“الالتزام بسيادة سورية ووحدتها وسلامة أراضيها” بهذه العبارة يتلخص مضمون المتفق عليه ضمن مخرجات صيغة استانا، بما يتوافق مع مقررات القانون الدولي حول السيادة ووحدة وسلامة أراضي أي دولة عضو في الأمم المتحدة.
ما حدث ويحدث في سوريا منذ أسبوع، يعدّ أكبر من خرق وأبعد من تجاوزات لمخرجات مسار سياسي دولي قطع (22) اجتماعا للوصول إلى مرحلة استقرار سوريا، بالتالي تحقيق الأمان والسلام لمواطنيها بعد أن عصفت بها الإرهاب من كل حدب وصوب على مدار عقد ونيّف من الزمن، وشكله حالة حرب استنزافت لكل مناحي الحياة، وذلك قبل استعادة الدولة السورية السيطرة على غالبية مساحة البلاد بطرد الإرهاب، وبعد ذلك فرض الهدوء نتيجة صيغة أستانا 2017، وما تحقق من تطورات في 2020.
ما حدث منذ أسبوع تماماً في شمال سورية، من دخول الإرهابيين بأعداد كبيرة بدعم لوجستي واضح من بعض الجهات الدولية والإقليمية، يعيد النظر مباشرة إلى مصطلحات وأسماء اتفاقيات تم تمزيقها وحرقها بنيران أسلحة التنظيمات الإرهابية في الشمال السوري، حيث انتشر على الإعلام مصطلح لاحق “سقوط مدينة حلب السورية بأيدي الإرهاب” وسط محاولات تلك التنظيمات التوغل إلى مناطق جديدة بالتزامن مع مواجهات مع الجيش السوري.
صيغة أستانا وخفض التصعيد
يشرح د. محمد خير العكام وهو أستاذ القانون في جامعة دمشق، المضمون العام من اتفاق استانا، خلال حديث لموقع قناة المنار، ويبدأ باتفاقات خفض التصعيد الناتجة عن منصة أستانا، مشيراً إلى أن الهدف منها التأثير على السلوك التركي “فبدل من أن يكون داعماً للإرهاب، يكون ضابطاً له”. وعلى إثره تم تحديد أربع مناطق لخفض التصعيد، تم إنهاء الإرهاب في ثلاث مناطق منها عبر المصالحات وهي في درعا والقنيطرة ريف حمص، حيث تم إخراج قسم من الإرهابيين إلى إدلب وفق الاتفاق في استانا.
في عام 2020 تقدم الجيش السوري لتحرير واستعادة السيطرة على إدلب، وإنهاء الإرهاب فيها، وهنا يشير العكام إلى أن تركيا سارعت إلى عقد جولات واتفاقات مع روسيا، وهنا كان من المفترض عند الجانب الروسي تغيّر السلوك التركي بما يخص دعم الارهابيين، وتم على ضوء ذلك إخلاء التركي لبعض نقاط المراقبة والبقاء في قسم آخر ضمن الأراضي السورية، وبقي لهم نقاط.
ماذا جرى في الأيام الأخيرة وأين الدور التركي
يقول د. العكام إن الجانب التركي ما يزال مصراً على استخدام الإرهابيين ويتحدث سريعاً عن الاستعداد المسبق والتعامل مع الأوكرانيين في غرفة عمليات مشتركة وما آلت إليه الأمور، وهنا اعتبرت كل من روسيا وإيران وهما الضامنتان مع التركي لاتفاق خفض التصعيد بأن الأخير وجه لهما طعنة وهنا يتابع في شرح الصورة عبر قراءة سياسية وقانونية للمشهد الأخير.
يعيد العكام الربط بين مصالح عدة جهات من هذا التحرك الإرهابي الجديد، حيث يرى التقاءً في الأهداف المصالح بين تركيا والكيان الصهيوني وأميركا وأوكرانيا فشكلوا غرفة عمليات قادة، وكل هذه المعطيات إضافة لما يتم الحديث عنه من تشكيل غرفة عمليات مشتركة، يحتّم تشدداً أكثر من قبل سورية وروسيا وإيران في التعامل مع الجانب التركي، بعد ما تبين من دعم مباشر تركي للإرهابيين حسب رؤية ضيف الموقع.
أستانا في اجتماع جديد طارئ دعت إليه إيران وروسيا
تدور فكرة مهمة بعد آخر التطورات، أنه من الطبيعي التوصل إلى اتفاق جديد أو على الأقل تفعيل اتفاق خفض التصعيد المعمول به قبل الهجمة الإرهابية الواسعة خلال الأيام الماضية والتي أتت على حلب وحماة، وهنا السؤال المنطقي الذي يشغل بال الجميع حول ما سيتمخض عن الاجتماع في الأيام القليلة الماضية، بأنه هل سيتم إعادة الإتفاق والعودة إلى المناطق التي كانت قبل تاريخ الأول من الشهر الحالي، أي قبل بدء المعركة الحالية والهجوم الإرهابي من حيث انطلقوا؟.
وهذا طبعا في حال حدث يحتم انسحاب من كامل المساحات التي استولى عليها الإرهابيون أو أنه سييتم تطبيق ما نتج عن خريطة السيطرة الجديدة، والأبرز في حديث الدكتور محمد خير عكام يأتي في سياق ما سيكون عليه السلوك التركي من مراوغة، وهنا يشرح بتوسع انطلاقاً مما ستؤول إليه الأمور مستقبلاً.
تفاصيل من مخرجات أستانا وكيف يمكن التعامل معها بعد التطورات الأخيرة
الحوار هو من أهم ما تضمنته منصة أستانا بعد اجتماعاتها العديدة، وحتى يكون الحوار منطقياً يجب أن يكون مقابل القيادة الحاكمة في البلاد معارضة سياسية مجردة عن السلاح، لكن الأوضاع في سورية أبعد ما يكون عمّا هو في العرف الدولي، حيث هناك من يحمل السلاح للقضاء على نظام سياسي في دولة بصورة غير قانونية، وبطريقة مخالف لقواعد القانون الدولي والقوانين الوطنية، بالتالي لا وجود لمصطلح “معارضة مسلحة” كما شرح الدكتور عكام في حديثه لموقع المنار.
في سوريا حتى 2016 فشلت أميركا في فصل المعارضة المعتدلة عن المعارضة غير المعتدلة حسب ما أعلنه وزير خارجيتها بعد جولات مكوكية مع نظيره الروسي. وبالتالي حاولت الطرف الأميركي آنذاك المراوغة في تحقيق الالتزامات بقرارات مجلس الأمن الدولي بمحاربة الإرهاب سواء وفق القرارت 1373 وحتى في القرار 2245 الذي تحدث صراحة داعش والنصرة والتنظيمات المرتطبة بهما.
الجديد او المتجدد اليوم بعد سنوات من دخول اتفاق “خفض التصعيد” حيز التنفيذ في الشمال السوري، بعد انحسار خريطة الحرب هناك، ان غالبية الدول التي كانت تدعم الإرهاب في السنوات الماضية تحت مسمى “المعارضة السورية”، تنفض يدها اليوم من سلوك “هيئة تحرير الشام” – جبهة النصرة”، وهذا ما حصل بعد اتفاق وتفاهمات بين تلك الجماعات، وهذا واضح من تعليق الأمريكيين وسكوت الأتراك.
وفي سياق مسار استانا، يدور الحديث حول لجنة “إعادة صياغة الدستور”، والذي من المفترض أن تشارك فيه “المعارضة السورية”، لكن هذا الموضوع دونه عقبات جديدة، مع تأييد ما يسمى “المعارضة في الخارج”، لما تقدم عليه الجماعات المسلحة اليوم من هجمات وتغيير في الخارطة العسكرية. وتحدث الدكتور عكام وهو أحد المشاركين في اعادة صياغة الدستور، عن مآلات هذه الأحداث الأخيرة، وتأثيراتها على مسار الحل السياسي.
وتستمر المعارك في سورية بين الجيش السوري والتنظيمات الإرهابية، التي يقودها “أبو محمد الجولاني”، وكل هذا يجعل المشهد محط ترقب، لما ستؤول إليه الأمور، بما خص اجتماعات الدول الضامنة لاتفاق خفض التصعيد.
المصدر: موقع المنار