- سادسا: فرار قرابة ثلث المستوطنين في غلاف غزة من مستوطناتهم اثناء المواجهات الى أماكن اكثر امنا داخل كيان الاحتلال، وهذا يؤكد حجم قدرة المقاومة على دفع هؤلاء لمغادرة المستوطنات وشعورهم بالهزيمة وعدم القدرة على الصمود في ظل الجحيم الذي وضعتهم المقاومة تحت وطأته، كما انه يؤكد ان هؤلاء الصهاينة لم يعودوا يمتلكون الثقة بقدرة حكومتهم وجيشهم في توفير الحماية لهم ما دفعهم الى البحث عن أماكن اكثر امنا.
- سابعا: سقوط الردع الصهيوني بشكل كامل، فرغم كل محاولات التهويل الصهيونية عبر استهداف الأبراج في قطاع غزة واعتماد سياسة التدمير لردع الفلسطينيين واللجوء مجددا الى سياسة الاغتيالات، فإن فصائل المقاومة أظهرت الإصرار على فرض شروطها على الاحتلال حتى اللحظة الأخيرة من دون ان تكون آبهة بتوسيع الاحتلال لعدوانه، وهذا ما اكد ان الاحتلال بات يفتقد لقدرة الردع امام إصرار المقاومين وهو في احسن الحالات بحسب التعليقات الصهيونية يعيش في ظل توازن للردع مقابل الفلسطينيين ما يحد قدرته الى حد كبير على ممارسة العدوان ضد الفلسطينيين.
- ثامنا وأخيرا: اكد قطاع غزة في الجولة الأخيرة على انه لا هدوء ولا اطمئنان للصهاينة طالما هناك معاناة نتيجة الحصار في قطاع غزة وان المستوطنين لن يهنأوا طالما هناك اجراءات وقيود مجحفة بحق الغزاويين لتكون الخلاصة والعبرة الواضحة امام الصهاينة هي انه لا هدوء عند الحدود طالما بقي قطاع غزة تحت الحصار.
المصدر: موقع المنار