أخذت تسمية “زعطوط” التي أطلقها سماحة السيد نصرالله على ثامر السبهان، حيِّزاً من التفسيرات حول معانيها ومدلولاتها، لكن الثابت أنها كلمة آرامية عراقية تعني “الولد الصغير”، وحتى لا نبتعد كثيراً، فإن كلمة “زعوطة” باللهجة اللبنانية تعني “الزعيق دون طائل”، ومن هنا البداية، للحديث عن إطلالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم، والتي تردَّد في وسائل الإعلام أن الشعب الأميركي يحبس الأنفاس بانتظار ما سيُعلنه ترامب خلالها عن استراتيجيته بالنسبة للملف النووي الإيراني، والواقع أن هذه الإطلالة تأتي ضمن مسلسل نُتابعه منذ أيام، ويتمّ تصويره في عدَّة مواقع من أميركا وصولاً الى فلسطين المحتلَّة وتَصُحُّ تسميته بـمسلسل “الزعاطيط”، لسياساتٍ وتصريحاتٍ أشبه بالزعوطة، والبداية من أميركا.
ما هي هذه الإطلالة التي سوف تحبِس الأنفاس؟ طالما أنها لن تحمل جديداً، وترامب أعلن أمس في حديثٍ لوكالة “فوكس نيوز”، أن الإتفاق النووي مع إيران هو الأسوأ الذي أبرمته أميركا، وناشد الدول الأطراف إعادة النظر فيه، علماً بأنه إتفاق تمّ برعاية الأمم المتحدة بين إيران ودول (الخمسة زائد واحد)، ومن ضمن هذه الدول روسيا والصين، اللتان تقِفان الى جانب إيران، وألمانيا وفرنسا تعتبران – ومعهما المفوَّضيَّة الأوروبية ووكالة الطاقة الذرِّية- أن إيران مُلتزمة بكامل بنود هذا الإتفاق، ولا داعي لإعادة النظر به، مما يعني أن أميركا تبقى الوحيدة في الساحة وقد تكون بريطانيا تنتظر مع الأميركيين استراتيجية ترامب التي لن تُقدِّم أو تؤخِّر في مصير هذا الإتفاق، لأن أقصى ما يُمكن أن يطرحه ترامب هو الإنسحاب منه كما انسحب أمس من منظمة اليونسكو وتَبِعته إسرائيل، ويبقى الإتفاق قائماً، وتبقى الكرة في الملعب الأميركي، لأن أي تعديل قد يُطالب به ترامب هو مرفوض إيرانياً وانتهى الأمر، وتغدو الولايات المتحدة بنظر العالم دولة مارقة، توقِّع بيد أوباما وتسحب توقيعها بيد ترامب!
وتأكيداً على صحَّة توصيفنا لدور ترامب في مسلسل “الزعاطيط”، نورِد مِثَالين إثنين عن أدائه السياسي منذ وصوله الى البيت الأبيض لِنُثبت أنه “الزعطوط” الأول في العالم، سواء في الداخل الأميركي أم في العلاقات الخارجية:
أولاً في الداخل، ألغى ترامب فور وصوله الى البيت الأبيض، مشروع الرعاية الصحِّية الذي أطلقه سَلَفه والمعروف بإسم “أوباما كير”، ثم طلب من فريق عمله إعداد مشروع أقلّ كلفة، لكن الجمهوريين في الكونغرس رفضوه قبل الديموقراطيين، مما ألزم ترامب بالعودة الى “أوباما كير” مع تعديلات شكلية طفيفة حفظاً لماء الوجه!
ثانياً في الخارج، أعلن ترامب إنسحابه من إتفاقية المناخ، وبعد الإعتراض الفرنسي، عاد مُشترطاً تعديلها لأنه يعتبرها مُجحِفة بحقَ بلاده، ثم عاد مجدداً اللى التلويح بالإنسحاب منها!
أعطينا المِثالين أعلاه، لننصح من “يحبسون الأنفاس”، أن براغماتية ترامب باتت تحكمها الإرباكات الإنفعالية، ولا يُعتَدّ بأي موقفٍ يتَّخذه أو يُعلنه، لأنه عاجزٌ عاجز عن تطبيق ما يُعلنه، وآحادية الزعامة الأميركية على العالم قد ارتحلت منذ وصول فلاديمير بوتين الى زعامة روسيا، والمعركة الآن بين الجبَّارين في الشرق الأوسط، قد حُسِمت لروسيا قبل وصول ترامب الى البيت الأبيض، لكن الخيبات الأميركية، والأميركية – الإسرائيلية، جعلت ترامب يتحرَّك بردَّات فعلٍ أقلّ ما يُقال فيها أنها هزيلة!
1) في الأزمة مع إيران وتهديد ترامب بتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، جاء الردّ من وزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي، بأن إيران ستُحبط بقوة إجراءات الأعداء، مؤكداً أنّ الحرس الثوري هو المؤسسة الأقوى ضد الإرهاب وفي الخط الأمامي لمكافحته، وأن الطريق التي اختارها ترامب ستقود العالم نحو الحرب وإراقة الدماء ولا تليق بدولة تعتبر نفسها منادية للسلام ومدافعة عن حقوق الإنسان، وأضاف، أن الشعب والنخب والعقلاء في أميركا والعالم لا يتحملون مثل هذه السياسات والإجراءات المُتَّسِمَة بالعنف والخطورة.
ورداً على التهديدات الأميركية الأخيرة، قال العميد حاتمي، إن الحرس الثوري والجيش وسائر القوى في البلاد، تقف موحَّدة ومتلاحمة أمام سياسات الحكومة الأميركية وإجراءاتها العدائية، وسوف لن تسمح لها بتعريض أمن المنطقة للخطر عبر توسيع نطاق الحرب النيابية والإرهاب، ودعا العميد حاتمي ترامب إلى عدم اتخاذ إجراء يؤدي به إلى أن يصبح عزله عن السلطة مطلباً عالمياً وإجراءً ضرورياً لإنهاء الحرب والعنف وزعزعة الأمن.
2) في الأزمة مع محور المقاومة، فإن الإنتصارات التي يُحقِّقها هذا المحور على امتداد الجبهات من اليمن الى العراق الى سوريا ولبنان، هي صفعات للمشروع الأميركي، ورِث ترامب جزءاً منها من عهد أوباما، وهي متمادية وتُقارب الحسم في عهد ترامب، مما أفقد الإدارة الأميركية صوابها، خاصة أن الإحباط الممتدّ من السعودية الى إسرائيل هو الذي يحفِّز ترامب على فعل أي شيء بحقّ إيران ومعها محور المقاومة وفي طليعته حزب الله، وجاءت آخر الحماقات الأميركية في تخصيص أموال مقابل معلومات عن قائدين ترمي عليهما أميركا حرام اتهاماتها، وتأتي هذه الأفعال مُتزامنة ومتعدِّدة الأطراف، بدءاً من الهجوم الذي شنَّه مسؤول لجنة العقوبات الأميركية على الرئاسة اللبنانية، لمجرَّد أن فخامة الرئيس عون هو خيار لبناني، واستكمله وزير الحرب الصهيوني أفيغدور ليبرمان بقوله أن الجيش اللبناني بات جزءاً من منظومة حزب الله.
ختاماً، نترك الأميركيين يحبسون أنفاسهم، ونأخذ نفساً عميقاً وبارتياح نقول، للزعطوط الأصغر ثامر السبهان،الى الأكبر منه أفيغدور ليبرمان، الى كبير أميركا دونالد ترامب، كل “الزعوطة” هي صراخ مهزومين والآتي على الإرهابيين وداعمي الإرهاب هو أعظم..
المصدر: موقع المنار