في الليلة التاسعة عشر من شهر رمضان المبارك، (عند الفجر) من عام 40 للهجرة تسلل الى مسجد الكوفة احد التكفيريين من بقايا خوارج النهروان ليقتل إمام المسلمين وخليفتهم الامام علي بن أبي طالب (ع) في محراب الصلاة، لأنه “كفّره”، “نحن في هذه الليلة أمام ذكرى إقدام ظاهرة تكفيرية وتكفيري كفّر إمام المسلمين ومجتمع المسلمين وكل المسلمين وأباح دماءهم بل أباح قتل إمامهم في بيت الله وفي مسجد الله عز وجل” *.
هذه الظاهرة التي عانى منها العالم كله بالقتل غدرا للابرياء والمدنيين، تجسدت بأوضح صورها مع إمام المسلمين قبل 1398 سنة من اليوم، وتمت جريمة الاغتيال والغدر في أقدس الاماكن في بيت الله ومحراب الصلاة دون ان يقيم المجرم التكفيري عبد الرحمن بن ملجم أي حرمة للمكان ناهيك عن انه لم يخاف الله في قتل النفس الطاهرة ظلما وعدوانا خاصة ان الشهيد هو امير المؤمنين(ع).
وهذا الإهدار لحرمة المساجد نشاهدها في الاعتداءات التي قامت وتقوم بها العصابات الارهابية التكفيرية التي نهلت من نفس الينبوع الذي شرب منه المجرم ابن ملجم، فمن تفجير الاضرحة الطاهرة الى تفجير المساجد وهدم قبور المسلمين من العراق الى سوريا وغيرها من الدول، وصولا الى تفجير الارهابيين انفسهم بالمصلين داخل بيوت الله في الكويت والسعودية وسوريا بدون التفريق بين مسلم ومسلم لاي مذهب او طائفة، فالجماعات التكفيرية التي تكفر الجميع والتي كفرت إمام المسلمين شخصيا لا تتردد بتكفير الانسان لاي دين انتمى.
وهذه الظواهر التكفيرية الممتدة عبر التاريخ كما لم تتوانَ عن تفجير بيوت الله لا تتوانى في تفجير الحسينيات والاسواق والمدارس والمطارات في بلجيكا وفرنسا والمانيا وسوريا والعراق والكويت واليمن ولبنان والسعودية وتركيا وغيرها من الدول.. لقتل الابرياء أيا كانت هويتهم وايا كان جنسهم او لونهم في اعتداء واضح على حق الانسان بالحياة وفي مخالفة صريحة لنص الآية القرآنية الكريمة: “وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ”(33 الإسراء).
ما يؤكد ان هذه المدرسة التكفيرية الارهابية تنهل من مصادر غير الدين الاسلامي وغير الرسالة المحمدية التي أرسل بها الرسول محمد بن عبد الله(ص)، لانه لا يحق لاحد في الاسلام ان يقتل نفسا وهبها الله الحياة ولا أحد يقبل بنسب الافعال التي تقوم بها الجماعات الارهابية التكفيرية الظلامية الى الاسلام لانها بذلك تشوه صورة الاسلام وتظهر للرأي العام انه دين قتل وسفك دماء وقطع رؤوس، بينما الاسلام هو دين العدل والتسامح واللين وهي من مبادئ كثيرة جاء بها الرسول محمد(ص) واسس عليها كل هذه العظمة للاسلام.
وما يؤكد ان الاسلام دين الرحمة ورأفة وعدل وعفو عن الآخرين هو كيفية تصرف الامام علي(ع) بعد الاعتداء عليه من قبل ابن ملجم هو في حالة السجود في صلاته، فالامام رفض قتل التكفيري ابن ملجم او التنكيل فيه كي لا يكون قتله انتقاما وتشكل ردة الفعل خروجا عن تعاليم الدين بل أراد تقديمه لمحاكمة عادلة وينال العقوبة التي يستحقها وان يكون نصيبه ضربة كالضربة التي وجهها للامام علي(ع)، الذي طلب من اولاده إطعام ابن ملجم من نفس الطعام الذي يأكل منه…
ولكن في العام 2016 ميلادية الموافق للعام 1438 هجرية هناك من ما يزال يسير على درب وسلوك المجرم ابن ملجم حيث يكفر المسلمين لانهم خالفوا “الافكار الشيطانية” التي يعتقد بها هو حتى ولو كان هؤلاء المسلمون من العلماء العاملين او من الاناس المفكرين المؤمنين المسالمين، وفي المقابل هناك من المسلمين من يسير على تعاليم وسيرة الرسول محمد بن عبد الله(ص) وابن عمه الامام علي(ع) في إظهار الصورة الحقيقية للاسلام في التلاقي مع الآخر والتحاور والتعايش مع الانسان بصفته إنسانا بغض النظر عن اي معايير آخرى.
وللمفارقة في فكر الخوارج، أنهم كفروا إمام المسلمين في عصرهم الذي وجب عليهم إطاعته، وهنا تطرح اشكالية، فلو كانت حركة الخوارج على زمن الرسول محمد (ص)، هل كانوا مستعدين لتكفيره أيضاً، لو قام بعمل لا يستسيغوه او لا يتماشى مع مزاجهم او أهوائهم.
* من كلمة الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله في ذكرى اربعين القائد الجهادي الكبير الشهيد مصطفى بدر الدين في 24-6-2016.
المصدر: موقع المنار