ركزت الصحف اللبنانية الصادرة اليوم السبت على اخر تطورات ازمة استقالة الرئيس الحريري ولا سيما توجهه الى باريس التي يصلها اليوم وتوقعات ما بعد هذه الزيارة . الى ذلك كان تركيز على تطورات الملفين السوري واليمني.
الأخبار
نهاية فصل الرياض: شرخٌ مع المملكة وبين الرئيسين
في انتظار عودة رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري إلى بيروت ـ عندما يعود ـ لن يكون سهلاً الانتقال بالأزمة الناشبة منذ 4 تشرين الثاني من مشكلة لبنانية ـ سعودية إلى أخرى لبنانية ـ لبنانية. كلتاهما متواصلتا الفصول
نقولا ناصيف
أياً يكن مسار الجهود المتلاحقة، المحلية والدولية، ثمة عطبٌ رئيسي وكبير قد وقع يتعذّر تجاهله، مقدار تعذّر توقّع معالجته بسهولة. شرخ عميق مع السعودية لن ينتهي بمغادرة الرئيس سعد الحريري الرياض إلى باريس ومنها إلى بيروت. وآخر عميق أيضاً بين رئيسي الجمهورية والحكومة، وقد قارب كل منهما المشكلة على نحو مناقض للآخر، لم تألفه علاقتهما في الأشهر الـ11 المنصرمة في عمر الحكومة الحالية، سواء حيال الاستقالة أو الظروف المحيطة بالإقامة الغامضة للحريري في الرياض.
أكثر من أي وقت مضى، بدا الرئيسان كأنّ كلاً منهما في كوكب بعيد من الآخر. امتعاض الرئيس ميشال عون من المملكة قابله الحريري بتدليعها، وإصرار رئيس الجمهورية على احتجاز رئيس الحكومة قابله الأخير بأنه في بيته وفي البلد الذي يحمل جنسيته. الواضح من تناقض ردّي فعلهما أنهما لن يشتركا بعد اليوم في النظرة الواحدة إلى دور السعودية في لبنان، ما دامت أثبتت أن في وسعها التلاعب بالاستقرار السياسي وفرض إسقاط الحكومة.
ليست المرة الأولى يستقيل رئيس للحكومة لسبب ناجم عن أزمة ذات بعد غير لبناني، مرتبطة بنزاعات عربية ــ عربية أو عربية ــ إقليمية.
يمكن على الأقل إيراد سابقتين متشابهتين في المضمون ومتعارضتين في الشكل، تعودان إلى سنين طويلة: الأولى حينما استقال رئيس الحكومة عبد الله اليافي عام 1956 ومعه وزير الدولة الرئيس صائب سلام، احتجاجاً على عدم اقتداء لبنان بمصر وسوريا وقطع علاقاته الديبلوماسية مع فرنسا وبريطانيا لتورطهما مع إسرائيل في العدوان الثلاثي، والثانية عندما استقال رئيس الحكومة رشيد كرامي عام 1969 احتجاجاً على الصدامات العسكرية مع المقاومة الفلسطينية في الجنوب تضامناً مع سوريا ومصر اللتين انتقدتا السلطة اللبنانية والجيش اللبناني. كلا رئيسي الحكومة تضامنا مع وجهة نظر عربية تنافرت مع السياسة الخارجية للبنان، إذ اعتبرت أنها تناقضها، وكان في وسع مصر وسوريا، أو إحداهما، حينذاك هزّ الاستقرار السياسي في لبنان إلى درجة تقويض حكومته. وقتذاك أرجأ اليافي تقديم استقالته إلى ما بعد انعقاد القمة العربية في بيروت ثم رفعها إلى الرئيس كميل شمعون. أما كرامي فاستقال في مجلس النواب وفي الغداة سلّم كتاب الاستقالة إلى الرئيس شارل حلو.
لم يكن اليافي وكرامي أكثر تعلقاً بالرئيس جمال عبد الناصر مما هو عليه الآن آخر خلفائهم ــ للمفارقة ــ مع السعودية، ولا كانوا أكثر تعلقاً من الرئيس رفيق الحريري بالذات بالمملكة وسوريا في عقد التسعينيات. قد يكون من الضروري التذكير هنا بأن قرار استقالة حكومة الحريري الأب عام 1995، تحضيراً لتمديد ولاية رئيس الجمهورية الياس هراوي في تشرين الأول من ذلك العام، اتخذ في دمشق، لكنه نفّذ في بيروت، في قصر بعبدا. على أن أياً من اليافي وكرامي لم يخرج عن الأصول الدستورية والأعراف والقواعد المتبعة لمغادرة الحكم، والتسبّب بأزمة حكم احتجاجاً على تصرّف لم يشأ أي منهما الموافقة عليه، أقدم عليه رئيس الجمهورية كشمعون بالتمسك بدوام العلاقات الديبلوماسية مع باريس ولندن، أو غطاه حلو بإطلاق يد الجيش ضد المقاومة الفلسطينية. تجاوز شمعون الأزمة الدستورية بحكومة أخرى خلفتها ترأسها الرئيس سامي الصلح، واستوعب حلو تداعيات فراغ طال سبعة أشهر أخرى كي يعود صديقه وحليفه كرامي إلى السرايا.
مع أن قراءة مغازي استقالتي 1956 و1969 مختلفة عما حدث في 4 تشرين الثاني، إلا أن مغازي خلفتها بدورها استقالة الحريري بإعلانه إياها من الرياض وإحجامه ــ في معرض تأكيد جديتها ــ عن إرسالها إلى رئيس الجمهورية كي يقبلها أو يرفضها. لم يُدلِ بها من السفارة اللبنانية في الرياض ــ وهي أرض لبنانية ذات سيادة ــ ولا أودعها إياها كي ترسلها في حقيبتها الديبلوماسية. لم يخطر له أن يكرّر ما سبق أن فعله مرة في 20 كانون الأول 2009. يومذاك زار السفارة اللبنانية في دمشق، في أول زيارة له للرئيس السوري بشار الأسد ومصالحته، وقال إنّ وجوده في السفارة يكرّس العلاقات الديبلوماسية اللبنانية ـ السورية الناشئة حديثاً بين البلدين. شأن ما أراد في ذلك اليوم مخاطبة دمشق من مقر سفارة لبنان، كان من المتاح له مخاطبة الرئيس اللبناني من مقر سفارة بلاده:
1 ــ منذ لحظة الإعلان عنها لم يشأ رئيس الجمهورية مناقشة الاستقالة قبولاً أو رفضاً، بل انتقل للفور إلى ملابسات صدورها من بلد آخر. ما خلا ذلك الاعتبار هي دستورية نافذة، وإن أُخذ عليها خلوها من اللياقة الواجبة في التقدّم بها، وخصوصاً مخاطبة رئيس الجمهورية والتوجه إليه حصراً، المرجع الدستوري الذي وقّع مرسومي التكليف والتأليف.
2 ــ مقدار ما يمكن القول إن الاستقالة قانونية، هي أيضاً غير شرعية بسبب الإعلان عنها من مكان لا سيادة للدولة اللبنانية عليه كي يُعتد بها، فلا تبدو مفروضة أو قسرية. بذلك سجّل عون سابقة هي الأولى في تاريخ تعاطي رؤساء الجمهورية مع استقالات رؤساء الحكومات، لا تلبث أن تمسي قاعدة ليس لأي رئيس للجمهورية في المستقبل تجاهلها أو اهمالها. وقد لا يُعثر بعد الحريري على رئيس للحكومة يفعل ما فعل. الأصل في هذه السابقة أن الاستقالة تستمد دستوريتها وشرعيتها من مبدأ سيادة قرار اتخاذها.
3 ــ لا جدال في ان حط الحريري في بيروت سيقوده حتماً إلى الخروج من اللغط الغامض الذي أحاط بإقامته في الرياض، وربما الكشف عن أسراره. عليه أن يجيب عندئذ هل يريد الاستقالة أم العودة عنها أم الخروج من الحكم في الوقت الحاضر؟
4 ــ قد تكون الإيجابية الرئيسية التي ترتبت عن استقالة رئيس الحكومة ــ وإن بالطريقة غير المسبوقة التي اختارها أو أُرغِم عليها ــ أن ردود الفعل الدولية على الإقامة الملتبسة للحريري في الرياض وانقطاع التواصل التام معه حتى موعد مقابلته التلفزيونية الأحد الفائت، ومن ثم الأيام التالية في ظل الانقطاع نفسه، كشف وجود مظلة أمان دولية فوق لبنان تحمي استقراره السياسي مقدار استقراره الأمني، لم تستثنِ أي من الدول الكبرى نفسها منه.
تحضيرات «سوتشي»: هدنة «دائمة» ومحادثات مباشرة
«التحالف» يترك طريق «داعش» مفتوحاً نحو البوكمال
في الموضوع السوري كتبت الاخبار:
بينما يتجه «داعش» نحو نهايته في العراق، يتعمّد «التحالف الدولي» إبقاء طريق التنظيم سالكاً نحو جبهات الجيش السوري وحلفائه في كل من البوكمال وجنوب الميادين. وبالتوازي تتسارع تحضيرات «قمة سوتشي» التي يأمل معدّوها أن تفضي إلى وقف إطلاق نار «دائم» في إدلب، وإلى محادثات مباشرة بين الطرفين السوريين لاحقاً
مع خسارة تنظيم «داعش» لبلدة راوة، آخر معاقله المهمة في القسم العراقي من وادي الفرات، تبدو معركة البوكمال الحامية، آخر المعارك الكبيرة ضد التنظيم الذي احتل لسنوات طويلة آلاف الكيلومترات والبلدات من جغرافية سوريا والعراق. وعند حسم ملف البوكمال، سيبقى التنظيم مسيطراً على عدد من البلدات في محيط الفرات على الجانب السوري، وعلى جيبين صحراويين في العراق وسوريا.
نهاية نفوذ التنظيم وفقدانه الحواضر السكنية الكبرى، يجعلانه يخوض قتالاً عنيفاً على أطراف البوكمال، حيث يدفع بأعداد كبيرة من المفخخات والانتحاريين، إلى جانب الاستخدام الكثيف لمخزونه الكبير من الصواريخ الأميركية المضادة للدروع. وأمام هذا التكتيك العسكري الدفاعي، تحول الجيش بعد تطويق المدينة ودخول أطرافها إلى تكثيف الاستهداف المدفعي، الذي بات يطاول كل أحياء البوكمال. وبالتوازي، يعمل سلاح الجو على استهداف الطريق الواصل بين البوكمال وبادية الميادين، في وقت كثّفت فيه القوات الروسية غارات قاذفاتها الاستراتيجة ضد المواقع الحصينة التي يتمترس فيها التنظيم في محيط المدينة. وتحوي البوكمال عدداً كبيراً من مقاتلي «داعش» الأجانب، وبينهم من خرج من الرقة في صفقة «التحالف الدولي» مع التنظيم.
ومن غير المتوقع أن ينتهي وجود التنظيم بالمطلق بعد خسارته المناطق المأهولة، بل سيكثّف عملياته الأمنية التي بدأت تظهر بكثافة منذ ما يزيد على شهر. الهجمات التي نفذها التنظيم في القريتين (ريف حمص) وفي مطار دير الزور العسكري، والمفخخات التي استهدفت مواقع في ريفي دير الزور والحسكة، هي باكورة العمليات التي قد تشهدها المناطق التي خضعت سابقاً لسيطرة «داعش». ويوم أمس، استشهد نحو 20 مدنياً وجرح عشرات آخرون، جراء تفجير سيارة مفخخة قرب تجمّع لنازحين في منطقة حقل الجفرة النفطي وشركة كونيكو، في ريف دير الزور الشمالي الشرقي. وهذه المرة الثانية التي يتمكن «داعش» من استهداف المنطقة نفسها، خلال الشهر الجاري. وبالتوازي مع التطورات شرقاً، سيطر الجيش على كامل منطقة حويجة كاطع، المحاذية لمدينة دير الزور داخل نهر الفرات، بعد استسلام ما بقي من عناصر «داعش» ضمنها. وذلك عقب مفاوضات طويلة امتدت منذ تحرير أحياء دير الزور، حاول فيها المسلحون التوصل إلى اتفاق يتيح لهم الانتقال إلى بادية الميادين، ومنها نحو البوكمال، لكن الجيش السوري رفضه.
ومن المتوقع أن تستقبل مدينة البوكمال أعداداً إضافية من عناصر «داعش» القادمين من صحراء الأنبار ونينوى العراقية، عبر الضفة الشرقية لنهر الفرات. وبرغم سيطرة «التحالف» على حقل التنك النفطي، وخلوّ الطريق أمام «قوات سوريا الديموقراطية» نحو الضفة المقابلة للبوكمال، لم يجرِ أي تحرك بريّ على هذا المحور. وهو ما يمكن قراءته في ضوء اتهامات وزارة الدفاع الروسية الأخيرة لواشنطن، على أنه إتاحة ممرّ لمسلحي «داعش» العابرين من العراق، نحو جبهات البوكمال وبلدات جنوب شرق الميادين.
وبعيداً عن المعارك مع «داعش»، تزداد حدة أنقرة مجدداً تجاه «وحدات حماية الشعب» الكردية، وخاصة في منطقة عفرين. التصعيد التركي الجديد أتى على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي جدد التشديد على ضرورة «تطهير مدينة عفرين من عناصر (حزب الاتحاد الديموقراطي)»، مضيفاً أن «نصف» سكان تلك المنطقة «هم من العرب… إلى جانب وجود التركمان». وأوضح أن القمة الثلاثية المرتقبة بين تركيا وروسيا وإيران، في سوتشي الروسية، موجبها الرئيسي هو «مسألة إدلب»، مشيراً إلى ضرورة التوصل إلى «وقف دائم لإطلاق النار». ولفت إلى «خيبة أمل» بلاده من تنصّل واشنطن من تنفيذ الوعود التي قطعتها حول الملف الكردي، موجهاً اتهامات إليها بمساعدة تنظيم «داعش»، وموضحاً أن مجازر التنظيم «نشرت من مصادر إعلامية تحت رقابة الدول الغربية… ضمن خطة دقيقة من أجل إعادة تصميم المنطقة».
وكما جرت العادة، فبعد كل توتر أميركي ــ تركي، تحاول أنقرة كسب نقاط جديدة بتقاربها مع موسكو وطهران. ومن المتوقع أن تستضيف مدينة أنطاليا التركية اجتماعاً لوزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران، ضمن التحضيرات لقمة سوتشي، المقررة الأربعاء المقبل. ولفت وزير الخارجية الروسي إلى أن الدول الثلاث، تمكنت من تحقيق تقدم على صعيد المحادثات بين الحكومة السورية والمعارضة، عبر مسار أستانا، معرباً عن أمل بلاده أن تتمكن القمة المرتقبة من «إنهاء الاشتباكات… وإقامة حوار مباشر بين طرفي الأزمة». وتراهن أنقرة على أن يسمح تعاونها النشط مع موسكو، في تحييد «حزب الاتحاد الديموقراطي» عن طاولة التسوية السياسية ونقاشات الدستور التي تخطط روسيا لرعايتها، خاصة أن علاقة موسكو بالحزب تطورت خلال الفترة الأخيرة، على الصعيدين السياسي والميداني.
«صرخة» أممية لفك الحصار: حياة 400 ألف طفل مهددة
وجاء في الموضوع اليمني تحت هذا العنوان:
لم تلق الآذان السعودية الصمّاء أي بال لمناشدات وبيانات ومؤتمرات المؤسسات الدولية والأممية كافة. تريد «مملكة الخير» مجزرة جماعية ناتجة من الجوع والمرض، في وقت لم توفر فيه هي وحلفاؤها أي عيش كريم حتى لمن هم يقيمون في مناطق سيطرة حكومة عبد ربه منصور هادي
حذّر مديرو ثلاث وكالات أممية من أن «آلاف الأبرياء سيموتون» في اليمن إذا لم يرفع «تحالف العدوان» بقيادة السعودية الحصار الذي يأتي وسط حرب مستمرة وصفها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بـ«الحرب الغبية»، وذلك في وقت دخلت فيه مدينة عدن أزمة سياسية جديدة.
في هذا السياق، قال المتحدث باسم غوتيريس، ستيفان دوجاريك، إن الأمين العام للأمم المتحدة أعرب عن «خيبة أمل شديدة» بسبب رفض «التحالف» بقيادة الرياض طلب مجلس الأمن الدولي منذ أكثر من أسبوع رفع الحصار عن اليمن، كما نقل عنه قوله إن الحرب الدائرة في اليمن «حرب غبية». وأضاف أن غوتيريس أرسل رسالة إلى السفير السعودي في الأمم المتحدة، عبدالله المعلمي، يجدد فيها طلبه إفساح المجال أمام المساعدات الإنسانية للوصول إلى الموانئ الجوية والبحرية في صنعاء وعدن والحديدة والصليف.
ويأتي الرفض السعودي المتواصل، رغم اقتراح الأمين العام إرسال فريق إلى الرياض لدرس سبل تشديد إجراءات تفتيش الشحنات المرسلة إلى البلاد، لكن بشرط أن يسبق ذلك استئناف وصول المساعدات الإنسانية.
كذلك، قال مديرو «منظمة الصحة العالمية» و«منظمة الأمم المتحدة للطفولة» (يونيسف) و«برنامج الأغذية العالمي»، في بيان مشترك، إن «آلاف الضحايا الأبرياء، وبينهم الكثير من الأطفال، سيموتون» إذا لم تصلهم مساعدة إنسانية. وتابعت الوكالات الثلاث أن «أكثر من 20 مليون شخص، من بينهم أكثر من 10 ملايين طفل، بحاجة ماسة إلى مساعدة إنسانية»، مشيرة إلى أن خطر «سوء التغذية الحاد والشديد» يهدد بوفاة «نحو 400 ألف طفل».
كذلك، وصفت الأمم المتحدة ومعها 14 منظمة دولية عاملة في اليمن إغلاق منافذ البلاد بأنه إجراء «يرقى إلى عقاب جماعي للملايين، ويفاقم أسوأ أزمة إنسانية في العالم»، علماً بأن كلاً من الأمم المتحدة والسويد كانتا قد احتجتا على عدم إحراز أي تقدم في فك الحصار عن اليمن، وخاصة أن السويد كانت وراء الدعوة إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن في هذا الشأن.
على صعيد آخر، استقال محافظ مدينة عدن، جنوب اليمن، التي يتخذها الرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، عاصمة مؤقتة، قائلاً إن سبب استقالته هو فساد الحكومة الذي قوّض جهوده لإعادة الخدمات الرئيسية إلى المدينة. وتأتي استقالة عبد العزيز المفلحي بعد ستة أشهر فقط من تعيينه في منصبه، وذلك في ضربة جديدة ومفاجئة لحكومة هادي التي تعاني إشكالات كبيرة في الجنوب.
ورغم محاولة وكالات أنباء عدة الحصول على رد، لم يستجب مسؤولون في مكتب رئيس حكومة هادي، أحمد عبيد بن دغر، للتعليق، فيما قال المفلحي في خطاب طويل أرسله إلى هادي إنه كان يعتزم «التركيز على بناء البنية التحتية وتفعيل مؤسسات الدولة مثل القضاء والشرطة عندما تولى منصبه في مايو» الماضي. وكتب أيضاً: «لقد وجدت نفسي في حرب ضارية مع معسكر كبير للفساد، كتائبه مدربة وحصونه محمية بحراسة يقودها رئيس الحكومة ابن دغر».
المحافظ المستقيل طرح مثالاً على ذلك هو أن ابن دغر خصص مبلغاً يفوق خمسة مليارات ريال يمني (13.4 مليون دولار) من حساب المحافظة لوزارة الاتصالات، قائلاً إنه يريد أن يمنح اليمن خدمة إنترنت تضاهي ما لدى العالم المتقدم، مضيفاً: «ذلك أمر يثير السخرية لأن الحديث عن الاتصالات من دون كهرباء… ضلال لا شك أنه يخفي مطامع ومفاسد». يشار إلى أن المفلحي قضى غالبية وقته خارج عدن منذ أن عيّنه هادي خلفاً لمحافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي، الذي كان من قادة الجماعات المسلحة الجنوبية وشكل مجلساً انتقالياً موازياً.
وبينما حمّل المفلحي، الموجود حالياً في العاصمة المصرية القاهرة، حكومة هادي، مسؤولية تدهور الأوضاع في الجنوب، نقلت وكالة «الأناضول» التركية عن مصدر يمني أن هادي رفض الاستقالة. وأضاف المصدر أن الأخير سيستدعي فور عودته من جولته الخارجية (لم يذكر أين) كلاً من ابن دغر والمفلحي، إلى الرياض. كذلك، أعلنت «الحملة الشعبية» في عدن، تنظيم وقفة احتجاجية رفضاً لاستقالة المحافظ، ولدعوة هادي و«التحالف»، إلى اتخاذ «إجراءات لمحاربة الفساد وتحقيق التنمية».
في سياق متصل، نقلت مصادر إعلامية أن شلال علي شائع، وهو مدير أمن عدن التابع لهادي، غادر المدينة متوجهاً إلى الإمارات، في زيارة مفاجئة لم يكشف عن فحواها، وذلك في ظل وضع أمني صعب يسيطر على عدن، فيما رجحت مصادر احتمال أن يكون سفره «خطوة استباقية قبل إقالته من منصبه» بقرار من الرئيس المستقيل.
إلى ذلك، قتل 17 مدنياً على الأقل، وأصيب العشرات، بغارة لطيران «التحالف» على محافظة حجة أمس. واستهدفت الغارة محلاً تجارياً في منطقة الجر في مديرية عبس، خلال سوق الجمعة الأسبوعي.
البناء
سلمان يشرّع خلال أيام الفصل بين العرش وخادم الحرمين ويتقاسم الحكم مع ابنه؟
وثيقة التسوية الفرنسية السعودية: التهدئة وربط نزاع بانتظار مساعي ماكرون
كتبت البناء تحت هذه العناوين:
كشفت مصادر واسعة الإطلاع عمّا تسرّب لها حول وثيقة من أربع صفحات فولسكاب وقع عليها وزيرا خارجية فرنسا جان إيف لودريان والسعودية عادل الجبير، جرى استيحاء نصوصها من نصوص وثيقة استضافة السعودية لرئيس وزراء باكستان السابق نواز شريف قبل أكثر من عشرين سنة، والتي كان رئيس الحكومة سعد الحريري أحد المساهمين فيها. فيما الوثيقة الجديدة تخصّ شروط استضافته في فرنسا، وتتضمّن الوثيقة ما يُسمّى بربط نزاع على الملفات الرئيسية من بتّ الاستقالة والتمسك بها أو العودة عنها، ومضمون التسوية التي يجري القبول بها للعودة عن الاستقالة أو لتشكيل حكومة جديدة، وهذا يستدعي التهدئة نسبياً، بانتظار مساعي الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون التي ستكون وجهتها طهران، لكن الوثيقة على صعيد حرية الحريري وشروط إقامته تتضمّن بنوداً تفصيلية تتضمّن تعهدات فرنسية بضمان التزام الحريري بشروط الوصاية، فالوثيقة تتضمّن بقاء عائلته في باريس واتخاذ العاصمة الفرنسية مقراً أساسياً لإقامة الحريري يغادرها لأيام بمعرفة الفرنسيين وضمانتهم ويعود إليها، كما تضمّنت بنوداً مالية حول حدود حقوق تصرّف الحريري بحساباته وأمواله وأملاكه بعد الحصول على موافقة سعودية مسبقة، وعلى سقف لخطاب سياسي يضمن المصالح السعودية، وعدم الإفصاح تلميحاً أو تصريحاً لما جرى معه، وعدم التعرّض لمن يظنّ بأنهم أسهموا بإلحاق الأذى به مع السعودية، بانتظار أن تتوصّل باريس والرياض لتصوّر سياسي يطال أزمات المنطقة وخصوصاً النظرة للعلاقة مع إيران، ومن ضمنها الملف اللبناني ليصير تحريك الملف الحكومي في لبنان على أساس ذلك برعاية فرنسية وموافقة سعودية.
أكدت المصادر ثقتها بأنّ الحريري سيزور بيروت خلال أسبوع، لكنه لن يقيم فيها إلا لأيام يعود بعدها إلى باريس، مشيرة لكلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن إمكانية بقاء الحريري في باريس لأيام أو أسابيع، والأسابيع بالنسبة لماكرون ربطاً بزيارته لطهران مطلع العام التي تسبقها زيارة ولي العهد السعودي إلى فرنسا ولقائه ماكرون لوضع الخطوط الرئيسية لمشروع تسوية تشتغل عليها فرنسا، بدعم أوروبي وقبول أميركي وتشجيع روسي تهدف لتثبيت الفصل بين حماية التفاهم النووي مع إيران، وملفات أزمات المنطقة وضرورة حلّها عبر الحوار.
وأشارت المصادر إلى الانشغال السعودي في الأيام المقبلة بما وصفته مرسوم تغيير النظام في السعودية الذي يتوقع أن يصدره الملك سلمان بن عبد العزيز، ويقوم على فصل منصب خادم الحرمين الشريفين عن منصب الملك الذي يتولّى العرش ويرأس مجلس الوزراء، حيث يحتفظ بالنسبة لخادم الحرمين الشريفين، بولاية عائلة أولاد عبد العزيز وأحفاده، ويحصر العرش ووراثته بأبناء سلمان وأحفاده، كمؤسّس ثانٍ للمملكة، ويتمّ يموجب المرسوم توزيع الموازنات المالية والصلاحيات بين منصبي خادم الحرمين الشريفين والملك، بصورة تجعل صلاحيات خادم الحرمين أقرب لصلاحيات الملكة في بريطانيا، وأشارت المصادر إلى ما نشرته صحف غربية عديدة عن تنازل الملك عن العرش لولي العهد نجله محمد بن سلمان، مضيفة أنّ سلمان ليس من طبعه التنازل حتى لنجله، لذلك يبقى سيناريو الفصل بين منصبي خادم الحرمين والملك هو الأقرب للواقع.
توقعت المصادر أن يكون ما تبقى حتى نهاية العام وقتاً للسياسة والابتعاد تدريجياً عن التصعيد، لمنح مبادرة الرئيس الفرنسي فرص النجاح، خصوصاً بعد النتائج السلبية التي حصدتها مغامرة بن سلمان في قضية الحريري، والصدى الدولي السيّئ الذي تركته على شخصيته ومكانته، بعدما نجح لبنان ورئيس جمهوريته ووزير خارجيته بجعل الحدث سابقة دولية خطيرة. وقالت المصادر إنّ الأرجح هو عدم حضور وزير الخارجية اللبناني لمؤتمر وزراء الخارجية العرب، بعدما ربطت وزارة الخارجية كلّ تحركاتها بعودة رئيس الحكومة إلى بيروت، وليس وارداً أن يكون الحريري في بيروت قبل الأحد، معلّقة على التلويح السعودي بتعليق عضوية لبنان في الجامعة العربية بأنه كلام ينتمي لزمن مضى، فالإجماع الذي يستدعيه مثل هذا القرار لا يملكه السعوديون ولن يكون بين أيديهم لا اليوم ولا غداً.
الحريري إلى الحرية.. هل بات حرّ القرار؟
بعد أسبوعين من الاحتجاز القسريّ في سجون نظام آل سلمان في السعودية، خرج رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري وعائلته الى الحرية، بعد وصولهم مساء أمس، إلى منزلهم في باريس، على أن يحلّ الحريري ظهر اليوم ضيفاً في قصر الإليزيه كرئيس حكومة، كما أعلن المكتب الإعلامي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أكد أن «ماكرون سيستقبل الحريري كرئيس حكومة، وبأنه سيعود بعد ذلك إلى بيروت خلال أيام أو أسابيع».
وقبيل أن يشدّ الرئيس المحرّر الرحال في رحلته الجوية الى بلاد «الأم الحنون»، مثخناً بجراح الليالي السود التي أمضاها في المملكة التي من المفترض أن تكون الراعية لـ «الحريرية والسنّة والطائف»، غرّد تغريدة الوداع كسدادٍ للدفعة الأولى من حساب التسوية الفرنسية – السعودية – اللبنانية التي أعادت له الروح وأنقذته من عاصفة حزمٍ داخلية أطاحت بالمئات من أباطرة وأمراء المال والسياسة والإعلام والأمن في السعودية.
لكن تغريدة تبرئة ذمة الخاطف، لم تقنع المخطوف نفسه، ولا العالم بأجمعه من خلال ما أظهرته وقائع الأيام الماضية منذ السبت الأسود التي نقلها أكثر من سفير غربي التقى الحريري في معتقله، وقال الحريري: «إقامتي في المملكة هي من أجل إجراء مشاورات حول مستقبل الوضع في لبنان وعلاقاته بمحيطه العربي. وكل ما يُشاع خلاف ذلك من قصص حول إقامتي ومغادرتي أو يتناول وضع عائلتي لا يعدو كونه مجرد شائعات».
وأفادت مصادر مطلعة لـ «ال بي سي أي» أن الحريري عقد قبل توجّهه إلى باريس اجتماعاً بالغ الأهمية وممتازاً مع ولي العهد السعودي.
لكن هل فعلاً بات الحريري حرّ القرار والإرادة السياسية ومحرّراً من الضغوط والشروط السعودية؟ وماذا عن رحلته السياسية المقبلة إلى بيروت؟
مصادر دبلوماسية وسياسية مطلعة أشارت لـ «البناء» الى أن «انتقال الرئيس الحريري الى باريس نفّس الاحتقان الداخلي من جهة، وخفّض منسوب التوتر بين الرياض وبيروت، وذلك بعد ضغوط سياسية ودبلوماسية تعرضت لها الرياض أدت الى هذا الإخراج، لكن لا يلغي فداحة الخطأ الذي ارتكبته السعودية باحتجاز حرية رئيس حكومة إن على صعيد العلاقة مع لبنان أو على مستوى العلاقات الدبلوماسية بين الدول».
ورجّحت المصادر أن يجتمع الرئيس الحريري فور عودته الى بيروت برئيس الجمهورية العماد ميشال عون ويؤكد استقالته لتبرئة السعودية من جرم اعتقاله أولاً، ولإعادة تكليفه وإنتاج تسوية جديدة أو تعديل التسوية الماضية ثانياً، والعمل وفق الخريطة المرسومة له بحسب التسوية الفرنسية السعودية التي أدّت الى انتقاله الى باريس».
وأوضحت المصادر أن «أمام رئيس الجمهورية خيارين إما إعادة تكليف الحريري وانتظار التأليف طويلاً، وملء الفراغ الحكومي بحكومة تصريف الأعمال حتى الانتخابات النيابية، وإما تكليف شخصية أخرى لتشكيل الحكومة تحظى بتوافقٍ سياسي ووطني وإقليمي». وتوقعت المصادر أن يدخل لبنان بأزمة سياسية وحكومية طويلة، لأن الحل مرتبط بالرئيس المكلف المقبل إن كان الحريري أو أي شخصية أخرى، فهل سيتحرّك ضمن الإملاءات الخارجية أم سيتحرر من الضغوط!».
الجمهورية
الحريري في باريس.. حُسمت الإستقالة.. ماذا عن التكليف والتأليف؟
كتبت الجمهورية تحت هذا العنوان:
طويَت صفحة انتقال الرئيس سعد الحريري من الرياض إلى باريس، وفيها ستكون له محطة أولى اليوم في اللقاء المقرّر مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قال إنه سيستقبل الحريري كرئيس لوزراء لبنان «لأنّ استقالته لم تُقبَل في بلاده بما أنه لم يعُد إليها». تعقبها استراحة يفترض أنّها موَقّتة لإجراء مشاورات حول الوضع المستجدّ، قبل أن يُشغّلَ محرّكات طائرته ويتوجّه إلى بيروت، التي تترقّب وصوله خلال الأسبوع المقبل. فيما يقف البلد على باب أزمةٍ سياسية مفتوحة ومعقّدة تصعب معها إمكانية إعادةِ لحمِ البناء الحكومي الحالي أو الوصول إلى بناءٍ حكومي جديد نظراً للتعقيدات الكثيرة المحيطة بالأجواء الداخلية والإقليمية، وهو أمرٌ شغلَ المستويات السياسية والرسمية التي بدأت تتداول في المخارج الممكنة، ولعلّ أحدَها تقريب موعد الانتخابات المقبلة. يتزامن ذلك، مع أجواء ساخنة على خط السعودية ـ «حزب الله» في ظلّ الموقف اللافت لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير من «أنّ لبنان لن ينعمَ بالسلام إلّا بنزعِ سلاح «حزب الله». معتبراً أنّ الحزب «اختَطف النظام المصرفي ويقوم بتهريب الأموال والمخدّرات، وهذا غير مقبول»، وفيما طلبت السفارة السعودية في لبنان ليل أمس «من المواطنين الزائرين والمقيمين في لبنان المغادرة في أقرب فرصة ممكنة نظرا للأوضاع»، يصل السفير السعودي الجديد وليد اليعقوبي الاثنين المقبل الى بيروت لتسلم مهماته الجديدة.
إنتقلَ الحريري من السعودية إلى فرنسا، وقد سبقَ انتقاله بتغريدة توضيحية عبر حسابه على «تويتر»، قال فيها: «إقامتي في المملكة هي من أجل إجراءِ مشاورات حول مستقبل الوضع في لبنان وعلاقاته بمحيطه العربي.
وكلّ ما يُشاع خلاف ذلك من قصصٍ حول إقامتي ومغادرتي أو يتناول وضعَ عائلتي لا يعدو كونه مجرّد شائعات». ليضيف ليلاً في تغريدة ثانية: «القول إنني محتجز في السعودية وغير مسموح أن أغادر البلاد هو كذبة، وأنا في طريقي إلى المطار».
وفي وقتٍ أكّدت الأوساط القريبة من الحريري أنه سينتقل في وقتٍ لاحِق من باريس إلى بيروت، ولكن من دون أن تحدّد زمانَ هذا الانتقال، قال النائب عقاب صقر إنّ الحريري «لن يعود إلى لبنان فوراً من فرنسا، بل سيقوم بـ»جولة عربية صغيرة قبل ذلك».
أمّا ماكرون فأكّد أنّ «الحريري، الذي يصل إلى باريس مساء الجمعة من الرياض، ينوي، على ما أعتقد، العودةَ إلى بلاده في الأيام أو الأسابيع المقبلة».
وقال إنّه «سيستقبل الحريري غداً (اليوم) بالتشريفات المخصّصة لرئيس حكومة، مستقيل بالتأكيد، ولكن استقالته لم تُقبَل في بلاده بما أنه لم يعُد إليها»، وقال: «إنها دعوة صداقة للتباحثِ واستقبال رئيس حكومة بلدٍ صديق». وأشار إلى أنه «لن يكون هناك استقبالٌ رسمي للحريري عندما يصل إلى فرنسا، لأنه يقوم بزيارة عائلية».
إرتياح رسمي
وعلمت «الجمهورية» أنّ المستويات الرسمية تنظر بارتياح إلى انتقال الحريري إلى باريس، وإنها ترى أنه من الطبيعي أن يأخذ الرئيس المستقيل استراحةً لبعض الوقت، يمكن اعتبارها فترةً طبيعية، ولكن شرط ألّا تتعدَّى ثلاثة أيام على أبعد تقدير، إذ ثمّة ضرورة أكثر من ملِحّة لعودته، والتباحث معه في كلّ ملابسات ما حصَل، بالإضافة إلى عرض الأسباب التي استند إليها لإعلان استقالته، على حدّ ما قال أحدُ المراجع لـ«الجمهورية».
وأضاف: «بمعزل عن هذا الأمر، ثمّة أمرٌ أكثر من ضروري ويوجب عودتَه إلى لبنان قبل عيد الاستقلال للمشاركة في الاحتفال الذي سيقام في المناسبة إلى جانب الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي، عِلماً أنّ بقاءَه في الخارج قد يكون محرِجاً، أو من شأن ذلك أن يؤدّي إلى إدخالِ تعديلٍ على الاحتفال، يصل إلى حدّ إلغائه في حال استمرّ الحريري غائباً. وهي فكرة تمّ تداوُلها بين مستويات رفيعة في الدولة خلال الأيام القليلة الماضية».
ووفقَ المرجع نفسِه، فإنّ «فترة السماح» الممنوحة للحريري من شركائه في الدولة، لا تتعدَّى منتصَف الأسبوع المقبل، ذلك أنّ تأخُّره عن العودة قد يَدفع إلى مزيد من الإرباك الداخلي، سواء إذا كانت هناك موانعُ قهرية للعودة، أو موانع إرادية التي سيكون من نتائجها أنّ الجوّ التعاطفي معه الذي ساد خلال فترةِ وجودِه في السعودية، وما رافقه من ملابسات حول الاستقالة وما يتّصل بها، قد يتراجع وينقلبُ في اتّجاهٍ آخَر، خصوصاً وأنّ عودته باتت أكثرَ مِن ضرورة في ظلّ الوضع الأكثر مِن دقيق، لا بل الخطير، الذي يمرّ به البلد في هذه المرحلة. في أيّ حال، نحن ننتظر الحريري، ونأمل في أن يعود قريباً ولا يتأخّر أكثر».
في هذا الوقت، انتقلَ العديد من القريبين من الحريري إلى باريس في الساعات الأربع والعشرين الماضية، وتحكم هذا الانتقال أولوية جلاء الغموض الذي رافقَ استقالة الحريري وما تلاها، بالإضافة إلى جلاء الصورة حول سلسلةٍ مِن المواقف التي صَدرت عن أكثر مِن مصدر داخلي وخارجي، بالإضافة إلى رسمِ خريطة المرحلة المقبلة تبعاً لِما جرى، وفقَ ما كشفَ لـ»الجمهورية» أحدُ وزراء تيار «المستقبل».
ما بعد العودة
وعلى خطٍ موازٍ، بدأت الاستعدادات السياسية وكذلك الرسمية، وتحديداً ما بين القصر الجمهوري وعين التينة، في إعداد العدّة لمرحلة ما بعد عودة الحريري. وقالت مصادر مواكِبة لهذه الاستعدادات لـ«الجمهورية»: إنّ الأجواء السائدة على الخطوط السياسية والرئاسية، باتت مسلّمةً بأنّ فرضية عودة الحريري عن استقالته منعدمة، بل إنّ الأجندة التي سيعود بها متضمنة بنداً وحيداً وهو الإصرار على استقالته ولن يتراجع عنها على رغم أنه أوحى بذلك في مقابلته التلفزيونية.
على أنّ ما هو غير واضح أمام المستويات الرئاسية، بحسب المصادر المذكورة هو ما إذا كان الحريري سيكتفي بالإصرار على استقالته فقط، ويترك نفسَه مرشّحاً لترؤسِ الحكومة المقبلة، أو أنه سيَقرن إصرارَه على الاستقالة بإعلانه أنه ليس مرشّحاً لرئاسة الحكومة، وهذا معناه أنّ البلد أمام أزمة كبيرة من الصعب الخروج منها.
أزمة مفتوحة
ومِن هذا الباب، جاء إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ أزمة الحريري الشخصية انتهت، وأنّ الأزمة السياسية بدأت. وقالت مصادر سياسية لـ«الجمهورية»: «الأزمة مفتوحة، وثمّة مفتاح وحيد لها يتمثّل بعودة الرئيس الحريري عن استقالته، إلّا أنّ هذا الأمر مستبعَد مِن قبَل المستويات الرئاسية والسياسية، وحتى ولو بقيَ الحريري مرشّحاً لرئاسة الحكومة وتمّت تسميتُه من جديد لتأليف الحكومة الجديدة، وحتى ولو تمّ تكليف شخصية بديلة، فلن يتمكّن الرئيس المكلف، أياً يكن هذا الرئيس، من تأليف حكومة، في حال ظلَّ الجوّ السياسي على ما هو عليه الآن، أو في حال طرأت عليه ظروف جديدة فرَضت خطاباً أكثرَ حدةً وقصفاً سياسياً مباشراً مِن بعض المراجع في اتّجاه «حزب الله»، انسجاماً مع العناوين التي تضَمّنها بيان الاستقالة.
اللواء
الحريري يغادر الرياض بعد تفاهم مع ولي العهد
السعودية تُعلِن دعم رئيس الحكومة.. والأليزيه يستقبله رئيساً وإلغاء العرض العسكري
ان الحدث، كما بات معلوماً، اليوم، هو استقبال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للرئيس سعد الحريري، بوصفه رئيساً لمجلس الوزراء اللبناني حسب بيان قصر الأليزيه.
يبلغ الترقب ذروته اليوم، نظراً لموقع هذه الخطوة، حيث سيقيم الرئيس ماكرون مأدبة غداء على شرف الرئيس الحريري بحضور عائلته، ومن أوجه هذا الترقب، وفقا لمصادر سياسية رفيعة المستوى في بيروت ان ما سيعلنه الرئيس الحريري، على أي نحو سيحمل مؤشرات لمسار الوضع اللبناني، بصرف النظر عن مآل الاستقالة التي قدمها، وسيقدمها رسمياً إلى الرئيس ميشال عون فور عودته، إلى بيروت، والتي لا يبدو انها ستكون سريعة.
ورسم الحريري عشية مغادرته ليل أمس المملكة العربية السعودية اطارا لمحادثاته مع الرئيس ماكرون، وتصوره لمرحلة ما بعد مغادرته، وعناوين الحركة السياسية التي يزمع القيام بها، عندما غرّد قائلاً: «اقامتي في المملكة هي من أجل اجراء مشاورات حول مستقبل الوضع في لبنان وعلاقاته بمحيطه العربي، وكل ما يشاع خلاف ذلك من قصص حول اقامتي ومغادرتي أو يتناول وضع عائلتي لا يعدو كونه مجرّد شائعات.
وهو في طريقه الى المطار، قال الحريري: القول بأنني محتجز وغير مسموح أن أغادر البلد هو كذبة.
وتحدثت معلومات عن اجتماع عقده الرئيس الحريري مع ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان، وصف بالممتاز، والبالغ الأهمية تناول الوضع في لبنان والمنطقة.
باسيل
في هذا الوقت، عاد وزير الخارجية جبران باسيل من جولته الأوروبية التي قادته إلى 7 عواصم أوروبية، اختتمها بلقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو.
وكشف باسيل، خلال عشاء هيئة قضاء بعبدا، لأول مرّة عن اتجاه لإلغاء العرض العسكري لمناسبة عيد الاستقلال الذي كان يفترض اقامته يوم الأربعاء المقبل في جادة شفيق الوزان في وسط بيروت، بسبب شغور كرسي رئيس الحكومة في الاحتفال، بما يعني احتمال ان لا يكون الرئيس الحريري في بيروت بالعيد.
وقال باسيل: لا عيد استقلال في لبنان وكرسي رئيس الحكومة شاغر، فكل لبنان الرسمي تصبح كراسيه شاغرة في حال شغور كرسي، رئيس الحكومة، وأشار إلى اننا امام أزمة كبيرة، لكننا يمكننا تحويلها إلى فرصة، مشددا على ان هناك مفهوما واحدا للسيادة ورئيس حكومتنا هو عنوان سيادتنا.
وكان باسيل طلب من موسكو بعودة رئيس الحكومة إلى لبنان من دون أي قيد ليتخذ القرار الذي يناسبه في بيروت، معتبرا ان ما حدث امرا غير طبيعي ويشكل سابقة على مستوى العلاقات الدولية وغير مقبول للبنان لأنه يمس بكرامة اللبنانيين.
الحريري في الاليزيه اليوم
وكان قصر الاليزيه، أعلن أمس في بيان، ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون سيستقبل عند الثانية عشرة من ظهر اليوم السبت، الرئيس الحريري، ويجري معه محادثات عند الساعة الثانية عشرة والدقيقة 20، على ان تصل عائلة الرئيس الحريري عند الثانية عشرة والنصف إلى القصر، ثم يتناول الرئيس الفرنسي الغداء مع الرئيس الحريري وعائلته.
وأعلن الرئيس ماكرون، في حديث للصحافيين في ختام قمّة أوروبية في مدينة غوتنبرغ السويدية انه سيستقبل الرئيس الحريري اليوم بصفته رئيساً لحكومة لبنان، لأن استقالته لم تقبل في بلاده، بما انه لم يعد إليها.
وأوضح ان الحريري الذي يصل إلى باريس مساء الجمعة من الرياض، ينوي. على ما اعتقد، العودة إلى بلاده في الأيام أو الأسابيع المقبلة، لافتا إلى انه «سيستقبل الحريري اليوم بالتشريفات المخصصة لرئيس حكومة مستقيل بالتأكيد، لكن استقالته لم تقبل في بلاده لأنه لم يعد اليها»، وقال: «انها دعوة صداقة للتباحث واستقبال رئيس حكومة بلد صديق».
وأشار إلى انه لن يكون هناك استقبال رسمي للحريري عندما يصل إلى فرنسا، لأنه يقوم بزيارة عائلية.
وذكرت معلومات ان إجراءات أمنية معززة اتخذت حول منزل الرئيس الحريري في العاصمة الفرنسية.
وفي السياق ذاته، اعرب الرئيس الفرنسي عن استعداده للحوار مع إيران التي اتهمت باريس بأنها منحازة، بعد الانتقادات التي تحدثت فيها فرنسا عن «محاولات الهيمنة الإيرانية في الشرق الاوسط؛.
وقال ماكرون ان «رد الفعل الإيراني اساء تقدير الموقف الفرنسي، وأن الجميع لديهم مصلحة في السعي إلى الهدوء».
واضاف: ان فرنسا تتمسك بخط يتمثل لبناء السلام وعدم التدخل في أية نزاعات محلية أو إقليمية، وعدم الوقوف مع فريق ضد آخر، في وقت يريد كثر استدراج القوى الغربية إلى مواجهة تزداد حدة بين السنّة والشيعة».
وتابع: «ان دور فرنسا هو التحدث مع الجميع لأن لديهم مصلحة في السعي إلى الهدوء».
وأضاف ماكرون الذي أعلن انه ينوي زيارة طهران في العام 2018: «نتمنى ان تتبع إيران استراتيجية في المنطقة أقل هجومية (عدائية) وأن تتمكن من توضيح استراتيجيتها الخاصة ببرنامج الصواريخ الباليستية التي يبدو انها لا تخضع لضوابط.
وكانت الخارجية الإيرانية ردّت على تصريحات وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان من الرياض والتي انتقد فيها طهران على «نزعة الهيمنة الإيرانية في المنطقة، فاتهمت باريس «بالانحياز»، معتبرة ان سياستها تؤدي إلى تفاقم الأزمات في الشرق الأوسط.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي في تصريحات نقلتها وكالة أبناء (ايرنا) الرسمية: «للاسف يبدو ان لفرنسا رؤية احادية الجانب ومنحازة تجاه الأزمات والكوارث الإنسانية في الشرق الأوسط، وهذا النهج يُساعد عمداً أم عن غير قصد في تفعيل الأزمات الكاملة».
وقال موجها حديثه إلى لودريان: «مخاوفكم غير مطابقة للوقائع الإقليمية وتقودكم في الاتجاه الخاضع».
الاستقالة قائمة
وتوقعت مصادر سياسية متابعة لـ «اللواء» ان يكون اللقاء اليوم بين الحريري وماكرون فرصة لتوضيح الكثير من الالتباسات والظروف التي أحاطت بإعلان استقالته من الخارج، وكذلك سيكون مناسبة لكشف الكثير من معالم المرحلة المقبلة، سواء على صعيد عمل المؤسسات الدستورية، أو الأزمة الداخلية، بعد ان تمت محاولات عدّة لتدويلها.
وبحسب المصادر نفسها، فإنه من المتوقع ان يضع هذا الاجتماع الكثير من النقاط على الحروف فيما خص موضوع الاستقالة، وبالتالي الأزمة السياسية التي نتجت عنها، ولا سيما وأن موعد الاليزيه يتزامن عشية اجتماع وزراء الخارجية العرب، مع العلم ان كل الأجواء تُشير إلى ان زيارة الحريري إلى فرنسا ستليها عودة إلى بيروت من أجل تقديم الاستقالة بشكل رسمي إلى رئيس الجمهورية، وحينها سيتم إزالة كل اللغط حولها، وخاصة نظرية «الاقامة الجبرية» التي سينفيها الرئيس الحريري جملة وتفصيلاً، ويؤكد تمسكه بمضمون بيان الاستقالة، إلا أن المصادر اشارت الى ان لا لقاء للحريري مع الإعلاميين بعيد استقباله في الاليزيه ، لافتة إلى احتمال إرسال موفد رئاسي فرنسي إلى بيروت للقاء الرئيس ميشال عون، عارضاً مبادرة تسوية لإنهاء الأزمة ووضع حدّ لارتداداتها السلبية على علاقة لبنان بالمملكة وسائر الدول العربية.
المصدر: صحف