ينظر المزارع الفلسطيني غازي حجازي (54 عاماً)، بحسرة إلى حقله المزروع بأنواع الخضار المختلفة، بعدما كان يكتسي، في مثل هذا الموسم من كلّ عام، بـ«سجادة» كاملة من الأزهار المختلفة الألوان والأنواع.
وقلّص حجازي قبل ثلاث سنوات، المساحة المزروعة بالأزهار داخل حقله الواقع في مدينة رفح، من 100 دونم إلى 10 دونمات فقط، إذ استغلّ المساحة المُتبقّية بزراعة الخضار.
ولجأ حجازي إلى تقليص مساحة الأراضي المزروعة بالزهور، نظراً للخسائر الفادحة التي يتكبّدها نتيجة شحّ المياه اللازمة لنمو الأزهار، إضافة إلى الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع.
وتحتاج مساحة 10 دونمات مزروعة بالزهور، ما يقارب 1200 متر مكعّب من المياه شهرياً، تكلّف حوالي 130 دولاراً.
وكانت المساحات المزروعة بالزهور في حقل حجازي، تشكّل عبئاً مادّياً عليه نظراً لقلّة الإقبال على شرائها، خلال السنوات الخمس الأخيرة، الأمر الذي دفعه لتحويلها إلى مساحة تُزرع بالخضار، الأقل تكلفة.
ويقول إنَّ «القيود المفروضة على تصدير الزهور إلى الخارج ومنعها تماماً قبل خمس سنوات، وقلّة الإقبال المحلّي على شرائها بسبب تردّي الوضع الاقتصادي، أسباب تضاف إلى سابقتها».
ويصف المزارع عمليّة تحويل حقله من سجادة مختلفة الألوان من الأزهار تبعث روائح تُنعش «الروح»، إلى سجادة خضراء، بـ «التحوّل الموجع».
ويضيف: «كان الحقل المزروع بالزهور يوفّر فرصة عمل لحوالي 100 شخص، لكن اليوم مع تقليص مساحات الأراضي المزروعة بالزهور، أغلقت أبواب الرزق لتلك العائلات».
وتكلّف عمليّة «تشتيل» الزهور بطرق محلية لتغطي مساحة دونم زراعي واحد، حوالي ألفي دولار، فيما تبلغ التكلفة السنوية لدونم الزهور الواحد، بما يحتاجه من سماد وعمّال وشتلات وأدوية وبقية التكاليف المختلفة، حوالي أربعة آلاف دولار.
وفي السياق ذاته، حوّل المزراع محمد حمّاد معظم مساحة أرضه الزراعيّة الواقعة جنوب قطاع غزة، من زراعة الزهور إلى زراعة أنواع مختلفة من الخضار كـ «البندورة، والفلفل، والباذنجان.
ويُكلّف الحقل المزروع بزهور «القرنفل»، البالغة مساحته دونمين زراعيين، ما يقارب 10 آلاف و500 دولار.
ويقول حماد: «سنوياً نتكبّد خسائر قد تصل إلى نصف التكلفة أو تزيد، وذلك لقلّة الإقبال على شراء الزهور، ناهيك عن الديون المتراكمة علينا بسبب دفعها لشراء شتلات زهور القرنفل من إسرائيل».
ويرجع حمّاد تقليص المساحات المزروعة بالزهور في حقله، قبل ثلاث سنوات، من 10 دونمات إلى دونمين اثنين، لشحّ المياه المتوفرة في القطاع وملوحتها، وللحصار الإسرائيلي الذي يمنع تصدير الزهور إلى الخارج.
وبحسب تقارير بحثيّة مختصّة، فإنَّ 95 في المئة من المياه الجوفيّة لغزّة غير صالحة للشرب، بسبب ملوحتها وانخفاض جودتها بسبب زيادة نسبة «الكلورايد» و«النترات» فيها.
وتسبب شُحُّ المياه في قطاع غزّة وزيادة نسبة ملوحتها، في تقليص المساحات المزروعة بالزهور من 950 دونماً زراعياً إلى 55 دونماً فقط، بحسب وزارة الزراعة الفلسطينيّة.
ويشير مدير عام التربة والريّ في وزارة الزراعة، نزار الوحيدي، إلى أنَّ «الزهور نبات يحتاج إلى مياه حلوة نسبياً، ولا تعتبر المياه التي تصل قطاع غزَّة بيئة مناسبة لنموّ الأزهار فيها».
وعدا ذلك، فإنَّ الزهور تعتبر نباتات «شرهة للمياه، إذ تحتاج الشتلة الواحدة حتّى تنمو، وتخرج من الدفيئة الزراعية حوالي 10 ليترات من المياه».
ويلفت إلى أنَّ الزهور من «المحاصيل التقليدية التي عرفت غزّة زراعتها العام 1967، بينما توسعت زراعتها آنذاك وضمت الجوري، والقرنفل، والسفندر».
وأوضح أنَّ مساحة الأراضي المزروعة بالزهور، بلغت العام 1967 حوالي 50 دونماً، لكنها توسّعت بشكل ملحوظ، إذ وصلت في العام 1994 إلى 950 دونماً.
لكن مع زيادة ملوحة المياه ونقصها، «انحسرت المساحة إلى 120 دونماً، في الفترة التي تلت العام 1994، حتّى وصلت العام 2013 إلى 30 دونماً. وفي 2014 تقلّصت إلى 6 دونمات فقط، لكنها عادت للتوسع في 2015 حتّى بلغت 55 دونماً.
وبدأ تصدير الزهور والورود، خاصة القرنفل، من قطاع غزّة إلى الأسواق الأوروبيّة، العام 2010 بدعم من الحكومة الهولندية.
وكان مزارعو قطاع غزة يصدّرون ما بين 4 و 5 ملايين زهرة سنوياً، بين العامين 2010 و2014.
المصدر: وكالة الاناضول