الترشيحات، بين الحزبية والفردية والكيدية! – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

الترشيحات، بين الحزبية والفردية والكيدية!

parlement
أمين أبوراشد

لا أحد يُنكِر على أي لبناني حقَّه بالترشُّح للإنتخابات النيابية متى استوفى شروط “الأهلية القانونية”، لكن يجب أن نعترف ونحن نتابع الترشيحات الواردة الى وزارة الداخلية، أننا لم نبلُغ لغاية الآن مرحلة الكمال في ممارسة السياسة من خلال الأحزاب والبرامج، مع حفظ الحق الطبيعي للمرشَّحين المُستقلِّين غير الحزبيين، وتسجيل الأسف على مرشَّحين يُمكن وصفهم بالكيديين، يعتمد خطابهم على سلبية المواقف من الآخرين، دون أن يكون لديهم إيجابيات في طرح بدائل لما يعتبرونها مشاكل إقتصادية أو إجتماعية.

الترشيحات على المستوى الشخصي نادرة لدى الديموقراطيات الحديثة، باستثناء من يحملون مشروعاً محدداً يعملون عليه طيلة فترة ولايتهم عبر تسويقه بين الكتل البرلمانية لدراسته، وقد ينجحون في تسويقه أو يفشلون، لكن المشكلة في لبنان أنه نادراً ما عرفنا ترشيحات فردية مقرونة بمشاريع جدِّية، بل ببرامج انتخابية “عرقوبية” تتبخَّر فور صدور النتائج وإعلان الفوز، لكن للترشيحات الفردية أحياناً مبرراتها، متى تلكأت الدولة عن القيام بواجباتها ويغدو المواطن أسير وعود إنتخابية إنمائية مرتبطة بشخص المُرشَّح، يُغدق بها على ناخبيه وهي أصلاً من بديهيات حقوقهم!

ولسنا هنا في وارد الدعاية الإنتخابية للأحزاب، لكن الخروج من الإنتماء العائلي والعشائري الى ساحة الوطن يستلزم حياة حزبية إذا كنا نؤمن أن السياسة هي حسن إدارة الشأن العام، وأن الأحزاب هي نواة الشراكة الوطنية، بصرف النظر عن قدرة الأحزاب على تحقيق برامجها الإنتخابية كلياً أو جزئياً وسط الظروف التي يعيشها لبنان إقليمياً وداخلياً، لكن على الأقل يبقى للمواطن هامش المطالبة لدى مؤسسة حزبية، وليس لدى شخص يربط شريحة من المواطنين بذاته، باستثناء حالات نادرة جداً، تجعل من مصداقية شخصية مرموقة تعمل على إنماء منطقتها، مطلباً جماهيرياً بترشيحها متى كانت تجربة الناس مع الكتلة السياسية البرلمانية مُخيِّبة للآمال، وفي الشمال اللبناني وتحديداً في عكار ونتيجة لعجز الدولة عن القيام بواجباتها، هناك  تعويلٌ دائم على شخصية ذات مصداقية، تُغطِّي تقصير الدولة والكتلة البرلمانية، لأنها تعيش يوميات هموم الناس، وتغدو هذه الشخصية مؤسسة إنمائية فردية، لكن هذا المثال غير متوفِّر في مناطق لبنانية أخرى.

ومهما أكدنا على دور النائب كما ورد في الدستور، أنه حصراً للتشريع ومراقبة أعمال الحكومة، ومع إشادتنا بضرورة فصل النيابة عن الوزارة، فإن مدى مُقاربة مُعاناة الناس – خارج مواسم الإنتخابات-، عبر المؤسسات والجمعيات الأهلية والحزبية هي مطلوبة بحضور الدولة أم بغيابها، وهي معيار مصداقية الأحزاب أمام قواعدها الشعبية، ومدينة لهم بمؤسسات رعائية إجتماعية تُخفف عنهم معاناتهم ولو جزئياً، والمجتمع اللبناني بحاجة الى أحزاب راعية عبر الجمعيات الأهلية لعقدين مُقبِلين على الأقل، بانتظار استكمال بناء الأجهزة الخدماتية في الدولة وتحقيق الإنماء المتوازن.

صناديق الإقتراع هي الحُكم والحَكَم، لكن مستقبل الوطن لا يجب أن يرتبط بأفراد، وإذا كانت بعض مؤسسات الرصد الإنتخابي تتوقَّع عودة أو قُدوم “مليونيرات” الى المجلس النيابي العتيد، فهذا مؤشِّر غير مُبشِّر، وأن الناخبين في بعض المناطق التي لا تواجد واضحا فيها للأحزاب ذات الشعبية الواسعة، سيكونون عُرضةً للبيع والشراء “بالجُملة والمُفرَّق”، مما يعني أن لدينا خللاً ما في الإنتظام العام لبناء دولة، وإذا كان لبنان اليوم يجلس على كرسي رئاسته الأولى من يحمل الفكر المؤسساتي، فإن مسؤولية الناخب كبيرة في تحديد خياراته الوطنية بعيداً عن الولاء الموروث لزعيم، وعن مليونير يسعى لشراء الذمم، وعن مرشَّحٍ كيدي يُدرك مُسبقاً نسبة حظوظه المُتدنِّية، والفرصة مُتاحة لإثبات الثقة بالأحزاب – الى أي حزبٍ انتمينا- لأن مؤسسات الدولة تُبنى على المؤسسات الحزبية ذات البرامج الهادفة، وليس على أفراد بلا برامج يشترون قرارنا بكيس طحين …

المصدر: موقع المنار