من أعلى القمم المشرفة على قرية عين الفيجة، إحدى القرى السبع في وادي بردى، صدر قرار الجيش العربي السوري ونُفّذَ بدقة الجراحين. هناك حيث وعورة المكان تبديها الطبيعة الصخرية القاسية عبر تضاريسها، وتزيدها المنحدرات العنيفة، شهدت المنطقة ما لم يكن بحسبان المسلحين.
لم تنتهِ بسهولة تلك المعركة، فالمساحة الجغرافية لوادي بردى تشغلها المنحدرات والمخابئ الطبيعية التي مكنت المسلحين من التحصن بها بشكل كبير، ولكن كل هذا ما كان ليُصعِّب على الجيش السوري مهمته، حتى بوجود الورقة الأهم التي تحصن خلفها مسلحو وادي بردى، إنها عين الفيجة.
في تلك البلدة المغذية للعاصمة دمشق بمياه الشرب، وضع متطرفو النصرة ثقل عملياتهم الإجرامية، حيث فخخوا النبع بعدد هائل من العبوات الناسفة. ما حتّم على الجيش السوري التريث في التقدم، ريثما تُوضع الخطط المناسبة لظروف معركة حاسمة من هذا النوع، اكتمل الإطباق رويداً رويداً على المسلحين، بعد تهديدهم بنسف منشأة النبع، الأمرٌ الذي لو حدث لكان حرمانٌ غير معلوم الأمد من مياه الشرب التي تروي أكثر من سبعة ملايين مدني في العاصمة دمشق.
أيام الحصار كانت تمضي، والمفاوضات تسير ببطء شديد مع وجود المتشددين من جبهة النصرة، حيث كانوا يعرقلون سير الأمور في محاولتين سابقتين أفشلهما تعند المتطرفين، إذ وثقوا بما في أيديهم من ورقة لإعاقة للتقدم العسكري الحاسم للجيش السوري.
جاء القرار أخيرا، اُتخذت كافة الإجراءات الاحترازية والتجهيزات اللازمة من قبل الدولة السورية، قُطعت جميع الطرقات التفاوضية على المسلحين بعملية شبهها قادة الميدان بأنها “عملية جراحة دقيقة”.
تفاصيل حصل عليها موقع قناة المنار عن العملية النوعية تلك، عملية أهم قواعدها أنّ “الخطأ ممنوع”، فتم الاقتحام عبر عمل منظم لوحدات من مشاة الجيش السوري، وانطلق الركب عند تمام الثالثة من فجر السبت، بدأ الاقتحام من بلدة بسيمة شمال عين الفيجة، وسط ظروف جوية قاسية؛ ثلوج كثيفة وأمطار غزيرة وصقيع يقطع الأنفاس.
كل هذا لم يُعق تقدم أفراد مجموعات الاقتحام في الجيش السوري، المحملين بكافة عتادهم من ذخائرهم ومعدات خاصة في الحفر والتثبيت. تمكنوا خلالها من التسلل إلى سور منشأة النبع وأخذوا فيه ثلاثاً من غرفه، ثبتوا قواعدهم فيها، لينطلقوا في المرحلة الثانية من المهمة الجراحية بعد الرصد والتخطيط، فكان لا بد من السيطرة بحذر شديد حسب ما رواه أحد القادة المشاركين في العملية، وتم فعلاً وبطريقة احترافية، منعُ المسلحين من تفجير النبع. لتبدأ بعدها عملية أكثر دقة وخطورة، إنها عملية البحث عن المفخخات ومن ثم تفكيكها. حيث استعان عناصر الهندسة المشاركين في التسلل بموظفي النبع للتعرف على تفاصيل المكان وأقسامه، واستدلوا منهم على توزيع المضخات الرئيسة والفرعية.
في هذه الأثناء أخذت مجموعات الاقتحام الأخرى الإشارة للمتابعة، فدخلت البلدة من الطرقات التي يتم تنظيفها وتطهيرها، بعد سد كافة المنافذ على المسلحين، إلى أن اكتملت عملية تطهير البلدة بنجاح، حيث جُمعت دقة الرمايات المركزة على مخابئ المسلحين ومقارهم في عين الفيجة بالأسلحة الثقيلة هذا من جهة، إضافة إلى دقة هائلة في التسلل والاقتحام من جهة أخرى، ما نتج عنه تحرير مساحة لا تقل عن 400 كيلومتر مربع.
معالم المكان والدمار الهائل في المدينة يُخبر عن هول وضراوة المعارك التي شهدتها عملية تحرير مياه الشرب من الإرهابيين.
كما أن نجاح عملية اقتحام عين الفيجة، فرض البدء بتنفيذ بنود الاتفاق، إذ وصلت الحافلات منذ يوم أمس إلى مواقعها عند مدخل بلدة دير قانون، وبدأت بترحيل من يرغب.
قرابة الألف، هو العدد الذي بدأ الرحيل بالحافلات من قرى وادي بردى، باتجاه محافظة إدلب في الشمال السوري، إضافة إلى تسوية أوضاع البقية ممن يريد البقاء في بردى. ليبدأ العد التنازلي في أزمة المياه الدمشقية.
الساعات الأربع والعشرون الماضية تم شَغلها كاملة من قبل وحدات الهندسة في الجيش السوري، في تفكيك عشرات العبوات الناسفة ذات الأوزان الثقيلة المجهزة والمتروكة خلف المسلحين الذين غادروا البلدة بعد اقتحام الجيش السوري لها.
الأضرار في المبنى كبيرة جداً، إنما الأهم هو المضخات التي أكد الفنيّون أنها بحالة جيدة نسبياً، وإعادة تأهيل النبع يحتاج إلى أيام ليست بقليلة من الإصلاح، إذ خرج وزير الموارد المائية السوري إلى المكان لتفقد الأضرار مصطحباً معه لجنة وزارية ولجنة تابعة للمؤسسة العامة للموارد المائية، لتقييم الأضرار وما يلزم للإصلاح، عدد كبير من آليات المؤسسة دخلت البلدة باتجاه النبع، وشرعت عملها بحلول إسعافية لكل من ورش الكهرباء والماء، ريثما يتم الانتهاء من إعادة المنشأة إلى سابق عهدها.
وادي بردى الذي تحول من منطقة سياحية ومصيَف، إلى مرتع للمسلحين، تم تعطيل عمله بشكل كامل خلال تواجد المسلحين فيه، فتوقفت جميع منشآته السياحية من مطاعم ومصاطب حول النهر، حيث كانت مقصدا لسكان دمشق قبل الحرب المفروضة على البلاد، ويأمل سكانها بعد خروج مسلحيها بعودة الحياة مجدداً إلى سابق عهدها في رئة دمشق السياحية، وعينها الراوية للسكان مع عودة المياه الرقراقة إلى مجاريها.
المصدر: موقع المنار