يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ﴾.
لقد تم التباني على اعتبار الاسبوع الأخير من شهر شعبان اسيوعا للمسجد وبهذه المناسبة سأتحدث عن المسجد ومكانته وآداب ومستحبات المجيء اليه والحضور والصلاة فيه.
المسجد هو المكان الذي اختاره الإسلام إطارا لاجتماع المسلمين والمؤمنين ليس للعبادة وأداء الصلاة فقط، بل للعلم والمعرفة والتفقه والتعارف والتواصل وانشاء الصداقات وتعزيز العلاقات والروابط الأخوية بين المؤمنين، ومكانا أيضا لتنمية روح التكافل والتعاون بين المسلمين ورفع مستوى الإهتمام بشؤونهم وأمورهم، ومكانا للتعبئة الإيمانية والرسالية والجهادية، وهذا النوع من القيم والتربية لا يمكن أن يحصل عليها الانسان لا في المقاهي ولا في المطاعم ولا من خلال ارتياد الأندية المختلفة وإنما يحصل عليها من خلال ارتياده وتردده الى المسجد.
لقد كان المسجد تاريخيا ومنذ عهد النبي (ص) يقوم بهذه الأدوار ولايزال يقوم بها ويجب أن يبقى كذلك في المستقبل.
كان وسيبقى مركزا لبث الوعي وشحذ الهمم والحث على تحمل المسؤوليات ومنطلقا للعمل والعطاء والجهاد وتقديم التضحيات.
ولذلك فإن معظم مجاهدينا الذين سلكوا طريق المقاومة ومعظم شهدائنا الذين قضوا على طريق المقاومة كانوا من رواد المسجد وأهل المسجد عبدوا الله فيه وتربوا فيه وتحملوا مسؤولياتهم إنطلاقا منه.
وانطلاقا من أهمية الدور الذي يقوم به المسجد على صعيد بناء شخصية الإنسان المؤمن وعلاقاته ومسؤولياته اتجاه ربه واتجاه الآخرين، فقد أكد الاسلام على العديد من الأمور المتعلقة بالمجيء الى المسجد والحضور والصلاة فيه والمظهر الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن عندما يأتي الى المسجد:
أولا: حث الاسلام على المشي الى المسجد والحضور فيه من خلال الكثير من الأحاديث التي أكدت فضل وثواب ارتياد المساجد واالصلاة فيها.
عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : من مشى إلى مسجد من مساجد الله فله بكلّ خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات ، ومحي عنه عشر سيّئات ، ورفع له عشر درجات.
عن الامام الصادق عليهالسلام قال : ما عبد الله بشيء مثل الصمت والمشي إلى بيته .
ثانيا: اكدت الروايات على أداء الصلاة جماعة في المسجد، وأنّ الصلاة جماعة في المسجد لها فضل عظيم وثواب جزيل، فعن الإمام الصادق عن آبائه – في حديث المناهي – قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ومن مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكلّ خطوة سبعون ألف حسنة، ويُرفع له من الدرجات مثل ذلك، فإن مات وهو على ذلك وكّل الله به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره ويُبشّرونه ويؤنسونه في وحدته، ويستغفرون له حتّى يُبعث”.
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: “الصلاة في جماعة تفضل على كلّ صلاة الفرد بأربعة وعشرين درجة, تكون خمسة وعشرين صلاة.
ثالثا: التأكيد على الحفاظ على نظافة وطهارة المسجد بحيث أنه اذا وقعت نجاسة فيه فإنه تجب المبادرة الى إزالتها فورا وتطهيره ولا يجوز تركه متنجسا، كما ورد استحباب الاهتمام بتنظيف المسجد وكنسه وإزالة الغبار عن الأشياء التي فيه، ففي الحديث: «من كنس من المسجد غبارًا أو ترابًا ولو بمقدار ما يذرّ في العين غفر الله تعالى ذنوبه.
إن هذه التوجيهات والمستحبات ترشدنا إلى أننا من المفترض أن نعتني بالمسجد ليكون مكانًا نظيفًا وأنيقا ومرتبا ؛ وأن تكون هناك مبادرات من المؤمنين للقيام بحملة تنظيف للمساجد بين الحين والآخر حتى لو كان هناك إدارة وخادم في المسجد، لأن التعاون في هذا المجال له فضل كبير وثواب عظيم.
ولذلك كنا نرى بعض الأولياء ووالعلماء الكبار والمؤمنين الصالحين يحرصون على المشاركة في تنظيف المساجد والبقاع المطهرة والمقدسة، وإن كان هناك خدام لها، وذلك من أجل الحصول على الثواب والكرامة من الله سبحانه، ولذلك نرى الإمام القاد السيد علي الخامنئي دام ظله يقوم سنويا بالمشاركة في تنظيف ضريح الإمام الرضا (ع) وحرمه المقدس. ومن المظاهر السلبية المؤسفة أن نجد ـ في المقابل ـ البعض لا يتعب نفسه حتى في إزالة بعض الأوراق أو المحارم التي يجدها صدفة على فرش المسجد أو في بهو المسجد، كما أن البعض يستعمل بعض نسخ القرآن او كتب الأدعية او السجدات ويتركها على الأرض مبعثرة ولا يتعب نفسه في إعادتها الى مكانها .
المسجد هو بيت الله الذي ينبغي أن يعتني المؤمن بنظافته وأناقته ويحافظ على ترتيبه أكثر من بيته.
رابعا: التأكيد الكبيرعلى مسألة الأناقة والنظافة والتجمّل والمظهر الحسن الذي ينبغي أن يظهر فيه المؤمن عندما يأتي الى المسجد، حيث إن على الإنسان أن يهتم بأناقته ونظافته ومظهره الحسن حينما يأتي إلى المسجد وصلاة الجماعة ليكون النموذج الأرقى والأفضل في مظهره وسلوكه للآخرين.
والآية 31 في سورة الأعراف صريحة في ذلك، حيث يقول تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ .
ولذلك على ىالانسان المؤمن ان يأتي الى المسجد نظيف الجسم حسن المظهر وانيقا ، فيستحب للإنسان ـ وخاصة يوم الجمعة ـ الاغتسال يوم الجمعة استحبابًا مؤكّدًا، كما يستحب أن يلبس أحسن ثيابه وأن يضع الطيب والعطر، ليظهر بمظهر أنيق أثناء تواجده في المسجد وأثناء الصلاة فيه، ليعكس صورة جميلة عن مجتمع المسلمين والمؤمنين.
ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: ليتزيَّنْ أحدكم يوم الجمعة يغتسل ويتطيب .
وعن الإصبغ بن نباتة يقول: «كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إذا أراد أن يوبّخ الرجل يقول: والله لأنت أعجز من التارك الغسل يوم الجمعة.
ومن المستحبّات يوم الجمعة أيضًا لبس الثياب الأنيقة والنظيفة، وحضور المسجد باللباس الذي يليق بمكانة المسجد وصلاة الجماعة، لا كما يفعل البعض يستخف بمسألة النظافة وإظهار الأناقة والاحترام للمسجد، حيث نرى بعضهم يتصرّف بعض التصرّفات غير اللائقة بمكانة ومنزلة المسجد، فنجدهم يأتون للصلاة بثوب النوم او بالشورت بثياب العمل المتسخة.
وهذا خلاف الذوق، فالإسلام يريد للمسلمين أن يكونوا في أفضل مظهر عندما يقفون بين يدي الله في المسجد للصلاة وعنما يواجهون الناس ويلتقون بهم في المسجد وخارج المسجد.
الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) عندما كان يريد الصلاة كان يرتدي أحسن ثيابه، فلما سئل، أجاب: إن الله جميل يحبّ الجمال، فأتجمّل لربي، وهو يقول: ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ .
وهناك روايات كثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام) تحثّ الإنسان على العناية بالمظهر الحسن.
فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتجمّل لأصحابه فضلاً على تجمّله لأهله، ويقول: إن الله يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمّل.
كما أنه ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قوله: إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده.
خامسا الحفاظ على الهدوء في المسجد والدخول إليه بسكينة ووقار:
فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: «بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ سمع جلبة رجال، فلما صلى، قال: «ما شأنكم؟» قالوا: استعجلنا إلى الصلاة، قال صلى الله عليه و سلم: «فلا تفعلوا، إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا»، والمطلوب من المسلم أن يحافظ على هذا الوقار، وهو بداخل المسجد، ولا يرفع صوته بكلام ولا ثرثرة، تقديسًا لبيت الله، ولئلا يسبب تشويشًا للمصلين، أو روّاد المسجد.
هذه المظهر من السلوك الحضاري يجب ان نقدمه عن المسجد لكي يؤدي رسالته الحقيقية.
في بث الوعي وإيجاد الحصانة للإيمانية لدى المؤمنين ودفعهم لتحمل المسؤوليات
لقد تحمل اهلنا مسؤولياتهم في الانتخابات التي جرت يوم الأحد الماضي وبالرغم من الحملات الإعلامية والسياسية التي شنت على المقاومة ولغة التحريض التي استخدمها الطرف الآخر في خطاباته الانتخابية للتأثير على جمهور المقاومة وخياراته، خرج شعبنا في يوم الانتخابات بكثافة وتحمل مسؤوليته الوطنية في الإقتراع للوائح الأمل والوفاء وحقق نتائج لخيار المقاومة فاقت توقعات الخصوم وحتى الأصدقاء.
لقد حققت المقاومة في الانتخابات النيابية وفي المعركة السياسية التي فرضت عليها انتصاراً سياسياً كبيراً يكمّل انتصاراتها الميدانية، وأفشلت كل الرهانات الداخلية والخارجية التي كانت معقودة على الانتخابات النيابية لإضعافها وتحجيمها، وبرهن أهلنا من جديد أنهم أهل الوعي والثبات والتضحية والوفاء، فخروجهم إلى صناديق الاقتراع بكثافة وإدلائهم بأصواتهم للمقاومة وللوائح الأمل والوفاء تلبية لقائد المقاومة سماحة الأمين العام حفظه الله كشف مرة أخرى أن شعبنا بما يملك من وعي وبصيرة لا يؤخذ بالتضليل والتشويش والتحريض، وأنه شعب عصي على التآمر، ووفيٌ لدماء شهدائه وإنجازات مقاومته.
لبنان بعد الإنجاز السياسي الكبير الذي حققته المقاومة وحلفاؤها في الإنتخابات النيابية بات أمام مشهد جديد يُحمّلنا ويُحمّل حلفائنا مسؤوليات كبيرة على صعيد بناء الدولة وخدمة الناس ومكافحة الفساد. ونحن من جهتنا سنتحمل هذه المسؤولية بكل صدق وإخلاص وجدارة وسنكون أوفياء لأهلنا كما كانوا على الدوام أوفياء للمقاومة وتضحياتها وشهدائها.
المصدر: موقع المنار