أمين أبوراشد
يستعد الرئيس الفرنسي المُنتخب إيمانويل ماكرون لدخول قصر الإليزيه يوم الأحد القادم، بعد معركة خاضتها كل أوروبا مع فرنسا لإبعاد شبح مارين لوبان، ولو أن المانيا كانت في واجهة هذه المواجهة. ربما كان على السيدة لوبان، أن تقرأ مغزى دول “خمسة زائد واحد” لتتهيَّب حجم الثمن في الهجوم على المانيا خلال حملتها الإنتخابية، وكان عليها الإحتراز من الدور الطليعي المادي والمعنوي والإقتصادي والسياسي لالمانيا في بُنية الإتحاد الأوروبي قبل أن ترشق هذا الإتحاد لِشَدّ عصب القوميين الفرنسيين.
وإذا كان تعبير “خمسة زائد واحد” يُصنِّف المانيا ولو بشكل غير رسمي الدولة السادسة والوازنة أسوةً بمجموعة الدول الخمس الكبرى، فإنها أيضاً الدولة التي تحمل على كتفيها أكبر أعباء الإتحاد الذي تحتاجه فرنسا حالياً، كما احتاجته اليونان عندما لامست حافة الإفلاس، والبرتغال وإيطاليا وإسبانيا عندما تَهدَّد اقتصادها بالإنهيار.
من خلال برنامج عمل الرئيس المُنتخب إيمانويل ماكرون، يتبيَّن حجم المصاعب التي تواجهها فرنسا إقتصادياً واجتماعياً، وهي على قاب شهرٍ أو أدنى من الإنتخابات التشريعية واختيار 577 برلمانياً للجمعية الوطنية، وبما أن حزب “الى الأمام” الحاكم ما زال فتياً، فهو بحاجة الى تحالفات مع الأحزاب التقليدية سواء كانت من اليمين أو اليسار لتأمين غالبية مريحة للرئيس، وماكرون يُدرك أنه عاجزٌ وحيداً عن مواجهة تراكمات أزمات معيشية ضاغطة، هي الأولوية لدى ناخبين وضعوا ثقتهم به بنسبة 66% والتحديات بحجم هذه الثقة.
الدراسات الميدانية تُفيد، أن الاقتصاد الفرنسي يتباطأ أكثر من المتوقع، وفي الربع الأول من هذا العام سجَّل نمواً لم يتجاوز 0.33 %، والإنفاق الاستهلاكي الضعيف إنعكس سلباً على قطاع الاستثمارات، وهذا الإقتصاد شهِدَ نمواً بنسبة 0.05% في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، وبهدف رفع القدرة الشرائية، وعد الرئيس المنتخب بتخفيض الضرائب على الأشخاص لمساعدة الشركات على خلق فرص عمل جديدة للحد من البطالة بصفة خاصة بين الشباب، ووعد بخطة استثمارية عامة بقيمة 50 مليار يورو لخلق نموذج جديد للنمو وإنعاش
الاقتصاد، كما أعلن تبنيه خطة لخفض الإنفاق العام بقيمة 60 مليار يورو خلال 5 سنوات، وينوي توفير 25 مليار يورو في المجالات الاجتماعية للقطاعات الحكومية، و15 مليار يورو للتأمين الصحي، و10 مليارات للتأمين ضد البطالة كما يطمح إلى التخفيف عن كاهل الدولة، وذلك بإلغاء 120 ألف وظيفة في القطاع العام لمدة خمس سنوات من خلال قانون التقاعد المبكر، ووضع خطة لخفض معدلات البطالة، وتعهده بإعفاء 80% من الأسر محدودة الدخل والمتوسطة من ضريبة السكن باعتبارها غير عادلة. ولأن كافة خطط الإنعاش الإقتصادي التي تدرسها الإدارة الفرنسية الجديدة، مطلوبة من الرئيس فور وصوله، فإن مسألتي الأمن ومكافحة الإرهاب تُشكِّلان العقبة الكبرى أمامه، ويجد نفسه مُلزماً برصد موازنة ضخمة لتحسين الأوضاع المتردِّية لرجال الامن، إضافة الى تزويدهم بالمعدات والامكانيات التي تعطيهم القدرة على القيام بواجبهم دون تعرُّض حياتهم للمخاطر، إضافة الى هموم المُهاجرين، خاصة المخاطر التي يُشكِّلها جيل الشباب منهم، واستقطاب من يرتكبون جرائم ارهابية، وقد طرح ماكرون فعلاً فكرة بناء سجون جديدة، تستوعب الإعداد التي تضطر السلطات لتركهم في المجتمع طلقاء بعد قضاء مدة الحُكم، وضرورة تَتَبُّعهم بسوار يد إلكتروني وإدراجهم على قوائم المشبوهين.
دخول الرئيس ماكرون قصر الإليزيه لا يعني أنه داخلٌ في شهر عسل، وزواج المصلحة الذي عقده مع إئتلاف الأحزاب اليمينية واليسارية التي أجمعت عليه لإسقاط مارين لوبان، يتطلَّب منه ردَّ الجميل، لأن هذه الأحزاب العريقة ستخوض بشراسة معركة الإنتخابات البرلمانية بعد شهر، ولديها مصالحها عبر البلديات والمجالس المحلِّية على امتداد الخارطة الفرنسية، والرئيس الذي يستند الى حزب “الى الأمام” الضعيف، عليه أن يُثبت بأدائه أنه قادرٌ على اجتراح المعجزات لكسب رضا شركاء الفوز وإبعاد شراسة الخصوم عنه وفي طليعتهم المرشحة الخاسرة لوبان. لذلك، ولأن الرئيس ماكرون كان واضحاً في نظرته الى وضع فرنسا ضمن الإتحاد الأوروبي، ولأنه اقتصادياً وسياسياً بحاجة الى الوجود الفاعل ضمن هذا الإتحاد، فهو، كما هو مَدين في الداخل للأحزاب العريقة التي أوصلته الى الإليزيه، مدينٌ أيضاً لعراقة المانيا، وللمُخضرمة أنجيلا ميركل، التي خاضت معركة ماكرون بنفس الشراسة التي عاملتها بها مارين لوبان، وكما حاولت لوبان أن تتدخَّل في الإنتخابات الألمانية المقررة في الصيف المقبل وخاطبت اليمين الألماني المتطرِّف لدعم زعيمة حزب “البديل من أجل المانيا” فراوكي بيتري، تدخَّلت ميركل مع الأحزاب الفرنسية التقليدية الصديقة وحذَّرتها وحفَّزتها وحرَّضتها لمواجهة لوبان وهزمتها.
المستشارة ميركل ثأرت وانتصرت على اليمين المتطرِّف خارج بلادها، بسقوط المتطرِّف غيرت فيلدرز في الإنتخابات الهولندية منذ شهرين، وفي فرنسا عبر إسقاط لوبان، وستنتصر حتماً في بلادها على حزب “البديل من أجل المانيا” الضعيف، ولعل قدرة ميركل في معركتها ضدَّ التطرُّف جعل من فوز ماكرون في فرنسا نصراً للإتحاد الأوروبي ولالمانيا بشكل خاص، ودفعت لوبان ثمن قولها: “أنا لست سكرتيرة لدى المستشارة الألمانية”…
المصدر: موقع المنار